على مدار الساعة

حصاد العشرية التعليمي(5).. حقل تجارب ونتائج دون التوقع*

6 أغسطس, 2019 - 10:47

الأخبار (نواكشوط) ـ في بداية العام الدراسي 2009 – 2010، قدم وزير التعليم الأساسي حينها أحمدو ولد أدي ولد محمد الراظي بيانا لمجلس الوزراء حول وضيعة التعليم في البلاد، قال في ديباجته إن الجهود ستنصب حول توفير تعليم نوعي للجميع و"جعل المدرسة الموريتانية مدرسة مواطنة".

 

وتعهد الوزير بقطيعة مع ممارسات الماضي، المسؤول عن "الوضعية الصعبة التي يعيشها نظامنا التربوي".

 

بعد تسع سنوات، ومع انطلاق العام الدراسي 2018- 2019، يصدر المنتدى الاقتصادي العالمي تصنيفا جديدا لجودة التعليم لعامي 2017-2018 شمل 137 دولة، فتذيلت موريتانيا المؤشر، بحصولها على درجة إجمالية متوسطة بلغت 1.9، وتفوقت عليها اليمن التي تعاني حربا أهلية منذ سنوات.

 

وبالرغم من أن حكومة الرئيس السابق أعلنت العام 2015 سنة للتعليم، لكنه مع نهاية العام الدراسي 2015-2016، جاءت نتائج الباكلوريا بدورتيها العادية والتكميلية، صادمة، فلم تتجاوز 11,28%.

 

نسب نجاح في الهاوية

حينما كان الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز يكافح بحثا عن شرعية سياسية وقانونية لانقلابه على الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، قبل 11 عاما، كان التلاميذ الذي تقدموا إلى الباكلوريا عام 2019، في بدايات المرحلة الإبتدائية.

 

وحينما كان ولد عبد العزيز يستعد لمغادرة السلطة، أظهرت نتائج باكلوريا – 2019 أن نسبة النجاح لم تتجاوز 7,2%، وهي النسبة الأضعف في العالم العربي وغرب إفريقيا.

 

ففي العالم الدراسي الأخير في حكم ولد عبدالعزيز تقدم لامتحان الباكلوريا 44717 تلميذا، لكن 3245 فقط هم من تمكنوا من تجاوز عتبة النجاح، أي ما نسبته 7,2%، وتظهر المؤشرات تراجعا في النسبة عاما بعد آخر، ففي 2018 تقدم للامتحان 49993 تجاوز منهم 3970، أي ما نسبته 7,9%.

 

أما على مستوى امتحان ختم الدروس الإعدادية 2019 فقد بلغ عدد المشاركين 54508، نجح منهم 10485، أي ما نسبته 20,04%، وكانت مسابقة ختم الدروس الابتدائية الأحسن حالا، إذ بلغت نسبة التجاوز فيها 53%.

 

مقارنة هذه النسب بنظيرتها في دول الجوار الموريتاني تظهر تباينا هائلا؛ ففي المملكة المغربية المجاورة بلغت نسبة النجاح في الباكلوريا هذا العام  65,55%، وفي الجزائر وصلت النسبة إلى 43,73%.

 

الكادر التعليمي.. صراخ في واد

شهدت السنوات العشر الأخيرة موجة احتجاجات مستمرة طلبا لتحسين ظروف الكادر التعليمي، ولا يكاد يخلو عام دراسي من احتجاجات في المجال التعليمي.

 

ومع نهاية العام الدراسي 2010 – 2011، دخل الأساتذة في إضراب عن التدريس احتجاجا على أوضاعهم المزرية وللمطالبة برفع الرواتب وزيادة العلاوات التحفيزية، ومراجعة نظام الهيكلية الوظيفية، وتوسيع نطاق الضمان الصحي، وتوفير الإسكان اللائق للمدرسين، هذا بالإضافة إلى جملة من المطالب الأخرى كانت الحكومة قد تعهدت بها.

