على مدار الساعة

للإصلاح كلمة تناقش الاستقلال في نوفمبر في الدنيا والآخرة

10 نوفمبر, 2019 - 16:09
بقلم الأستاذ / محمد بن البار

كلمة الإصلاح شاهدت في هذه الأيام غالب الشعب الموريتاني مهتما بقرب شهر نوفمبر الذي هو عادة شهر استقلال موريتانيا عن فرنسا وإدارتها لنفسها بنفسها وبما أننا والله الحمد شعب مسلم كله فقد لفت نظري أن نتساءل ما معنى هذا الاستقلال؟ وأين الشعب الذي أخذ الاستقلال سنة 1960؟ وما مصيره؟ وهل هو الآن كله يفرح ويمرح بهذا الاستقلال؟

 

وبما أني أيام الاستقلال ينقص عمري آنذاك قليلا عن عشرين سنة فقد كنت مدركا لبعض ذات الاشخاص آنذاك والناس تحتفل بقدومهم ذهابا وإيابا في كل مكان من الوطن كما أن الأناشيد الحماسية وترداد النغمات العذبة على الأمواج الهوائية تملأ المساحات الموريتانية وتنتقل من ولاية إلى ولاية كل هذه الإرهاصات جعلتني أعود بذاكرتي كلها إلى القضية الحقيقية الثابتة لكل أمور هذه الدنيا التي نعيش فيها والذي نتيقن بسبب إيماننا أنها تسيرها قوة صامتة لم تعط الاستقلال لأي أحد بل هي ماسكة بهذا الكون كله وما فيه من خطوط على العرض والطول متسقة ومستقيمة حيث اتجه بها مسير أفلاكها ومجراتها وما فيها من مظاهر ظاهرة للأعيان ترى بالعين المجردة وبالآلة المستعملة وهي ثابتة على حالها لا تتغير أبدا. هذا في العالم العلوي.

 

أما في العالم السفلي الذي مركزه الإنسان وهذا الإنسان خلق لتنظيمه في عالمه السفلي جميع المخلوقات في العالم العلوي يقول تعالى {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} فإذا وقفنا على حقيقة هذا التفضيل نجد أن نتيجته النهائية لا بد أن يسبقها شيآن متلازمان هما:

أولا: الوجود في الدنيا وهو إجباري فلا يستطيع أي أحد خلقه الله أن يمتنع من الايجاد وفي نفس الوقت لا بد أن يستمر في هذا الإيجاد بالقوة إلا إذا مات من غير إرادته {ومنكم من يتوفى من قبل}.

 

أما الحتمية الثانية الإجبارية فهي الموت فلا بد بعد هذه الحياة أن يموت لأنه بعد هذه الميتة المباشرة يضل إلى مصيره النهائي الذي يمكن لمن حضرته الوفاة وهو متنصل لكل ما طلب منه في هذه المعجزة العظمى التي جعلها الله دستورا عاما ثابتا لهذه البشرية لا يعدل ولا يغير ولا تحذف أي مادة منه ولا تهمل عن العمل بها.

 

وفي هذه الحالة يحصل إما الاستقلال الكامل المحتفل به إلى ما لا نهاية وكلمة ما لا نهاية هذه يستطيع أن يذهب معها فكرك فسيكل فكرك وهي لا تنتهي لأن الله لم يخلق أي نهاية لهذا الاستقلال والاحتفال المتجدد وكل ساعة يخاطبهم الله آنذاك بقوله {يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون} إلى أخر الآية وإلى أخر ما لا نهاية.

 

وأما من لم ينظر إلى دستور الله الذي خلق له مع هذه الحياة منظما لها إلى نهايتها المقصودة فسيمكثون في ذل الاستعمار الاجباري إلى ما لا نهاية، وما لا نهاية مثل الأولى كما وكيفا في لا نهاية الأخرى.

