على مدار الساعة

التعليم العالي الوطني واستمرار النهج..

9 أغسطس, 2019 - 18:49
موسى محمود - نقابي طلابي

لمسنا كطلاب جامعيين طوال السنوات الماضية بصيص أمل في انتشال قطاع التعليم العالي من معاناته، وتجاوز مرحلة الخطر المحدق بمستقبل الوطن من خلال بوابة الاستهتار بمستقبل الطلاب ومؤسساتهم التعليمية والنقابية.

 

ذلك الأمل وأدته سياسة تجفيفية أمنية انطوائية انتهجتها الوزارة الوصية على القطاع، لكن رغم  ذلك واصلنا الطموح  المطالبة والبحث والسعي وراء تحقيق مطلبنا الإصلاحي، وكانت حادثة التغيير الدمقراطي الذي شهدته البلاد مؤخرًا عاملا مهما أملنا فيه مجددا ظهور بوادر تغيير يشمل كل هياكل التعليم الوطني بما فيها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.

 

لكن على ما يبدو ومجددا - أتمنى أن أكون مخطئا -  لم يحن لحلمنا  أن يتحقق، ولا زال لسياسة الأحادية في التسيير موطئ  قدم فى الوزارة.

 

سأحدثكم عن إحدى تجليات فساد التعليم العالي الوطني، ليست وحدها هي المؤشر بل ينضاف إليها كثير من السياسات الإصلاحية المستوردة المتخذة بقرارات فردية والتي أنهكت كاهل الطالب الجامعي، ولم تقدم للدولة الوطنية سوى عودة مليارات الأوقية للخزينة سنويا كفائض مالي عن الميزانية التسييرية للوزارة، وبضعة آلاف عوائد علاج الطلاب المتضررين من قمع الشرطة الوطنية .

 

سأحدثكم - ولتعذروني على الإطالة - عن عقلية  "أنا أريد والموت لمن يخالفني" التي تبنتها الوزارة خلال السنوات الماضية، أبدأ الحديث عن الجانب البوليسي ثم لي عودة لبقية الجوانب مستقبلا بإذن الله .

 

-  عام 2018 انتهجت الدولة أسلوب القمع والاعتقال مع  مناضلي الجبهة الطلابية للدفاع عن الحقوق والمكتسبات، والمكونة من قبل 5 نقابات طلابية وطنية،  حيث قمعت الشرطة وتصدت بالقوة بدءا من  22 يناير 2018 وحتى 29 مارس 2018 لأكثر من 10 أنشطة جماهيرية  للجبهة، واقتحمت الحرم الجامعي مرتين في نفس العام الجامعي، واعتقلت أكثر من 30 شخصا خلال مسيرات الجبهة وعادت واعتقلت بعضهم عدة مرات في نفس المسيرات .

 

 

 

خلال فض هذه المسيرات والاعتصامات؛ كانت تقوم الشرطة بالضرب بالسياط والعصي، وتتعمد الاعتداء البدني القاسي من أجل شل الحركة والاعتقال، أو ثني الطلاب عن المشاركة في المسيرات القادمة،  كما تقوم بتكسير الهواتف وتفتيشها والاطلاع على خصوصيات الأفراد، وتتعمد التلفظ بألفاظ نابية في حق الطلاب، وتهديد الطالبات  بالاعتداء والتحرش .

 

وعند اعتقال المناضلين يتم الاعتداء عليهم وتعذيبهم داخل باصات الشرطة بتكديسهم فوق بعضهم البعض، وصب الماء على وجوههم وضربهم حدَ فقدان الوعي.

 

كانت العملية تقع بالتنسبق مع الوزارة ولم تتدخل الأخيرة لحماية طلابها  بل تمادت في عملية التصامم عن المطالب وعن القمع الكارثي، رغم أن عمليات الدهس والضرب  تقع على بعد أمتار قليلة من مبنى الوزارة الرسمي.

 

-  عام 2019 تبنت الوزارة مقاربة  جديدة ضد العمل النقابي الجامعي  وهي محاربة النقابات داخل الحرم الجامعي إداريا  وعسكرته، فتم التأثير على العمادات من خلال الأمانات العامة للكلليات والمعاهد المعينين أصلا لأغراض أمنية، وحوسب المناضلون وأحيلوا إلى المجالس التأديبية لأتفه الأسباب، كما تم منعهم من إقامة أي نشاط في الحجرات الدراسية أو المدرجات، وضويقوا في ساحة الجامعة بحجة عدم التراخيص غير المنصوصة قانونيا.

 

 

و أيضا عادت حليمة القمع لعادتها في التنكيل بالطلاب واعتقالهم؛ فتم قمع ثلاث مهرجانات للاتحاد الوطني لطلبة موريتانيا هذا العام أمام المركز الوطني للخدمات الجامعية، ومورست ضد مناضليه ومناضلاته صور من القمع تعاطى معها الشارع العام، وحجبتها بعض المواقع من ضمنها منصة الفيس بوك بحجة أنها لا تليق إنسانيا.

 

 

هذا جزء من صورة عامة تعلوها القتامة والتشويش تبرهن بجلاء على خلل كبير في السياسة السابقة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، بشكل عام وفي التعاطي مع النقابات الطلابية الممثل الوحيد للطالب الجامعي بشكل خاص.

 

ومما يزيد الموقف تأزما ويضحك أثناء البكاء أن تكون المأساة التي نعيشها هي محل افتخار معالي الوزير، فخلال آخر حديث له أمام البرلمان اعتبر سيادة الوزير النقابات الطلابية منظمات حزبية وافتخر بعدم تعامله معها بشكل قاطع، في خروج واضح على نص القانون ووأد لروح المؤسسية والتشاركية فى التسيير، واعتبر دمقرطة التعليم العالي فاشلة مع أنه سبق أن كان نقابيا وسبق وأن ترشح لمنصب رئيس قسم في انتخبات جامعية أكثر من مرة أيضا.

 

ختاما يحتاج التعليم العالي الوطني إصلاحا جذريا، ويستحق الطالب الوطني في الداخل والخارج ظروفا أحسن، وتنبغي القطيعة مع الماضي وتبني سياسة جديدة على مقاس تعليمنا، تلبي الطموح ولا تضر الطالب، ترفع من مستوى المعرفة ولا تقصي من أجل نقص التكلفة.