على مدار الساعة

النسوية المحلية بعيون لا شرقية ولا غربية

24 أغسطس, 2019 - 20:49
الشيخ ولد المامي

القصة: لم يكن جمال كازوكو أو ذكاؤها هم السبب في حصولها على لقب ملكة نحل أناتهان، ولكن القهر وحده هو من جعلها سبب وفاة عدد كبير من الرجال، كانوا في الواقع أزواجها.

 

وأناتهان هي جزيرة يابانية انفردت بها كازوكو خلال الحرب العالمية الثانية مع 38 رجلا، وقد استطاعوا تحويل عصير جوز الهند إلى نبيذ مسكر، ولك أن تتخيل وجود مجموعة رجال مخمورين مع سيدة وحيدة في جزيرة معزولة.

 

فلم تجد كازوكو أمامها سوى المناورة والتكتيك مما سبب حربا على الجزيرة، وانتهى بقتل 12 رجل ممن تزوجتهم كازوكو، وبذلك نالت هيبتها.

 

***

المقال: هناك فعلا شيء يسمى فطرة، لا تقل لي سأضرب به عرض الحائط لأنني متمرد ثوري، وغير مبال بالمنظومة التراكمية التي أناضل يوميا من أجل تغييرها، حتى لا أضحك على ضحالة فكرك وسطحيته، وهناك فعلا شيء يسمى سلاحاً لا تقل لي سأقاتل بدونه فأنا شجاع، حتى لا أضحك على تهورك وخفة عقلك وطيشك، وهناك قانون مطلق يحكم نفسية الأفراد في كل مجتمع ويختلف باختلافه نُحِس بتحكمه بنا في حالة اللاوعي، وأي نشاز في أوتار قيثارته سيسبب خرقا في نظام النشوة الروحية لنغمة الحياة، وربما يفضي بنا إلى نوع من الغثيان أو القرف، وهذا تعبير لا شعوري مطلق عن خروجنا على الفطرة التي تتحكم في لا وعينا، والتي نشأت لدينا نتيجة تراكمات تلقائية ومكتسبة.

 

***

إن الحراك كله خير، فقد قيل: ناضلوا تصحوا. ولا بد أن ندرك أن الحقوق لا تمنح مجانا، فالإنسان بطبعه قتور، وهو مستثمر كذلك في نفس الوقت، والمستثمر من الطبيعي أن يبتعد عن قيم الفضيلة بل وينسى المصطلح هذا من الأساس حينما يراه سدا يحول بينه وبين هدف معين، حتى ولو تعلق ذلك الهدف بحقوق الآخر أوحياته.

 

وبالتالي فأي حراك مطلبي يجب على الجميع أن يشجعه ويقف إلى جانبه، لأن نيل بعضنا لحقوقه يعد لبنة مضافة في جدار التكامل الأعم، وتقليصا في مساحة النقص العام، وإتاحة فرصة لطابور آخر في الانتظار، وتهيئة نفسية للمسؤولين حتى يتعودوا على العطاء الدائم.

 

لكن أي حركة مطالبية قبل أن تقرر الظهور للعلن نازعة الحجاب، يجب أن تتسلح أولا بسلاح المعرفة، أو بشكل أوضح المعرفة التي تمكنها من إيصال رسالتها دون أن تقوي صف خصومها في فترة النشأة بشكل أخص، كما يجب أن تتخلق بأسلوب وكيل الدعاية المبدع، والمفاوض الواعي، والمطالب المرن المتقن لفنيات الكر والفر، البعيد عن الارتجالية والماسك بالمسطرة والبيكار بشكل سرمدي، والسريع كالبرق في اقتناص الفرص، هذا بالإضافة إلى دراسة شاملة ودقيقة لملعبه، ومعرفة كل مطباته وحفره وعوائقه بالمليمتر، وبالتالي فلا مجال هنا للاسقاطات في غير محلها، ولا للقياس مع وجود الفارق، حتى ولو قل ذلك الفارق أو تفه في النظر، ولا مجال أيضا للتفكيك الغلط، ولا للشعاراتية العقيمة، ولا المزايدة على الخصوم، ولا استعداء الحَكَم.

 

وإذ نحن هنا بصدد الحديث عن الحراك النسوي لا بد أن نعرف شيئا من تاريخه ولو بشكل سردي بعيدا عن التحليل، وذلك من باب الوصول بتدرج إلى الإرهاصات الناشئة محليا، ومن باب تلوين الصورة أيضا لأن معظمنا لم يسمع عن اتجاه كهذا حتى الآن.

