على مدار الساعة

متن على هامش هلوسات الرئيس السابق

26 نوفمبر, 2019 - 00:43
محمد ناجي ولد أحمدو

بهدوء وروية وبتفكير عميق ورزين في خطوات الإنجاز المتتالية؛ يواصل رئيس الإجماع الوطني حصد النقاط وتسجيل التقدمات في قلوب مناوئيه السياسيين بله داعميه؛ الذين وثقوا بسلامة منهاجه منذ خطاب تثمين المكتسبات والانطلاق للمستقبل في الأول من مارس، بل من ما سبق ذلك كثيرا.

تسلم محمد ولد الشيخ الغزواني المنصب الرئاسي غب أزمة طاحنة؛ تهاوت فيها ثقة المواطن البسيط بالدولة؛ رغم بعض الخطوات التجميلية التي لم تستمر طويلا؛ بالتزامن مع عسكرة الشارع؛ وتدابر الطيف السياسي؛ وقطع الاتصالات الشبكية عن البلاد عشرة أيام حسوما، وتصاعد نبرة الخطاب التجييشي الفئوي.
 

في الواقع يمكن أن نقول إن أكبر إنجاز حققه الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز خلال مأموريته الثانية هو تسليمه للسلطة؛ وتراجعه عن الانغماس في مسار مناقض للنصوص المؤسسة للمسار السياسي للبلد.

كان يمكن لذلك العمل أن يدخله التاريخ من أوسع أبوابه كأول رئيس منتخب يسلم السلطة لرئيس منتخب في البلاد؛ وهو ما يضع تقليدا يشكل جزءا من صيرورة المشهد السياسي فيما بعد؛ ويكفل التغاضي عن كامل أخطاء وخطايا الرجل.
 

بعد مائة يوم من تسلم محمد ولد الشيخ الغزواني السلطة تبدل المشهد غير المشهد بدون جلبة ولا ضجيج ولا عنتريات ما قتلت يوما ذبابة.
 

المعارضة التي كانت تولي وجهتها شطر الشام لو ولت الحكومة وجهها إلى الركن اليماني في الصلوات المفروضة أصبح قادتها ورموزها الموصدة أمامهم الأبواب في العشرية يزاحمون الرئيس ووزراءه في كبريات المشاهد الوطنية؛ وباب القصر ومجلس الرئيس غدا موئلا ومقاما لمن كانوا يوصفون بالصقور، وعمت روح ثقة وتناغم وتهدئة كانت البلاد في أمس الحاجة إليها.

استبشر المواطنون أخيرا بعد بروق خلب لعبت بانتظاراتهم زمنا طويلا، السموم التي كانت تقدم لهم على أنها أدوية وسط تغافل من الرقيب المتواطئ حوربت؛ والمواد الغذائية المتلاعب بتاريخها أحرقت نهارا جهارا، وبدأت خطوات انتقال الكيان الجامع المسمى دولتنا من حالة ابتزاز واستغلال وتتفيه المواطن؛ إلى طور خدمة وتكريم مصدر المشروعية ومستودعها المواطن ـ الإنسان الشريف.
 

هي ملامح جديدة ولا تتناسب مع كامل التطلع والأمل؛ لكنها جديدة وتستحق التثمين والتقدير، وتتطلب من أبناء البلاد التكاتف لتعزيزها وتكريسها وتعميمها، وأي مسار يستهدف التشويش عليها يستحق صاحبه؛ أيا ما يكن وسام الخيانة الوطنية وما يترتب عليه.
واهم من يتصور أننا سنعود إلى مرحلة تجاوزناها؛ ومهلوس من تحدثه أحلام القيلولة أنه سوف يوقف هذه المرحلة.
 

المؤسسة التي فرضت التراجع عن النيات المناقضة للدستور هي نفسها الموجودة اليوم، وما دامت تدخلت بهدوء وأبطال التشويش في الحكم فإنها يمكن أن تفعل أكثر من ذلك الآن من باب المنطق البسيط.
 

لولا أن محمد ولد الشيخ الغزواني كان موجودا لما أمكن للرئيس السابق إكمال مأموريته، وهو يعرف ذلك في قرارة نفسه.
 

الرئيس السابق أمام خيارين:
ـ إما أن لا يلعب بالنار ويتوقف عن مساره العبثي، وسيظل رئيسا سابقا يحفظ له الموريتانيون تسليمه للسلطة لخلفه المنتخب.
ـ أو أن يواصل هلوساته ومكالماته ولقاءاته وسيحصد نتيجة ذلك ما هو في غنى عنه.
 

لا مجال للعاطفة في مثل هذه الخيارات، الدول فوق الأشخاص، والأشخاص يتعاقبون؛ وتبقى الدول؛ وأقل واجب على الرؤساء السابقين هو التزام التحفظ المهني، ولعل في أمثلة الرئيس السنغالي واد والفرنسي ساركوزي غُنية وبُلغة لمعتبر..