كلمة الإصلاح لا تجد في نفسها صبرا عن التعليق في أي قضية يذكر فيها الدين ليقينها الراسخ أن هذه الدنيا جعلها الله معبرا فقط لحياة كل إنسان قبل أن يقف وحده أمام الله ليقول له {ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة} الخ الآية.
وبتلك المناسبة فقد قرأت في خطاب السيد الرئيس بمناسبة احتفال عيد الاستقلال 58 فقرات تتعلق بالدين، وفيها أنه وقف بحزم وثبات ضد استغلال الإسلام سياسيا لأغراض شخصية مشبوهة خدمة لتنظيمات دولية تثير الخراب والفوضى.
وقبل هذه الفقرات ذكر أنه عمل على نشر القيم الإسلامية النبيلة قيم التسامح والوسطية وبعد هذه الفقرات كلها ذكر أنه ثبت في وجه أولئك الذين يسعون إلى إثارة النعرات العرقية وبث التفرقة بنشر خطاب الكراهية والعنف، فعملنا (يقول الرئيس) على ترسيخ الوحدة الوطنية وتدعيم اللحمة الاجتماعية.
كل هذه الفقرات من خطاب الرئيس هي التي سوف أمسها مسا خفيفا أرجو أن يكون توضيحا لما سيبدأ فيه المسؤولون الحاليين والقادمون بعد هذا الاستقلال ليسبغ الله علينا بذلك نعمه ظاهرة وباطنة دنيا وأخرى.
وقبل مس هذه النقاط أهنئ السيد الرئيس والشعب الموريتاني بمناسبة عيد الاستقلال أعاده الله على هذه الأمة وهي في وصف تحمد الله على كثرة نعمائه عليها فيه وأخص السيد الرئيس بالتهنئة على ما جاء في خطابه وكذلك قدرة إدارته لموريتانيا في سنينه الماضية ولا سيما في ظروف حياة هذا المجتمع الطارئة، ولكن بالمناسبة أنبهه إلى أن الدولة أكثر انتفاعها بكثير برئاسته كدولة من الشعب برئاسته كشعب فقير لوقوفه بحزم وثبات ضد خفض الأسعار مدة رئاسته ولا سيما عند انخفاض ثمن البنزين.
أما ما يتعلق بنقاش الفقرات الأولى المتعلقة بالدين فأني أوضح أولا: أن الدين عندما يطلق ينصرف تلقائيا بالنسبة للمسلمين إلى الإسلام خاصة لأن الله حدد ذلك بنص كتابه العزيز فقال {إن الدين عند الله الإسلام} بتعريف الجزئين وحصر المسند وهو الدين في المسند إليه وهو الإسلام.
وبما أنني ولله الحمد في كلمتي الإصلاحية هذه دائما أسأل الله أن يجعل طبيعتي الدنيوية مثل طبيعة من اختارهم الله من خلقه في الآخرة في قوله تعالى {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين} بمعنى أنني دائما لا أكتب مواليا ولا معارضا لعدم الحقد ولله الحمد لأي أحد ولكني أكتب مسلما قذف الله في قلبي من الثبات على الوسطية الإسلامية ما قذف منفذا لأوامره فيها ما استطعت بإذن الله.
أما البداية فيقول السيد الرئيس إنه عمل على نشر القيم الإسلامية النبيلة قيم التسامح والوسطية فلا شك أن هذا الرئيس محمد بن عبد العزيز هو الذي أنشأ أدوات القيم الإسلامية وهي إذاعة القرآن الكريم وإذاعة المحظرة والجامعة الإسلامية الخ.
ولكن هل ما يطلبه الإسلام هو ما في القرآن نفسه أو هو نصه فقط وهنا أجيب بأنه لاشك أن وجود القرآن من أولى الأوليات في الإسلام لأن ملائكة العذاب يقولون للمعذبين {ألم ياتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا} أي بالقرآن وما جاء فيه، ففكرة إنشاء إذاعة القرآن وإذاعة المحظرة وغيرها لا شك أنه رصيد كبير ستجدونه في سجلكم بإذن الله تحسنه وتكثره نيتكم التي الله أعلم بها ونرجو من الله أن تكون صالحة وأن يكون الله قد أربا لكم نتيجتها حتى صارت مثل الجبال.
فتلك المنشأة التي تقرأ القرآن ليلا ونهارا ويستمع إليها كثير من المؤمنين ينتفعون بها حسب نياتهم ولكن في ذلك القرآن أوصاف المسلمين الصالحين للاجتماع بهم في الحياة الدنيا للمساعدة في الحياة الحسنة في الآخرة فهل رأيت تـلك الأوصاف في مساعديك.
