على مدار الساعة

للإصلاح كلمة تحمل أسئلة للدولة للإجابة عليها في الدنيا قبل الآخرة

14 ديسمبر, 2018 - 00:32
بقلم الأستاذ / محمدو بن البار

كلمة الإصلاح دائما تحاول أن تتماشى مع عنوانها ـ ولذا فالأكثر فيها أن تذكر المسلم في كتابتها بتـلك الحياة الطويلة القادمة لا محالة ـ ويشجعني على ذلك أن جميع الموريتانيين مسلمين ولله الحمد، والمسلم عندما تذكر له شيئا يتعلق بالإسلام وما يترتب عليه فيما يعـد الأكثر فيه أن يحد ذلك من انفعالاته كما قال تعالى {وإما ينزغـنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم} وكما قال ابن عباس: إذا سمعت القرآن يقول {يأيها الذين آمنوا} فالق لها سمعك فإما أن يكون خيرا يدعوك إليه وإما أن يكون شرا يحذرك منه.

 

وعليه فإنني عندما ألقيت نظرة عابرة على حياة هذا العالم الدنيوي الحاضر وجدته ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

- قسم يعيش ديمقراطية كاملة لا تنقصها عن الحياة السعيدة في الآخرة إلا عدم وجود الإيمان بالإسلام في بعضها ومع أن هذه هي أكبر مصيبة للإنسان غدا عند مستـقره الأخير فإنه في الدنيا يحظى بسعادتها ومن هذا القسم الأوربيون جميعا تقريبا وكثير من الدول الآسيوية ذات الكثافة السكانية مثـل: الهند وباكستان والشعوب شبه الصينية باستثناء الصين فيها ديمقراطية مفروضة بالدكتاتورية.

 

وزيادة في الإيضاح فإني أقول إن هذا القسم وهو قسم الديمقراطية المطلقة والديمقراطية المقيدة لا يملك فيها المسؤول ولو كان رئيسا إلا حسن تسيـيره لمسؤوليته وإلا يعزل عنها بدون أي مخلفات إلا إذا كانت عليه هو ضررها إذا كان أخطأ خطئا يستحق العقوبة.

 

- أما القسم الثاني فهو قسم الدكتاتورية المطلقة ومع الأسف فهي التي يدعى أهلها الإسلام ويمثـلها تمثيلا كاملا الدول العربية سواء منهم الملكية أو الديمقراطية الصورية بل أشد وأقسى من المملكة مثل: مصر، سوريا، العراق الخ.

 

فهذه دول المسؤولية فيها هي امتلاك الأخضر واليابس في الدولة والمسؤول فيها واحد لا يشاركه فيها إلا متمرد عليه في نظره ويطارده لقـتله نهائيا، وقـبل القدرة عليه يسود ملفه من التلفيقات، وجميع المسؤولين الآخرين في هذه الدول فهم تبع للمسؤول الأول واختصاصاتهم في موضوع مسؤولياتهم لا تقربهم زلفى عند المسؤول الأول ولا تعطيهم احتراما ولا أولوية عنده في رأيه في تسيير هذه المسؤولية طبقا لمعلوماته الخاصة بها.

 

هذا النوع من الدكتاتورية الموجود حالا مع الأسف في أغلب الأنظمة العربية المسلمة شعوبها هو الذي يعنى دائما الآيات القرآنية بوعيدها، {ولا تحسبن الله غافلا عن ما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار} إلى آخر الآية، وقوله {ولما جاءهم رسول مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون} وقوله تعالى {ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب} فالويل لمن تكلم أو اعترض تجاه المسؤول وهو في داخل البلد.

 

فمن نظر إلى عمل هؤلاء وفسادهم في الأرض فلا بد أن يتذكر قوله تعالى {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم} إلى آخر الآيات الكثيرة التي تنعتهم كل وقت وساعة بالصورة وهي مجسمة في التعبير القرآني.

 

- أما القسم الثالث: فلا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومنهم دولتنا ومثيلاتها من دول إفريقيا التي أخذت الديمقراطية المجتزأة أو الأصح المقسومة بين الديمقراطية والاستبداد، فالديمقراطية في حرية التعبير والاستبدادية في قضية التسيير.

 

فالمعلوم أننا نحن هنا جاءتنا الديمقراطية ونحن محكومين عسكريا ـ كما قد ذكرنا سابقا ـ جاءتنا من غير رغبة فيها لأن القيادة العسكرية والقيادة الديمقراطية متناقضتين إلا أن العسكريين مثـل غيرهم من البشر كما يقول تعالى {فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة} وفي آية أخرى {مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.

 

فعلى المتتبع لذلك أن يقارن بين المشير سوار الذهب والمشير السيسي، أحدهم أزال بعسكريته الدكتاتورية وأحدهم جاء بالدكتاتورية وعلى القارئ أن يرد كل صفة إلى الموصوف بها فإذا اشتبها عليه فلينظر أيهما قدم أمامه كثيرا من الأرواح البريئة فسيعرف الموصوف.

 

وعلى كل حال ونحن هنا في موريتانيا لا يشملنا مع كل أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة في نظرنا إلا حب المسؤولين التقليدي الذي يظنون أنهم سوف لا يسألون عنه في الآخرة، وهذه هي أكبر طامة على المسلم في الآخرة وهو نسيانها في التفكير في كل اعتقاد وكل عمل وكل علاقة كما قال تعالى {يعملون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافـلون}.

