على مدار الساعة

نص خطاب زعيم المعارضة المنصرف

26 أبريل, 2019 - 14:03

السيد رئيس المجلس الدستوري الموقر ...
السادة أعضاء المجلس المحترمون 
 السيد الزعيم الرئيس للمعارضة الديمقراطية..
زملائي أعضاء مجلس الإشراف المنصرف...
 أيها الحضور الكريم... السلام عليكم ورحمة الله

قلت في هذا المكان قبل قرابة خمس سنوات من الآن إنني سأمارس الدور المنوط في التعليق على عمل السلطة التنفيذية؛ إشادة بما يستحق الإشادة، ونقدا لما يستحق النقد واستنكارا لما يستوجب الاستنكار، عملا بميزان العدل الذي عليه قامت السماوات والأرض..
وإنه من دواعي الأسف الكثيرة في ختام الخمس سنوات التي قضيتها في هذا الموقع أن أجد الحصيلة وقد غلب السلبي فيها على الإيجابي غلبة بينة، حتى لا يكاد يذكر إلا الإدانات، والاستنكارات..

 

لقد كانت خمس سنوات سجن فيها أبناء موريتانيا بغير وجه حق، وتعسفت فيها السلطات في استخدام القانون ضد أبناء البلد نتيجة آرائهم السياسية، واستهدفت فيها رموز الدولة طمسا وتغييرا، وسيرت الملفات الكبرى بطريقة أحادية ارتجالية، وانصب جهد كبير على إزاحة أي عائق دستوري، أو قانوني، أو مؤسسي أو عرفي، كان يمكن أن يقف في وجه رأي الفرد وسلطته وتدخله... 

وفي هذه السنوات العجاف نهب من مقدرات الدولة ما لم ينهب في أي فترة سابقة، واستشرى الفساد معلنا عن نفسه من خلال صفقات التراضي، والزبونية في التعيينات، وإفلاس الشركات المملوكة للدولة، وصفقات بيع المؤسسات الغامضة.. ويبدو للأسف أنها تتسارع مع نهاية المأمورية الحالية..

لقد أدت هذه السنوات إلى تفاقم الأوضاع المعيشية لفئام عريضة من الموريتانيين من ذوي الدخل المحدود، وتراكم أعباء الحياة على كواهل ذوي الدخل المحدود في طول البلاد وعرضها، ولا يبدو للأسف أن النظام بنسخته الحالية مستعد لمجرد سماع أصوات الصراخ التي تتعالى من جنبات الوطن معلنة.

لقد سعينا إلى جانب الشركاء من حزبي الوئام، والتحالف من أجل العدالة والديمقراطية/ حركة التجديد، إلى أن نجعل المؤسسة تقوم بالحد الأدنى الذي يبقيها قائمة بعد أن توصلنا إلى قناعة بأن العمل الذي كنا نطمح إليه من خلال المؤسسة يستحيل القيام به دون تعاون من السلطة التنفيذية..

لقد تسلمنا المؤسسة نتيجة انتخابات قاطعها طيف واسع من المعارضة الديمقراطية، وأدى إلى تحفظ ذلك الطيف على المؤسسة باعتبارها نتاج انتخابات لم يشارك فيها، ولا يعتبرها تعبيرا صادقا عن إرادة الشارع.. 

وفي ظل رفض السلطات التنفيذية تطبيق القانون فيما يتعلق بالتشاور مع المؤسسة، بدءا من الرئيس الذي أوقف اللقاءات الدورية المقررة بالقانون، وحاصرها ماليا وابروتوكوليا باتت المؤسسة بين معارضة لا تعتبرها ممثلا لها، وسلطة لا تريد التعاون معها.. وهو ما جعل هامش تحركها ضيقا إلى أبعد الحدود..

لقد رددنا على تصرف رئاسة الجمهورية برفض الحضور لبروتوكولي حتى لا تكون المؤسسة مجرد ديكور تتزين به السلطة التنفيذية أمام زوارها وإعلامها، وهو الموقف الذي أعلناه في بيان رسمي للرأي العام.. وواجهنا رفض المعارضة بالتواصل الدائم معها..

إن هذه الحصيلة السياسية غير المرضية، والتي لا تتحمل المؤسسة مسؤليتها، لا يمكن أن تحجب خمس سنوات من الأداء الفاعل على صعيد المواقف الواضحة القوية، والتعاطي الإعلامي السريع مع القضايا التي تهم المواطن في عيشه وأمنه، وحقوقه.

فأصدرت عشرات البيانات تعبر عن مواقفها المنددة بالكثير من سياسات النظام والمطالبة بإصلاح الكثير من الاختلالات في سياسات الحكومة وتوجهاتها، كما كانت انسجاما مع دورها الناقد للأداء الأوضاع المعيشية والاجتماعية للمواطنين.

