على مدار الساعة

للإصلاح كلمة من وحي القرءان: تبين حقائق بعد انتهاء رمضان

25 مايو, 2020 - 23:19
بقلم الأستاذ / محمد بن البار

كلمة الإصلاح الآن ارتأت أن تستخلص من حلقاتها الرمضانية من وحي القرآن للتذكير في أيام رمضان – حقائق ينشرها القرآن دائما عن حقيقة هذا الكون: عن بدايته، ونهايته، وعن دور الإنسان فيه، ولماذا خلق؟ وما هو مصيره بعد هذا الخلق؟

 

كل هذه الحقائق واضحة المعالم في هذا القرآن الذي هو كلام الله مباشرة موجها إلى البشرية جمعاء، وقد أنزله على عبد من عباده اختاره الله لأمانته، وصدقه، وخلقه لتبليغه نيابة عنه، ليكون حجة من الله في الدنيا على خلقه لمؤاخذتهم به يوم القيامة طبقا لمواقفهم منه: {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}.

 

إذا على هذا الإنسان أن يتأمل حياته الدنيوية المحدودة مع مستقبله الأخروي اللا محدود في نصوص هذا القرآن الذي ينطق علينا كل ساعة بالحق فقط، وأن يتأمل كذلك ما ينطق به الرسول صلي الله عليه وسلم من تأويل هذه الرسالة المعجزة التي تحدى بها المولى عز وجل العالم كله إنسه وجنه على أن يأتوا ولو بسورة واحدة من مثله، ولو كانت هي أقصر سوره، وقد أذن للجميع أن يتعاون على هذا الإتيان فلم يستطيعوا.

 

وخوفا من التطويل الممل فإني سوف أكتب هذه الحقائق أولا بأول وباختصار شديد:

- الحقيقة 1: هي أن الله خلق هذا الكون بسمائه وما فيها من الخلق ووسعها ليشمل غطاؤها ما تحتها من الأرض وجعلها سكنا لخلقها من الملائكة والجن، وخلق الأرض كذلك بما فيها من جبال ووهاد وقدر فيها أقواتها وجعلها تكفي لسكنى ما سيخلق عليها من إنسان وحيوان وجمادات تكفيهم أحياء وأمواتا، وخلق فوق الأرض النيرين الشمس والقمر وجعلهما يسيران حولها بحساب وزمن مقدر بوجود حركتهما حتى إرادة الله النهاية لتلك الحركة، وجعل لتلك الحركة معيارا ثابتا لتعداد السنين المقدرة لهذه الدنيا حتى النهاية.

 

- الحقيقة 2: بعد خلق هذا الكون خلق الإنسان وبعد خلقه أولا من طين الأرض مصورا له على شكله الحالي نفخ فيه من روحه وجعلها آلته الوحيدة التي تترتب عليها حياته بجميع إرهاصاتها من فكر وسمع وبصر إلى آخره، وبفقده يفقد الجميع، وبعد خلق الإنسان الأول آدم خلق منه هو زوجه على شكله أيضا، ثم تحولت آلة الخلق إلى نطفة تصدر من الرجل لتتربى قبل الميلاد في رحم أنثاه ليتشكل إنسانا، وهذا شامل لخلق كل إنسان في الدنيا حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وليس هناك أي استثناء بعد خلق زوج آدم منه هو نفسه إلا خلق عيسى المخلوق من أم دون أب، بل خلقه الله بقوله: {كن} فكان عيسى بن مريم عليه السلام.

 

هذا الإنسان كله قطع لكل جيل منه قطعة من هذا الزمن المقدر بحركة الشمس والقمر حول السماء والأرض، ليحيى فيها وبانتهاء الأجل المقدر لكل إنسان على حدة ينتهي وجوده في الدنيا فوق هذه الأرض يقول تعالى: {ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده}، وهذا الأجل المقدر عند الله والمسمى عنده هو المصير النهائي لهذه الدنيا.