 

وفي مارس 2012، شلت الإضرابات معظم مؤسسات التعليم الثانوي، وتزامن ذلك مع حراك على مستوى التلاميذ، عرف بمبادرة "صوت التلميذ".

 

بدأ العام الدراسي 2012 – 2013، على وقع أزمة داخل القطاع إثر مذكرات تحويل إلى مناطق نائية شملت عشرات المدرسين، الذين شاركوا في إضراب عن التدريس أواخر العام الدراسي 2011 – 2012.

 

وفي أبريل 2017 شل الإضراب مؤسسات التعليم الابتدائي، للمطالبة بتحسين الظروف المهنية والمعيشية.

 

وظلت إضرابات الكادر التعليمي، الحاضر الغائب، إلا أنها حضرت بقوة خلال الأشهر الأخيرة لحكم الرئيس محمد ولد عبد العزيز، فعرف القطاع إضرابات في شهري مارس وأبريل الماضيين، أعادت إلى الواجهة من جديد قضايا القطاع التعليمي.

 

حرب مستمرة مع الطلاب

ظلت الإضرابات والاعتصامات الطلابية عنوانا بارزا خلال العشرية الماضية، ففي نهايات عام 2011 قررت الحكومة إغلاق المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية، لكن مظاهرات الطلاب لم تتوقف عاما دراسيا كاملا، ما أدى إلى التراجع عن القرار مع نهاية العام الدراسي 2011 – 2012.

 

كما استمرت الاحتجاجات طلبا للخدمات ورفضا لواقع التعليم، خاصة مع الانتقال إلى الجامعة الجديدة شمال العاصمة، حيث لا تتوفر وسائل نقل كافية إليها، فيما تقول النقابات الطلابية إن الشرطة تتعامل بقسوة مع احتجاجات الطلاب.

 

وخارجيا، عملت وزارة التعليم العالي على تقليص عدد منح طلاب موريتانيا في الخارج عاما بعد آخر، وطبع التوتر علاقة الطلاب بالسفارات، خاصة في البلدان ذات الجالية الطلابية العالية، كالمغرب والجزائر وتونس والسنغال.

 

ومثلت السنوات الأخيرة لحكم ولد عبدالعزيز قمة المواجهة مع الطلاب، ففي شهري فبراير ومارس 2016 خاض الطلاب الموريتانيون في الجزائر إضرابا مفتوحا في سفارتهم بلادهم بالعاصمة الجزائر، لكن الشرطة فضت الاعتصام بالقوة بطلب من السفير الموريتاني في الجزائر.

 

وفي أبريل 2017، خاض طلاب موريتانيون في الجزائر إضرابا عن الطعام استمر 10 أيام، كما اعتصموا في مباني السفارة.

 

كذلك، في تونس، اعتصم طلاب موريتانيون في سفارة بلادهم في ديسمبر 2016، مطالبين بالتسجيل وتسهيل إجراءاتهم من طرف السفارة، وفي مارس 2017، نفذوا اعتصاما في السفارة، وعادوا في يونيو 2018 للتصعيد من جديد للمطالبة بصرف منحهم المتأخرة.

 

وفي المغرب، اعتصم طلاب موريتانيا بمباني السفارة في مارس 2017 تضامنا مع نظرائهم في الجزائر وتونس، وللمطالبة بتحسين ظروفهم.

 

وفي مارس الماضي أغلقت السفارة الموريتانية في الرباط أبوابها أمام الطلاب بينما كانوا يستعدون لوقفة احتجاجية، رفضا لما اعتبروه التفافا على المنح والتلاعب بمستقبل الطلاب.

 

وفي الجارة الجنوبية السنغال، اعتصم طلاب موريتانيا بسفارة بلادهم في مايو 2015، رفضا لنظام المنح الجديد، الذي يقصي مئات الطلاب من الحصول على حقهم في المنح.

