على مدار الساعة

عقدة الذات الموريتانية

15 مارس, 2017 - 21:44
عبدالرحمن جار الله

دول العالم الجديد شُحنت بالولاء اللا إرادي للوطن الوليد حد التباهي بتخيلاته أمام صواعق الواقع المناقض، وككل دول ما بعد إفرازات الحرب العالمية الثانية يبدو الموريتانيون الأكثر انغماساً في تمثيل الدور والتفاني في الدفاع عما لم يفقهوه بعد.

كلما طرح شخص في العرب أو الأفارقة رأياً في موريتانيا نحسّ فجأة بلحمة الوطن ونتداعى إلى انسياق أعمى يهجو "المتطاول" ويتباهى بتاريخ مضى واندثر!

هناك حقائق تاريخية لا تفيد موريتانيا في الحال، ولا ينكرها من ينصبهم الموريتانيون غرضاً لسهامهم الحادة، فموريتانيا قامت على أديمها بواكير إمبراطورية قبل 1000 عام، حكمت شمال وغرب أفريقيا وجزءاً من أروبا،، وموريتانيا امتلأت وديانها بالعلماء والشعراء وحافظت على لغة القرآن غضة طرية، وخرّجت الحفاظ والأذكياء وكانوا شموساً أنى حلوا وتركوا فراغاً في كل مكان ارتحلوا عنه، وهم شعب طيب مسالم يرابط في عرين من قيم ما عاد لها موطئ قدم في هذا العالم المتخوم بالماديات،، كل هذا صحيح وأكثر!

ولكن،،

لم تبذل الدولة الوطنية التي أنشئت 1960 أي جهد لخلق كل هذه الحقائق التاريخية، وقد لا تكون مطالبة بها، هناك إكراهات جديدة غير الأمجاد الغابرة والمناظرات القاموسية، هناك التعليم والصحة والبنية التحتية والدبلوماسية، وكلها معدومة في موريتانيا، فمؤشرات الأمية تناطح السماء والصحة تبحث عمن يتذكرها ولو بشطر كلمة والبلاد لا يعرفها إلا من زارها ليأخذ العبرة من أيام خلت ما كان لأحد أن يعيش فيها في ظل القرن الحادي والعشرين: حمير تنقل الماء وشوارع لعبت بإسفلتها لاعبات الشمال وكهرباء تأتي زائرة كأن بها حياء ما إن تسمع ركزاً حتى تولي هاربة لا تلوي على شيء!
حين كتبت المصرية هويدا طه مقالاً شرّحت الحالة المزرية للبلد جعلناها غرضاً لنا بني إسماعيل فرميناها بكل قاتل وقاذع، بينما كان بإمكاننا أن نعتبرها نصيحة ولو في الملأ فنُحسن استخدامها ونقطع لسانها بتغيير الحالة وخلق أخرى ترد العيب وتحفظ الغيب!

كتاب ومحللون عرب اهتموا لحظة ما بموريتانيا فكتبوا بقلم مشفق فصادتهم سهامنا واتهمناهم بالعمى، رغم ألا شيء يُرى، فندموا ندامة الكسعي!

من تلك اللحظات تحصين الموريتانية لعجوز ولدت أجيال من العرب في كنفها وتربوا على انتقادها هي الجامعة العربية والقمة العربية، وما إن وصلت، بالصدفة، إلى موريتانيا حتى صار الكلام عنها تقليلاً من الشأن الموريتاني والقدرة الموريتانية والدبلوماسية الموريتانية، وتحولت القمة إلى منتدى للتاريخ والاعتذار والاستعذار!

هل يمكن لأحد في موريتانيا أن ينكر أنه لا يوجد سوق عصري في موريتانيا؟ هل يدعي نظافة العاصمة؟ هل يكذّب عقدٓ القمة بين نفنافات خيم عفا الدهر على فكرتها؟
كل ذلك شاهد معلوم،، ثم تمنعون مواطني رياض المغرب وتونس الخضراء وقصور الخليج وحضارة الشام أن يقولوا إن المكان غير مناسب!

عقدة أخرى يبدو أنها موسمية هي (مٓغربة) موريتانيا، فكل ما نعق ناعق جُيشت الجيوش ونسي الفقير لقمته والمهموم همه، لأن المغرب ستسرق موريتانيا، من البلاهة اعتبار موريتانيا في خطر من المغرب فهذا موضوع تاريخي انتهى وطُويت أوراقه أيام الراحل الرئيس المختار رحمه الله، لكن هذا لا يعني أن في المغرب من لا يزال يحلم بالمغرب الكبير،، فحتى أنتم الموريتانيون ما زال بعضكم يؤمن بدولة موحدة جناحاها الأندلس وتركمانستان الشرقية،، لكنها مستحيلة الوقوع!

باختصار،، اتركوا عقدة الذات التي تتملككم ورصّوا الصفوف لتغيير الواقع المر، وامنحوا الآخر حق التعبير عنكم مثل ما تعطون لأنفسكم حق التكلم عنهم، فأنتم أكثر الناس أجندة وتحزباً دولياً.

موريتانيا الآن تحتاج لمن يبنيها وينظفها ويطعم جائعها ويوقف الظلم فيها ويسند ضعيفها ويفتح جرحها الغائر لعلاجه،، لا من يزيد فيروساتها بتضخيم الأنا الفارغة وفرض عداواة على غيرٍ لا يريدها!

 

ابنوا موريتانيا،، وستخرسون الألسن!

 

ولا يتهمني ذو اتهام فإنني ،،، دعوت لما فيه السياسة والرشدُ