على مدار الساعة

الرائد اسويدات بن وداد ذلك الجندي المجهول

22 يناير, 2019 - 23:58
اعزيزي ولد المامي

مرت قبل يومين، وفي 19 يناير ذكرى استشهاد صديق عزيز علي، أكن له تقديرا خاصا عرفته نبيل النفس صلب المواقف مستقيما شجاعا كريما وفيا.

 

بهذه المناسبة أردت أن أقدم للقارئ الكريم لمحة عن ذلك الرجل والقائد الفذ.

الرائد اسويدات ولد وداد

 

لقد ولد في أكجوجت سنة 1934 ودخل الجيش سنة 1952 ثم تلقى تكوينا عسكريا في فرنسا ليتخرج منها برتبة عريف.

 

واكب إرهاصات الاستقلال وتشكل طلائع الجيش الوطني فكان أول مظلي موريتاني على الإطلاق وأول قائد لوحدة مظلية ومؤسس قوات الصاعقة.

 

تدرج في الرتب العسكرية وعمل في بداية مشواره على الحدود المالية حيث كان يقارع قطاع الطرق والانفصاليين. ومع استتباب الأمن في تلك التخوم عين وهو برتبة ملازم سنة 1963 على حامية «اجريده» حيث قضى ثمان سنوات قائدا لها. ربط علاقة طيبة مع ساكنة الشاطئ عموما ومجموعة أهل بوحبين التندغيين على وجه الخصوص وكانت الوحدات الواقعة تحت إمرته توفر لساكنة المنطقة النقل المجاني والأمن والدواء وغير ذلك من الخدمات، وقد احتفظوا عنه بذكريات فريدة تدور كلها حول إنسانيته وتضحيته وبساطته.

 

كان من المهام الموكلة لتلك الحامية تأمين العاصمة وفي تلك الفترة كان المرحوم على موعد مع أول امتحان صعب.

 

ففي سنة 1966 تفجرت أحداث عرقية غير مسبوقة شكلت أول تهديد حقيقي لكيان الدولة والنظام. هنا تم استدعاء المرحوم اسويدات لإخماد نار الفتنة وتعامل مع الوضع بقدر كبير من المهنية والإخلاص والحزم وكانت النتيجة أن أعاد هو ورجاله الهدوء بعد أسبوعين من الاضطرابات والقلاقل.

 

لقد سير دوريات ميدانية كان هو شخصيا يتقدمها، كان يجوب الشوارع ويدخل البيوت ويتفقد الخسائر ويستقبل الشكاوى والإبلاغات ويتعقب المشاغبين ودعاة التفرقة من كافة الأطراف ودون تمييز.

 

كان يرهب ويتوعد دعاة الفتنة الذين ظل شبحه يطاردهم وكانوا يتوجسون خيفة منه ويخشون صولته، وكانت عبارة "جاكم اسويدات" على ألسنة الأطفال والمراهقين تعبيرا عن مدى الخوف الذي يثيره هو ورجاله في نفوسهم.

 

كانت نواكشوط تحت حظر التجوال في تلك الأيام الصعبة والتعليمات صارمة بإبقاء المنازل مغلقة. أتذكر أننا كنا نسكن في حي مدينة 3 غير بعيد من المستشفى الوطني ومرة تم طرق باب المنزل ولم نرد فإذا بعدة أشخاص يرتدون الزي العسكري يتسلقون السور ويقتحمون علينا المنزل.

 

أمعنت النظر فإذا باسويدات صحبة الضابطين ممي جارا وعالي جاه، كان ذلك فيما يبدو من أجل الاطمئنان على أحوالنا ثم انصرفوا في لمح البصر.

 

تألق اسمه وذاع صيته في الأوساط الشعبية بعد تلك الأحداث وكان موضع إشادات كثيرة كما حصل على التكريم والتهنئة من الرئيس المختار نفسه الذي قلده العديد من الأوسمة مثل وسام الشرف العسكري ووسام القيادة.

 

أتذكر أنه رحمه الله شديد الولاء والوفاء للرئيس المختار الذي يكن له احتراما كبيرا وكان ذلك الاحترام متبادلا. وقد خصه الرئيس المختار بشهادة خاصة وأثنى عليه في مذكراته.