 

الجامعة: تفكيك وتركيب

منذ إنشائها عام 1982، ظلت جامعة نواكشوط الجامعة الوحيدة في البلاد، إلى أن أنشئت جامعة العلوم الإسلامية في لعيون في أبريل 2011.

 

لكن الجهات الوصية على قطاع التعليم قررت في أكتوبر 2012 تقسيم هذه الجامعة إلى جامعتين، بواقع كليتين لكل جامعة، فكان نصيب جامعة نواكشوط كليتي العلوم القانونية والاقتصادية، والآداب والعلوم الإنسانية، فيما كان نصيب جامعة العلوم والتكنولوجيا كل من تخصص الطب والعلوم والتقنيات.

 

لكن الحكومة تراجعت عن قرار التقسيم في أبريل 2016، فوحدت الجامعة وأطلقت عليها اسما جديدا؛ هو جامعة نواكشوط العصرية، مبررة قرارها بأن الضوابط العالمية للجامعات تقول إن الجامعة لا بد أن تكون فيها على الأقل أربع كليات.

 

التعليم المتميز.. وجهة النافذين

في أغسطس 2011، صدر مرسوم وزاري بإنشاء المدرسة العليا متعددة التقنيات، على أن تخضع لوصاية مشتركة بين وزارتي التعليم العالي والدفاع، وهي معنية بتخريج مهندسين في مجالات الهندسة المختلفة، والاتصال والمعلوماتية.

 

تقول الجهات الرسمية إن المدرسة العليا متعددة التقنيات استطاعت أداء دورها، وخرجت مئات المهندسين في شتى المجالات، وهو ما ساهم في سد حاجة البلاد إلى المتخصصين في مجالها.

 

وفي أبريل الماضي وجه خريجو المدرسة العليا المتعددة التقنيات رسالة إلى الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز أكدوا فيه أنه من أصل 179 مهندسا ومهندسة تخرجوا من المدرسة العليا متعددة التقنيات منذ 2016 وحتى 2018، مازالت الأغلبية الساحقة منهم تعاني البطالة.

 

وأوضح البيان أن عدد المكتتبين لم يتجاوز 15 في القطاعات العسكرية، كما أن من يعملون في القطاع الخاص لم يتجاوزوا 40 مهندسا ومهندسة يعملون بعقود ذات آجال محددة.

 

وفي فبراير 2009 أنشئت الثانوية العسكرية كمؤسسة تربوية، تخضع للسلطة المباشرة لقائد الأركان العامة للجيوش، و مهمتها تقديم "تعليم متميز" طبقا للبرامج المعتمدة من طرف وزارة التعليم الثانوي والعالي.

 

وتقدم الثانوية تكوينا عسكريا مبسطا، "ينمي لدى التلاميذ روح الانضباط واحترام النظام والقانون".

 

وترافق إنشاء هذه المؤسسات مع تمدد ثانويات الامتياز، التي يلجها التلاميذ عبر مسابقة خاصة، ومع مرور الوقت استقطبت هذه الثانويات خيرة المدرسين والطلاب.

 

ورغم أن هذه المؤسسات حققت خلال السنوات الماضية نسب نجاح تعليمية مرتفعة، إلا أن شكوكا ما تزال تطرح باستمرار حول شفافية دخولها، خاصة منها المؤسسات ذات الطبيعية العسكرية.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــ
 

* يدخل هذا التقرير ضمن سلسلة تقارير تنتجها وكالة الأخبار المستقلة عن حصاد عشرية الرئيس محمد ولد عبد العزيز ، من بينها:

حصاد العشرية (1).. تزايد المؤسسات المالية وارتفاع الأسعار وتدهور الأوقية

حصاد العشرية السياسي(2).. أزمات متتالية وحوارات ناقصة

حصاد العشرية الأمني (3).. مقاربة وإعادة هيكلة وإنشاء وتجميد

حصاد العشرية(4).. تصفية الشركات الوطنية وتمليك المستقبل للمقربين والأجانب