على مدار الساعة

الزراعة بوابة إسرائيل لاختراق السنغال

27 فبراير, 2017 - 20:37
سيدي ولد عبد المالك - كاتب وباحث موريتاني متخصص في الشأن الإفريقي

قبل الأزمة الدبلوماسية التي تسببت في سحب اسرائيل لسفيرها من داكار على خلفية تقديم السنغال لمشروع قرار يتعلق بوقف الاستيطان يلاحظ المتابع للعلاقات السنغالية-الإسرائيلية  أن ملف الزراعة كان أحد الكلمات المفتاحية لهذه العلاقات. فإسرائيل تبنت سياسة كيدية جعلت الزراعة في صدراة تعاونها مع السنغال، وهي سياسة تطمح من خلالها؛ ليس فقط للتأثير في الاقتصاد السنغالي الذي تعتبر الزراعة أحد أركانه الرئيسة؛ و إنما أيضا لتحقيق اختراق للوسط الريفي في بلد يعتنق أزيد من 95% من سكانه الدين الإسلامي، و يعتبر الوسط  الريفي فيه أكثر محافظة من سكان المناطق الحضرية كما أن نسبة 70% من سكانه  يعتمدون على الأنشطة المرتبطة بالقطاعين الزراعي والرعوي.

 

فإسرائيل التي اعتمدت سياسة انفتاح جديد على افريقيا بعد عزلة وإهمال معا، أرادت أن تكون عودتها للقارة السمراء من جديد قائمة على أسس صلبة ومتينة،  لذا حصرت أدوات  اختراق إفريقيا في جوانب التعاون الأمني والعسكري  والاقتصادي، مركزة على الاقتصاد بوجه خاص بالنسبة للدول التي يصعب فيها تحقيق اختراق علي مستوى الشعوب والتي تكون في الغالب دولا ذات أغلبية مسلمة.

 

تركيز الإسرائليين علي الملف الزراعي في السنغال هو إذن سعي من إسرائيل  لاستهداف شريحة المزارعين السنغاليين ومحاولة لإيقاع الحكومة في شراك التطبيع المتقدم، كما يدخل في مسعى منافسة التدخل الإيراني بالسنغال في مجال الزراعة.

 

انتهازية ومنافسة

تزامن الاهتمام الإسرائيلي بالزراعة في السنغال مع بداية تدفق المال الخليجي على نظام الرئيس السابق عبد الله واد أثناء وبعد قمة منظمة المؤتمر الإسلامي التي احتضنتها دكار 2008، كما تزامن مع إعلان طهران لدعم الزراعة بالسنغال ومنحها أزيد من 1000 جرار لصالح القطاع الزراعي.

 

جاء التوجه الإسرائيلي مواكبا للسياسات الرسمية في المجال الزراعي،  حيث جعلت حكومة السنغال 2004  من  الزراعة إحدي أولوياتها الاقتصادية بإصدار قانون لاستصلاح القطاع الزراعي والرعوي، وإطلاق برنامج الهبة الكبري من أجل وفرة زراعية و غذائية 2008 ، والذي طمحت الحكومة السنغالية من خلاله لتحقيق اكتفاء ذاتي في المجالين الزراعي و الغذائي ووضع حد لعدم الاستقلالية الغذائية  وتشجع صغار المزارعين على تحسين محاصيلهم الزراعية، وذلك رغم التحديات التي تواجه القطاع الزراعي الذي يمتاز بالموسمية و بالارتباط بالتساقطات المطرية ويعتمد علي البني و الوسائل التقليدية. فإسرائيل كانت ترى أن الطموح السنغالي تعيقه الخبرة في مجال الري والتحكم في المياه وامتلاك الوسائل المتطورة لعصرنة النشاط الزراعي.

 

برامج و مشاريع

 قد وضعت إسرائيل برامج و سياسات زراعية تمثلت في مشروع مزرعة “كير مامورسار” ذات التمويل الإسرائيلي، ودعم مبادرات نسوية ناشطة في المجال الزراعي و توقيع اتفاق شراكة لنقل الخبرة في مجال دعم التدخل في مشاريع الري الصغرى، ويسعى الاتفاق لتعزيز البنى التحتية المائية وإنشاء السدود المقاومة للأملاح.

 

وفي ذات السياق، زار وزير الزراعة والتنمية الريفية الإسرائيلية السابق شالوم سمحون السنغال، متبجحا بنجاح تجربة بلاده في المجال الزراعي، وعارضا خدمات إسرائيل في هذا المجال. كما يرعى السفير الإسرائيلي الحالي بداكار آلي بن طورا بنفسه المشاريع الزراعية لإسرائيل في السنغال، بمواكبتها من مراحل التدشين إلى مختلف محطات المشروع، محيطا أنشطته هذه بزخم كبير في الإعلام الرسمي والخصوصي.

 

و لم يسلم حتى الحقل الديني من محاولات إسرائيل الرامية لتحقيق اختراق بالمجتمع السنغالي، وذلك بالتطبيع مع بعض الأئمة و تنظيم زيارة لهم لإسرائيل كانت مثار استياء كبير، وتنتهز سفارة تلأبيب فرص المواسم الدينية “لاستدرار تعاطف المسلمين” من خلال قيامها بأنشطة موجهة لهم كتوزيع الأضاحي وتنظيم الإفطارات الرمضانية لصالح الأئمة.

 

جهود ضائعة

مساعي إسرائيل  لاختراق المجتمع السنغالي ووجهت في السنوات الأخيرة برفض شعبي متنام ساهمت في تغذيته الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني التي كانت محل انكار وتنديد من طرف القوى الإسلامية والمدنية بالسنغال.

 

فقد شهدت شوارع دكار مسيرات رافضة للعدوان الإسرائيلي على غزة ومطالبة السلطات بقطع العلاقات مع تلأبيب. ومع تطور الوعي بأبعاد القضية الفلسطينية في السنوات الأخيرة تبلورت حركة مناهضة لإسرائيل بالسنغال، تمثلت في ميلاد بعض المبادرات الداعمة لفلسطين، من أبرزها التحالف الوطني لدعم القضية الفلسطينية، الذي تأسس قبل أربع سنوات ويضم جمعيات إسلامية ومدنية وشخصيات مستقلة.

 

و قد يُفسر تأثير هذا الحراك في الموقف الرسمي السنغالي الأخير، حين امتلكت دكار الشجاعة -وفى ظل التقاعس العربي عن نصرة فلسطين- و تقدمت  بمشروع القانون المجرم للاستيطان أمام مجلس الأمن الدولي. خطوة ذكية أرادت السنغال من خلالها تسجيل نقاط تعاطف داخلي وخارجي في حساب السياسة الخارجية، كما أنها تنسجم مع  موقعها كبلد يترأس لجنة ممارسة الحقوق الراسخة للشعب الفلسطيني على مستوى الأمم المتحدة منذ 1975.

 

نقلا عن: إسلام أون لاين