على مدار الساعة

للإصلاح كلمة: أقدمها في نظري ميزانا شرعيا للحالة الراهنة في الدولة

13 نوفمبر, 2018 - 18:55
بقلم الأستاذ / محمدو بن البار

كلمة الإصلاح دائما يؤرقها أنها في دولة إسلامية كلها، وشعبها أعطاه الله ذكاء خارقا يمكن أن يسمى به أيضا ثلاثة مليون عاقل، وقد خصه الله بأنه لم يتأثر بالمدينة التي دائما يتصف عقل إنسانها على ما أشرب في قلبه من خاصية تلك المدينة التي تربى في حاضنتها ـ فأكثر الدول الإسلامية لا يراعي جميع أفرادها هذه الأسلمة وما يترتب على خصوصيتها بعد الموت.

 

فمثلا هيئاتها العسكرية لا تفكر إلا في نطاقها العسكري وتأديته كما ينبغي طبقا لما هو مسجل في نظام التكوين، وكذلك جانبها السياسي فرجال السياسة فيها لا يفكرون إلا في أحداث السياسة وما يتطلب ذلك من التركيز على محدثاتها في العالم وتلك العلاقات التي تجمع الجميع دون الالتفات لما هو خاص بالمسلم السياسي ومخاطبته مباشرة من الإسلام في قوله تعالى {ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين} فبالرغم من وضوح معنى هذه الآية ترى مسلما يدفن رأسه في الرمال مثل النعامة ويقول الإسلام السياسي مستنكرا على المسلم أن يزاول من السياسة ما سوف يتلقي ثوابه ساعة موته {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة لا تخافوا ولا تحزنوا وابشرا بالجنة التي كنتم توعدون} الخ الآية هذه البشارة التي تكون ساعة الموت: فهل الاستقامة في قول السياسة وفعلها لا تتناولها الآية فإذا كانت لا تتناولها فهل يتناول السياسي قوله تعالى {الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة} الخ الآية وهل تتناوله آية أخري في قوله تعالى {وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق} فهل المعاهدات الدولية وهي أعلى المعاملة السياسية الدولية، وهنا هل إذا نقضنا العهد باستنصار إخوة لنا في الدين على من بيننا وبينهم ميثاق فهل سيعذب الله القائد الذي أمر بنقض الميثاق في هذه الصورة والأفراد الذين سمعوا أوامره المخالفة لأوامر الله، أو هذا سياسة لا تتدخل فيها عقوبة الله للإنسان الذي خلقه في أي صورة ما شاء ركبه.

 

هذا التحليل لجميع حركة المسلم ومسميات تلك الحركات لا يفهمها حق فهمها إلا كثير من الموريتانيين وقليل من الآخرين أي الدول الإسلامية الأخرى ولا سيما المشرق العربي.

 

فمصر والشام والعراق وجميع دول الخليج العربي قسمتهم تقسيما جذريا أبديا ببيئاتهم التي تربوا في أحضانها.

 

فمثلا مصر تمسك مسلموها بطبيعة عزم موسى على تأدية رسالة ربه الإسلامية بالرغم من النكبات باتخاذ العجل إلها وغيرها من طلب من آمن معه بجعل آلهة تعبد من دون الله ولكن الله جعله هو من أولى العزم من الرسل، أما حكامها فتمسكوا بطبيعة فرعون في القيادة {ما أراكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد} فنتيجة ذلك أنه استخف قومه فأطاعوه: ولكلِّ أتباعه.

 

أما الشام والعراق فقد أكسبتهم بيئتهم آثار القيادتين المسلمتين العظيمتين الأموية والعباسية بفهم للإسلام وهو تقريبا ما يقوم به بعض القيادات الإسلامية الآن وهو تسيير الحال العام للدولة على هوى القائد المستبد وترك الشعوب بينها وبين الله فيما وراء ذلك فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة، وهذا يشمل الجميع: القادة والشعب فتارة يدخل قائد في السلسلة التي يهديها الله إلى سلوك الطريق المستقيم وكذلك أفراد من الشعب يجعلهم الله مجددين للدين داخل ذلك الشعب بتوفيق من الله فخصوصية الله لبعض عباده تأتي للشخص وهو جالس بين عشرة من زملائه ولكن الخصوصية تذهب إليه هو وحده {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء} وفي آية أخري {يختص برحمته من يشاء والله واسع عليم}.

