على مدار الساعة

حركية ناموس التداول الكوني

5 يونيو, 2020 - 18:15
الدكتور الشيخ ولد نافع

نواميس الكون أثبتت عبر تاريخها أن الحياة تداول وتدوير وتكوير، تكوير ليس بمعنى التكرار بقدر ما هو التبادل للنظر والاعتبار {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ } {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}، تكوير بمقتضى القانون الإلهي الذي يصنع المعجزات في لمح البصر، يعذب من يشاء ويرحم من يشاء {قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ}.

 

حينما توغل التأمل في مالك السموات السبع و والأرضين السبع، في حركة الكواكب، وفي تعاقب الليل والنهار، وتبادل والشمس القمر، وفي مركزية النجوم في السماء وحركتها ترى العجب العجاب {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ۗ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} {وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون}، تدرك بمنتهى الغفلة: أنك تائه ومقصر! "روى الإمام البخاري في صحيحه عن عائشة وأبي هريرة وأنس بن مالك رضي الله عن عنهم، وكذا رواه الإمام مسلم وغيره، عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ، أَطَّتْ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِة أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ، وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ)، هذا الحديث من الأحاديث العظيمة الجليلة التي تكسو القلوب انكسارا بين يدي الله، واعترافا بالفقر إليه، ورجاء لرحمته وعفوه وإحسانه، إذ الإنسان بكل بساطة كائن بسيط يتحرك كما يتحرك مدار هذه المجرة، وكأن وجودك ووقوفك على البسيطة أيها الإنسان أمر في منتهى الدقة قصد الاختبار. فإلى متى ستظل مغرورا متماهيا في غيك وعدوانك؟ كيف تغذيت في بطن أمك حتى استطعت أن تدب على قدمين فإذا أنت خصيم مبين؟ {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} قال السعدي: "إن الله ينبه عباده على ما يشاهدونه، أنه خلق جميع الدواب وأنها ترجمة لقدرة الخالق" إنه بكل جرأة تأويل قانون التداول الذي ينبهك على ضمور قانون السببية ونسيان القوانين المادية ويرقى بك إلى قانون مسبب الأسباب، بل لتتوكل عليه فلا تنس سنن الحياة وجنود الإله {وما يعلم جنود ربك إلا هو}.

 

هذا الكون مليء بأسرار الحياة ورسائله دالة على قدرة القادر يقهر الطاغوت ويؤمن المؤمن، حيث أن رسائله باعثة على التفكير، سائقة إلى الاعتبار، كامنة في الاتعاظ، مليئة بالألغاز والخفايا.

 

إنها حركة الكون المتتالية في قوالبها الزمنية، تنتقل البشرية من عبادة العباد والأوثان والطواغيت، إلى الأوبة والرجوع إلى الله وحده، رب الأرباب الغني عن العباد، تدوير ليس بمعنى التكرار بقدر ما هو بمعنى تبادل الدوائر الكونية الدالة في حركتها وتفاعلها. تفاعل يرسم شكلها الدائري داخل عالمها الجديد وفي تحوُّلها لدى أبراجها بسجودها وتسبيحها يحدث ما لا يعيه الكائن البشري الذي كاد بغفلته يغيب عن أصله.

 

قد تعجب وأنت تسهر ليلك و يسري بك خيالك ممتشقا صهوة جواد فكرك كي تصافح النجوم رغم علوها يُرعبك المشهد وأنت تكابد الصعود في ليل حالك {يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا} هناك تكمن الخشية وتبدو الرغبة معا للنظر إلى المجرات المتباعدة تباعد الليل والنهار.. حين تجوب العالم وأنت جالس في محرابك الدافئ تراقب الشروق، تحدق بعينيك فتحيط بك خيوط الشمس عند طلعتها فتنبؤك أنها رسول للحركة لا السكون، وعندما تراقب ألوانها الزاهية عند بزوغ كل يوم جديد، تلاحظ دون أدنى شك تباعد المسافة البعيدة بين الظلام والضياء، تباعد النور والظلمة، تباعد الهداية والغواية، تباعد الرحمة والطغيان، تباعد الضياع والصلاح، تباعد الثبات والضلال..، حينها تجد قلبك مرتلا خاشعا بصوت هادئ {إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين}.