على مدار الساعة

تأملات في معايشة الموريتانيين للقرآن الكريم

17 مايو, 2020 - 15:23
عبد المالك ان ولد حني: كاتب

دون مفاخرة أو منافرة، فإن إضافة بلد المليون حافظ لموريتانيا، يحتمها التصنيف والتشخيص، وينطق بها واقع خدمة كتاب الله هنا، وموروث المحظرة عندنا.

وللطغرائي:
تقدمتنى أناس كان شأوهم@وراء خطوى لو أمشى على مهل !

على أن الزركشي صاحب أقدم مؤلف في علوم القرآن مصري، ومثله السيوطي في كتابه الإتقان، وأن صاحب الشاطبية في القراءات أندلسي، وابن الجزري دمشقي، وأن ابن بري صاحب الدرر اللوامع في أصل مقرأ الإمام نافع مغاربي، وأن مشاهير القراء ليسو من بيننا في موريتانيا.

فإن اعتناء الموريتايين (الشناقطة) إحالة إلى التسمية التاريخية، بالقرآن وعلومه، فاق التوقعات، وعز نظيره.

ولقد أسهمت المحظرة -الجامعة المتنقلة- عندنا في إحراز ذلك التميز، وتلك الحصيلة.

على هذه المؤلفات انكب الموريتانيون، فاستظهروا واستوعبوا، وأضافوا في الشروح والحواشي والاستدارك والمراجعة، حتى خطفوا الأضواء بمهاراتهم، فصاروا أكثر إتقانا، وأندى صوتا، وأرحب أفقا.

وكان أهل القرآن على هذه الرقعة من البسيطة هم ولاة صدور المجالس، إليهم مرجع المجتمع في كل حال، ومفزعه حين يحزبه أمر ذو بال.

والناس -في جملتهم- يعرفون لهم أقدارهم ومنازلهم.

"فإن من أدرك علم أحكام الله في كتابه نصا واستدلالا، ووفقه الله للقول والعمل بما علم منه، فاز بالفضيلة في دينه ودنياه، وانتفت عنه الريب، ونورت في قلبه الحكمة، واستوجب في الدين موضع الإمامة". كما للشافعي في الرسالة.

وقد أدرك الموريتانيون قديما أهمية اللغة للشريعة الإسلامية، ولفهم كتاب الله -تحديدا- وإتقانه، فأصروا في تحصيلهم على أن العربية من الدين، وأن لا سبيل إلى فهم العقيدة والتزام الشريعة بغير العربية، فأولوها اهتماما كبيرا، إلى أن وصلوا إلى مرتبة الإمامة في اللغة العربية وفنونها، ليستعينوا بها على كتاب الله تعالى.
في رمضان قد تكون في الشارع، أو أحد الأحياء السكنية، فيخرج لك صوت الموريتاني، يرتل قائما، ويحبر القرآن تحبيرا، قبل أن يعود صباحا إلى دكانه في ساحل العاج، أو مكتبه بالخليج، أو حيه الجامعي للدراسة، أو شغل يومه، مهما يكن.
ألا ما كان أعظم نجاح الموريتانيين في الحفظ والإتقان، والتميز والمشاركة، حين كانت المحظرة قبلتهم، والموروث الحضاري ديدنهم، قبل رياح الاستلاب الآن، والعزوف عن الإستزادة، نحو تقنية الصورة -على أهميتها- وعمى الحداثة المادي.

يمثل الصيام غذاء العقل ورواء الروح، وتتميز عبادته بالشعور الحقيقي بالتساوي، وتلغى التمايز، وتحقق أكبر قدر من التكافل، وتمر الشهور وتتقلب السنون ليغادرنا شهر القرآن هذا، بعد أن أعاد الشعور بمعاني الحياة الحقيقية (...لعلكم تتقون)، وقيم الدين، والتكافل الاجتماعي، ونمى الشعور بحاجة المحتاجين.
نحمد الله على حالنا، دون تعصب ولا غض للطرف عن تميز الآخرين وحسناتهم. 
وأزعم أنني أعرف الكثير من المجتمعات المغاربية، وبعض أهل المشرق، وقرأت عن المجتمعات المسلمة في آسيا، والغرب، لكن أوراد الموريتانيين في رمضان، ودأبهم في التراويح، وموائد إفطار الصائم، ومسيرتهم وحكايتهم مع رمضان، والعادات والعبادات الثابتة فيه، من قراءة: الموطإ، والبخاري ومسلم، ولزوم الشفا بتعريف حقوق المصطفى، قراءة للقاضي: عياض، كما هو الحال في مساجد ولاتة وأخواتها، بإثبات كتب التراجم والحوليات، أمر معلوم ومعروف.
بأهل القرآن هؤلاء -الأتقياء الأخفياء- سننتصر على هذا الوباء، ويرفع الله عنا بأعمالهم وبركاتهم، وتضرعنا جميعا جائحة البلاء.
كان هذا الجو الإيماني الذي نعيشه في رمضان، يشبع المتابع ويغنيه، ولقد برعت المحظرة في إبرازه وشيوعه، وأضحى وجها نعرف به، وصنع رجالا منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر.

إن التزامنا بكتاب الله واعتصامنا به تدريسا وعملا ومرجعية، هو سر تنميتنا، وسعادتنا، ووحدتنا، وإن الحيدة عن ذلك -لا سمح الله- مؤذن بالفشل والفرقة والتراجع، والواقع يؤيد هذه الفرضية، ويعززها، فطوبى لأهل القرآن -حين يحيون هذا الشهر- فهم بحق أهل الله وخاصته، وما فتئوا: خيار الناس بتعلم القرآن وتعليمه.