 

في خضم أو بعد تلك الأحداث علم اسويدات بشيء ما يحاك ضد شخص الرئيس الذي كان في زيارة رسمية لجمهورية مالي وعلم أن طائرته على وشك الهبوط، فانطلق نحو المطار غير عابئ بالمراسيم وأصر على أن يقل الرئيس في سيارته العسكرية ويؤمنه ويوصله لمنزله بالقصر الرئاسي ولا مانع من أن يكون حدثه وهما في الطريق عن طبيعة المؤامرة.

 

وطبعا لم يعط المختار الحدث زخما كبيرا كعادته إلا أنه قام بعزل أشخاص نافذين في حكمه.

 

رغم أن علاقات اسويدات كانت ممتازة مع الرئيس المختار وقد حدثني عن ذلك مرارا إلا أن تلك العلاقة لم تكن بنفس مستوى الجودة مع مسؤولين كبار ا آخرين كانوا بطبيعة وظائفهم أقرب للرئيس منه.

 

وحدث أن حصلت تجاذبات وأن انحاز الرئيس المختار لرأي اسويدات في بعض الأمور على حساب مسؤولين ساميين وأثار ذلك بعض الحساسيات في حينه.

 

من ثقة القيادة به أن تم تعيينه وهو برتبة نقيب قائدا للحرس الوطني سنة 1971 خلفا للعقيد الشيخ ولد بيده الذي كان أول قائد وطني للحرس. وفور تعيينه في هذا المنصب شرع في استكمال إصلاحات قام بها سلفه وتوسيع نطاقها وحول الحرس إلى جهاز فعال ومنظم يضطلع بمهام إستراتيجية على عموم التراب الوطني وقد تمت ترقيته إلى رتبة رائد في شهر يناير 1975.

 

بعد أشهر من ترقيته تم تحويله فجأة إلى "النعمة" كوال مساعد ولم يكن يعرف دوافع هذا القرار المفاجئ والذي قد يفسر بمستوى من عدم الرضى عن أدائه. حدثني عن استغرابه للقرار قبل سفره لتسلم مهامه الجديدة ولم يستبعد وجود تصفية حسابات.

 

وكان يبرئ الرئيس المختار من أي مسؤولية عن ذلك. فقد كان المختار بالنسبة له فوق كل الشبهات. مع ذلك فقد تقبل الأمر بصدر رحب وسافر إلى الحوض الشرقي - الولاية الأولى كما يقولون إذ ذاك - وبدأ يتكيف مع الحياة الجديدة ويجرب تسيير المدنيين بعد العسكريين، مكث هناك زهاء سنة لم يأت خلالها إلى نواكشوط وكنا طيلة تلك الفترة على تواصل دائم.

 

ذات زوال وأنا عائد من العمل  في حدود الساعة الواحدة، فوجئت به يستقبلني عند باب المنزل في لكصر وبعد السلام سألته عن سبب قدومه هذا الذي لم يكن مبرمجا حسب علمي فأجابني بأن المسؤول ليس أعلم من السائل،

 

ذكر لي أن الوالي أطلعه على برقية عاجلة من وزارة الداخلية وصلت بالأمس القريب كان مضمونها أن لا يتأخر عن أول طائرة ورغم أنه لا يعرف السبب فكان يربط استدعاءه بالتطورات العسكرية المتسارعة على الحدود الشمالية الغربية التي كان يتابعها بحكم تخصصه.

 

للتذكير كانت بلادنا وبموجب اتفاقية تقاسم الصحراء مع المغرب قد استولت قبل شهور على إقليم وادي الذهب الذي يضم مقاطعات الداخلة والعركوب وتشلة وآوسرد، وبعيد تلك التطورات أعلنت البوليزاريو الحرب على البلاد التي لم تكن البلاد جاهزة للدفاع عن حوزتها كما هو معروف.

 

كانت وحدات الجبهة الشعبية المتمرسة تجول وتصول في لعبة كر وفر لتشن الهجمات على كافة المناطق. في هذا السياق  المشحون تم وعلى عجل استدعاء كافة الضباط المعارين للإدارة الإقليمية بما فيهم اسويدات إلى العاصمة.

