على مدار الساعة

فرصة الخطاب.. نصف قطيعة

4 مارس, 2019 - 14:17
محمد عبد الله ولد لحبيب

لفتت انتباهي الهالة التي رافقت خطاب المرشح محمد ولد الغزواني، وردود الفعل الإيجابية التي قوبل بها على الفضاء الأزرق.

 

وللحقيقة فقد عذرت من رأوا في مقال "فرصة غزواني" تحيزا إلى فئته، لأني عندما رأيت بعض الأصدقاء يجهد في إبراز إيجابيات الخطاب تخيلت لوهلة أنهم يبحثون عن مقعد إلى جانب الرجل، ثم تذكرت نفسي وما كتبت، فعدلت عن ذلك الظن.

اللغة المفاجئة

كنت قد رأيت المرشح ولد الغزواني يلقي كلمة ولفت انتباهي إعرابه الكلمات، فلم أفاجأ، كما وقع لآخرين، بمستواه اللغوي، وقدرته على تهجي الكلمات بشكل صحيح.

 

وهي بالمناسبة ميزة في "عسكرنا السياسيين" فقط! وإلا فكل مواطن قرأ الأبجدية قادر على فك الحرف المشكل، المتدرب عليه.
 

لم يحمل الخطاب جديدا فيما يتعلق بالملفات الوطنية الكبرى؛ فكل مرشح سيتحدث عن المهمشين، وربما بالغ وقال إنه يسهر الليل بسبب التفكير في أوضاعهم! (لم أقل "يأرق بسببها" حتى لا تفاجأ جمعية الضاد بهذا المنشور، وتنشر بيانا تساندني فيه كمرشح لمنصب مدون في المنكب المنكوب!).

 

وكل مرشح سيتحدث عن توزيع الموجود من الثروة، و"الموجود من العدالة"، كما فعل الرجل القابع الآن في القصر انتظارا ليوم الرحيل. والذي يمكن استنتاجا أن يقال إنه لا معنى للوعد عنده! أو لا معنى للكلام أعلاه عنده.

 

هل كان المفاجَأون بذكر هموم الفئات المهمشة، أو التي تعرضت للتهميش في مرحلة من تاريخ البلد، يتوقعون أن يقول المرشح إن الأمور على ما يرام، وإن "شحم الكلى" هو الذي يدفع الناس إلى ادعاء التهميش؟

 

هل كانوا يتوقعون مثلا أن يقول المرشح إنه سيهتم بمصالح رجال الأعمال، والمهندسين والأطباء، وكبار الضباط، والطبقات المترفة، وأنه لا مكان للمهمشين في برنامجه؟

 

شيء طبيعي، لا صدقا، ولا كذبا، ولا نفاقا، ولا إيمانا، أن يقول المرشح، أي مرشح، إنه سيركز على الطبقات المسحوقة، وأن يعترف بوجود مشاكل سيقوم برنامجه على معالجتها. لا شيء يستدعي غير ذلك.

 

نصف القطيعة

الجديد الجدير بالاهتمام من زاوية السياسة هو أن الخطاب (والإعلان عموما) حمل نوعا من "القطيعة الهادئة" مع النظام الذي يترشح ولد الغزواني من صلبه. لم ترد إشارة إلى "استمرار النهج" ولا إلى "ترسيخ المنجزات" ولا "استكمال المسيرة".

 

ولم يحضر الرموز الذين يمثلون واجهة النظام السياسية الآن، بغض النظر عن مبررات الغياب اجتماعية، أو صحية، أو غضابية، أو ما شابه.

 

رصد كل المتابعين تقريبا أن الدعوة جاءت فردية باسم المرشح، وحملت ألوان علم الاستقلال فقط. ورصدوا غياب شخصيات مركزية في دعاية النظام عن واجهة اللجنة التي أعدت للحفل، وصولا إلى إدارة المنصة التي استقدم لها مناضل شاب من الخارج لم يضع قدما في السياسة المحلية منذ سنوات.

