على مدار الساعة

الحكومة الموريتانية على مواقع التواصل الاجتماعي: حضور محدود وأحياناً غير ملتزم بالدستور الموريتاني!

16 أكتوبر, 2019 - 17:33
إبراهيم سيدي

في هذا العصر الرقمي، ومع الانتشار المتزايد لمواقع التواصل الاجتماعي، كثُر بين الحكومات ومسؤولي الدول والمنظمات الأممية استخدام هذه المنصات للتواصل مع الجمهور وتمرير الرسائل عبرها. تتيح هذه الوسائل كثيراً من المرونة والسرعة رغم ما تطرحه من تحديات مرتبطة بالثقة والمصداقية، لكنها ركْبٌ لم يعد التخلف عنه ممكناً في هذا الزمان.

 

في موريتانيا، تزايد مؤخراً حضور منصات التواصل الاجتماعي بشكل كبير ويرى بعض المراقبين أن هذه الوسائط أصبحت مؤثرة فعلاً في المجتمع وتوجهات الرأي العام بل حتى في صُنع القرار رغم ما يعتري استخدامها من فوضى ومزاجية وغياب تطبيق ضوابط قانونية فعلياً للنشر عليها. رغم كل ما سبق، يبدو أن الحكومة الموريتانية ما زالت تولي أهمية ضعيفة جداً لهذه الوسائل أو تنظر إليها بتوجُّس وتخوف ربما لأنها خارجة عن الضبط التقليدي للجماهير ولأن التواصل عليها لا يكون من طرف واحد يُملي ما يريد دون أن تكون هناك فرصة للعامة للتعقيب والنقاش.

 

بعملية رصد وبحث بسيطة على هذه المنصات تكاد لا تجد أي حضور لوزاراتنا المختلفة، وإن وُجدت فيكون حضورها باهتاً تقليدياً غير مساير للتطور الهائل لهذه المنصات وأساليب النشر والتفاعل عليها. فمن أصل 21 وزارة (بينها مفوضيتان) 5 وزارات فقط لديها حسابات فاعلة ومحدّثة بدرجات متفاوتة على مواقع التواصل. هذه الوزارات هي: الشؤون الاجتماعية، التجهيز، التنمية الريفية، الشباب والرياضة، والطاقة والمعادن. تتميز وزارة الطاقة والمعادن بأن لديها حساباً على تويتر إضافة إلى صفحتها على فيسبوك بينما يبدو أن القائمين حالياً على صفحة الشباب والرياضة غير معنيين بالالتزام بالمادة الدستورية السادسة التي تعتبر العربية اللغة الرسمية للبلاد أو هم غير مهتمين بالوصول للجمهور الناطق بها إذ إن محتوى صفحة هذه الوزارة مثلاً طوال عام 2019 نُشر بلغة لا محل لها من الدستور.

 

مُعظم ما يُنشر على صفحات هذه الوزارات الخمس يكون غالباً نتاج عملية قص ولصْق لبيانات وإيجازات صحفية أو تغطيات إعلامية مدعومة بصور ثابتة وهو ما يجعل المحتوى بعيداً في معظمه عن أسلوب النشر على هذه الوسائط ومعاييره وطرقه الخاصة التي تختلف عن الإعلام التقليدي. رغم ذلك فهذه الوزارات الخمس أفضل حالاً من ناحية وتيرة التحديث من وزارات أخرى (3 وزارات) لديها صفحات على فيسبوك مثلاً لكن بعضها لم يُنشر عليه أي محتوى منذ 2018 أو منذ 2013 في بعض الحالات، وبعضها توجد باسمه أو باسم قريب منه أكثر من صفحة على فيسبوك غير محدّثة وغير موثّقة كما أن صفحة وزارة من هذه الوزارات الثلاث ما زالت تحمل اسماً قديماً لها قبل إعادة الهيكلة الأخيرة ولم يُنشر عليها أي مضمون منذ تغيير هيكلتها تقريباً.

 

بقية التشكيلة الحكومية البالغ عددها 13 وزارة لم أجد لها أي حضور على مواقع التواصل نهائياً ومنها وزارات تُعتبر نظيراتها إقليمياً وعالمياً من أنشط الوزارات على هذه الوسائط مثل الداخلية والخارجية والتعليم لما لها من أهمية لدى الجمهور داخلياً وخارجياً ولما تتيحه هذه الوسائط الجديدة من سرعة وتفاعلية في الخطاب تحتاجه هذه الوزارات بالذات. كما أن إحدى هذه الوزارات الغائبة لم أستطع الدخول إلى موقعها المتاح في قائمة مواقع الوزارة الأولى وهي - ويا للغرابة - الوزارة الوصية على تقنيات الاتصال والإعلام. اسم هذه الوزارة أصلاً يثير كثيراً من اللبس حول معناه، فهل المقصود فيه هو الإعلام كما نعرفه أم تقنيات الاتصال؟ بسبب تعامل سابق معها أو مع القطاع الذي ضُمّ لها مؤخراً أدركت أن المقصود ليس الإعلام الذي نعرفه في مجال الصحافة، لكن اللبس يظل موجوداً حتى الآن.

 

عموماً، الحضور الرسمي الموريتاني ضعيف جداً على مواقع التواصل رغم محاولات بعض الوزراء السابقين والحاليين دخول غمار هذه الوسائط لكن استخدامهم لها يظل ذا طابع غير رسمي إذ إن جميع حسابات هؤلاء على فيسبوك أو تويتر هي حسابات شخصية كما أنني لم أقف على أي حساب موثّق بالعلامة الزرقاء لأي وزير حالي أو سابق ولا لأي صفحة أو حساب للوزارات أو المؤسسات الرسمية الموجودة على مواقع التواصل.

 

يغيب بغرابة كثير من مؤسسات الدولة المهمة عن مواقع التواصل الاجتماعي بما في ذلك الوزارة الأولى ورئاسة الجمهورية التي لم أجد لها أي موقع إلكتروني أصلاً، ولكننا نجد في المقابل حضوراً متميزاً لبعض المؤسسات الرسمية على مواقع التواصل مثل البنك المركزي الذي لديه صفحة على فيسبوك وحساب نشط على موقع "لينكد إن" المهني.

 

في الأخير، يلاحظ أي متصفح لمواقع الوزارات الموريتانية انعدام التنسيق فيما يخص الهوية البصرية والألوان إذ إنه رغم التزام معظم الوزارات بألوان الشعار والعلم الرسمي أو تدرجاتها فإن هناك وزارات تستخدم مواقعها ألواناً بعيدة كل البعد عن ذلك من قبيل الأزرق والوردي والبرتقالي. كما تكثر الأخطاء الإملائية والتقنية أحياناً ويندر تحديث المحتوى مع اختلافه أحياناً بين اللغتين العربية والفرنسية كماً وكيفاً إلى غير ذلك..

 

هذا كلُّه في رأيي يستدعي إطلاق خطة واضحة وصارمة لحل هذه الإشكالات تسعى لوضع وتنفيذ استراتيجية إعلامية عامة وموحدة للحكومة في هذا المجال وتهتم بتفاصيل الهُوية البصرية واللغة وتطورات الإعلام الجديد. إنجاز هذا أمر هيّن إن كُلّف به الأشخاص المناسبون، وهُم كُثُر، إذ إن كل هذه الوزارات لديها ملحقون ومستشارون إعلاميون كما هو حال مؤسسة الرئاسة ولكن ربما تنقصهم الموارد والإرادة السياسية وروح الإبداع والمبادرة رغم أن منهم متخصصين أكفاء.