 

كان قد تم استدعاء العقيد المصطفي ولد محمد السالك في نفس الظروف في فترة سابقة و لنفس الغرض، وسيذكر التاريخ أن المصطفى هو الذي قرر انطلاقا من مسؤولياته ومن وطنيته أن يحدث الرئيس المختار وبصراحة في اجتماع سينظم لاحقا بحضور وزير الدفاع الجديد محمذن ولد باباه وكبار الضباط عن صعوبة الظروف التي يقاتل فيها الجيش وعن ضرورة معالجتها.

 

وفي صباح اليوم الموالي ليوم لقدومه من مدينة النعمة التقى وزيري السيادة الداخلية والدفاع اللذين شرحا له أن البلاد دخلت فعلا في حرب وأنها باتت معرضة لعدوان مفروض من الخارج وأنه تم استدعاء القادة العسكريين الكبار من أجل أداء الواجب المتمثل في الدفاع عن حوزة الوطن وأخبروه بتعيينه حاكما لمقاطعة عين بن تيلي وقائدا لقاعدتها العسكرية وهو ما ينم عن مستوى الثقة الذي يحظى به.

 

تعتبر عين بن تيلي حساسة جدا فهي نقطة متقدمة على تماس مع العدو وتتطلب مستوى كبيرا من الكفاءة والتجربة والتضحية.

 

لم يبد طبعا أي اعتراض بل أكد استعداده لتلبية نداء الوطن في أي وقت وفي أي مكان وطلب من العتاد والجنود ما يمكنه من القيام بالمهام الجديدة على ما يرام في هذا الثغر القصي والمفتوح على العدو لكن ما باليد حيلة كما يقال.

 

تم توجيهه على عجل إلى القيادة العسكرية لنقاش تفاصيل مهامه الجديدة وشرع في بحث سبل توفير العدة والعتاد إلا أن المخازن كانت على ما يبدو فارغة.

 

لم تكن البلاد وقتها تتوفر سوى على بعض العتاد التقليدي الذي يشبه الخردة،.

 

انتقى من المتاح مائة وسبعين بندقية من نوع 36 وموزير ومدفعين من نوع 12 - 7 مستعملة كما اختار من قوائم الجيش مائة وستين جنديا كانوا قد تدربوا على يديه ويعرف فيهم الشجاعة والتضحية،

 

و كان ذلك كل ما أمكنه الحصول عليه.

 

أكمل استعداداته في الأيام الموالية ورتب أموره وبعث بجنوده وبعتاده في قافلة من الشاحنات  إلى ميدان المعركة في "عين بنتيل" وتوكل على الله واستقل طائرة عسكرية ليكون في استقبالهم.

 

التقينا للوداع وأوصيته بالحزم لما أعرف فيه من الاستعداد للبذل في ظل شح الوسائل الذي حدثني عنه.

 

كنت أعرف الرجل جيدا فهو ليس من ذلك النوع من القادة الذين يدفعون بجنودهم إلى المعركة ثم يتوارون خلفهم متخذين منهم دروعا للنجاة بأنفسهم.

 

كان يقول إن  القائد يجب أن يكون قدوة في الإقدام والشجاعة والصبر وأن يتحلى بكافة الصفات والقيم التي يسعى لأن تكون في مرؤوسيه من الجنود.

 

عندما ودعني أعرب لي عن امتعاضه من الارتجالية والإرباك اللذين يطبعان جل الاستعدادات للحرب حيث يبدو له بأن البلاد أخذت على غرة وأن القيادة لم تحسب للأمر حسابه ولا تعي ما سيترتب عليه من مخاطر تطال أمن البلاد واستقرار نظام الحكم بل واستقرار أنظمة قادمة.

 

ولكم أن تتصوروا كم كانت تنبؤاته واستقراءاته للأحداث صادقة فتداعيات تلك الحرب لا زالت حتى اليوم تلقي بظلالها على المشهد الوطني وذلك بعد أزيد من أربعة عقود.

 

حدثني عن سوء تقدير كبير سيكون له ما بعده بالنسبة للنظام بل للبلاد لكنه قال لي في نهاية المطاف أنا جندي والوقت الآن ليس للنقاش بل هو للتصدي للخطر المحدق أولا وبكل ما نملك وأخيرا أوصاني خيرا بأهله و ذويه،

 

أتذكر أن ذلك كان تحديدا في 15 دجمبر 1975.