 

ورصد آخرون حديث المرشح بضمير المفرد "وللعهد عندي...".

 

رجال القطائع قلة عبر التاريخ، ولا أتوقع شخصيا أن المرشح محمد ولد الغزواني من ضمنهم؛ فما سيقع في حال فوزه، أقرب إلى تغيير في ظل الاستمرار، مع تحسينات تمليها ظروف المرحلة وفرصها، واستحقاقاتها، مع ذلك ستكون كبيرة ومهمة على كثير من الصعد، وأهمها التعاطي مع الملفات الاجتماعية والسياسية والحقوقية الداخلية.

 

أعتقد أن بعض الانفتاح الموزون سيطبعها سياسيا، وحقوقيا، وبعض التوزيع المحدود للثروة، وشيئا من المسؤولية في التعاطي مع المال العام.

 

فما الذي يفسر "نصف القطيعة" هذا؟ الجواب الدقيق عند واحد من اثنين؛ محمد ولد عبد العزيز، أو محمد ولد الغزواني.

 

ولأني لا أميل إلى التفسير التآمري للأحداث فإني أعتقد ببساطة أن "نصف القطيعة" هو الذي سيضمن للرئيس المرشح المرور بهدوء دون أن يكون معنيا بحمل أعباء الحقبة الماضية كلها، وهو شريك في أغلب أعمالها، سلبا وإيجابا.

 

الوصفة السحرية للانتقال من مرشح إلى رئيس بالنسبة لولد الغزواني هي أن يكون شريكا في الحكم طيلة العقد الماضي، لكنه لا يتحمل المسؤولية عن أفعال الحاكم. وهذه هي الصورة التي يقدم بها.

 

يحتاج أن يكون شريكا في الحكم لتطمئن القوى المتحكمة في المشهد (بما فيها عزيز وحاشيته) أنه ليس ثائرا، ولا حتى متبرئا من الإرث، وبالتالي فإن مصالحها في أمان. ويحتاج إلى تأكيد هذ الشراكة ليستحق دعم تلك القوى.

 

ويحتاج إلى أن يبرأ من رجس أوزار الحكم، حتى يمكن تسويقه من جديد، وحتى لا يكون للقول "هذا نسخة من عزيز" أي مستند من الناحية الموضوعية، أو على الأقل؛ معطى داعما من مسيرة الرجل تحت الأضواء.

 

لا ننسى أن ما ستسلط عليه الأضواء من مسيرة الرجل، أو ما يراد أن تسلط عليه الأضواء هو مرحلة الانسلاخ من إرث النسخة الأولى من نظام الثالث من أغسطس، وليس كل المسيرة، قبل الثالث من أغسطس وبعده.

 

المخرجون المهرة يعرفون كيف ومتى يسلطون الضوء على الخشبة، حتى يرى الجمهور ما يريدون، ومتى يسلطون الضوء على الجمهور حتى يستغرق في الضحك، دون أن يشعر بالخوف من العتمة.

 

ومن تأمل خشبة مسرح إعلان الترشح، وبطاقة الدعوة، والتوقيع الرنان "غزواني" رأى لمسة فنان مخرج.

ينطبق برنامج "نصف القطيعة" على الفقرة الثانية التي اهتم بها النقاد والمتابعون؛ تلك المتعلقة بتقييم أداء رؤساء البلد السابقين.(يجب ملاحظة أنها مقحمة، كأنها من خطاب رئيس، وليست من خطاب مرشح!).

 

في هذه الفقرة أخذ الرجل مسافة من كل الرؤساء بمن فيهم صديقه "الأخ الرئيس محمد ولد عبد العزيز"، ولكنه عاد وخص "الأخ الرئيس" بالرؤية الاستراتيجية والروح الوطنية، وخص العشرية العجفاء بثناء خاص، لا بد منه لـ"مرشح مستقل مدعوم من الأغلبية الحاكمة، ومن الرئيس، القوى الصلبة في الدولة". هذا هو غزواني بالضبط، وهكذا يحب أن يقدم.