على مدار الساعة

استفتاء جدير بالاعتبار 

19 ديسمبر, 2018 - 14:48
الشيخ سيد محمد بن محمد المختار

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،

وبعد،

فإنّ جولة في أرجاء الوطن، ولقاء بمختلف أصناف ساكنته لتجعل صاحبها  يلحظ – وبيسر – مدى اهتمام المواطنين بالجديد في قضية مركز تكوين العلماء ذي البعد الوطني، وإنّه ليدرك تعلّقهم بشأن فلسطين قضية الأمّة الكبرى، كما يُشاهد من القوم اهتمامهم ببعض الحوادث المستجدَّة عالميًّا.

 

ولئن نالت هذه القضايا ذلك الاهتمام فقد نالت القضية الخاصّة بمركز تكوين العلماء نصيبا أوفر,  وحظيت باهتمام بالغ , فأنّى اتجهت شرقا أو غربا أو شمالا أو جنوبا فإنك محاصر-  شئت أم أبيت - بأسئلة الناس عن المركز , وإنّ السائلين وهم يسألون حيارى ,  نواكس الأذقان ليحدوهم أملهم أن يفتح هذا الصرح العظيم ؛  ليرسلوا أبناءهم,  فينهلوا من معين علمه الذي لا ينضب حتّى  يضمنوا لهم مستقبلا آمنا بعيدا عن غوائل الغلوّ ومرديات التطرّف التي أضحت تغزو شباب الأمّة , وتجرف ناشئتها في مشارق الأرض ومغاربها؛ لتسلمها إلى هوًى من الشر سحيقة.

 

إنّ هذا الإجماع الوطني المترجم بالاهتمام البالغ بفتح المركز ليس حكرا على جهة دون أخرى ,  أو  فئة دون غيرها , ولا تعنى به العامّة وحدها , بل إسهام الخاصّة فيه من علماء ونخب أوضح  من نار على علم , وأجلى من شمس في رابعة النهار.

 

والمتابع لهذه القضية يستغرب - لا محالة - التفاف العلماء حولها , واتفاقهم بشأنها , وما الرسالة التي وقّعها أربعمائة عالم وإمام بهذا الشأن منّا ببعيد، وجه الاستغراب هنا هو ندرة هذا النوع من الاتفاق بين علماء البلد, والتناغم في الموضوع على حين كان الانقسام سيّد مواقفهم  في قضايا أخرى مرّ بها البلد من مثل موضوع  الاستعمار في عهد ما قبل الدولة الوطنية , وكموضوع  التطبيع في عهد النظام السابق , الذي  حُسِمَ – بفضل الله -  أمره في العهد الحالي  لصالح الرفض والقطع .

 

لقد انقسم العلماء حيال هذين الأمرين انقساما كبيرا  , وترجم هذا الانقسام في ترسانة من الفتاوى , والمؤلفات , وفي  إرشيف ضخم من الجدال الفقهي ,  وأودع في تراث ثرّ  من المقول الأدبي منظوما ومنثورا.

 

إننا حين نعود لقضية المركز وإغلاقه المفاجئ دون مسوّغ سنرى مدى اتفاق العلماء في البلد على إنكاره , ومدى سعيهم إلى المطالبة بالعدول عنه، فالأربعمائة عالم وإمام وشيخ محظرة الذين وقّعوا الرسالة أعلاه يضمُّون مختلف المدارس العلمية والفكرية والتربوية , وتمثل جهات الوطن كلّها, ورسالتهم هذه ستعدّ وثيقة تاريخية باعتبار نوع مُصْدِرِيها وعددهم و موضوعها, والموجّهة  إليه .

 

لقد عبّر هؤلاء العلماء عن أملهم أن يبادر فخامة الرئيس إلى التوجيه بإعادة فتح المركز وتمكينه من أداء رسالته النبيلة , ووقف الإجراءات الصادرة عن وزارة الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي بشأن هذا الصرح العظيم الذي هو معلمة محظرية عصرية تشكّل اليوم مفخرة البلاد,  وأملها الكبير في استعادة ريادتها في الإشعاع العلمي والدعوي عبر العالم, ويوم يتحقق هذا المطلب  يفرح مواطنو البلد بنصر الله المتجلّي في  الرجوع إلى الحقِّ وإعادة الحقوق، فـ"الرجوع إلى الحقِّ خيرٌ من التمادي في الباطل".

 

وإنّ من أهمّ ما بشّر به القائمون على شأن البلد ما حملته برامجهم المعلنة وتضمّنته خططهم المرسومة من العناية بالعمل الإسلامي الذي يمثّل مركز تكوين العلماء أهمّ ركيزة من ركائزه , وأعظم رافعة من روافعه , و هو ما يتطلّب - وبإلحاح – تصديقه عمليا بالتوجيه بالعودة الفورية عن قرار الإغلاق؛  لأنّ استمرار إغلاق المركز يمثّل تناقضا جليا بين البرنامج المعلن , وواقع التطبيق  وهو ما يعني –  عوذا بالله -  تناقضا بين القول والعمل نرجو سلامة  القائمين على الشأن من تبعاته المريرة , فقد قال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) الصفّ.

 

وإنّه لمن المشروع  - حسب تصوّري المتواضع -  أن  أتساءل في  نهاية السطور  : من المستفيد من هذا القرار ؟ وهل يُرْضَى لفخامة  الرئيس أن يفوته مكسب عظيم يتجلّى في  تلبية ما طالب به  علماء بلده ؟ و هل يقبل له أن لا ينال منقبة جليلة تتمثل في قبول الشفاعة من وجهائه ,  أرجو أن لا يفوته إدراك هذا النوع من المعالي,  و أن لا يحرم من كسب هذه المكارم التي يحرص الكبار على اهتبال فرصها , واقتناص سانحتها .

 

وكاتب السطور -  إذ يشارك في التنويه بالجهود المبذولة من العلماء والوجهاء وقادة الرأي من موالين ومعارضين -  لا يسعه إلا أن يلحق بهذا الركب المبارك ليرفع هو من جهته طلبه بإعادة فتح المركز, وبالرجوع عن قرار إغلاقه , يرفع طلبه هذا  تشبّها بالكرام في مساعيهم,  فتشبّهوا إن لم تكونوا مثلهم = إنّ التشبّه بالكرام فلاح , ويقدّمه حبّا لنهجهم في الحرص على  الخير للبلد ؛ فقد قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الرَّجُلُ يُحِبُّ القَوْم وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ؟ قَالَ: «المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ» رواه البخاري.

 

فقلت ادعي وأدعو إن أندى = لصوت أن ينادي داعيان

 

فكيف وقد دعا دعاة ونادى منادون ؟

 

 وأخيرا الخير أردت والإصلاح قصدت إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ .

 

وفّق الله الجميع لما فيه الخير والسعادة في الدنيا والأخرة.