على مدار الساعة

للإصلاح كلمة: تقول لعلماء الفتوى في الدنيا: انتبهوا للفرق بين إسلام البادية والإسلام القرآني

5 نوفمبر, 2019 - 18:20
بقلم الأستاذ / محمد بن البار

كلمة الإصلاح قرأت هذه الأيام مقالا رائعا في المواقع كتبه (الشاب) البشير بن بي بن سليمان يظهر أنه مبني على فتوى لإمام امتنع عن صلاة جنازة على بعض الفنانين (الشعراء الموريتانيون) .

 

وبعد قراءتي له أول ما لفت نظري فيه هو أن الموت هي أول منزل من منازل الآخرة وأن الكلام في أي إنسان أصابته خرصة عن مصيره ألسنة أهل الدنيا مهما كانوا إذا مات مسلما.

 

ومن ما يوضح هذا ما جاء في تفصيل ذلك المقال الرابع من مسمياتنا نحن الموريتانيين الدنيويين وهي (ايكاون ـ الحراطين ـ لكور ـ البيظان ـ الطلبة ـ الزوايا ـ العرب) هذه المسميات أنا كتبتها مرتبة كما جاءت في المقال وهي معكوسة في الترتيب الاصطلاحي عادة (وحسنا فعل الكاتب) لأن ذلك الترتيب الاعتباري ينسفه نسفا قوله تعالى {يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم} وقوله تعالى {إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله به من سلطان} .

 

فالله عندما أراد خلق هذا الإنسان وبدأه بخلق آدم وحواء ـ أظهر مساواته بشكل واحد ـ بره وفاجره ـ فخلقه على شكل واحد ومن مكان واحد في الجسم وعملية خلق متدرجة تدرجا واحدا ورباه تربية بيولوجية إلى آخر العمر واحدة حتى نقله من الدنيا وأمر بإجراء مواراته في التراب بإجراء واحد .

 

إلا أن المولى عز وجل بعد إرادته لخلق هذا الإنسان خلق بعضه ليكون حطبا للنار بالرغم من أفكار حقوق الإنسان الدنيوية ـ وخلق بعضه ليكون وارثا للجنة يتبوأ منها حيث يشاء موضوعا له فيها كل الشهوات التي كانت في الدنيا زيادة على شهوات أخرى فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولكن بشرط واحد وهو الموت على الإسلام بدون حمل أي دانق من الشرك من عبادته لأي شيء كان لا صالح ولا ملك مقرب ولا نبي مرسل .

 

فالله بعد خلقه لآدم وذريته خاطبهم أولا بلفظ مشترك فقال لآدم وزوجه حواء معهما الشيطان الذي نزعهم عن السكن في الجنة بتزيينه لهما مخالفة ما نهاهما الله عنه فقال {اهبطوا منها جميعا فإما ياتينكم من هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون} وهذا الهدى تأتي به الرسل للإنسانية بأوصاف محددة وعمل معلوم للإنسان فعله واعتقاده إلا أن هذا الإنسان اقتضى الله في أزله وقدره الذي نؤمن بخيره وشره أن يخلق بعض هذا الإنسان مؤمنا وبعضه كافرا بذلك الهدي .

 

وقبل هذا الإيمان يخاطب الله الإنسانية خطابا واحدا بقوله تعالى {يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله}.

 

وبعد هذا الإيمان الذي تقدم أنه يـتفرق عنده وجود مصير الإنسانية بعضها يكون حطبا لجهنم وبعضها وارثا للجنة ـ يخصنا الله نحن المؤمنين بخطاب خاص بنا وهو {يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} .

 

وهذا الخطاب العام بتقوى الله لا جهة خاصة موجها إليها فلا لون ولا لغة ولا أصل ولا تترس عن إخلاصه ونقائه من أي شخص كان ولا سيما عند الموت.

 

ونوع هذا التـقى المسجل في صحيفة الإنسان هو عدم الإشراك في عبادة الله حتى ساعة الموت بأي شيء مهما كان غير الله ولا إشراكه مع الله أو دونه في أي صفة من صفاته الخاصة به والتي قلت آية من آيات هذا الذكر الحكيم المحفوظ من الله والمبلغ والمبين من رسوله صلى الله عليه وسلم إلا ويذكر خصوصيته بها وأنه لا يعبد إلا بها .