 

أما شعب الجزيرة العربية فإن الله أرسل ملائكة يحرسون الأماكن المقدسة بصفة عامة ولكن لا يحرسون قلب كل فرد أو قائد ساكن هناك فقوله تعالى {إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى} نزلت في مكة ولكن نزل بعدها مباشرة {إن إلى ربك الرجعى}.

 

فقادة كل من السعودية والإمارات الآن رفعوا نظر أفئدتهم إلى آفاق الدنيا كما هي يمشون فوق أرضها تحت إشارات خاطئة قلوب أهلها متحجرة ضيقة كأن صاحبها يصعد في السماء.

 

بمعنى أن الوسط الذي مدح الله به كثيرا من المدح لا يعرفون سلوكه مع مواطنيهم المعارض لأنه إما مقتول فعلا أو مقتول معنويا لا حراك له على الأرض لا قولا ولا فعلا.

 

ومن هنا تتضح طبيعة شعبنا نحن هنا في موريتانيا ولله الحمد قيادة وشعبا وسهولة قيادته على رؤسائه سواء كان موال أو معارض وإن أكبر مغالطة ديماغوجية هي قول القائل إن موريتانيا قد وصلتها حركة الربيع العربي وقضت عليها، فوقوف 50 شخصا مرة واحدة ليقول بعضهم روتينا "ارحل" لا تحرك إلا من كان متحركا فمعارضة شعبنا لا تعرف العنف ولله الحمد كما أن طبيعة أمنها منها فلا شهية لهم شخصيا في القمع لأجل القمع وهذا هو الحق وماذا بعد الحق إلا الضلال، فلولا وجود أشخاص في الموالاة لم يفتح الله عليهم في السياسة إلا باب الوشاية بين القائد والمعارضة لكانت السياسة الموريتانية بطرفيها مدرسة يحتذي بها في العالم الإسلامي الديمقراطي.

 

واستدلالا على هذه الفقرات الأخيرة فإن موريتانيا بعد استقلالها حكمها أربعة رجال واحد منهم مدني وقد ورث إدارتها من المستعمر ولكنه مارسها طبقا لأصل هذا الشعب الوديع فكان هو أكثر شعبية وعطفا وتواضعا (وهنا حكاية عنه صغيرة تدل على ذلك فقد تلقى له شابان قاضيان في ولاية من الولايات يرتديان بذلة عصرية وهما للشريعة الإسلامية فكان وزير العدل بجانبه فأمره أن يقول للشابين إنهما موريتانيين فليلبسا اللباس الموريتاني، وكانت كل سنواته القليلة إنجازات من الصفر).

 

أما الحرب في الصحراء فلم يتنبأ أي أحد أنها ستؤول إلى حرب أهلية بين الشناقطة فيما بينهم ولا استبعد أن إيقافها كان بأوامره هو على تلك الصورة التي وقع بها.

 

أما بعده من الرؤساء فإن المرحوم المصطفى كان حمامة مسجد ومجالسه بين أهل العبادة أما محمد خونه أطال الله عمره فإن فعله في التشريع الموريتاني الذي ما زلنا ولله الحمد ننعم به في كتابة جناية تشريعنا طبقا لأوامر الله في هذا الصدد.

 

فذلك يبين أنه يخاف من الله ويتذكر لقاءه بغض النظر عن ما يتقوله عليه من لا يرجون لقاء الله وقد سجل في سجله الأخروي خصلة من حق كل مسلم أن يتمناها بحمر النعم وهي أنه قال للعلماء الشرعين كل قانون كتبتموه أنه شرع الله في حكم هذا الشعب أوقع لكم عليه.

 

أما القائدان بعد ذلك وأطوي في قيادتهما القيادتين السريعتين أطال الله عمر من بقي منهما حيا ورحم الله برحمته الواسعة من رحل منهما عن هذه الدنيا.