فالإسلام لا تكيفه البشر ولكن الإسلام مكيف في القرآن فـقسمه إلى نوعين: نوع خاص بالشخص ونوع خاص بعلاقاته مع الآخرين لأجل التعاون على إصلاح الدنيا والآخرة، {وتعاونوا على البر والتقوى} الخ الآية.
فالنوع الخاص بالنفس هو الذي في القرآن أنه سوف تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون، وفيه أيضا {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا} هذه حالة كل شخص عادي.
أما من مكن الله له في الأرض فجعل عليه حملا آخر وهو قوله تعالى {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} فـ(الـ) في المعروف هنا و(الـ) في المنكر استغراقية لجميعهما.
فمجرد وجود إذاعة القرآن وما معها من المنشئات لا يفسر القيم الإسلامية النبيلة وقيم التسامح الوسطية فلا بد معه من البحث عن رجال ونساء يعرفون هذه القيم ويلتزمون بنشرها ويكون ذلك من طبيعتهم تلقائيا، لأن النصوص وحدها لا تكفي لتحقيق هذه الصفة الأسمى وهي الموجودة تحت قوله تعالى {يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين}.
أما فقرة وقوفكم بحزم في وجه المتاجرين بالدين المستغلين للإسلام سياسيا لأغراض شخصية فلم يظهر في الخطاب من هم هؤلاء التجار بالدين وكيف يبيعون ويشترون به لصالح تنظيم دولي لأغراض شخصية مشبوهة.
فالدين كما قلنا تقال للإسلام والإسلام حصر اتباعه في التقوى والتقوى فسره الله عدة مرات في القرآن فبعد أن عدد ما يحبه الإنسان في الدنيا وهو القناطير المقنطرة من الذهب والفضة الخ الآية أعقبها بقوله {قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار} إلى قوله {الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار} وقوله تعالى {ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيئين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى} الخ الآية وفيها {أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون}.
إذا كانت هذه الأوصاف متوفرة فيمن أنابوا عنك في نشر القيم الإسلامية وقيم التسامح والوسطية فأعلم أنكم ستجدون الموضوع واضحا أمام الله في كتابكم المقروء أمامه وأمام العالم.
أما كلمة الإسلام السياسي فهو وصف من الحركات والأفعال للإنسان انتزعه أهل الدنيا من الإسلام وأعطوه للسياسة ولم يبينوا ماذا تفعله به السياسة، إذا كانت تفعله بالقول فالله يقول {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} ويقول {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون} ويقول: {وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون} فمن المخاطب هنا؟
وإذا كانت تصدر بالأفعال فالله يقول {ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه} فكل من قول أو فعل هنا نكرة إذا كانت النكرة أصبحت غير عامة في جنسها فعلى أهل السياسة أن يخبروا أهل النحو والبلاغة في العربية بذلك.
أما قضية التجارة بالدين وخدمة منظمات دولية مشبوهة بذلك، فمع الأسف هذه عبارات أدخلها الرئيس في خطاب الاستقلال والأقوى أنه أملاها عليه شخص قادم من ليبيا 99% من ثقافته تنحصر في تتبع حياة حزب سمى نفسه في مصر بالإخوان المسلمين والحق أنه لا يعنينا نحن هنا في موريتانيا في أي شيء إلا أنه من شدة ما بث الله في صدر القادم من ليبيا من الكراهية له غاب عنه أن الإسلام جاء من عند الله دوليا فلم ينزل محليا ولا إقليميا لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزوله عليه لم يخرج الجزيرة العربية بل لم يتجاوز تبوك أول منطقة بين الحجاز والشام وعندما كان يساعد في حفر الخندق وأخذ المعول وضرب به الحجر أضاء الله له بتلك الضربة قصور قيصر وكسرى كل في مكانه فقال: "إن هذا الإسلام سيبلغ ما زوي له من الأرض في تلك الضربة" كما أن الله تبارك وتعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا} وكذلك {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}.
فإذا كانت منظمة تدعى الإسلام فلا بد أن تكون عالمية لأن الإسلام عالمي فمثلا جماعة التبليغ تقول إنها أصبحت في كل مدن العالم فهذا الوصف في الإسلام مدحا وليس عيبا.
ولكن الأخ القادم من ليبيا مع أنه يجد دائما من يخاصمه لنقله لكره للإخوان المسلمين في مصر إلى كل منطقة يظن أن إسلامها يشبه نظام ذلك الحزب فأنا أقول فقط للسيد الرئيس إن هذا الفهم للإسلام يعد مغالطة يجب التنبيه إليها فالعمل بالإسلام كما قلت سابقا منه ما هو خاص بالشخص نفسه وسيحاسبه عليه وبعضه مأمور بالتعاون معه عالميا وهو إدخال الإسلام في المجتمعات غير المسلمة في البلاد المسلمة وعلى رأس كل هذا إعانة الضعيف بكل وسيلة فإذا وجدت أي هيئة تجلب الأرزاق لمن يحتاج إليها بأي وسيلة مباحة في الإسلام فذلك ليس مطلوبا من المسلم فقط بل سوف يحاسب عليه إذا لم يفعله وقد أعطاه الله قوة على ذلك.
