على مدار الساعة

كرونا جند من أجناد الله.... وأمة من الأمم... فهل وصلت الرسالة!؟؟

20 مارس, 2020 - 14:49
د.المهابة محفوظ ـ أستاذ جامعي وباحث أكاديمي.

قال تعالى في سورة الأنعام:" وما من دابَّة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم  ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون".

 

ليس المقصود هنا هو كتابة المعلومات ولا تدبيج الرسائل ولا رسم الحروف بل الهدف هو وصول المعاني والآثار والنتائج والعبر إلى قلوب الناس وحياتهم والعمل بمقتضاها قبل فوات الآن.

 

كرونا كائن مجهري غريب من أوابد الفيروسات وشوارد الجراثيم، يدخل بلا استئذان، ولا تراه العين المجردة، ولا تلمسه اليد، ولا يحتاج إلى تأشرة أو جواز سفر، ولا إلى حارس أو سلاح أو مرشد سياحي، ولا إلى وسيلة نقل أو حجز في الطائرات أو القطارات أو الفنادق.

 

وإنما يحتاج إلى إذن من خالقه سبحانه في إطار النواميس الكونية التي لا تحابي أحدا. ويبدو أنه مأذون ومسلَّط وممكَّن ويؤدي مهمته على أكمل الوجوه.

 

لا يوجد في الكون اعتباط ولا مصادفة بل يخضع الكون كله وحياة البشر كلها لقوانين صارمة لا تتبدل ولا تتغير، وهي نوعان سنن كونية وسنن إنسانية. فالسنن الكونية هي التي تخضع لها السماوات والارض ومن فيهن وما فيهن وكذلك الفضاءات والمجرات ومواقع النجوم مما يرى ويدرك بالحس، ومما لا يرى ولا يدرك إلا بآثاره، وأعظمْ بها من آثار.

 

والسنن الإنسانية هي النواميس الاجتماعية والحضارية التي تخضع لها حياة البشر في النشوء والارتقاء، وفي الحياة والموت، وفي النهوض والسقوط، وفي الديمومة والاستئصال.

 

والعالم اليوم بأجمعه في حرب حامية الوطيس مع كرونا، فمنهم من جمع الفلوس، ومنهم حجر النفوس، ومنهم من نشر الجيوش، ومنهم وضع المكوس، ومنهم من أغلق الأسواق ودور الملاهي والسينما والحدائق ومنع التجمعات، ومنهم عطل وسائل النقل جوا وبرا وبحرا. ومنهم سد المنافذ والحدود وأعلن حالة الطوارئ، ومنهم من أغلق المساجد والكنائس والبِيَعَ والصلوات، ومنهم من أكثر من الفحص والتطبيب والتعقيم.

 

وحسنا ما فعلوا من تفعيل السنن الكونية والبشرية أخذا بالأسباب لو فعَّلوا مع ذلك السنن الربانية في النصر والهزيمة، وفي المثوبة والعقوبة، وفي الفلاح والخسارة، وفي صنوف العذابات التي يرسلها الله على خلقه بسبب ما كسبت أيديهم، وفي كيفية رجوعهم عن ذلك قال تعالى في سورة الروم:" ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون".

 

فأين التعقل والتبصر وفقه النظر في الأسباب والعواقب؟ أليس من هذه البشرية رجل رشيد يربط الوقائع بأسبابها الحقيقية؟

 

ليست كرونا مجرد جرثومة أو فيروس أو ميكروب ينتمي إلى عالم الطبيعة فحسب بل هو كذلك ولكنه أيضا فوق ذلك كائن مجهري من أجناد الله تعالى ينتمي إلى القضاء والقدر ونواميس الله في الخلق جاء قدَرا بقَدرٍ من خزائنه سبحانه تنبيها للغافلين، وتعليما للجاهلين، وقصما للجبارين، وإذلالا للمتكبرين، وعقوبة للمصرين، وويلا للمكذبين، وحربا على المرابين، وطهرة للمؤمنين، ورسالة للمتفكرين، وحجة على المجرمين، ومكرا بالماكرين، وتغييرا في الموازين، وتذكيرا للمذنبين، فهل فهمنا شيئا ولو قليلا من   تلك الرسالة.!؟؟

 

كُرونا قدر.. كُرونا رسالة.....كُرونا  عقوبة..... كرونا صرخة في وجوه العتاة والمجرمين والمفسدين في الأرض.

 

ومن رحمة الله تعالى ولطفه وعنايته بنا أنه خاطبنا بجميع أنواع الخطاب والبيان حتى نتعقل وننتفع ونعتبر:

 

1-لقد كتب الله إلينا بحروف كبيرة وآيات عظيمة هي الشمس والقمر والسماء والأرض والليل والنهار والأنهار والأجبال.....

 

قال تعالى في سورة ياسين: "سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون وآية لهم الليل نسلخ منه فإذا هم مظلمون والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم. لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا اليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون".

 

 2-ثم كتب لنا بحروف أخرى هي آياته في الأنفس والآفاق... قال تعالى في سورة فُصِّلت:" سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد"...

 

 3-ثم كتب إلينا بحروف أخرى لطيفة جدا ومريحة جدا هي النعم الظاهرة والباطنة... قال تعالى في سورة الإسراء:" وإذا أنعمنا على الانسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر كان يئوسا" وقال تعالى في سورة النحل:" يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون". وقال تعالى في سورة لقمان:" ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة، ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير".

 

 4-ثم كتب إلينا بحروف أخرى هي الكائنات الحشرية بيانا لعقوبات إلهية لأمم سابقة، وهي عقوبات قابلة للتكرار مرة أخرى حسب ناموس الله سبحانه، قال تعالى في سورة الأعراف:" فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقُمَّل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين".