 

فأقول إن الآخرين لا شك أنهما موريتانيين بمعنى يحملان أصالة شعبهما الموريتاني الشنقيطي لدماثة أخلاقهما وتسامحهما في أكثر الأحيان ولا سيما مع كثرة النشاط المعاكس الذي أحدثته الديمقراطية زمنهما ولكن يظهر أنهما يعطي لعسكريتهما الحق في التصرف فيما لم يصبرا عليه بالإضافة إلى أن ما معهم من الإسلام وفهمه بطبيعتهم الموريتانية جعلهم يستمعون أكثر لبطانتهم الإسلامية التي تقرأ لهم أفكارهم عن الإسلاميين الآخرين طبقا لتصورهم عنهم المبني على غير تبين من أمرهم وهذا التصور اكتسبه هذان الرئيسان من الخارج أو أتباعه في الداخل، وعلى كل حال فإن المسحة الإيمانية في الموريتانيين ما زال هؤلاء الرؤساء يتمسكان بها على بلوى أصابتهما مختلفة الحجم.

 

أما في المرحلة القادمة وهي بيت القصيد فأنا لا أعرف: هل الرئيس الحالي يخطط للبقاء أو الرحيل حتى يكون إما جارا للرئيس أو بعيدا منه وهذه الأخيرة مستبعدة جدا.

 

وعلى كل فهناك إشاعات أو إشارات إن تحققت فعلى الشعب جميعا مولاة ومعارضة، أولا: أن يطلبها من الله، وثانيا: أن يحمد الله عليها إن وقعت ألا وهي خلافة قائد الجيوش السابق لقائد المسيرة السابق. فالحكمة في القياد لا تتبع نوع البذلة ولكنها تتبع العدالة الطبيعية فيما بين الشخص والناس وما بينه وبين الله ولا يعرف كنهها إلا من لا تخفى عليه خافية.

 

فالرسول صلى الله عليه وسلم التفت إلى صحابي وقال له بحضرة من حضر: نعم العبد صهيبا لو لم يخف الله لم يعصه بمعنى الخلق الذي أعطاها الله له ما من طبيعة صاحبها أن يعصى الله ولو أمن من العذاب وهذا كما قلت سابقا، يختص برحمته من يشاء، ولا أزكي على الله أحد ا فربي أعلم بمن اتقى.

 

فالديمقراطية سماها أهل الدنيا لعبة وقبل ذلك سماها الله لعبة لأنها هي أخص فروع الدنيا والدنيا كلها سماها الله لعبة فالله يقول {اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو}.

 

وأحسن حالة القائد فيها أن لا يفعل في هذه اللعبة ظلما ولا اعتداء وأن يبتعد عن ذلك بعد المشرق من المغرب فالله قد وصف أوصافا على القائد أن يبتعد عن حاملها فقال {هماز مشاء بنميم مناع للخير معتد أثيم عتل} فهؤلاء هم هلكة القيادة في الآخرة وأنا لا أشك بأن ذلك القائد إذا من الله على موريتانيا به فسيبتعد عن أولئك ونقول عندئذ المثل الشعبي "رزنت كلها".

 

فبالرغم من أن يدي لم تصافحه أبدا إلا مرة واحدة في حفل هيئته مع تبادل ثلاث كلمات فقط إلا أنني في تلك النظرة والقراءة له من وراء ظهره يجعلني أسمح لنفسي أن أكتب ما كتبت لا أريد منه جزاء إلا من الله الذي قال لأيوب مباشرة {إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب}.

 

فقد حدثني أفراد الهيئة أنه مر عليهم مر الكرام بصفة الإفراد والجمع، فكذلك فإن هذا القائد إن قدر الله له هذه الخلافة فسيكون له أذن صماء عن قول بطانة السوء سواء كانت في الداخل أو الخارج وسوف يكون عنده قلب واع يميز به الحق من الباطل وسوف يجعل من معاملته للجميع ما يقمع به الموالي روتينيا ويرد به شراسة المعارض ظلما وعدوانا.

 

وفي الأخير إذا قدر الله هذه الأمنية فعلى هذا القائد أن يقرأ فحوى هذه الآيات القرآنية كلها، فالأكثر في القرآن أن لا يأتي بوعد إلا واتبعه بوعيد يرد صاحبه إلى العمل بالوعد وأكثر الناس يقف عند الوعد فالقرآن يقول: {أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله}؟، {أفمن يلقي في النار خير أمن يأتي آمنا يوم القيامة}؟، {أفمن كان ميتا فأحيناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها}؟.