 

- الحقيقة 3: هذا الإنسان خلق الله غالبيته لتكون هي والحجارة حطبا لنار جهنم يقول تعالى: {يا أيها الذين ءامنوا قوا أنفسهم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة} وفي آية أخرى يقول تعالى: {فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة} وفي آية ثالثة يقول: {وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا} أي الجائرون في تصرفاتهم، وأما الآية الدالة على أن غالبية هذا الإنسان ستكون حطبا لجهنم فهي قوله تعالى: {ثلة من الأولين وثلة من الآخرين وأصحاب والشمال ما أصحاب الشمال في سموم وحميم وظل من يحموم} مقابل قوله تعالى: {ثلة من الأولين وقليل من الآخرين على سرر موضونة متكئين عليها متقابلين} إلى آخر آية السكنى في النعيم.

 

- الحقيقة 4: هي أن كل ما خلق الله جيلا من أجيال هذا الإنسان يرسل إليه رب العزة رسولا من جنسهم يحيا حياتهم من أكل وشرب ويتكلم لغتهم ليبين لهم حقيقة هذه الحياة الدنيوية ويحذرهم من مخالفة أوامر ربهم التي يوضحها لهم بالوحي من الله ويعدهم في ذلك الوحي بالإكرام لمن أطاع والتعذيب في الدار الآخرة لمن خالف ولم تبق أمة من الأمم إلا جاءها رسول بمعادلة الجزاء هذه للمطيع وللعاصي يقول تعالى: {وإن أمة إلا خلا فيها نذير}.

 

- الحقيقة 5: هذا الإنسان أغلق دونه علم الغيب أي ما وراء ما يبلغه بصره أو سمعه حتى الرسل من هذه الإنسانية لا يعلمون إلا ما علمهم الله، يقول تعالى: {قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله} وقال تعالى: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول}.

 

- الحقيقة 6: بعد تقدير الله لإرسال هذه الرسل للبشرية خلق الله من الجن جنيا اسمه ابليس وكان مع الملائكة عند خلق آدم وعندما أمر الله الملائكة بالسجود لأدم وأمره هو بذلك امتنع أمام الله من هذا السجود فأبعده الله من رحمته لذلك، وعندئذ عزم هو ما دام حيا أن لا يترك أي طريق يحيد بها هذا الإنسان عن أوامر الله إلا فعلها، فأذن الله لهذا الجني أن ينفذ بكل وسيلة ما عزم عليه مع الاستجابة له في طلب تأخير أجله لهذه المهمة، إلا أن المولى عز وجل استثني من هذا الإذن من أخلص له في عبادته فلم يجعل للشيطان عليه سبيلا يقول تعالى: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا}، ولعلم الشيطان أن الله لا معقب لحكمه في حماية المخلصين له قال المولى عز وجل أن الشيطان قال: {لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين}، وهذا يؤكد ما قلت سابقا من أن المخلصين من العباد هم الأقلية من هذا الإنسان لقوله تعالى: {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين}، فهذه الأكثرية من هذه الانسانية سيحشرون مسحوبين في النار على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم يقول تعالى: {ونحشرهم يوم القيامة على وجوهم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا} وليسمع ذلك دعاة حقوق الإنسان عما يستحقه المجرم عند الله يقول تعالى: {وترى المجرمين يؤمئذ مقرنين في الأصفاد سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار} إلى آخر الآية.

 

فهذا النوع من الإجرام هو الذي يدافع عنه الإنسان في الدنيا ولا يرضى له من العذاب إلا السجن فقط مع مراعاة الإحسان إليه في جميع ظروفه المسكن والمشرب والمطعم إلى آخره، فلم نشاهد أصحاب حقوق الإنسان في الدنيا يتفقدون ضحايا المجرمين ليطلبوا لهم عقوبة تناسب إجرامهم.

 

- الحقيقة 7: أن هذه الأغلبية من الإنسان الذاهبة لنار جهنم وبئس المصير تنقسم إلى أربع مسميات هي: الكافرون – المنافقون – المشركون – الفاسقون، أما الأقلية الذاهبة إلى جنات النعيم لتتلقاها الملائكة بالبشارة بهذا النعيم في جميع المراحل: ساعة الموت – أثناء البرزخ – وعند القدوم إلى الله ساعة البعث – وأثناء التنعم في رياض الجنة، فاسمهم الجامع لهم هو: المتقون؛ أي المتقون ما نهاهم الله عنه أو تابوا من فعله.