 

5- والآن يكتب إلينا بحروف أخرى مناسبة للعصر وتطور العلم والحضارة، وهي الكائنات المجهرية التي هي من جنود الله المجندة، قال تعالى في سورة المدثر:" وما يعلم جنود ربك إلا هو، وماهي إلا ذكرى للبشر".

 

وقال تعالى في سورة الفتح:" هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما". فهل تعقلنا وتفهنا الرسالة؟ وهل استفدنا من الدروس والعبر والمواقف والمواعظ؟

 

6-ولا شك أن قراءة هذا الوباء في ضوء السنن الإلهية في القرآن الكريم يجعلنا نقف مع قوله تعالى في سورة الأنبياء: "وكم قصمنا من قرية كانت آمنة وأنشأنا بعدها قوما آخرين".  وقوله تعالى في سورة النحل: "وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون".

 

7-فكما أن الشمس آية والقمر آية وناقة صالح آية والمائدة التي نزلت على قوم عيسى آية وبقرة بني إسرائيل آية والغراب الذي علم الأخ دفن أخيه آية وقصة أهل الكهف آية والجبل الذي كان ظلة فوق بني إسرائيل آية وقصة مريم آية وقصة يحيي آية وقصة عيسى آية وعصى موسى آية، والحشرات التي أرسلت عقوبة لبني إسرائيل آية فكذلك وباء كرونا آية عظيمة ورسالة بليغة هدفها التخويف الذي يورث التوبة والمراجعة والتقييم والعودة إلى الله بفهم وعلم وبصيرة قال تعالى في سورة الإسراء:"وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها  وما نرسل بالآيات إلا تخويفا". وقال تعالى في سورة السجدة:"ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون".

 

8-وقال تعالى في سورة الفجر في حق العتاة المجرمين قال:" فصب عليهم ربك سوط عذاب، إن ربك لبالمرصاد".

 

وفي حضارة ثمود يوم عَقَر أشقاهم ناقة صالح قال تعالى في سورة الشمس مبينا عقوبتهم:" إذ انبعث أشقاها فقال لهم رسول الله ناقة وسقياها فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ولا يخاف عقباها".

 

9-وجاءت السيئات في القرآن بمعنى الشرك وبمعنى الفواحش التي منها اللواط، وبمعنى أنواع العذاب الأخرى، فمن تلك المعاني الشرك، وهو من أعظم الذنوب في عالم اليوم التي يكون عليها العقاب قال تعالى في سورة الجاثية: “أم حسب الذين اجترحوا السيئات، أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون". ومن تلك المعاني الفواحش وكبائر اللواط المنتشرة في عصرنا حيث عوقب قوم بسبب السيئات قال تعالى في سورة هود " وجاءه قومه يُهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد". ومن ذلك العذاب الذي يحل بالظالمين وقد عبر عنه القرآن هنا بالسيئات كما قال المفسرون قال تعالى في سورة الزمر: “فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وماهم بمعجزين".  والسيئات هنا هي أيضا العذاب كما قال المفسرون، والعذاب صنوف وأنواع وجنود مجندة.

 

10-ومن سنن الله تعالى في ابتلاء خلقه أن تتعاقب الحسنات والسيئات على الناس، وتمر عليهم أحوال مخالفة وأحوال موافقة من ضر ومنفعة، ومن نعم ونقم، ومن فقر وغنى؛ قال تعالى في سورة الأعراف: “وقطَّعناهم في الأرض أمما منهم الصالحون ومنهم دون وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون".

 

الحل الوحيد هو فهم الرسالة والاعتبار بها ومعرفة أسباب العقوبات الإلهية والتخلي عنها وفق الضوابط الشرعية المنصوصة في القرآن والسنة.

 

الحلول:

وليس لذلك من حلول إلا حلول الإيمان في القلب، وحلول التوبة في الجوارح، وحلول القرآن والسنة في الحياة وذلك على النحو التالي:

 1- التوبة إلى الله قلبا وقالبا وظاهرا وباطنا من جميع المعاصي والمخالفات.

 

2-الصدقة الكثيرة الدائمة حتى تصير سلوكا مميزا لكل المسلمين.

 

3- كثرة الاستغفار والتضرع والدعاء وملازمة اذكار الصباح والمساء قال تعالى في سورة الأنعام: "فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون".

 

4- أداء الحقوق والمظالم ومحاسبة النفس على التقصير في جنب الله تعالى.

 

5- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحسن الظن بالمسلمين والتلطف معهم ومحبتهم والشفقة عليهم.

 

6- التلاوة والتدبر والعكوف على مائدة القرآن والوقوف عند عجائبه وتحريك القلوب به كما أرشد إلى ذلك الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

 

7- الدعوة إلى الله تعالى في كل وقت ومناصحة المسلمين وتوحيد كلمتهم على الحق والأخوة والوسطية وهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم.

 

8- إحياء السنن النبوية في كل مجال من مجالات الحياة الفردية والاجتماعية.

 

9- الاخذ بالأسباب والإجراءات الاحترازية والصحية والتعليمات الوقائية الصادرة عن السلطات الحكومية والصحية في كل بلد من بلدان العالم.

 

10- التزام البيوت في أغلب الأوقات وإحياء السنن والآداب الشرعية والبعد عن الشائعات والأراجيف عملا بقوله صلى الله عليه وسلم فقد روى الترمذي من حديث عقبة بن عامر" قلتُ يا رسول الله ما النجاة؟ قال أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك".