على مدار الساعة

إلى وزيرِ الصحة..

5 ديسمبر, 2019 - 14:37
الهادي محمد الحافظ النحوي

سيادةَ الوزير، أبعثُ إليكُم بهذِهِ الأحرُفِ منْ علَى بُعدٍ زَمَكانِيٍ كمواطنٍ من جُمْلةِ بُسَطاءِ هذه البلاد، لا يَملكُونَ من الخِبْراتِ ووَسائلِ الإِعَانةِ على الخَيرِ سِوَى أنْ يَبعثُوا لكُم بما استَطاعُوا من النُّصحِ والرأْيِ المُعينِ علَى ذلِك.

 

فعلاقتُهم بالسَّاعِينَ إلَى الإِصلاحِ يقعُ عَلَيها قولُ القائِل:

أحِبُّ الصَّالِحِينَ ولستُ مِنهُم   لَعَلِّي أن أنالُ بهِم شَفاعَة

 

فكذلك أمثالي مِنَ المُقصِّرِينَ القاصِرِين عن تقْديمِ شيءٍ لِهذا البلَدِ حَسبُهُم أنْ يَكُونُوا في مُدَرَّجَات التشْجِيعِ لكل نِيَّةِ إصلاَحٍ رَأَوْهَا، وأنْ يدفَعُوا بما أُوتُوا منْ قوةٍ حتى تَتَحوَّلَ تِلكَ النياتُ إلى أعمالٍ وَتتَحَولَ الأعمالُ إلى عَادَات..

 

فحاجةُ قِطاعاتِ هذا البلدِ إِلى الإِصلاحِ جَعَلتنَا كمواطنين-نَضِجتْ جُلودُنا لِمَا تَمَرَّغَتْ فيهِ من فسادٍ وفوَضَى- نشْتاقُ ونتطَلَّعُ إلَى كلِّ أَمَلِ إِصلاحٍ بَزَغَتْ نجُومُهُ وطَلَعَ سعدُهُ عساها أنْ تكونَ المُنقِذةَ والمنجيةَ لنَا ولِبلَدِنَا الحَبِيب.

 

هذا مَا جعَلَ خُطَواتِكُم وإِجراءَاتِكُم الإِصلاحِيةَ تبدُو في نَظَرِ المُراقِبِ وكأنَّها قُوبِلتْ منْ طَرَفِ المُواطنِ البسيطِ بِأكْبَرَ مِن حقِّهَا، وَمَا ذَاكَ إلاَّ لِوَقْعِها عليهِ حيثُ جاءَتْ كَشَهْقَةِ غريقٍ كادَتْ أنْسِجَتُه تَمُوتُ لفَقْدِهَا الأوكْسَجين، فَهِيَ وإِنْ كانتْ ضرُورِيَّةً لِذاتِها فنأْمَلُ أَنْ تَسْرِيَ عَدْوَاهَا وبَردُ نسِيمِهَا إِلى باقِي القِطاعاتِ المُجاوِرَةِ والتِي بِلا شكٍّ يُوجَدُ بِها مَنْ يُرِيدُونَ الإصلاحَ ولكِنَّ طُولَ العَهدِ بِرُؤْيَةِ الشيْءِ يُشعِرُ بِفَقْدِهِ واستِحَالَتِه..

 

سيادةَ الوزير، عنْ نفسِي لَمْ أَتَوَانَ دقيقةً واحدةً في دعمِكُم -رَغْمَ جَهلِي التَّامِّ بسِيادَتِكُم للأسَف- ولكنَّ بُغيتِي وأَمَلِي فِي أنْ أرَى بَلَدِي يقْطعُ نحوَ الإصلاحِ شوطاً وعلى يَدِ أيٍّ كان ذلك، فحقُّهُ علينا التشجيعُ وحَقُّنا عليهِ الصمودُ والمُواصَلَة..

