على مدار الساعة

مسيرة وطن وقضيته

28 أبريل, 2019 - 19:15
محمد عبد الله ولد لحبيب

الموريتانيون الذين سيتوافدون غدا إلى مسيرة الميثاق من أجل الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحراطين، يضعون ثقلا بالمعنى الإيجابي وطنيا وتاريخيا في ميزان أرجلهم.

 

نصف ساعة من المشي المتقطع سنويا، مع قليل من الهتاف، وقليل من الانتظار، شيء ضئيل في صناعة التاريخ، ومسارات القضايا الكبرى، ولكن الرمزية التي يحملها هذا التكاتف، والسير في طريق واحد، ومن كل الطيف ليست شيئا يسيرا في رأس المال الرمزي للقضايا الشائكة.

 

كثيرون من المشاركين غدا، كانوا مجرد مشاريع استعباديين، ومستعبدين (بفتح الباد وكسرها)، لولا أن قيض الله رجالا وقفوا في مواجهة التاريخ، وقرروا تصويب مساره باتجاه خيارات وإمكانات غير التي دأب على تبنيها في فيافي المنكب المستباح.

 

قضى المجاهد الوطني محمد سعيد ولد همدي نحبه وهو يقود دفة التاريخ باتجاه تصالح بورجوازيته العتيقة مع أنّات الضحايا الذين تأخر التاريخ في إنصافهم، وتأخر الأهل والجيران عن مواساتهم. رحمه الله، لقد رأي في الميثاق السد الذي بإمكانه تصريف مياه التاريخ، وسكبها في جداول العدالة والإنصاف. بذر البذرة إلى جانب الأخيار، وأسلم الروح وسلَّم الراية، رحمه الله. كان على قدر القضية، وعيا، وسلوكا، ومصداقية، وثقافة.

 

في ساعات العمل اليومي يداوم شيوخ لم يقبلوا التقاعد عن قضية العمر، وفي الميدان شيب وشباب استنهضهم النداء، وباتت العبودية ومخلفاتها قضية وطن بالنسبة لهم، وليست مجرد قضية وطنية.

 

إن قضية لحراطين، وقد تجاوزت مربع الاعتراف السياسي والحقوقي والمجتمعي، والرسمي، ليست مجرد قضية وطنية. إنها القضية الوطنية بالتعريف الحصري، وليس ثمة ما ينافسها من القضايا على هذا اللقب.

 

تتداخل في قضية لحراطين كل الأبعاد التي تجعلها القضية الوطنية، فتصحيح رؤيتنا للتاريخ سيسبق بتوحيد رؤيتنا من قضية الرق، وتعايشنا في الحاضر سيكون رهينا بحلها، كما اتخذ الميثاق شعارا بوعي لمسيرته السادسة، وبناء مستقبلنا كأمة سيكون ثمرة طبيعية لتصحيح النظرة للتاريخ، وتصحيح وضع الحاضر.

 

إن التاريخ اليوم يشبه نافذتين إحداهما يحس الملتفت من خلالها بلهيب لافح، فحين ينظر أبناء فئة لحراطين من نافذة التاريخ اليوم تطل عليهم الآهات بعذابات الآباء والأمهات.والثانية تطلق البرد والنسيم العليل في وجه المطل منها؛ فحين ينظر غيرهم من أبناء المجتمع يري أمجاد آباء وأمهات راسخة تبعث في نفسه الفخار، والتباهي.

 

إن صورة التاريخ هذه يجب أن تصحح بتلاحم وطني ينهي الإحساس بكل غبن.. يجب أن يدرس هذا التاريخ بهدوء، ويشرح من غير تشنج.. فهو أحداث حدثت في حيز زمني محدد، يمكن أن نوقفها في حيزها الزمني الماضي، ولو كان قريبا، ويمكن أن نتركها تفتك بنا.

 

إن تحويل المأساة إلى ذاكرة حية دافعة لبناء الحاضر والمستقبل، يحتاج جهدا أكبر مما يحتاجه تحويلها إلى طاقة هدامة تقضي على الحاضر، وتضع سدود الجراح والمآسي في طريق المستقبل. يحتاج الأول عملا دؤوبا، يدفعه إيمان صادق، ويحتاج الثاني لغط كلام، وقليلا من الصدق، وقليلا من التضحية.

 

لن يضر قضية لحراطين أن يقودها حقوقيون أو سياسيون أو رجال دولة، موالون أو معارضون، متطرفون أو معتدلون؛ فالقضايا الإنسانية الكبرى يمكن أن تنهض بأوطان من سباتها، ويمكن أن تغير واقع أمم، لأنها تحمل في طريق حلها حلولا لكثير من المشاكل الجزئية الصغيرة.

 

إن رهان حل قضية لحراطين، بعد أن تجاوزت قنطرة النقاش النظري، والقناعة لدى كل شرائح المجتمع وقواه الحية تقريبا، يكون على انتهاج تمييز إيجابي لصالح شريحة لحراطين على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

 

إن رؤية الميثاق القائمة على شراكة الجميع في حل المشكل ومعالجة آثاره، سواء من كان ضمن الفئة التي ينسب إلى ماضيها ممارسة الظلم، والفئة التي وقع على ماضيها الظلم، وما زال يقع، وتعاني آثاره، هي التي يمكن أن تشكل نواة لمشروع وطني يكافح الإنهاء المأساة وذيولها.

 

وقد جمعتني التجربة الحقوقية والإعلامية برئيس الميثاق الحالي العيد ولد محمدن، وأشهد أنه حريص على جمع الكلمة غير راغب في إيثار فئة من المجتمع على أخرى... إنه رئيس حقوقي غير باغٍ ولا عادٍ... ورن في إهابه لمشروع رجل وطني.

 

ومسؤلية النخب هي دعم القيادات المعتدلة، ذات المصداقية، القابلة بشيء من التصالح بين الماضي والحاضر، والمستعدة لجعل الجراح مصاعد للتغيير نحو الأفضل.