 

أما أهل النار الخالدين فيها قطعا فهم من كفروا أو كذبوا بما جاءت به الرسل، وقل أن تجد لفظ الخلود في النار إلا ومعه آية تذكر أن سببه الكفر أو التكذيب بالبعث ولذا يقول تعالى: {واتقوا النار التي أعدت للكافرين} ويقول: {لا يصليها إلا الأشقى الذي كذب وتولى}.

 

أما المنافق فهو الإنسان المنحرف عن خبث طوية في النفس فجزاءه عند الله إذا لم يتب هو الدرك الأسفل من النار.

 

أما المشرك فهناك الخطر كل الخطر على إيمان المؤمن، فالإشراك هو زرع يزرعه الشيطان في قلب المؤمن ليأتي به يوم القيامة وقد أهلك به من لا يظن في نفسه ولا يظن به الهلاك يقول تعالى: {وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا}، فالله تبارك وتعالى عنده صفة الألوهية والربوبية وهاتان الصفتان تتعلق بهما مصالح الإنسان، وهذه المصالح يختص الله تعالى وحده بإيجادها وإعطائها للإنسان، ولكن الشيطان هنا ينتهز فرصة حب الإنسان لمصالحه فيخيل للإنسان مهما كان إيمانه وعلمه أن هناك إنسانا يمكن أن يوفر له حاجته سواء كانت تتعلق بتوفير الرزق أو إعطاء الأولاد أو إنقاذه من ورطة لا ينقذ منها الا الله أو التأمين من عقابه يوم القيامة إلى آخره، ولا توجد في القرآن أي آية تدل على أن هناك أي إنسان مهما كان ورعه واستقامته يستطيع أن يجلب للإنسان أو يتحمل عنه أي شيء من خصائص الله، لأنه دائما حاضر وقادر، بل فقط هناك آيات تشير إلى أنه إذا كان شخص هو وأولاده وزوجه صلحاء يتفضل الله بجمعهم في النعيم في مكان واحد على سرر متقابلين: {جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم}، ولذا من قرأ القرآن كم يجد فيه من التلاوم يوم القيامة بين الإنسان ومن تخيل له في الدنيا أنه ينفعه، كم نسمع مثل قوله تعالى: {وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعو من دونك} إلى آخر الآية، والله يقول لكل فرد أشرك مع الله غيره في أي شيء: {وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون}.

 

فعلي القارئ الكريم أن يقرأ القرآن ويتفطن لكثرة ما توقفه المعركة بين الشركاء يوم القيامة بين الأعلى والأسفل كل يتبرأ من الآخر، والمعروف في القرآن أن صاحب الشرك إذا لم يتب لا يغفر له لقوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به}: فأن المخففة هنا والفعل المضارع بعدها يسبك من بينهم المصدر الذي يصير الفعل نكرة بمعني لا يغفر أي شرك بخلاف ما دون ذلك من الذنوب فمشيئة الله تتناول العفو عن المذنب غير الشرك ولو لم يتب لقوله تعالى: {ويعفو عن كثير}.

 

أما الفاسق المؤمن فهو المذنب بأي ذنب غير الشرك من غير توبة، فتقدير عقوبته بما دون الشرك يختص بها الله أو يعفو.

 

هذه الحقائق تتلخص فيما يلي :

أولا: أن جميع الدنيا بجميع كونها مخلوقة ومنتهية.

ثانيا: الإنسان كل واحد منه عنده حياة قليلة في الدنيا يأخذ مكانه من هذه الحياة عندما يحين دور وجوده ويذهب بعد ذلك نهائيا.

ثالثا: أكثر الناس خلق ليكون حطبا لجهنم وسبب ذلك عدم تنفيذه لما جاءت به الرسل والأقلية سيوفقها الله للطاعة ويكرمها لأجل ذلك.

رابعا: سبب هلكة الهالكين هو الشيطان وأفتك سلاحه هو تزيينه الكفر أولا وإلا فالإشراك وهو مكان معركته مع المؤمنين دائما وذلك واضح في قوله تعالى: {وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي}.