 

بعد حوالي أسبوعين من مغادرته دخل علي الضابط سيد محمد ولد الصبار الذي جاء إلى نواكشوط في مهمة خاصة و ان من رجال ثقته.

كان قد حمله رسالة شفوية لي.

 

لفت انتباهي الإعياء البادي عليه وفاجأتني نحافته وشحوب سحنته هو الذي عرفته ضابطا قويا يتمتع بلياقة بدنية عالية كادت أن تكون مضرب مثل.

 

حدثني حول الشاي عن ظروف العسكريين الصعبة على جبهة القتال وعن البرنامج اليومي لقادة الحامية.

 

ذكر لي أن القادة يخرجون كل يوم قبيل الفجر في ثلاث سيارات استطلاع من نوع جيب يرصدون أخبار وتحركات العدو، تتوجه الأولى نحو الشمال والثانية نحو الشمال الشرقي والثالثة نحو الشمال الغربي.

 

وبعد قطع 160 كلم يتداعون إلى نقطة تلاق معروفة يقضون بها بقية يومهم ثم يقفلون راجعين نحو القرية في المساء على أمل الانطلاق مجددا في الغد الباكر .

 

تزامنت تلك الأيام مع تكثيف البوليساريو لهجماته على البلاد لتطال هذه المرة نقاطا عدة وتم تنفيذ هجوم مركز على لكويره الواقعة على مشارف انوذيبو واحتلت أجزاء منها وبذلك أصبحت العاصمة الاقتصادية تحت تهديد محقق فأوفد النظام المقدم حمود ولد الناجي إلى عين المكان لاستجلاء الأمر،

 

زار أيضا أحمد ولد محمد صالح وزير الدولة للسيادة الداخلية والرجل الثاني في النظام آنذاك مدينة نواذيبو لتقييم الوضع ويبدو أنهما خرجا بخلاصة مفادها أن الجيش يقاتل دون أسلحة ودون ذخيرة وأن المخازن فارغة.

 

كنت في تلك الفترة قد حصلت على ترخيص ببيع الأسلحة الخفيفة وبنادق الصيد وكان المسؤولون والأصدقاء والمهتمون بالمجال على علم بذلك.

 

اتصل على أحمد ولد محمد صالح ليلا وهو لا يزال في نواذيبو وطلب مني تسليم كل ما لدي من أسلحة وذخيرة وعلى وجه السرعة للجيش ووافقت طبعا،

 

وفي الصباح الموالي زارني في المكتب القائد المساعد للأركان القادم لتوه جوا من نواذيبو لهذا الغرض فيما يبدو وسلمته كل ما كان بحوزتي مقابل وصل بالتسلم.

 

بعد أيام قليلة، وفي 19 يناير 1976، شنت الجبهة سلسلة هجمات متزامنة على نقاط عدة في العمق الموريتاني بما فيها لكويرة أيضا وشملت هذه المرة كلا من إينال واتميمشات وعين بن تيلي، كان ذلك فيما يبدو تكتيكا لاستنزاف الجيش وأخذه على حين غرة.

 

كان الهجوم على العين مع ساعات الصباح الأولى وكان مباغتا ومكثفا وبأسلحة متطورة.

 

كان استهداف اسويدات بصفة خاصة واضحا بالنظر للعدة والعتاد اللذين زجت بهما الجبهة في تلك المعركة.

 

كان القائد اسويدات يستنفر جنوده وينظم دفاعاته ويصدر أوامره دون تغطية ولا حماية. وبينما هو كذلك إذ أصابته وبصفة مباشرة قذيفة وهو ينصب سلاحا ثقيلا كان بحوزته فتوفي على الفور. كانت الجبهة بتركيزها على اسويدات تستهدف أحد أبرز القادة الميدانيين وتضرب في نفس الوقت معنويات الضباط قبل الجنود وكان لها ما أرادت.

 

كانت الاتصالات مفتوحة بين الجبهات و كان وقع خبر استشهاده صدمة على معنويات القادة والجنود في ذلك اليوم وتكبد الجيش الوطني خسائر بالغة في الأرواح والمعدات.

 

الغريب أنه رغم صعوبة المواصلات والتكتم الذي يكتنف الأخبار العسكرية في مثل هذه الظروف فإن خبر استشهاده انتشر في العاصمة في حدود الساعة العاشرة ضحى والأغرب من ذلك أن المشاعر اتجاه هذا الحدث المؤلم كانت متباينة.