 وقفت المؤسسة بقوة إلى جانب حماية حقوق المواطنين الأساسية، كانت مواقف الزعيم الرافضة للحوارات الأحادية والداعية بشكل متكرر إلى تنظيم حوار شامل، ووجهت المؤسسة عدة استفسارات لأعضاء في الحكومة حول بعض القضايا التي تمس حياة المواطن، والقضايا التي تشغل الرأي العام الوطني، إلا أن جميع هذه الاستفسارات لم تجد تجاوبا و لا تعاطيا من طرف الوزراء الذين تم توجيه استفسارات إليهم باستثناء رد واحد من طرف الوزير المنتدب للبيئة..

وفي هذا السياق تندرج مراسلتنا للوزارة الأولى بضرورة السماح لطواقم المؤسسة بالولوج للإدارات والوزارات بغية جمع المعلومات والاطلاع على الخدمات العمومية، غير أن الوزارة الأولى قابلت هذا الطلب بالرفض..

وكانت المؤسسة طيلة هذه السنوات قبلة للبعثات والوفود الدبلوماسية، ولرؤساء الأحزاب، والوفود السياسية التي زارت البلد في مناسبات مختلفة، كما كانت زيارات الزعيم، ورحلاته الخارجية ومراسلاته مناسبة لتعزيز المكانة الدبلوماسية للمؤسسة؛ تعريفا بظروف البلد، وإسهاما في رفع مكانته إقليما ودوليا...

وقد لعبت المؤسسة دور القوة الاقتراحية في مختلف القضايا؛ فكانت ندواتها السياسية وتقاريرها السنوية ومؤتمراتها الصحفية والتي عرفت مشاركة كوكبة من رؤساء الأحزاب وقادة الرأي.. خير دليل على ذلك 

أيها السادة والسيدات..
حرصت المؤسسة على إنفاذ القانون المنظم لها فيما يخص عملها ودورية اجتماعاتها، وما يلزم من اتخاذ مواقفها بالإجماع، ولكنها في ذات الوقت سعت إلى تطوير القانون وتحسينه، بما يضمن للمؤسسة القيام بدورها في العملية التنموية، ويبوئها مكنتها اللائقة ضمن فضاء المؤسسات الديمقراطية.. 

وفي هذا الصدد تقدمنا باقتراح مرسوم تطبيقي تضمن ما نراه ضروريا من مقترحات وأحكام تحسينية لمؤسسة يلقي عليها القانون مهام جسيمة في تطوير الحكامة السياسية..

لقد أنشئت مؤسسة المعارضة لتكون شريكا رسميا للمؤسسات التنفيذية في الرأي بشأن القضايا التي تهم المواطن، وإن المسؤولية تقتضي أن تحرص السلطات أحرص على قيام المؤسسة بالدور المنوط بها وتطويره، إن لم يكن من باب احترام القانون والمؤسسات فمن بابا مراعاة المصالح والتفكير في المستقبل؛ فمن هم في السلطة اليوم يمكن أن يكونوا غدا في مؤسسة المعارضة..

وقد وضعنا عدة توصيات في تقرير الأداء الذي سينشر على الموقع الرسمي للمؤسسة، وسيوزع على الصحافة، نراها ضرورية للنهوض بالمؤسسة، ولترشيد أداء النظام السياسي في العموم، نذكر منها هنا؛ ضرورة تخصيص ميزانية سنوية لا تقل عن واحد في الالف من الميزانية العامة، وتفعيل القانون المتعلق بلقاء التشاور الدوري بين زعيم المعارضة ورئيس الجمهورية، ورئاسة الحكومة.. إضافة إلى حق مساءلة الوزراء، والقدرة على الولوج إلى المعلومة، وإلغاء شرط الانتخاب في الزعيم الرئيس وأعضاء مجلس الاشراف وإبدالهم برؤساء التشكيلات المعارضة..

إنني أتمنى على السلطة القادمة أيا تكن هويتها أن تزيل التوتر بين الدولة والمواطن، وتعرف لمؤسسة المعارضة حقها، ومكانتها، وتعتبرها معينا، وناصحا أمينا، وشريكا شرعيا في تسيير شؤون البلد.

 كما أتمنى على المعارضة في المؤسسة، والتي يدعو وجود أغلب تشكيلاتها إلى التفاؤل،  أن تسعى إلى كسر حالة الجمود التي طبعت المشهد السياسي خلال الفترات الماضية، وأن تفتح صفحة جديدة.. فهذا الوطن يسع الجميع، وهو وطن للجميع...

 

أشكركم والسلام عليكم ورحمة الله