على مدار الساعة

صعود الفولان إلي السلطة بغرب إفريقيا.. التفسير والخلفيات

2 يناير, 2020 - 00:35
سيدي ولد عبد المالك - كاتب ومهتم بالشأن الإفريقي

يشكل نجاح عمر المختار سيسوكو امبالو، الذي ينتمي لقومية الفلان، في جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية بغينيا بيساو خطوة جديدة في مسار الصعود السياسي للمنتمين لقومية الفولان إلي السلطة بغرب إفريقيا. فامبالو يعتبر الآن رابع رئيس في غرب إفريقيا يصل السلطة عن طريق صناديق الاقتراع من الفولان بعد الرئيس الغامبي آداما بارو والرئيس السنغالي ماكي صال ورئيس نيجيريا محمد بخاري.

 

ويلحظ المتابع لتطورات الحالة السياسية في منطقة غرب إفريقيا صعودا متزايدا للنخب السياسية لقومية الفولان في المشهد السياسي على مدار السنوات الأخيرة، وتقف وراء هذا الصعود الذي أوصل بعض القادة السياسيين للفولان إلي سدة الحكم، وهيأ بعضهم لتصدر المشهد السياسي في صفوف المعارضة في غينيا كوناكري وبركينا فاسو ومالي عدة عوامل بنيوية ومتغيرات اجتماعية وسياسية من أهمها:

 

التحرر من عقدة تصدر الفولان:

ساهمت التجاذبات والاستقطابات القومية بالعديد من الدول الإفريقية في الآونة الأخيرة من التحرر التدريجي من عقدة تصدر قومية الفولان في المشهد السياسي وهرم السلطة، فقد دفع الفولان ضريبة خلافاتهم الثقافية مع المستعمر الفرنسي مما جعلهم في مؤخرة القوى التي يرى الاستعمار الفرنسي فيها قابلية حراسة مصالحه وثقافته في المنطقة، وقد تم توريث هذه العقدة للقوميات الأفريقية الأخرى القريبة ثقافيا من المستعمر مما جعلها تنظر إلي الفولان كخطر على الدول الناشئة بفعل ميولهم القومية الطاغية وطموحهم الساعي لإرساء مشروع دولة الفولان الكبيرة. إلا أن خلاف القوميات الرئيسية في بعض الدول التي ينتمي لها الفولان على السلطة في السنوات الأخيرة بعد عقود من الحكم وتنامي عقد وحساسيات بعض هذه القوميات من بعضها بخصوص قضايا السلطة والحكم، فتح الباب أمام طموح النخب السياسية الفولانية كخيار يخفف من الاستقطاب العرقي بين قوميات الصدارة في النسيج الاجتماعي.

 

ففي غينيا بيساو مثلا، أصبحت شدة الاستقطاب السياسي بين قوميتي "بيبل" و"بالانتي" مناسبة لتصدر شخصية سياسية تنتمي لفصيل قومي آخر لم يُجرب في الحكم، وهو ما أهل الفولاني عمر سيسيكو امبالو للفوز، مع أن الفولان يمثلون مكونة ديمغرافية مهمة في البلد ترى أن الوقت قد حان لتأخذ مكانتها السياسية في السلطة والسياسية، هذا بالإضافة إلى تنامي زيادة أعداد المسلمين في غينيا بيساو بشكل كبير على مدار الأعوام الأخيرة.

 

وتشبه الطريقة التي وصل بها الرئيس الغامبي آداما بارو إلى السلطة، الذي ينتمي إلى الفولان نفس السيناريو، فقد اشتد الصراع في البلاد في العقدين الأخيرين بين قوميتي "الماندينغ" و"اديولا"، فنجحت المعارضة بذكاء بترشيح "بارو" حتى لا يتحول السجال السياسي إلى سجال قومي، مع أن "بارو" كان محسوبا سياسيا على قومية "الماندينغ".

 

الرافعات السياسية والمالية:

استفاد العديد من القادة السياسيين الفولان من رافعة العصبية، فالرئيس السنغالي ماكي صال كان له دور رئيسي في تثبيت حكم الرئيس آداما بارو، بعد رفض الرئيس السابق الدكتاتور يحي جامي تسليم السلطة لبارو في البداية، حيث لعبت السنغال أدوارا دبلوماسية وعسكرية وأمنية لإجبار جامي على تسليم السلطة، ويُنظر اليوم إلى علاقات "بارو" بالرئيس ماكي صال كعلاقات تابعة، خلافا للحال الذي كان عليه الوضع في عهد الدكتاتور جامي.

 

وكان الرئيس صال من كبار داعمي الرئيس الجديد لغينيا بيساو، عمارو سيسوكو امبالو، ولعل أكبر مؤشر على هذا الدعم احتضان داكار لتوقيع اتفاق دعم بين أمبالو والمرشح نينو كوميس نابيام، الذي حل في الترتيب الثالث في الجولة الأولى من الانتخابات.

 

ولا يخفي الرئيس السنغالي ماكي صال مواقفه الداعمة للفلاني سيلو دالن جالو زعيم المعارضة بغينيا كوناكري، الذي يتخذ من داكار إحدى إقاماته المفضلة ويحضر جالو جميع الأنشطة الرسمية الكبيرة لحزب التحالف من أجل الجمهورية، الحزب الحاكم بالسنغال.

 

ويستفيد بعض مرشحي الفولان من الدعم المالي السخي لأبناء قوميتهم، فزعيم معارضة غينيا كوناكري سيلو دالن جالو لا يتحمل شخصيا سوى القليل من تمويل أنشطته السياسية، والسبب هو أن تجار الفولان، الذين يمثلون ما بين 80% و90% من تجار البلد، يلعبون الدور الرئيسي في تمويل الأنشطة السياسية لحزب الرجل. كما اشتهر رجل الأعمال الفلاني هارونا جا بتمويل حزب الرئيس ماكي صال قبل وبعد وصول الرئيس صال للسلطة.

 

شعور قومي عابر للحدود

تتعزز لحمة شعب الفولان بطريقة عابرة للحدود الجغرافية لبلدانهم، وقد ساهم انتشار وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة وتعرضهم للمظالم السياسية والاجتماعية في بعض بلدان غرب إفريقيا في تنامي شعور الجسد الواحد لدى هذه القومية.

 

وتعتبر رابطة "تابيتال بولاكو" التي تم إنشاؤها سنة 2002 بالعاصمة المالية باماكو أبرز تجمع خاص بالفولان، وتنظم الرابطة أنشطة سنوية تطرح خلالها مشاكل وتحديات مجتمع الفولان على المستويات الثقافية والسياسية، ويحضر أنشطتها ممثلون عن القومية من مختلف البلدان التي يوجد فيها حضور للفولان بالإضافة للفولان المقيمين في المهجر. وتسعي الرابطة للدفاع عن ثقافة الفولان ولغتهم والتوسط في الصراعات التي يدخلها الفولان والضغط على الحكومات التي تضايق الفولان.

 

وينتشر الفولان في العديد من الدول الإفريقية كموريتانيا، ومالي، والسنغال، وغينيا كوناكري، وغينيا بيساو، والكاميرون، ونيجيريا التي يصل فيها تعدادهم إلى حوالي 20 مليون نسمة.