 

وبما أن هذه الكلمة الإصلاحية خاصة بنا فسنركز آخرها فيما هو خاص بنا كما هو عنوان أول هذه الكلمة عن الأسئلة في الدنيا.

 

فـنـقول إنه ما دمنا أخذنا بوصف من الديمقراطية وهو أسفلها وهو ديمقراطية القول فقط ونحن مسلمين وقد رأينا من أخذ بقمة الديمقراطية ورأينا تسيـيره وعلمنا أنه بذلك التسيـير الديمقراطي الواضح المتماشي بما يأمرنا به إسلامنا لنـنعم بالحياة السعيدة في الدنيا والآخرة فلماذا لا نعمل بأعلى الديمقراطية من أجل ذلك.

 

فمثلا لماذا يكون الرئيس أقرب عنده رئيس حزب الاتحاد من رئيس حزب قوى التقدم أو تواصل أليس الجميع أبناء وطن واحد أليس الجميع مثـقفا أليس الجميع عليه أن يخضع لما في الدستور من صلاحيات لكل أحد أو في القوانين الأخرى المصادق عليها من طرف المشرعين أو لم يسأل الرئيس عن الجميع في الآخرة على حد سواء لا موالاة ولا معارضة هناك.

 

فإذا كان تقريب رجال الاتحاد من أجل الجمهورية سببه أنهم يخضعون لكل التعليمات ولو خارج القانون فأولئك هم الأعداء حقا كما يقول تعالى {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين} وقد ظهر عدة مرات في أتباع الموالاة للدكتاتوريات معنى قوله تعالى {ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون}.

 

وعلى كل وباختصار فلماذا في الوطن الواحد موالاة ومعارضة ويا ليت كانت هذه المسميات مجرد تسميات لأن الواقع خلاف ذلك.

 

فاسم الموالاة مباح لمن اتصف به أن يتولى تسيير مؤسسات الدولة يفعل فيها ما يشاء ومن تسمى بالمعارضة فهو عدو داخلي فإذا حصل على أي شيء يعينه على حياته وليس ذلك مرورا على الدولة وأجهزتها فيعتبر ذلك خيانة أو تهربا من الضرائب أو بمساعدة أجنبي حتى أصبح ولا سيما في السنتين الماضيتين مطارد حتى ينضم إلى الدولة بما يملك من وسخ هذه الدنيا فأصبحوا يتسللون إلى الموالاة للمحافظة على أموالهم.

 

مع أن رجال المعارضة ما داموا داخل الدولة فلا يمكنهم عمل أي شيء يناقض القانون وكل ما يسمح به القانون فلماذا لا يسمح به لأبناء الدولة.

 

فمن تأمل في هذا النوع من التـقسيم لأبناء الدولة في تسيـير حياتها فلا يتبادر له إلا ما ذكر الله عن عمل الشياطين يقول تعالى {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون} حتى يقول المتجاوز في الدنيا لموالاته {يليت بيني وبـينك بعـد المشرقين فبيس القرين}.

 

ومن هنا فسوف لا نذكر المرض ونترك وصف الدواء بل إن الدواء: فبما نعتقد أن الجميع الآن ينـتـظر المفاجأة بذكر من يقدم للرئاسة فعلى الرئاسة الحالية أن تفاجئ الناس بالدعوة لحوار شامل يسوي فيه في الجلوس والنظرات والترحيب بين جميع من يقبل الحوار الموسع، وتطرح بين يديه ماضي موريتانيا ويقال فيه عفا الله عما سلف ليقولها من هو ما زال الآن في الحكم وأمامه عدة شهور لأن هذه الدنيا يستوي فيها من يموت غـدا ومن يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر فإذا فعل هذا فسوف يعيش في وطنه وبين أهله وذويه قرير العين مطمئن البال لا يخاف لومة لائم حتى ياتيه الوعد الذي لا مفر منه.

 

أما المستقبل فيناقش على ضوء الإسلام وليس معنى ذلك البحث عن تصور بناء دولة إسلامية لأن دول الإسلام الحالية ولا سيما العربية لا تقبل التفكير في بناء الدولة الإسلامية بل معناه أن ما في الإسلام وهو واضح لكل مكلف تقريبا في موريتانيا من المساواة والعدالة والكفاءة وعدم طلب الرفاهية الدنيوية في المسؤولية بل القيام بالعدل في تسييرها، فيبين هذا الوصف ويشاد به في طلب الخلف حتى إذا استوى المترشحون تجعل بينهم قرعة أيهم هو مرشح الشعب ليظهر للعالم أن الديمقراطية لا تتناقض مع إتباع أهل الإيمان لما يأمرهم به الإسلام إن كانوا مؤمنين من اختيار الأصلح لقيادة الشعب.

 

وأخيرا فإني أدرك جيدا أن هذا المقال وما يشبهه يعتبر في نظر الدولة ومن على شاكلتها من المفكرين الدنيويين نوع من هذيان قلم لا يعرف ما يكتب ولكن أقول أنا من جانبي مثالا أوضح من ذلك أركن إليه دائما وهو قوله تعالى على لسان مؤمن آل فرعون {فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد}.