 

ففي حين عم الحزن الأغلبية العظمى من البيوت وخيم جو من الإحباط وعدم الفهم لفقدان هذا القائد على الخطوط الأمامية فإن أوساطا محسوبة على الجبهة لم تستطع إخفاء فرحتها واعتبرت استشهاده نصرا... فسبحان الله نعم كان الأمر كذلك وفي نواكشوط...

 

لا أخفي أنها كانت صدمة لى شخصيا، وبعد هول الصدمة ذهبت إلى منزل وزير السيادة الداخلية عند الساعة الواحدة زوالا على أحصل على معلومات أكثر تفصيلا عن الحادثة،

 

لقيت حرمه التي أجابتني أن الوزير ومنذ أن غادر للعمل لم يتصل وأنه لم يعد بعد.

 

غادرت على أمل العودة وعدت في حدود الخامسة عصرا ولم أجده أيضا وبينما أنا أهم بالانصراف إذا به يدخل علينا. بعد تغيير ملابسه طلب الشاي وجلسنا في الصالون وكان مشغول الذهن متعبا شيئا ما ولا يريد لذلك أن يظهر وسألته هل من تأكيد للإشاعات حول استشهاد اسويدات.

 

كان جوابه أنهم توصلوا بروايات متناقضة حول سلسلة الهجمات المنسقة الأخيرة وقد كلفه الرئيس بالبقاء بالمكتب والقيام بالاتصالات المطلوبة ومقارنة المعلومات الواردة حتى الانجلاء التام للحقيقة. لقد أكد لي الخبر المؤلم  وكانت بيده نسخة من البرقية الناعية للمرحوم.

 

وأتذكر أنه قال إن أكثر المعلومات التي توصلوا بها مصداقية ودقة كانت تلك التي قدمها كل من فياه ولد المعيوف ومحمد خون ولد هيداله كما أتذكر أنه أثناء حديثنا تطرق لشائعات أثيرت حول محمد خون ولد هيداله قائلا إنها تلفيقات غير مؤسسة وتحامل مغرض على ذلك الضابط.

 

لقد أشاد أثناء تلك الجلسة بصفة خاصة بالأداء العسكري لذينك الضابطين خلال تلك الهجمة وبسالتهما في التصدي للعدو وذكر لي أن المعلومات التي بحوزته تشير إلى أن بعض القادة الميدانيين تراجعوا أمام العدو وتخلوا وسلموا مواقعهم لكن ذلك حديث آخر...

 

بعد التأكد من الأمر سألته عما يمكن القيام به لنقل جثمانه إلى نواكشوط فاتصل على الفور بوزير الدفاع عبد الله ولد اباه الذي ذكر له أنه تم إرسال طائرة عسكرية في حدود السابعة مساء لذلك الغرض إلى عين المكان .

 

رجعت تلك الطائرة في منتصف الليل دون جلب جثمانه بسبب وضعية جسمه فالإصابة كانت مباشرة ولم يكن بد من دفنه في ساحة المعركة.

 

المرحوم اسويدات لم يكن تستهويه المادة كان زاهدا بسيطا وكانت متعته الحقيقية في تأدية واجبه وكان مؤمنا بوطنه تماما كما كان جل المسؤولين الكبار في ذلك العهد. كان كل ما يملكه هو منزل متواضع تقيم فيه أسرته الصغيرة التي كان هو السند الوحيد لها.

 

كنت أتصور أن الدولة ستعتني بأسرته وفاء لروحه وتقديرا للتضحيات التي قدمها فلم تقم بذلك، صحيح أنه تم إطلاق اسمه على أول دفعة ضباط تتخرج من المدرسة مختلفة الأسلحة بأطار بعد سنة من استشهاده، لكن ذلك بعيد من أن يكون كافيا.

 

انطلاقا من قيم الوفاء و الصداقة اتصلت بصديقيه المقدم أحمدو ولد عبد الله و"الشيخ بن خطاري" وقمنا بمبادرة لدعم الأسرة.

 

رحمه الله رحمة واسعة وجازاه عن وطنه خيرا وحشره مع الشهداء والصديقين وبارك في خلفه إنه سميع مجيب.