على مدار الساعة

مأمورياتكم انتهت.. فلترحلوا

16 فبراير, 2019 - 19:21
عبد الله ولد سيدينا

بعد حكمه لفرنسا في القرن السابع عشر وهو الحكم الذي استمر فعليا من عام 1662 إلى وفاته عام 1715 وخلال هذه الفترة كانت فرنسا تحت قبضة الملك القوي الذي حكمها بطريقته وسيطر على كل شيء فيها حتى قال مقولته الشهيرة "L’état, c’est moi" أي "أنا الدولة"، وقد حكم الويس 14 بطريقته الخاصة التي أصبحت مضربا للمثل في التسلط وإلغاء الآخر حيث ألغى رئاسة الوزراء وكرس كل السلطات لنفسه وطبق كل ما يراه هو وكل ما مالت له نفسه دون استشارة أحد أو الأخذ برأي غيره من عموم الفرنسيين، ويسمى هذا النوع في أدبيات أهل السياسة بالحكم المونوقراطي أو الحكم الفردي ومنه ما هو تقليدي وما هو حديث، التقليدي كالتي عاشته فرنسا في ظل الويس 14 ويعرف بالملكية المطلقة، أما المونوقراطية الحديثة والتي تعرف أيضا بالمونوقراطية الشعبية كالتي عاشتها إيطاليا موسوليني وألمانيا النازية، ويتجلى الحكم الفردي على العموم في اختزال الدولة ومؤسساتها في شخص الحاكم وجمع كل السلط في يده ليحكم بيد من حديد على شعب بأكمله دون وجود هيئات تشريعية أو رقابية ولا أي مؤسسات تشاركه السلطة ولو جزئيا وإن كانت الملكية الدستورية تمتاز بتأسيس الهيئات القانونية الموجهة للشعب لا الملك، على عكس الرئيس المستبد أو الدكتاتوري الذي قد يؤسس هيئات كثيرة قانونية ورقابية موجهة للشعب والحاكم معا لكنها شكلية ومهمتها أساسا ابتزاز كل من يخرج عن طاعته.

 

وفي عالمنا اليوم وفي ظل هذا العصر لا شك أن الملكية المطلقة والحكام المستبدين قد أصبحوا من الماضي نتيجة للتغييرات الكبيرة التي حدثت بدءا بالثورة الفرنسية نهاية القرن الثامن عشر مرورا بانتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية ودحر المعسكر النازي ثم تفكيك الاتحاد السوفيتي فيما بعد وسقوط جدار برلين والتراجع الكبير للشيوعية، إذا بعد هذه الأحداث أصبح العالم يعيش في أغلبه عصر الحرية والديمقراطية وقضى في معظمه على حكم الفرد لكن الاستبداد لم يختف بشكل نهائي بل ظهرت الدكتاتورية في بلدان كثيرة من العالم الثالث وهي ليست إلا شكلا من أشكال المونوقراطية الحديثة، وما زلت هذه الدكتاتوريات تعيش حتى اليوم في العديد من الدول وتحكم بطرق شتى ووسائل مختلفة، ومن ضمن هذه الدول موريتانيا التي تعيش نوعا من الدكتاتورية التي عششت فيها طويلا وصادرت حق الشعب في الاختيار وحالت بينه والحكم الديمقراطي ما قبل 2005، واستأنفت في ما بعد على يد الجنرال عزيز بعد انقلاب أغسطس 2008 الذي أطاح بأول حكم مدني منتخب وهو ما أحدث أزمة سياسية كادت أن تعصف بالبلد آنذاك وتجره إلى المجهول لولا حكمة بعض السياسيين والزعماء بالإضافة للرئيس الأسبق المنتخب الذين جنحوا للسلم مع الانقلابيين بشروط، مخافة على البلد وتجنبا للفوضى والدمار، وقبلوا خوض انتخابات رئاسية يترشح فيها زعيم الانقلاب آنذاك بعد أن خلع البزة العسكرية لكنه للأسف تلاعب باتفاق داكار واستطاع أن يستخدم في انتخابات 2009 كل وسائل الدولة وإمكانياتها من أجل ترجيح كفته.

 