 

سيادةَ الوزير، كانَ دَعمِي لكُم للأسبابِ التِي ذكرتُ آنفاً، ثمَّ ازْدَادَ بَعدَ مُتابَعَتِي لمَقطَعٍ أو اثْنَيْنِ مِنْ مُداخَلاَتِكُمْ حيثُ سَرَّنِي أننِي رأيتُ سِرّاً من أسرارِ النجاحِ الذي طَالمَا غَفلْنَا عنْهُ، ألا وَهُوَ:

إِسنَادُ الأمرِ إلى أَهْلِه!

 

طبعاً لهذا الإصلاحِ وَقْعٌ خاصٌّ لِما لَهُ مِن عَلاقةٍ بصِحةِ المواطِن، فالصحةُ إِحدَى أهمِّ روافدِ التَّنمِية، فالمُرابطُونَ فيها مُرابِطونَ على ثَغْرِ سلامةِ الجَسَد، التي لا يتِمُّ شيءٌ إلا بِها:

(العَقلُ السَّليمُ في الجِسمِ السَّليم...والمُؤْمنُ القوِيُّ خَيرٌ من المؤْمِنِ الضَّعيف..)

 

عاشَ للأسفِ هذا القطاعُ كغيرِه حقبةَ فوْضَى ونِسيانٍ وتَجاهُلٍ وفسادٍ لم تُبقِ رِيحُها على شيْء، حَولَتْ جنُودَه -الذين هم حملةُ مِشْعَلِ الأخلاقِ والعَطفِ- إلى تُجَّارٍ لا يَنظُرُونَ إلى ظاهِرِ جَسَدِ المريض  etat general  بِقدرِ ما يَنظُرُونَ إلى ظاهِرِ ملبسِهِ ونوعِيةِ جَيْبِه، ولا يسمَعُونَ أنِينَهُ بْقَدرِ ما يُصغُونَ إلى أزِيزِ سيارتِه أو رَنِينِ هاتِفِه، ودَخَلَ مِنْ بَابِ التجارةِ -إلَى قِطاعٍ لا يَحتملُ التجارَةَ- ألفُ دَخِيلٍ ودَخِيل!!

 

فوَحدَها الآلامُ والأمراضُ لاَ يَتأخَّرُ ضَحَاياهَا في دَفْعِ أيِّ شيْء، الأمرُ الذي عَلِمَهُ اللاهثُونَ خلْفَ الدِّرهَمِ والدِّينارِ فَجَعلُوا القطاعَ مسرَحاً لهُم، فأحسنَ المَنْفلُوطِيُّ رحِمه اللـهُ التَّعبيرَ حينَ سَمَّى الوَصْفَةَ الطِّبِيةَ:

ضَرِيبَةَ الحَيَاة!

 

خُلاصةُ القولِ سيادةَ الوزيرِ أنَّ القِطاعَ فاسدٌ فاسدٌ فاسد...

وَأنَّ الشُّرَفاءَ مِنْ أهلِهِ يستحقُّونَ أنْ يجْمَعُوا بينَ ظُرُوفِ حياةٍ كريمةٍ وأجْواءٍ مُلائِمَةٍ لتطبيقِ ما تَعلَّمُوا لتمرِيرِ أيديهمْ الحَانِيةِ على جَسَدِ مريضٍ ويُطلقُونَ ابْتسامَاتِهم صادِقةً في وجهِهِ ويَبْذُلونَ كلَّ طاقاتِهِمْ وجهودِهِم في سبيلِ الظَّفَرِ بالجَائِزةِ الكبيرَة:

(وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاَ)

 

يَحتاجُ الشُّرَفاءُ في القِطَاعِ من إِدارِيِّينَ وأَطباءَ ومُمَرضينَ وقابِلاتٍ وعُمَّالِ أنْ تُجاهِدوا كلَّ جهادٍ في سبيلِ حُصُولِهِم عَلَى ثُنائِيةِ الإِصلاَح:

العملُ الكريمُ والعَيشُ الكريمُ...