ومع أنني يعلم الله وهو الذي يعلم ما في الصدور أني لا قديما ولا حديثا لم أتعرف على أي هيئة خيرية باسمها ولا أسماء بعينهم يزاولون جلب المنفعة من أغنياء خارج موريتانيا لإنفاقها على ضعفاء موريتانيا ولكن في المقابل هل سمعت بذلك على العموم، فأقول: نعم لقد سمعت وآسف له أن أيام الرئيس معاوية كان هنا معهدا سعوديا يدرس كثيرا من العلم النافع وينفق المادة الكثيرة للشعب الموريتاني حتى إنه يقال أن كثيرا من القرى يأتيها من يحصي أيتامها وكل يتيم عنده راتب شهري يرسله أغنياء على يد أمناء في موريتانيا لتقسيمه على مستحقيه إلا أن معاوية ما تحرك بوش بضربه القاعدة له حتى وقف معاوية بحزم وثبات ليأخذ بقوته المادية الدنيوية "مسّاحة" لتجفيف كل من تقطر منه قطرة مساعدة لأولئك الضعفاء مع غلق المركز السعودي والجمعية الثقافية وكل ناطق وصامت يمت إلى منفعة ضعفاء الموريتانيين بصلة.
ومع الأسف فهذه التجارة بالدين التي كانت شخصية ومشبوهة وخدمة لتنظيمات دولية تنشر الخراب والدمار إذا كانت هذه الفقرات تعنى مسح ما كانت تقوم به هيئات خيرية على غرار ما كان في زمن معاوية ووقفتم أنتم أيضا بحزم وثبات على إيقاف كل تلك الأرزاق التي كانت تأتي لضعفاء موريتانيا عن طريق أيادي أمنتها الجهات التي كانت ترسل عن طريقها إلى الضعفاء في موريتانيا في هيئة جمعية المستـقبل مع إيقاف منح تلاميذ تكوين العلماء إلى آخر كل انتفاع الضعفاء من الخارج، إذا كانت تـلك الفقرات لا تعني إلا حرمان الفقراء الموريتانيين من ما يرسل لهم من طرف أغنياء الخارج فإن تلك الفقرات لو حذفت من الخطاب لظهر سليما من الملاحظات وانحصر في ما أديتم لموريتانيا من خدمة جليلة وعلى رأسها إنقاذكم لها من السقوط في الهاوية وإلى الأبد.
فإذا كان خطابكم يعنى حزبا خاصا فالأحزاب كلها لم يمسسها سوء وتزاول عملها حسب مقدرتها على ذلك، أما التفكير في تخريب البلاد ودمارها فأظن أن الفقرات التي جاء أنكم استطعتم أن تجنبوا أبناء هذا البلد بالانخراط في المنظمات التدميرية باسم الإسلام يكفي ذلك عن الفقرات الأخرى التي لم يظهر لعامة الناس تخريبها للبلد.
أما وقوفكم بثبات وحزم ضد أولئك الذين يسعون إلى إثارة النعرات فإنكم لم تقوموا بذلك إلا بعد أن بذروا كثيرا من الأحقاد العنصرية بين المواطنين حتى أصبحت إفرازاتها تدق أبواب المواطنين الآمنين في كل ليلة وفي جميع الأحياء مهددة بالقتل للمواطنين وذلك بإطلاقكم حرية التعبير الحلال والحرام في الإسلام وفي الدستور ومع ذلك لم تقم حملة أمنية مختلطة ومخصصة لإيقاف ذلك حتى لا يكون ساعة الفرح بالاستقلال في النعمة هي ساعة الخوف القاتل للمواطنين في أحياء العاصمة.
وعلى كل السيد الرئيس إنكم سوف تذهبون عن رئاستكم كما قلتم ولم ير المواطنون مستشارين لكم أمناء على الدين والدنيا يطمئن الموريتاني على أن استشارتهم تؤمن الحقيقة التي سوف تنشر أمام الله.
وفي الأخير فإني أخوف ما أخافه عليكم في الآخرة صحبة أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم داخل موريتانيا وخارجها وأتمنى لكم من الله رئاسة في الآخرة تتصل نعماؤها وبهجتها مع رئاسة الدنيا، ووقانا الله وإياكم من أخلاء السوء كما قال تعالى {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين}.