 

وعندما يثبت نقاء هذا الإخلاص والعمل لذلك الإخلاص والنقاوة انتهي نهائيا وإلى موت الإنسان تدخل أهل الدنيا في القول عن مصير هذا الإنسان فيما بعد الموت، ويعامل بالمساواة الكاملة بما يعامل به أي مسلم بعد موته من الأوامر المتعلقة بذلك.

 

وهذه الخصلة هي التي فهمها يعقوب عليه السلام وأوصى بها بنيه قائلا لهم {فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون} أي متخلصين من أي شرك لله معه أو دونه .

 

وهي الخصلة التي خاطبنا الله نحن بها أمة محمد صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى {يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة} فلا وسيلة عنده لمن يشرك معه في صفاته الخاصة به كائنا من كان ومعنى هذه الآية هو الذي جاء به الحديث الصحيح: "من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة" وفي حديث آخر مخاطبا لمعاذ بن جبل ليخبر به المؤمنين أن حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وأن حقهم عليه إن فعلوا ذلك أن يدخلهم الجنة.

 

وبهذه الخصلة سوف نذهب إلى موريتانيا القديمة من دخول الإسلام إلى يومنا هذا تقريبا ناظرين إليها من جهة المسميات التي ذكرها صاحب المقال الرائع المشار إليه أعلاه، فعندما تنظر إلى تلك المسميات نجدها جميعا تتفق ولله الحمد فيما يلي :

 

أولا: الاعتقاد بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا ـ إلا أننا عندما نصل إلى جزء من العقيدة وهو العمل بالقرآن دليلا نتوقف عند شرح ذلك قليلا للجميع.

 

فنحن جميعا تحت اسم ترتيب المسميات أعلاه إلا القلة منا الطارئة ولله الحمد ومن جميع مسمياتنا ما كنا نعرض إيماننا على نصوص القرآن الذي نحفظه جيدا ونرتـله آناء الليل وأطراف النهار بل للحفظ فقط ونفضل مكانه الإسلام عن طريق الوراثة الشعبية والمحاكات التقليدية فإذا قرأنا الآيات القرآنية التي تفصل بين الإيمان الخالص والشرك الذي هو غير الكفر والنفاق الذي هو جزء آخر من الانحراف عن الإيمان الخالص خنست عقولنا عن تـتـبع الحق في ذلك .

 

فمثلا عندما نذهب إلى تلك المسميات نجدها متحدة في الإيمان مبدئيا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولا ولكن عندما ننظر هل يؤمنون كذلك بالقرآن دليلا نجد في سيرة كثر منهم تحت هذا الجزء من الإيمان خطا يحتاج إلى النظر فيه في الدنيا والحذر الحذر منه في الآخرة .

 

فبالرغم كذلك من أن جميع هذا الترتيب الشعبي الموريتاني يعرف كله بالتزام القيام بأركان الإسلام من صلاة وصوم وزكاة وحج من استطاع إليه سبيلا، إلا أنه عندما نعود قلت إلى اعتقاده المتعلق بما يخص بخصائص الله نجد أول هذه المجموعات الترتيبية ظلت هي قائدة للشرائح الأخرى في ذلك الاعتقاد البدوي الذي يرجع إلى التقاليد البدوية الإسلامية بدلا من الإسلام القرآني الذي لا يعتقد صاحبه النفع والضر إلا من الله (وهنا أناشد الجميع أن يقرأ القرآن مجددا ويقف عند آيات التحذير من الشرك بالدعاء والالتجاء إلى غير الله وينظر إلى سيرة الفئات الأولى من الترتيب ليجدها تحتاج النظر في الصلاة على جنازتها فالذي يتوفى من كل فئة لا يعود إلينا ليقول ما وقع لصاحب هذه العقيدة البدوية التي يموت المسلم وهو يعتقدها مع أن أهل الإسلام القرآني لو عاد إليهم ميت أي اعتقاد لما تشككو فيما لقي من الله لأن القرآن مفصل تفصيلا لا يزيده أي قادم معرفة للعقبى لأنها ترجع إلى ما تكتبه الملائكة كتابة تصدر عن علم الرب وأمره لا غير).