 

***

لقد ارتبطت الحركات النسوية التحررية بالتغيرات السياسية عالميا، وذلك نتيجة لما قاسته المرأة خلال تلك التغيرات والفترات التي سبقتها، من معاناة كانت مضاعفة. لكونها تساهم في التغيير بدور لا يقل أهمية وصعوبة عن الرجل، ولأن ما يسمى "المجتمع الذكوري" حالما تنتهي فترة التغيير يعيد المرأة قسرا إلى مكانها التقليدي في البيت والمخدع، الأمر الذي تطلب رفع العقيرة بالمطالب لأن الحقوق دائما تكون بحاجة لمن ينادي بها.

 

وقد ظهرت بواكير الحركات النسوية الأولي في الغرب كجزء من منظومة الأيديولوجيات الهادفة للحصول على الحقوق والمساواة.

 

ورغم أن النسويين يدعمون قضايا وأهداف مختلفة تبعاً للظرف الزمكاني والثقافي، إلا أن الباحثين يؤكدون على أن أي حركة تسعى للحصول على حقوق المرأة تعتبر نسوية.

 

وقد مرت الحركة بأجيال ثلاثة كان بكرها مع بداية القرن الماضي ونهاية سابقة، واستمر حتى العشرينيات من الماضي، وارتكزت مطالب الجيل أساسا على حق التصويت الانتخابي والتعليم، والعمل وإلغاء التمييز الجنسي.

 

وقد تمت تهدئته بإصدار وثيقة "سينيغا فيلز" والتي منحت للمرأة حقوق التصويت، والزواج بمن تختار، إضافة لحق التملك.

 

ومع بداية الستينيات ظهر الجيل الثاني من الحركة، واستمر لفترة ثلاثة عقود، وقد ربط بين التفرقة الاجتماعية والسياسية. وشخّص معالجة الخلل في التأثير على أفكار المجتمع.

 

وهنا اصطدمت الحركة بمماثلات "رجالية" ووقفت الأخيرة في وجهها مع بداية السيتينيات من القرن الماضي، وقد اعتبرت الحركة الرجالية بعد ذلك رجعية، وامتدادا لتيار "الباكلاش" الرجعي، وتبنيا واضحا لرؤيته ومع ذلك فقد نجح المناوئون للحراك النسوي في وأد الجيل الثاني من الحركة.

 

ومع فشل هذا الجيل ظهر الجيل الثالث وقد أسس استراتيجيته الجديدة مستفيدا من أخطاء الجيل الذي سبقه رغم فشله، ومن تراكماته وتجاربه التي نجح فيها، وقد عمل على إيجاد حلول أكثر تأثيراً في حل مشاكل المرأة، وذلك من خلال القيام بمغازلة الشارع والمنظومة غير العالمة وتمركزت معظم أيديولوجياته حول تفسير معنى الجندر والجنسانية خارج الإطار المغاير، وثنائية الذكورة والأنوثة.

 

وخلال الأجيال الثلاثة انقسمت الحركة النسوية إلى خمس تيارات ذات طابع مختلف تمثلت في تيار "النسوية الإصلاحية الليبرالية" التي تعد امتدادا فكريا لأطروحات الثورة الفرنسية، وتتلخص مرتكزاتها على مبادئ المساواة والحرية والمطالبة بمساواة حقوق الرجل والمرأة في مختلف مجالات الحياة. كما ارتكزت "النسوية الماركسية" على اعتبار أن معاناة المرأة جاءت نتيجة للملكية الخاصة، وحث هذا الاتجاه على انخراط المرأة في سوق العمل ومحاربة الطبقية وأنها بذلك ستنال حقوقها بشكل كامل.

 

أما "النسوية الراديكالية" فقد عملت على تأكيد طابع التمييز العام ضد النساء بغض النظر عن الزمكان أو الثقافة وشكلت بذلك التيار الثالث.

 

ونفس الطرح هذا يشتركه معها التيار الرابع "النسويات السوداوات" الذي نشأ في أوساط السود مضيفاً البعد العنصري للمعادلة التي تشمل البعدين الجنسي والطبقي ووضع كل ذلك في خانة واحدة.

 

وقد تم اختراق هذه التيارات جميعا من قبل تيار "النسوية المثلية" - التيار الخامس - تحت ذريعة أن التمييز يكمن في علاقة التزاوج بين الجنسين، وتتم محاربته عن طريق الانسحاب من هذه العلاقة "المغايرة" واللجوء إلى علاقة مثلية "سحاق" تكون فيها المرأة مستقلة عن الرجل بشكل تام.