 

ولنْ يَكونَ ذلك حتى يُؤَدِّي عاملُ القطاعِ في المُؤَسساتِ العموميةِ مِهنَتَه في ظُرُوفٍ كَريمةٍ لا يسْتعْجلُ إِلى أُخْرى خُصُوصيةٍ لأجلِ راتِبٍ ولا تَخُونُهُ مُعِدَّاتٌ مُتهالكةٌ أو مَعدُومةٌ وَلا يُجهِضُ جُهْدَه دَواءٌ فاسدٌ أو ناقصُ المَفْعُول..

 

كُلُّ ما يُمكنُني تَقديمُه لكُم هو جُملةُ اقترَاحاتٍ سريعةٍ تقْتَضِيها المَرحلة:

-أولا: أن تَحذرُوا مِن أشدِّ عَقَباتِ الإِصلاحِ عِندَنا ألا وهي:

اجتماعُ الخصمِ والحَكَم، حيثُ أنَّ من سَيُشْرِفُونَ على تنفيذِ القَرَاراتِ يكُونُونَ مِن جُمْلةِ المُستفِيدِينَ منها أوْ لهُم مِنَ الأقرِباءِ منْ هُوَ مُستفيدٌ منها مِمَّا يجعلُه يَحمِي نفسَه أوْ قَريبَه، وقد سمِعتُ أنَّ بعضَ اللِّجانِ مِنهُم ملاكٌ للصيدلياتِ ورُبَّما مُنشآتٌ أخرى، وهُنا إما أنْ تُخيِّرُوهُم أو تَستَغْنوا عنهُم لِحَسَّاسيةِ هذِه النقطة، ولِدَأْبِنا على حمايةِ مَصالِحِنا بنفوذِنا أو نفوذِ مَعَارِفِنا، الأَمْرُ الذِي يُعَطِّلُ القانونَ عنْ البَعض، والقانُونُ روحُهُ تَكْمُنُ في تعمِيمِهِ.

 

ثانيا: أظُنُّ أنَّهُ بعدَ وضعِ مسافةٍ للصيدلياتِ من بابِ المستشفياتِ مَعَ تَزْويدِ صيدلياتِها بالضرُوريِّ من الدَّوَاء، فإن الحاجَةَ إلَى البَاعَةِ في صَيدليَّاتِ المستشفياتِ ستزيدُ مما أقترِحُ عليكم محاولةَ اكتتابِ منْ كانوا يعملُونَ في الصيدلياتِ التي كانتْ أمامَ كلَّ مُستشفَى، فهُم مُواطنُونَ وسَتَستغْنِي عنهُم صيدلياتُهُم.

 

ثالثاَ: في أمرِ تنظيمِ الصيدلياتِ وبُعدِهَا عنِ المُستَشْفياتِ يُمْكنُكُم الاسْتِعَانةُ بِخُبراءَ فِي المَعلُومَاتِيةِ لإِنشاءِ تَطبِيقٍ يُمْكنُهُ توضيحُ الصُّورة، يُعِينُ مُلاَّكَ الصيدلياتِ ويُعينُ المُواطِنَ مستقبلاً ويُعينُكُمْ عَلَى معرفةِ الخارِطَة، ولضبطِ هذه المرحلةِ تُمْكِنُ الاستعانةُ بحسابِ المَسافةِ في محركِ البحث كوكل لأجلِ تنفيذِ خارِطةٍ مؤقتةٍ تُعِينُ على تطبيقِ القانُونِ من كلِّ الأطرافِ المَعنيَّة (الصُّورُ المُرفَقَةُ كَنمُوذج)

 

سيادةَ الوزير، كانَ اللـهُ لكُمْ ومعكُمِ وأيَّدكُمِ بِنصرِهِ وَرَزَقكُمْ والرئيسَ وكلَّ مَنْ ولاَّهُ اللـهُ أمراً مِن أمورِنا البِطانَةَ الصالحةَ، فاتقُوهُ فِيما ولاَّكُم فإِنَّهُ عنَّا سائِلُكُم...

 

والسَّلامُ عَلَى مِنِ اتَّبعَ الهُدَى وأَصلَحَ اللـهُ أحوَالَنَا وأحوَالَ أمَّةِ الحَبيبِ صلى اللـهُ عليه وسلم