الشعب الموريتاني ونتيجة لطبيعة ميوله الفطرية للسلم والمسالمة ابتلع كل ما جرى وحاول أن يغض الطرف كي لا يدخل البلد في أزمة لن يتضرر منها بالدرجة الأولى إلا المواطن البسيط، لم يترك الجنرال المنتخب حديثا منذ بداية حكمه إلى اليوم أي فرصة في تغيير معالم الدولة ومحاولة ربطها بشخصه، استبدل العملة وغير النشيد والعلم وخلق طبقة جديدة من رجال الأعمال متمثلة في فيل ولد اللهاه ومحمد زين العابدين ولد الشيخ وغيرهما وحاول تجديد الطبقة السياسية بالتضييق على المعارضة وتخوينها وإقصائها، ثم أعطى العنان لبعض مخبريه بتشكيل أحزاب وهيئات سياسية شكلية لكن الشعب لم يقتنع بها وركلها في آخر انتخابات، لقد جن جنون الجنرال منذ أن أطلق الشعب العفوي على العملة الجديدة عملة عزيز ثم شارع عزيز على شارع المقاومة، من هنا جاءته الفكرة الشيطانية التي تجسد روح الاستبداد وجنون العظمة لديه، بتغيير كل شيء ليرتبط باسمه ولم يكن تأسيسه لحزب الاتحاد إلا محاولة منه لمغازلة القوى الدولية واسترضاءها بالتظاهر وكـأنه رجل سياسة له حزب يدعمه وأغلبية تقف خلفه، لكن حزب الاتحاد لا يعتبر حزبا سياسيا لافتقاده لأهم سمات الحزب السياسي بل أقرب هو إلى تجمع لداعمي النظام من شيوخ قبائل وشباب عاطلين يبحثون عن التعيين وعدد من الشخصيات المتخصصة في ممارسة الكذب على الضعفاء في المدن والأرياف وإقناعهم بالدعم للنظام مقابل وعود كاذبة، كما حدث مع بداية كل مأمورية من مأموريات هذا النظام الذي نشر البؤس والإملاق بين الناس وفشل على أكثر من صعيد، لذلك لم تكد تنتهي مأموريته الثانية إلا وقد بلغ الكثير من الناس مرحلة اليأس لما عانوه من ترد في المعيشة وغلاء في الأسعار ونقص في الخدمات وانتشار الفقر والبطالة، الشباب بين مهاجر، ومشروع مهاجر سد عليه العجز باب السجن الكبير الذي حول إليه الجنرال البلاد طيلة فترة حكمه، الفقر تزايد بشكل غير مسبوق والأمية انتشرت أكثر والبطالة استفحلت، اقتصاد منهار والديون التي تأخذ الحكومة من حين لآخر على حساب أجيال المستقبل تسربت كلها ولم تصرف لما أخذت علنا من أجله، التعليم متدهور والصحة في أسوأ حالاتها، عاصمة ما زالت تأبى النهوض وترفض مسايرة غيرها من العواصم في مختلف العالم حتى اليوم لا توجد طرق عصرية في العاصمة ولا ساحات عمومية، تصوروا في هذا العصر عاصمة دولة ما زالت أغلب طرقها رملية وشوارعها مكانا لتجمع النفايات ومؤسسات الدولة وإداراتها تحتلها القمامة وتتآكل جدرانها بفعل القاذورات التي لا تجد من يهتم لإزاحتها رغم وجود ميزانيات هائلة مخصصة لهذه المؤسسات، مؤسسات الدولة بناؤها لا يخضع لمعيار عمراني معين يعكس هوية البلد ويعطي صورة إيجابية وانطباعا ولو يسيرا عن كوننا في دولة مؤسسات ولو شكليا فقط، بعد أن فقدنا الأمل في دولة مؤسسات حقيقية تعتمد العدالة الاجتماعية والمساواة، هذه الفوضى التي نعيش على كل الأصعدة؛ انتشار الفساد والرشوة وغياب العدالة واستغلال القضاء وتمييع قطاع الثقافة والإعلام وكل المجالات يعكس لا مبالاة هذا النظام بمفهوم الدولة وعدم احترامه لمن يحكهم.

 

خلف كل هذه الصورة القاتمة من الواقع الصعب والظروف المأساوية التي نعيشها والتي كان الجنرال السبب الرئيسي فيها يأتي متبخترا مع انتهاء مأموريتيه ليقدم لنا رفيقه الذي كان سندا له في كل ما اقترف وعونا له في كل ما ارتكب في حقنا وحق البلد وكأنه حقا هو الدولة وهو من عليه أن يختار لنا من يحكمنا بعده، الكثير منا يتساءل من خول له اختيار خليفة له؟ ومن أعطاه الحق في فرض رفيقه علينا بهذه السهولة؟ الإجابة لا يملكها إلا المتسائلون من صوت له ومن استكان لظلمه وسكت على فساده وتجاوز تسلطه وغض الطرف عن غيه وسوء حكمه؟ نحن من فعل ذلك وعلينا تحمل المسؤولية كاملة ومحاولة الوقوف في وجه الجنرالين معا، والتضحية من أجل منعهم من البقاء في الحكم وإخراجهم إلى حيث يجب أن يتواجدوا لا شك أن استمرارنا في السكوت على هذا الاستخلاف سيضاعف من مشاكلنا ومن مشاكل البلد والأخطر من كل ذلك أنهم يدركون أن الشعب ضدهم لكنه ضعيف ولا يجرؤ على مواجهتهم، هذه هي فلسفتهم وطريقة تفكيرهم التي يجب علينا أن نفندها بالخروج للشارع ورفض برامجهم الظالمة والتصدي لهذه القرارات الموغلة في الإذلال والديكتاتورية، هل يعقل أن بلدا بكامله بكل طوائفه بنخبه السياسية المختلفة وأحزاب معارضته ومستقليه لا يمكنهم التصدي لثلة من الجنرالات، الشعب بكامله يقف خلف كل من ينشد التغيير ومستعد للتضحية، عبر عن ذلك في امتناعه عن المشاركة في الاستفتاء الماضي على الدستور، الشعب في كل سانحة يعبر عن رفضه لهذه الشرذمة من العساكر الفاسدين، الشعب لا يريد من النخب والسياسيين إلا الوقوف في صفه وعدم الاستسلام، لا يمكن أبدا أن نخفق إذا اتحدنا بشكل جدي وخرجنا دفعة واحدة في فرض حاكم من خارج أسوار قيادة الأركان، حاكم مدني يعبر عن طموحات الشعب ويسوس الدولة بمنطق سياسي ديمقراطي بعيدا عن الديكتاتورية العسكرية وحكم الفرد.