على مدار الساعة

أخيرا، كلمة وداع صادقة

31 يوليو, 2019 - 16:41
بقلم/ م. محفوظ بن أحمد

كثيرا ما وجهتُ النقد بصدق وصراحة للرئيس المنصرف ونظامه، ناصحا لا ناطحا.

 

ولأن الأمر ليس شخصيا ولا نقدا لشخصه الكريم ولا اقترابا من عرضه المصون... فلطالما عبرت عنه بـ"الرئيس" دون أن اذكر اسمه الشخصي. والآن وهو يخرج رسميا من السلطة، ويخلع اسمه العمومي (الرئيس) فسوف ادعوه باسمه الخاص بكل مودة.

*

أود في البداية أن أأكد أنني في كل ذلك كنت منطلقا من مبدأ حرية التعبير التي وفرها السيد الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وضمنها للجميع؛ فقد اعتبرتُ ذلك إذنا لي وترخيصا بتوجيه ما يليق من نقد سياساته العمومية وأداء حكومته الموقرة.

 

وهذه مناسبة أتوجه فيها بالشكر والامتنان والعرفان بالجميل لسيادته على تلك الحرية التي منحها للجميع، والتي كانت نعمة عظيمة؛ على الأقل للتنفيس عنا وعن نظامه أيضا...!

 

وإذ يودعنا فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز ويغادر المنصب بأريحية ظاهرة، فإنه من الإنصاف أن نعترف له في هذه اللحظة المناسبة بالكثير من الفضائل الشخصية والخصال الإيجابية (أقول: "الشخصية"):

 

فلقد كان عالي الوطنية، مخلصا لبلاده وشعبه، بغض النظر عما عرفنا وانتقدنا من قصور وتقصير نظامه.

 

فلا شك أنه ابتغى الخير لنا جميعا وللوطن؛ وكان يود لنا مزيد الرقي، وقد بذَل جهده مخلصا في سبيل ذلك؛ سواء كان نجح وأفلح في مسعاه أم لا.

**

تميز الرئيس محمد ولد عبد العزيز عن كل من سبقوه بطول النفَس وقوة التحمل في صبره على معارضيه ومنتقديه، وكان على الدوام عطوفا، طيبا، ميالا إلى العفو والرأفة، نافرا من العنف والقسوة... وهي ميزات إنسانية عظيمة في أي حاكم.

 

لقد تميزت سلطة ولد عبد العزيز باللين والمرونة في مواقف كثيرة، لاسيما حين يتعلق الأمر بالقضايا والإجراءات المثيرة للرأي العام (قوانين النقل ورفع أسعار التداوي... مثالا) سواء فُسر ذلك بالليونة والتجاوب، أو بالضعف والخشية...

***

ورغم تساهله، لدرجة التشجيع، في مظاهر التملق والهالة الديماغوجية البغيضة من حوله، كان واضحا أن ولد عبد العزيز، يدرك الأبعاد "النفاقية" لتلك المظاهر وينزع لاحتقار أصحابها، حتى لو استجاب لبعض أهدافهم وأطماعهم الأنانية.

 

وساعده في ذلك الطابع المتحفظ، وضعف ما يسمى "روح اتبيظين" في شخصيته الصارمة الجادة.

****

في مقابل ذلك تعرض الرئيس محمد ولد عبد العزيز، عند وبعد استيلائه على السلطة، لما يحمل الشجعان على الندم والهرب... من مشاكل حُكْم شعب متخلف، تشيب الولدان لتناقضاته وسوء طبائعه وصعوبة مراسه، ومرارة سياسته...

 

لقد حكم دولة تعاورها الانقلابيون، وغاصت في أوحال ثنائية الفقر والتخلف... وساسَ شعبا تتحكم القبلية والأنانية والفوضوية في خلايا أدمغته... شعبا لا يلتقي منه اثنان على قاعدة، ولا يثبت منه ثلاثة على أمر واحد... شعبا لا يعجبه شيء ولا يغضبه شيء؛ إن حَكمتَه باللين والكياسة استهانك و"دَفَرَكَ"، وإن سُستَه بالحزم والعدل تذمر وتمرد وضج بالشكوى و"لعياط"!

 

إنه أقسى الشعوب طباعا، كمناخ أرضه، وأكثرهم تخلفا، وأقلهم تفكيرا في عواقب الأمور...!

 

شعب يكثر فيه من يعجن الطيبة بالخبث، والتدين بالغش والكذب، والاستقامة بالفردانية والاحتيال، والحق بالتلصص... شعب عجيب كلما ازداد تمدنا وتجربة ازداد غباء وبداوة...!!

 

شعب اطّبته الفوضى وسكنته؛ يفضل الجحيم ويرفض دخول الجنة إذا تطلب أي قدر من النظام والانضباط...

 

شعب غريب الأطوار لا يستطيع أي سلطان أن يجمع بين حكمه وبين الاحتفاظ بتوازنه العقلي وسلامته النفسية:

 

إنه الشعب الموريتاني الطيب!

 

فشكرا يا سيادة الرئيس محمد ولد عبد العزيز لصبركم على رئاستنا 11 سنة، ولتشكرونا في المقابل على عدم مبالاتنا بأي شيء فعلتموه بدولتنا ما كان ينبغي أن تفعلوه، ولا بشيء لم تفعلوه كان يجب أن تفعلوه...

*****

وإلى أن نلتقي معكم في رئاسة قادمة، أو قاعات محكمة عادلة... نتمنى لكم ـ بكل صدق ـ طول العمر ودوام الصحة والعافية والسعادة، وليحفظكم الله ويحفظ أسرتكم الكريمة.

 

والسترة والسماح!