على مدار الساعة

إشكالية تعيين أعضاء المجلس الدستوري

28 سبتمبر, 2018 - 16:56
المحامي / محمد سيدي عبد الرحمن إبراهيم

يفترض أن لكل تشريع حكمة وأسباب عادة ما تكون موضوع ورقة - يقدمها القطاع المختص قبل المصادقة على مشروع التشريع - تبين الورقة أسباب الترتيب المقترح ومبرراته بهدف إقناع المصوتين بتمريره.

 

-1-

ويدرك المطلعون أن الشرح والتبرير تخلف في الاستفتاء الدستوري الأخير حيث استفتي الموريتانيون حول تعديل دستوري غامض لم تتح لأغلبهم فرصة مطالعة مشروعه ولم تقدمه السلطات بصورة كافية مما جعله ملتبسا حتى على المختصين "وما أبرئ نفسي".

 

ولهذه النواقص لم يتم حتى الآن، رغم مرور أكثر من سنة على الاستفتاء، نشر الدستور المحين مما يتطلب من الباحث بذل جهد للوقوف على المواد المعدلة والانتباه للمواد التي لم يشملها التعديل.

 

-2-

وفي وارد البحث لجأت اليوم (28 سبتمبر 2018) لموقع الوكالة الموريتانية للأنباء وعندما فتحت الدستور تفاجأت لأن المقتضيات الدستورية المنشورة، فيما يتعلق بالمجلس الدستوري، لم تأخذ في الحسبان التعديلات المنبثقة عن استفتاء 5 أغشت 2017 إذ لا تزال وكالة الأنباء الموريتانية "الرسمية" تعتبر أن عدد أعضاء المجلس الدستوري ستة (6) أعضاء مع أن عدد أعضائه بلغ تسعة (9) بموجب التعديل الأخير:

 

ومن المآخذ الكبرى التي اكتنفت التعديل الدستوري المنبثق عن استفتاء 5 أغشت 2017 أن السلطات لم تراجع الوثيقة الدستورية بصورة كاملة وإنما اكتفت بتحرير تسع مواد شاردة جعلت النص الدستوري ملتبسا أكثر من أي وقت مضى ولذلك فمن الوارد أن يطرح المختصون إشكالات أحدثها التعديل الدستوري الأخير أتوقع منها صعوبات تتعلق بتعيين أعضاء المجلس الدستوري.

 

-3-

بموجب القانون الاستفتائي الدستوري، المنبثق عن استفتاء 5 أغشت 2017، يعين الأعضاء التسعة للمجلس الدستوري لفترة انتداب تبلغ تسع سنوات (9) غير قابلة للتجديد ويتم تعيينهم كالتالي:

- يعين رئيس الجمهورية خمسة أعضاء أحدهم بناء على اقتراح من زعيم مؤسسة المعارضة الديمقراطية؛

- يعين الوزير الأول عضوا واحدا؛

- ويعين رئيس الجمعية الوطنية ثلاثة أعضاء اثنان منهم بناء على اقتراح من الحزبين الثاني والثالث بحسب التمثيل في البرلمان (هذا ما نصت عليه المادة 81 جديدة من الدستور، المدرجة تحت المادة الأولى من القانون الدستوري الاستفتائي 2017).

 

ولكن المادة التاسعة والأخيرة من القانون الدستوري الاستفتائي تعود لتقرر مقتضيات انتقالية مخالفة حيث تنص على أنه بعد انتخاب أعضاء الجمعية الوطنية، تجب إعادة تشكيل المجلس الدستوري كاملا، في أجل أقصاه ثلاثة أشهر طبقا لما نصت عليه المادة: 81 أعلاه.

 

والمفارقة أن الفقرة الثانية (من المادة 9 من القانون الدستوري الاستفتائي) تجيز للسلطات أن تعين من جديد أعضاء المجلس الدستوري الحالي دون اعتبار للفترة المنقضية من انتدابهم.. وهو ما يبرر طرح عدة تساؤلات:

ما هو مبرر المادة: 9 من القانون الدستوري الاستفتائي أصلا؟

وكيف سيتم توفيق مقتضياتها مع نص المادة: 81 جديدة من الدستور؟

وهل يجوز، بناء على المادة: 9 من القانون الدستوري الاستفتائي، مصادرة اقتراحات المعارضة فيما يتعلق بتعيين أعضاء المجلس الدستوري؟

وما هو مبرر الحظوة التي خص بها المجلس الدستوري في تشكيلته الحالية وسبب "أولوية الاكتتاب" Priorité d'embauche الممنوحة لأعضائه وإعادة حساب فترته انتدابهم للصفر؟

 

-4-

ربما تثار شبهات إذ من المحتمل أن تدعي المعارضة المعتدلة أن المزايا الممنوحة للأعضاء الحاليين للمجلس الدستوري اقترحت لقاء تسهيلات اكتنفت تمرير التعديلات الدستورية وغيرها من النصوص المعيبة.. وربما ذهب المتطرفون إلى أن إعادة عداد مأمورية أعضاء المجلس الدستوري للصفر نتاج صفقة ربما تطال المأمورية الثالثة التي لا يستبعدها البعض.

 

-5-

وسعيا للحفاظ على النظام الدستوري يتعين على رئيس الجمهورية (الذي سيقترح أربعة قضاة لعضوية المجلس الدستوري منهم رئيسه) وعلى الوزير الأول ورئيس الجمعية الوطنية وزعيم المعارضة الديمقراطية ورئيس حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل" الذين سيقترح كل واحد منهم عضوا وعلى رئيسة حزب الاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم UDP ورئيس حزب الكرامة (اللذين مثل كل منهما بستة برلمانيين مما يطرح إشكالا فيمن يحق له اقتراح عضو في المجلس الدستوري، ربما اتفقا عليه) يتعين على هؤلاء مراعاة المصلحة العليا للوطن والعمل على اقتراح أعضاء المجلس الدستوري على أساس معايير الكفاءة والنزاهة والاستقلالية إذ لا قائل بأن ينتمي قضاة المجلس الدستوري لأي حزب.