على مدار الساعة

الشيخ: محمد عبد الله ولد عبد الله.. رحيل خاتمة الحفاظ

20 مارس, 2020 - 11:47
عبد المالك ان ولد حني، كاتب

"يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين "، البيهقي.

 

ولقد ودعنا اليوم بحزن، أحد هؤلاء، بحق..

 

كان آخر فقهاء الشريعة الذين دأبوا على تدريسها وآخر الذين اعتلوا باقتدار برج العلم والعمل وآخر البقية الصالحة من هيئة التدريس بالمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية -من على شاكلة، العلامة القاضي: محمد سالم ولد المحبوبي، و العلامة الشيخ: محمد يحي ولد الشيخ الحسين- رحمهما الله، الذين صنعوا الحياة، وبذلوا المعروف، وبثوا العلم والورع.

 

إنه شيخي وأستاذ الجيل: محمد عبد الله ولد عبد الله، أحد "الأكابر...الذين لا ينبغي أن تترك أخبارهم نسيا منسيا، على جلالتها"، بتعبير: الشيخ: باب ولد الشيخ سيديا، رحمة الله عليه.

 

عرفت الرجل فترة التحاقى بالمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية -أواسط التسعينيات- وجذبنى في شخصيته: علمه الوافر، وسمته الجميل، ووقاره غير المتكلف.

 

وكان أحد ثلاثة -على علمى- يرجع إليهم في فن القراءات، وعلوم القرآن، كالشيخن: صدافه ولد محمد البشير، وبداه ولد البوصيري. رحمهما الله تعالى.

 

فهو -إذن- ماهر بالقرآن، ويؤديه غضا طريا، ويجيده: حفظا، ومقرء، ورسما، كما يتقن: الشاطبية.

 

وفقيه يستظهر المختصر، ومختلف مصنفات المحظرة الشنقيطية، في أصول الفقه، ومصطح الحديث، وعاشق للعربية، خادم لفنونها ومصنفاتها.

 

كنت لا أفوت على نفسى فرصة زيارته، في بيته ومسجده ومحظرته بعرفات -العمود 09- حتى بعد مغادرتى للمعهد، فأجالسه، وأسمع منه، وفاء له، وإكراما لمنزلته، وأحفظ له أنه كان يحيطنى برفقه وفضله.

 

وأشهد أنه حتى في آخر عمره، كان يلزم نفسه قيام التراويح في مسجده، ويؤمنا على ضعفه وشيبته، وقوة إيمانه، ويمتاز بطول صلاته في المكتوبات، وهذه ميزة يشترك فيها مع شيخي العلامة الإمام: محمد الأمين ولد الحسن، شيخ محظرة العون ومسجد الشرفاء، رحمه الله.

 

حاز (باله) بتشديد اللام وفتحها، كما يحلو لطلابه أن ينادوه، علما واسعا، وتمكنا نادرا من النصوص، وتخرجت على يده أجيال من طلبة العلم بالمعهد العالي، وكان يرابط في مسجده، يتعبد ويعلم الناس.

 

تلقى طلبة الشريعة والعربية علمه، وأحبوه، وتنادوا إليه، كما يتنادى الظمئان إلى الماء البارد الزلال، وقد نفع الله بعلمه، ووهبه القبول، أحسبه كذلك.

 

وكان الفقيد -رحمة الله عليه- يتوارى لفضله وتواضعه عن الأضواء، ولا يتحمس لوسائل الإعلام والأنشطة العامة، وهو ما يجعله غير (معروف) في الأوساط الجامعية والمعرفية، وإن عد (ابن جلا وطلاع الثنايا)، كما انتمى بأحقية إلى أساتذة التعليم العالي، وهتف زملاؤه وتلامذته، ومحبوه، بعلمه، وانبهر الناس بزهده.

 

أسأل الله سبحانه وتعالى، أن ينعم روحه الزكية في الفردوس الأعلى، ويتقبله في عباده الصالحين، وإنا لله وإنا إليه راجعون.