 

وبذلك يكون ترتيبنا لمصير الأموات بناء على ترتيبنا التقـليدي هو أكبر خطإ دنيوي نرتكبه عند أول منزل من منازل الآخرة التي لا نعلم عنها مهما كانت عبادتنا لربنا أي شيء انتهي إليه المصير.

 

وعدم علمنا هذا هو الذي وضحه الرسول صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة حيث نادى على أحد الصحابة عند مرور مؤمن به خامل متواضع مكسوف لدى الناس وسأله عن فكره فيه فقال إنه لا يسمع له إذا تكلم ولا يجاب له إذا خطب إلى آخره وعندما سأله عن صاحب أبهة يجر ثيابه وراءه ومنظره يتلألأ من اللحم والشحم قال له عكس ما قال في الأول فقال له الرسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا الأول خير من ملء الأرض من مثل الثاني" أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

 

وهنا نجد مصداقه الآن عندما نأتي إلى مساجد الوزارات فسنجد أن الإمام وجميع صفوف صلاته من أصحاب اللباس في السفل الوظيفي ونجد أصحاب البذلات النظيفة هم وثيابهم تحت المكيفات لا يلفت نظرهم أداء الصلاة في وقتها ـ وهذا ما أردت أن أنبه إمام الجامع الكبير وأمثاله من الذين يحملون الإيمان التقـليدي لمعاملتهم للمواطنين ويتركون الحاملين للإسلام القرآني .

 

فلو اتبعوا النصوص القرآنية والأحاديث الصحيحة فيما يفعل بالميت المسلم عند غسله والصلاة عليه وهما متلازمان فكل من غسل يصلى عليه لتسابق أئمة المساجد ومن يريد الترحيب به في الآخرة إلى المغاسل والمساجد التي يودع فيها مساكين موتى المسلين بدلا من المسابقة إلى الصلاة على الأغنياء الذين يأتون في الطائرات من مستشفيات العالم التي تعالجوا فيها نظرا لمادتهم للعلاج ـ للصلاة عليهم ـ .

 

ومن هنا ننبه الأئمة أن الميت المسلم لا يسأل عن حاله قبل الصلاة إلا هل عليه دين فإذا كان عليه فليتأخر الإمام المؤهل من طرف المجتمع للصلاة حتى يتحمل الدين عنه أو يصلي عليه الحاضرون دون الإمام وهذا تشريع النبي صلى الله عليه وسلم لإظهاره لخطورة عدم قضاء الدين، ولا شك أن إمام نواكشوط وغيره ممن يستدعون لا يسألون عن دين "البطارين" مع أنه كثير وكثير جدا .

 

فلم يجز لأي إمام أن يسأل عن شريحة الميت لأجل الصلاة عليه ـ إلا أن هذا يقودنا أيضا إلى العمل الشخصي لكل هذه الشرائح لنعرف من يتغذي منها بالحلال أو الحرام ليكون أيضا معيارا للأفضلية بعد الموت لحديث: "من راح كالا من عمل يده راح مغفورا له" أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

 

فمعلوم أن أقرب وأفضل عيشة للإنسان هي التي تكون من عرق جبينه وكلال أعضائه من العمل وأن أقرب معيشة للحرام وأخوف على أهله بعد الموت هو الأكل بالدين أو بقوة الجاه أو الطرق الملتوية في السياسة.

 

وعندما نعود لعرض هذا على الشرائح فنجد ـ شريحة لمعلمين ولحراطين ـ يتصدران الفئة الأولى بجدارة فلا يأكلون في الليل إلا ما سعوا في تحصيله بكل عرق وجهد يبذلونه لذلك .

 

وعندما نصل إلى قمة الترتيب الطبقي في المجتمع نجد أن من بين قمة الزوايا والعرب ولاسيما في الزمن الماضي وما زال في الزوايا قطعا بقيته من يعتمد في فئة الزوايا على الأكل بالدين وفي فئة العرب الأكل بجاه القوة الدنيوية، ومن الكارثة أن حرام هذا هو أول ما يدرس في فقه الحرام في كتاب الأخضري الذي بمثابة التعليم الأبجدي عند الموريتانيين وهو حرمة الأكل بالدين والجاه.

