على مدار الساعة

من المسؤول عن هذا التخبط والفشل؟!

3 أكتوبر, 2018 - 13:20
محمد محفوظ أحمد ـ كاتب صحفي

على الدوام أعتبر أن الفضل الأكبر والحظ الأوفر لقناة "الجزيرة" من المهنية والمصداقية والمشاهدة، يرجع لسوء ورداءة نظيراتها العربية؛ تماما من باب "رعي الهشيم"!

 

وأما برنامج "الاتجاه المعاكس" فهو في نظري من البرامج "الصوتية" الفارغة المملة. ولم أكن أشاهده منذ أمد بعيد، وحتى حلقة الأمس التي أحمى أهلُ الفيسبوك وطيسَها، على العدوتين، لم أشاهد إلا بدايتها...

 

ولكن فيما شاهدت ساءني جدا غياب الطرف الآخر، وساءني وأغضبني أن يجد مقدم البرنامج هذه الفرصة السانحة للهجوم بقسوة وعنف على موريتانيا ورئيسها؛ حتى لو كان يقول فيهما الحق... فإن ذلك لا أحبه منه بهذه الطريقة المزدرية وعلى هذا المنبر الإعلامي المشهود.

 

ولكن إن رجعت لنفسي فمن هي الجهة المسؤولة عن هذه "السقطة" الإعلامية التي لا مبرر لها أصلا، وهل ستحاسَب تلك الجهة؟؟

 

لما ذا قبل النظام المشاركة في البرنامج؛ بل وأوفد مسؤولا حكوميا ساميا فيه إلى بلد قطع علاقاته الديبلوماسية معه قطعا؟

 

لا بد أن سبب ذلك في غاية الأهمية؛ بل وراءه مصلحة كبرى تُحققها المشاركة الإعلامية؛ ومن ثم اختار شخصا مؤهلا مسؤولا، وكان بإمكانه أن يكتفي بأي خطيب إعلامي من الحزب أو من أنصاره للمشاركة في البرنامج.

 

ولكن السؤال الآن ليس هو: هل تحققت تلك المصلحة الهامة؛ بل هو كيف نتحمل هذه المفسدة الكبيرة التي حدثت، وكيف نواجه الضرر الإعلامي الذي سببه نكوص المسؤول الحكومي عن المشاركة، في اللحظة الأخيرة؛ تاركا فئته للسيوف المعادية، بعد أن طلب المنازلة؟!

 

ومن المرجح أن "التعليمات العليا" كانت هي السبب، ليس فقط لأن ذلك قيل وأشيع عبر البرنامج وخارجه، وإنما لأنه من المستبعد جدا أن يقدم المرشح الحكومي على هذه الخطوة الحمقاء من تلقاء نفسه... وقد سافر وأقام في "الدوحة" ـ التي ربما هي أبغض بقاع الأرض عنده شخصيا ـ وأعد عدته للبرنامج!

 

وإذا كانت الجهة العليا (الرئيس) هي من أعطى الأمر بالانسحاب في الوقت الحرج، ففي حكم المؤكد أنها لم تعط الأمر أصلا، وربما لم تعلم به، للمشاركة في البرنامج، أو المشاركة فيه بهذا المستوى الرسمي.

 

وهذه مشكلة أخرى أكبر!

 

الحاصل: أن هناك تخبطا في هذه الواقعة الإعلامية، يُظهر الحجم المروع للارتجال والفشل في مستويات رفيعة من جهاز الدولة الإداري والإعلامي بالخصوص.

 

والآن: كيف ستكون معالجة هذا الإخفاق والرد عليه؟!

 

لا نعرف رد "الجهات المعنية"، وقد يكون ـ كالعادة ـ لا رد!... صمت وتجاهل للموضوع برمته؛ مع توبيخ "داخلي" يبتلعه المسؤولون المنحوسون بمذلة وخنوع! وقد تكون هناك ردود مفاجئة تنتمي لذات الحماقات (إجراءات ضد القناة، أو ضد الطرف الآخر).

*

أما الردود المتتالية على مستوى الجمهور، في الشارع وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، فانقسمت إلى فريقين:

 

= فريق جاد، يرى أنه كان على السلطات مقاطعة البرنامج أصلا، أو أن تشارك فيه بعدما حضر ممثلها؛ على أي حال كان البرنامج، لأن حجة "التسجيل" ساقطة وغير مقنعة.

 

ويرى هؤلاء أن المهم الآن هو استغلال التجربة ووضع سياسة إعلامية واضحة ومنسقة؛ خاصة أن هذه ليست هي التجلي الوحيد للتخبط والفشل الإعلامي، الذي ظهر في محطات أخرى قريبة (مثل التناقض بين تصريحي وزير الشؤون الإسلامية والوزير الناطق باسم الحكومة).

 

= فريق ينطلق من رؤية المعارضة ويرى أن السلطات قد رَدَعت ممثلها خوفًا من خوض "المباراة"، لأنها ليس لديها ما تقدمه غير ما سيشهد عليها أكبر من شهادته لها.

 

= وهناك فريق ثالث أوسع انتشارا هو فريق أنصار وأعداء الطرف الوحيد المشارك في البرنامج (الإسلاميون). وهؤلاء يتكلمون أو يتخاصمون من منظوراتهم الخاصة ورؤاهم الأيديولوجية... مع أو ضد الدكتور الكنتي شخصيا، وكذلك مع أو ضد قناة "الجزيرة"...

 

والجميع قائمة قيامتهم على ضفتين: ضفة الارتياح والنصر بهزيمة الكنتي وهروبه "المعهود" في الوقت الحرج.

 

وضفة أخرى يتجاذبها الحزن والغضب من كيد ومؤامرة القناة القطرية وفيصلها، والاحتفاء والإشادة بانتصار الكنتي ونجاحه في فضح وتدمير ما تبقى من مصداقيةٍ لقناة "الفتنة والتحريض الإخوانية..."!!

*

الخلاصة: ما هو سبب هذه الضجة أصلا؟ وهل هي مقدمة للمزيد، أم ستسهم في إقناع السلطة العليا بخطورة هز المجتمع وإرباك سيره الضعيف بمثل تلك القرارات والإجراءات الظالمة ضد جزء منه ومن نخبته السياسية المعارضة بالطرق السلمية الشرعية، وضد مؤسساته العلمية المرخصة التي يحدب عليها وتلامس كيانه وتخدم مصالحه... خاصة أن أركانها في هذه المعركة العبثية التي اختلقتها، عاجزة عن بيان أسبابٍ واضحة أو تنسيق مبررات مقنعة...؟؟!