على مدار الساعة

حتى لا تتكرر التجارب الفاشلة

26 مارس, 2020 - 16:50
الحسن ولد محمد ـ عمدة بلدية عرفات

تابعت مع غيري من الموريتانيين خطاب رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني الخاص بالإجراءات الاجتماعية والاقتصادية الخاصة بمواجهة آثار كورونا، وتابعت بعض ردود الفعل الأولية عليه. وقد بدالي أن أغلب المعلقين اتفقوا على أهمية الخطاب، على مستوى من التوفيق وقتا ونوعية إجراءات.

 

واتفقت فئة أخرى من ردود الفعل على أن المسألة الرئيسية في مثل هذه الظروف الحالية ليس نوعية الإجراءات، ولا حجمها، وإنما في التنفيذ، والرقابة والمتابعة. ولاحظت أن فئة ثالثة توقعت أكثر، وقد كنت أطمح أن تكون ثمة التفاتة إلى الطواقم الصحية، والقوى العسكرية والأمنية، وهم في أمس الحاجة إليها أصلا، ويستحقون لفتة خاصة بهذا الظرف الذي يتقدمون فيه الصفوف ويتعرضون للمخاطر فداء للوطن ولساكنته. كما توقعت أن يكون في الخطاب شيء عن خفض أسعار الوقود؛ فهي منخفضة اليوم على مستوى العالم، وخفضها سينعكس بشكل آلي على كثير من القطاعات الحيوية.

 

وأتمنى أن يعي مؤيدو الرئيس أن حاجة الخطاب إلى التنفيذ ألح وآكد من حاجته إلى الشرح والتعليق والإشادة، وإن كنت لا ألومهم على الاستفادة من اللحظة سياسيا، فذلك حقهم المشروع. ولذلك سيكون تعليقي الأساسي على الجوانب المتعلقة بالتنفيذ.

 

بعض الإجراءات المعلن عنها في الخطاب يتعلق بإلغاء ضرائب وتعريفات جمركية، ومتابعة الأسواق، وأظن أنه لن يكون الأكثر تعقيدا لأنه بالأساس يستهدف ناسا يعرفون كيف يصلون إلى حقوقهم، ولديهم طرقهم للتواصل مع السلطات العليا في حال تعرضوا لغبن، أو مورس عليهم ظلم في تطبيق تلك الإجراءات.

 

وما يعنيني أولا كمواطن أعايش المواطنين العاديين، وألتقيهم في أسواقهم، وأحيائهم، وكعمدة مسؤول عن واحدة من أكبر البلديات، على مستوى الوطن، ومن أقدم العمد الموجودين اليوم في البلديات، هو ما يعني الفقراء وما سيوزع على بعضهم ا

 

وتجربتي مع التوزيعات السابقة تجعلني أقل تفاؤلا من كثير من المعلقين على الخطاب، وكثير من الآملين في الإجراءات، ولا بد أن أحذر من تكرار الممارسات السابقة، وأنبه إلى بعض مثالبها، سعيا لتفاديها، وقياما بواجب النصح للسلطات في هذا الظرف العصيب.

 

في التجارب السابقة دأبت السلطات المعنية- وهنا أتحدث عن تجربة تمتد لأكثر من 13 سنة عرفت حملات تدخل وتشهد عمليات توزيع لبعض المواد- على تشكيل لجنة مقاطعية تسند مهمة رئاستها إلى السلطات الإدارية، وأحيانا تعزز بمستشار من مستشاري لوزارة الأولى ،وأحيانا بموفد من مفوضية الأمن الغذائي، يكونون تحت قيادة السلطات الإدارية في المقاطعة.. ورغم اعترافي بصعوبة التوزيعات في بلدنا لاختلاط الفقراء بالأقل فقرا وتارة بالأغنياء فقدحاولت في عدة تجارب سابقة العمل معهم وفق الطريقة التي يأتون بها، ولكني في كل مرة كنت أفاجأ أن المستهدفين من العملية هم أقل المستفيدين منها، ما جعلني أحضر باستمرار في بداية كل عملية لأعبر عن وجهة نظري وأنسحب

 

لقد كنت أرفض منطق شهادة الزور، وأن أحضر لتمثيل سكان البلدية، ثم لا يمكنني أن أرفع الظلم البين أثناء عمليات الإحصاء، والتسجيل ثم التوزيع.. وكنت في كل مرة أعبر عن وجهة نظري بضرورة إسناد المسؤولية في هذا ‘إلى من اختاره السكان، أو على الأقل إشراكه إشراكا حقيقيا بحيث يمنع الظلم عنهم، أو يخفف منه، ولكن الإجابة كانت دائما واحدة، وهي أن العرف يقتضي أن يرأس الحاكم اللجان المقاطعية.. ثم لا تسأل بعد ذلك عن الظلم والحيف وسوء التسيير الغالب.. التي تنقلب إلى شكايات وخصومات بعد كل عملية توزيع، بما فيها عمليات توزيع لحوم الأضاحي السنوية!!.. ومجددا أقترح:

1. أن يكون دخل الصندوق المعلن عنه شفافا معلنا في مداخيله وإنفاقه.

2. يجب أن تسند إدارة الصندوق إلى قيادة شخصية وطنية إجماعية، ويبتعد بها عن الترضيات الوظيفية، وتسند بتشكيلة من شخصيات وطنية تمثل كافة الطيف الوطني.

3. تشرف تلك الشخصيات على الإنفاق، وعلى كل العملية من بدايتها إلى نهايتها، بداية من وضع معايير المستحقين، وآليات الصرف.

4. أن تصرف الإعانات المالية عبر حسابات بنكية، وأن تكون الأسر معلومة تساهم في تحديدها الشخصيات المعروفة في الأحياء والمنتخبون.

5. أن تسلم الإعانات الأخرى إلى المجالس البلدية، ويراقب عملها، لأنها هي المسؤولة أمام المواطن، ولأن أغلب من فيها يطمحون إلى أن يعيد الناس انتخابهم، وبالتالي ستكون الرقابة عليهم أكبر، وأدق.

6. لدينا في بلدية عرفات تجربة  في تسجيل الفقراء في سجل خاص بالبلدية، وهو موجود ويتم تحديثه باستمرار، ولديه معايير واضحة، ولا نعتقد أنه سالم من الشوائب، ولكنه جهد متراكم يمكن البناء عليه، وهو متوفر ألكترونيا، ونضعه في خدمة من يريد.

 

ختاما أقول إن المنتخبين المحليين أولى بتسيير ما يستهدف الفقراء من الصندوق، لأن الناس ائتمنتهم على مصالحها، والأصلح إسناد الأمر إليهم لمكانهم من الناس ومعرفة الناس بهم، والإداريون ضيوف محروسون بالقوة العمومية ولا أحد من المواطنين يملك محاسبتهم، ويهمهم رضا رؤسائهم الذين لا يمكن أن يطلعوا على الأمر إلا من خلال التقارير، وتلك قصة نعرفها جميعا.

 

إذا أردتم ألا تكرروا التجارب الفاشلة فتجنبوا طريقها، فلا يعقل أن تسيروا في نفس الطريق وتتوقعو الوصول إلى محطة مختلفة.