 

وقد بدأت النسوية العربية قوية وموحدة منذ أيام هدى الشعراوي، ومثلت امتدادا وعمقا للحركات التي تتبنى القضايا المصيرية للوطن العربي كالتحرر من قيود الاستعمار والتبعية للأجنبي كما ركزت بشكل أولي على معالجة الآثار الاجتماعية والإنسانية التي تعني منها المرأة.

 

وحققت الحركة أكبر مكاسبها في مؤتمر المرأة العالمي في المكسيك عام 1975 باستصدار قرار يدين الصهيونية بصفتها عائقا للتنمية في المنطقة العربية، لكن المكسب هذا لم يشفع بمكاسب أخرى مهمة.

 

وقد تأسس الاتحاد العربي للنساء 1944 وانقسم بعيد التوقيع بعد اتفاقية كامب ديفيد.

 

وفي غياب إستراتيجية نسوية عربية موحدة لمواجهة المستجدات ظهرت منظمات نسوية عربية غير حكومية تضع في سلم أولوياتها قضايا كثيرة البعد عن القضايا المصيرية للأمة العربية ما نتجت عنه حالة من الفوضى الانتمائية بسبب لحالة الإرباك والتشويش العولمي الذي ضرب كافة مؤسسات المجتمع المدني الحديث.

 

ومن أهم تلك أطروحات هؤلاء أن المرأة العربية تعيش حالة اغتراب عن جسدها ولا تشعر بامتلاكه وغير قادرة على لتصرف به، إضافة لجملة من الأطروحات الأخرى التي ما زال المواطن العربي يحتاج إلى فهمها أولا قبل البت في تقبلها من عدمه.

 

***

وامتدادا لهذه الحالة بدأ حراك نسوي يخترق جدار الصمت المحلي، وقد أعاد أحد الباحثين ظهوره إلى نسبة العائدات من البعثات الدراسية في الخارج وتونس بشكل أخص، لكن تحجيم الحراك ومقارنته بالقياس الإحصائي مع تعداد أربعة ملايين - عدد سكان البلد - يجعل تصنيفه تحت اسم "حركة" قائمة بالفعل لا القوة ، يحمل بعض التجاوز والتعسف في التصنيف.

 

كما أن الأخطاء المنهجية التي وقع فيها الصوت الناشئ والتخندقات التي قام بها والاسقاطات في غير المحل والقياسات مع وجود الفارق البين التي مارس في طور نشأته ربما تلقي بظلالها على ضعف تناميه بين الأفراد المستهدفين بشكل أخص، وتحد من تأثيره وربما تكون سببا في شل حركته على المدى المتوسط والبعيد.

 

ونحن هنا إذ نتحدث عن جوهر المقال لا بد أن نتوقف مع آخر وثيقة مطلبية تم رفعها في العيد الدولي للمرأة الماضي والتي توصلت لها عن طريق بعض الناشطين في الحراك، كي نحلل الواقع على ضوئها بشيء من التفصيل.

 

***

لقد ذكرت الوثيقة بأن قضية النسوية تعد وعيا اجتماعيا ونضالا سياسيا وهذه نقاط مشتركة مع الكثير من الحركات وتعد مهمة في أي ديباجة بغض النظر عن ملامستها للواقع من عدمها، كما ذكرت من سمتهم "المجتمع الذكوري بكل بنياته ومؤسساته" وهنا ندخل في بداية النفق، فمطلع القصيدة كفر، لأن حراكا ما زال في بواكير النشأة حينما يعلن حربا شمولية على مؤسسة اجتماعية وسياسية ودينية ضاربة في القدم، وهو مكشوف الصدر أعزل، فإننا نلتمس مراهقة فكرية مُمَأسَسَة، والمراهقات لم تتوقف على هذا فقط، ففي الجملة الموالية وردت عبارة تؤكد ما أشرت إليه حيث تقول الوثيقة "أننا مصممات على انتزاع" ولاحظ معي عبارة "انتزاع" فهي عبارة في قمة الرومانسية، وكان من الأكثر ملامسة للواقعية أن تكون هذه العبارة صادرة عن كيان يمثل نسبة مئوية معتبرة من الكينونة العامة، حتى لا نجنح نحو شاطئ العبثية، ونبقى جادين في طرحنا.

 

وقد كان أول مطلب للوثيقة هو:

- قانون يحمي من الاغتصاب و التحرش والعنف الزوجي، والتزويج القسري للقاصرات وإهانة المرأة واحتقارها وتعنيفها واضطهادها ككائن تابع للرجل.