 

وبناء على هذه الحقائق فسنستنطق نوفمبر موريتانيا هذا العام لنقول لا شك أن من أتيته بالاستقلال سنة 1960 وإلى الآن أكثر تحت الأرض منه ممن فوقها فهل تعلم أن ما تحت الأرض من أي فئة سيحتفل معنا نحن الأحياء بوجوده في فناء الجنان يتنعم بأريجها وأرواحه في أعلى نعمة من الارتياح لما ينتظره من عاقبة ما بعد الاستقلال أم أن كثيرا من من أتيته بالاستقلال انحرف عن الاستقلال الحقيقي الأبدي وبذلك الانحراف هم الآن جميعا في أيام نوفمبر هذه يوجدون {مقرنين في الاصفاد سرابيلهم من قطران وتغشي وجوههم النار} وهم كل يوم في انتظار السكن الأبدي وهم مع ذلك مصلوبون في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا في نار جهنم لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون إلى ما لا نهاية.

 

ومن هنا سوف نأخذ مثالا في قضية الاستقلال الكامل للمسلم: فموريتانيا بعد استقلالها ترأسها ثمانية رؤساء أربعة منهم الآن أمام ربهم وقد علموا مالهم عنده وأربعة ما زالوا أحياء وقد انهو المعاملة فيما بينهم وبين زمن مسؤوليتهم وسجل عليهم كل أعمالهم فيها وكل الموريتانيون يعرفون أن الله خاطب المسؤولين بقوله {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر} ولا شك أن التمكين في الأرض معناه الحرية في التصرف ومن ذلك الأوامر التي تخاطبهم في شأن الحكم بحدود الله {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما} {ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب}.

 

ومع هؤلاء كثير من القضاة أمرهم الله في قوله تعالى {كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين}.

 

ومع هؤلاء أيضا كثير من مديري البنوك والعاملين فيها بربا وقد نهوا عن ما نهوا عنه.. ومع كثير من هؤلاء كثير من السياسيين صفقوا ونافقوا وذهبوا يمينا وشمالا على غير هدى فجميع هؤلاء ومعهم كثير من أتباعهم من الرجال والنساء ومن جميع الشرائح الآن في هذا نوفمبر أمام الله يحاسبهم حسابا ميزانه يقول فيه تعالى {والوزن يومئذ الحق}.

 

فعلينا نحن الذين جاءنا نوفمبر وما زلنا أحياء وعلى رأسنا الرئيس التاسع لموريتانيا وقد حمله الله فيه من أوامره ما حمله لرؤساء المسلمين أن يشفق على جميع شعبنا فوق الأرض قبل أن يكون تحتها بعد الاستقلال في شهر نوفمبر.

 

فإذا كان هؤلاء الرؤساء الذين هم مع الله الآن تجاوزوا أسئلة الحكم بما أنزل الله كما جاء في القرآن وأنصفوا للمظلوم من الظالم في الدنيا وهم الآن جالسين على كراسي الجنة ينتظرون أخر تكريم في قوله تعالى {وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا} إلى قوله تعالى {سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين} فهنيئا لهم. أما إذا كانوا في الضفة الأخرى أعاذنا الله منها وهي قوله تعالى {ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب} نتيجة حكمهم على الشعب بغير ما أنزل الله فماذا يغني الاحتفال بنوفمبر أو ديسمبر إلى أخره؟ وماذا ينتظر هؤلاء الرؤساء الأحياء إن كان المصير فحوى قوله تعالى {ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا}.

 

ولا شك أن أهل الدنيا سواء الرؤساء الأحياء والسياسيون والمصفقون لبعدهم من هذا التفكير النهائي المحتوم يكون الاستقلال حدثا كبيرا عندهم ولكن ليعلم الجميع أن الإنسانية مؤمنة أو كافره مسيرة إلى السير النهائي الذي لم يخلق الله له نهاية في دار القرار كما قال تعالى {وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان (أي الحياة النهائية) لو كانوا يعلمون}.

 

{وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}.