 

أما قضية " ايكاون" وهي موضوع كتابة (كلمة الإصلاح) المبنية على قراءتها للمقال الرائع ـ فإن الصوت الحسن من عطاء الله لعباده كما قال صلى الله عليه وسلم لأبي أن الله أعطاه مزمارا من مزامير الجنة، أما الصوت الحسن فـنعمة من الله كما قال صلى الله عليه وسلم: "ما أذن الله لنبي حسن الصوت مثـل ما أذن لنبي أن يتغنى بالقرآن" أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

 

أما طريق عمل الفنانين للعيشة بأصواتهم فلم نعرف عنهم إلا استجابتهم للدعوات المباحة إما للمناسبة الشرعية أو الاحتفال بالأفراح والأعياد أو عند اجتماع يريد أهله إشاعة الصلح بدون أي مظاهر اختلاط إلا أن الاختلاط الذي يبيحه الموريتانيون في عاداتهم لكل اجتماع حزبي أو حكومي إلى غير ذلك لو لم يصلى على صاحبه لما صلي على أي موريتاني ذكرا أو انثى متدنيا أو فاسقا لإباحته عندهم على العرف مثل الحج .

 

أما تـلقي الحضور للكلمات العذبة والنغمات الطيبة فإن مصيرها في القلوب يمثله تمثيلا تاما ما جاء في المقال الرائع للشاب في أبيات والده الرقيقة في كلمات المرحومين سدات ولد آب وعمري فإني أعرف القاضي بي بن سليمان جيدا ونعرف أن تأثره لا لطلب سماع قول دعوني دعوى إلى آخره ولا لطلبه رؤية مفلجة الإنسان ولكن ما تركب من ذلك من تحريك المشاعر الرقيقة التي تعتري بعض المسلمين كما قالت عائشة رضي الله عنها عندما أمر صلى الله عليه وسلم أن أبابكر يصلي مكانه قالت إن أبا بكر رقيق لا يستطيع أن يقف مكان الرسول صلى الله عليه وسلم عند مرضه .

 

ومن هنا نختم هذا المقال بهذه النقاط الثلاثة الموجهة إلى الإمام الأولى: له واثنتان عليه :

 

فالأولى أقول إني سمعت شخصيا كلام الإمام في الفيديو يتبرأ من عدم الصلاة على الشاعر سدات وابنته رحمهما الله بأنه كان غائبا في أحدهما وطريح الفراش في الأخرى فعلى الجميع أن يتوقف نهائيا عن التعليق على ما لم يقع ـ ويدمر كل ما قيل في الموضوع .

 

أما الثانية فليعلم الإمام أنه جاء في منصب ابن عمه العظيم بداه بن البصير وكان بداه عندما تكون الدولة عندها اتجاه غير واضح في الإسلام وبعض من يهمه الطوارئ الإسلامية عنده اتجاه آخر يكون هو مع مطالب الإسلام وقد ظهر ذلك في زمن المرحوم المختار بن داداه عندما وقفت مريم داداه مع الشباب اليساري دخل بداه على المختار وقال له هذا خطي أنا وهذا خط زوجك فإن محيت خطي فسأهاجر عنك إلى المدينة فأجابه المرحوم المختار ما في المدينة أحوج إليك منا فضحكا وتصافحا وتراجعت مريم .

 

أما الثالثة فعندما جاء محمد بن سليمان وآية قرآنية تطاره بعد أمره بقـتل خاشقجي القتل المعروف وهي {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاءه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه} الخ الآية، تلقيته مرحبا به بأبيات مدح ولاشك أنه لو مات هنا لصليتم عليه وأرجوا ألا يكون بركوع وسجود وخشوع .

 

فو الله لزنة سماع واحدة رقيقة من إنشاد سدات رحمه الله لأكثر استحقاق مدح وإشادة من قاتل ومقطع وربما حارق لمسلم ظلما وعدوانا .

 

وأخيرا يقول تعالى في تحديد مختصر للمسلم الذي يغسل ويصلى عليه {ومن يسلم وجهه لله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى} {من كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا}.

 

ولا نعرف شركا خاصا بأي شريحة إلا ذلك المنتشر كالعادة في جميع الشرائح وأكبر العاملين به وهم المعمول لهم به أيضا هو الطبقات المسجلين في أعلى هرم الشرائح ولو عاد أحدا منهم إلى الدنيا لتمنى أن يكون من الشرائح الأخرى مع تجسيد هذا الشرك الظاهر والخفي (أعاذنا الله من ضرره) ونقول {قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولنا وعلى الله فليتوكل المؤمنون}.