 

وحينما نقول قانون "يحمي" فإننا قد وصلنا أيضا لقمة الرومانسية، فحالة البلد معروفة ونحن في موريتانيا ولسنا في اسكندنافيا، وقانون الرشوة وقوانين محاربة الفساد، وقوانين تنظيم السير، كلها على الرف ترقب ما يجري.

 

ورغم أن المطلب وجيه، وليس مطلبا للنسويات فقط، إلا أنه يبقى عبثيا في بلد ما زال يحكم عن طريق الهاتف والواسطة والقبيلة والجهة.

 

ثم إن القانون الموريتاني يجرم الاغتصاب ويعاقب عليه، وتخصيصه بعقوبة مستقلة كان مطلبا للكثيرين، إبان حالات حدثت سابقا، لكن يبدو أن السلطات ما زالت غير مقتنعة بذلك.

 

وفي الجزئية الثانية "العنف الزوجي" والذي يطلقون عليه "الاغتصاب الزوجي" خارج الوثيقة، وهي عبارة مترجمة تحتاج إلى تعريف يناسب خصوصيات البلد، لأن الذائقة المحلية التلقائية تجد تنافرا لفظيا بين طرفي الجملة، ومحاكم الأسرة تنظر عادة في حالات مشابهة، لكن اتخاذ خطوة عقابية في هذا الاتجاه قد تحتاج تفسيرا جديدا للنص الديني، لأنه في حال تعارض النص الوضعي مع الديني فإن المنطقة هناك تكون منطقة ألغام. وبالتالي فإن إعطاء أولوية لها في بلد ما زال يحتاج الماء والغذاء لا يخلو بالنسبة لي من لمسة عبثية واضحة.

 

وإذا نظرنا الى جُمل "التزويج القسري للقاصرات وإهانة المرأة واحتقارها وتعنيفها واضطهادها ككائن تابع للرجل" فحسبما أذكر - ولست متأكدا - أن القانون الموريتاني أصبح يمنع ويرتب عقوبة على تزويج القاصر.

 

كما أن كرامة المرأة ومكانتها مصانة في موريتانيا بالمقارنة مع النظراء والإشادات بذلك بالعشرات، أما الجزئية الأخيرة ورغم مخالفتها الصريحة القانون "القوامة" إلا أنها تظل واقعا معاشا في موريتانيا. فموريتانيا من الدول النادرة أو حتى الوحيدة التي يعد الرجل فيها تابعا للمرأة بشكل فعلي، وليس العكس، ومعالجة الأزمات تحتاج لوجودها أصلا.

 

- "فرض تمدرس البنات كحق بديهي" وهذا مطلب لا يخلوا من غرابة فليس هناك نص يمنع تمدرسهن، واستراتيجيات الحكومة لتشجيع تمدرسهن قد سبقت وجود الحراك بعقود. وأنا هنا لا يمكن أن أطالب بفتح مدارس كي يدرّس بها بنات أختي لأنها موجودة وهن يدرسن فيها بالفعل، أما ترتيب عقوبة على عدم ذلك فلا أرى أنه يوافق الحريات الفردية بل يناقضها بشكل فج وصريح.

- "والتصدي للخطابات الذكورية التي تريد أن ترجع بالنساء إلى عصور الاستغلال والاضطهاد، ونؤكد على أن مكاسب النساء التي حصلن عليها بفعل التراكمات النضالية للنساء ليست قابلة للنقاش وأننا نحن بصفتنا استمرارا لذلك التراكم النضالي سنقف سدا منيعا دون أي فعل أو قول من شأنه المساس بتلك المكتسبات".

 

طبعا لا يوجد لدي تعليق محدد على هذه الفقرة سوى، أنني حينما أقرأها أجدها ستكون معبرة أكثر لو صدرت عن حراك نسوي في العربية السعودية وليس في موريتانيا. كما أرجو أيضا أن تتحقق وأن يحترم الحراك كل الوعود التي قطع فيها وأشجع عليها جدا.

 

وفي فقرة "حقنا في المشاركة السياسية والتمتع بالحريات التي يكفلها لنا الدستور الموريتاني دون وصاية من الرجل، وفرض تلك المشاركة من خلال التأكيد على رفضنا لنسبة الكوتا “التمييز الإيجابي بصفته رشوة ذكورية لإسكاتنا عن حقنا في المساواة الكاملة".

 

وهذه الفقرة تمت صياغتها من وجهة نظري بدون وعي تام، ولن أجانف أن أقول أنها فقرة صبيانة جدا، فلا يوجد مطلقا أي منع للمرأة من ممارسة هذا الحق، أما التفريط في نسبة "الكوتا" فهو تصرف غير راشد موغل في الصبيانية، لأن الحفاظ على المكاسب أولى من جلب المكاسب الجديدة، وإذا كانت الحركات الشبابية تتدارس دوما المطالبة بـ"كوتا" خاص بالشباب، فكيف يفرط فيه من تحصل عليه سلفا، ألا يعد هذا نوعا من العبثية، والنزعة الصدامية وافتعال الأزمات، دون وعي معرفي.؟!

 

- "تذكيرنا بمعاناة العاملات في المنازل وضرورة اتخاذ إجراءات من خلال عقود تضمن لهن حماية حقوقهن وحمايتهن من العنف المنزلي المعرضات له.

- المطالبة بخلق مشاريع صغيرة ممولة من الدولة للمرأة في الريف وآدوابه والقرى الهامشية. وفتح فصول لهن لمحو الأمية وتعليم القراءة والكتابة سبيلا لدمجهن في حياة الدولة المدنية.

 

وهذان المطلبان كانا الشذوذ الوحيد عن خط العريضة الذي غلبت عليه العبثية والرومانسية. وهما مطلبان يجب أخذهما بعين الاعتبار ووضعهما ضمن الأولويات القصوى، نظرا لوجاهتهما ومنطقيتهما وعدم تحقق أي تنمية شاملة بدونهما.

 

***

لقد وقع الحراك النسوي الناشئ في أغلاط كثيرة منذ بداياته الأولى، ولعل ذلك جاء نتيجة لعدم الوعي وضعف التكوين المعرفي، فغياب المعيارية المناسبة للمنطقة المستهدفة شمل معظم تصرفاته، ومحاولة إسقاط الطرق المعلبة دون تعديل على هياكلها كان سببا في إخفاقاته الكثيرة.

 

فلم يضع الحراك في الحسبان أن ما يناسب تونس وفرنسا من معايير قد لا يتناسب مع أضلاع المجسم المحلي، وهذا أمر طبيعي ولا يعطي بالضرورة صورة مغايرة للمثالية، فحتى القوانين الشاملة كقانون الإرهاب، قد تختلف من بلد الآخر، فحزب الله مثلا يصنف كمقاومة شرعية في بعض البلاد، ويصنف إرهابيا في بلاد أخرى. وحتى معاملة المرأة في فرنسا تختلف عنها في اليابان. وهذا أمر طبيعي لأن الخصائص المحلية أحد أسس القانون التي ينبني عليها منذ الأزل.

 

***

إن تخندق الحراك النسوي المحلي في خندق "المطاريد" اجتماعيا، وتركيزه على القشور والإجتزاءات، وغياب خطة دعائية تبشيرية لديه، وانتهاج الصِّدامية المنفّرة في عصر ما بعد الصِّدامية، وموقفه من المؤسسة الدينية المسيطرة، وهو لم يزل في طور نشأته تعد أمورا غير سديدة ويمكن أن تقضي عليه في المهد، كما أن عدم تقديمه لرسالة بديلة وواضحة تراعي خصائص المجتمع الأهلي وتقدم الأوليات على القشور، وتعتمد منهجية التدرج العقلاني ويمكن أن تقنع المتلقي الذي يحمل رؤية مغايرة مسبقا ليجعله كل ذلك مجرد زوبعة في فنجان.

 

كما أن غياب المسوّق الماهر والمؤطّر الواعي والمنظّر المتبصّر عن صفوفه، والارتهان في الرؤية المحلية لرؤية الكونية، والاحتكام لنص عام دون وعي بوجود مخصص محلي له كل هذه تشكل عوائق ستطيل مسيره دون حصد للنتائج المتوخاة منه بشكل حتمي.

 

ولعل قيام الحراك بمراجعات تؤسس لرؤية ذات طابع محلي، تحترم الطابع الاجتماعي للبلد وتتحرز من الطبعة الدينية "نصف كم" إضافة لوضع خطط جديدة وفتح قنوات تصالحية مع الركائز الاجتماعية للمؤسسة المحلية القائمة، وشرح الأهداف بلغة أقل تشنجا تكون أفضل ما يمكن أن يقوم به في الوقت الراهن، فقد يُقطع بالحوار مالا يُقطع بالمنشار، ويدرك بالحيلة ما لا يدرك بالقوة، كما أن الهدف الأول والأهم من كل شيء هو تكوين كادر بشري متخصص يمكن أن يفرض التغيير بأسلوب علمي مدروس، لأنه بالعلم وحده يمكن أن تنشق الأرض وتخر الجبال هدا.

 

للعبرة: ليس المهم أن أكون من أتباعك فقط، بل الأهم أن أقتنع بك.