على مدار الساعة

اختلالات وتناقضات التعليم العالي في موريتانيا: تحليل ومقترحات

12 يونيو, 2020 - 13:20
د. أحمد ولد المصطف

تهدف الورقة الحالية إلى استعراض وتحليل المعوقات التي تشكل كوابح في وجه إقلاع منظومة التعليم العالي والبحث العلمي، وكذا حالات عدم الاتساق التي تعكس الارتجال وانعدام رؤية واضحة، مما يحول دون لعب التعليم العالي دوره الكامل في التنمية الثقافية والاقتصادية والتكنولوجية للبلد، وذلك منذ 2006 وحتى 31 يوليو 2019.

 

يُسْتَهَلُّ هذا المقال بلمحة عن التعليم العالي، كمدخل للموضوع، وفي نهايته ستقدم اقتراحات بهدف المساهمة في تصور إستراتيجية وطنية خاصة بهذا القطاع الفرعي من التعليم.

 

تحيل الأرقام الموضوعة بين ظفرين وبحجم بارز إلى هوامش توضح وتعمق أكثر بعض الأفكار أو المواضيع التي تم التطرق لها تلميحا أو بشكل مختصر في متن الموضوع.

 

تحيل عبارة "وزير" المستخدمة في هذا الموضوع حصرا إلى الوزراء الذين تم تعيينهم على رأس قطاع التعليم والبحث العلمي وتقنيات الإعلام والاتصال في الفترة الممتدة ما بين 17 سبتمبر 2013 إلى غاية 31 يوليو 2019 أو إلى الوزراء الذين كانوا مكلفين بهذا القطاع الفرعي منذ 2006 وحتى 17 سبتمبر 2013. كذلك فإن عبارات "وزارة التعليم العالي والبحث العلمي" و"وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتقنيات الإعلام والاتصال" تنحصر على تسمية الوزارة المكلفة بالتعليم العالي والبحث العلمي وتقنيات الإعلام والاتصال في نفس الفترة. فلأسباب منهجية، لا تدخل حصيلة الحكومة الحالية في مجال التعليم العالي والبحث العلمي ضمن موضوع هذه الورقة.

 

لقد اخترنا المجال الزمني 2006 ـ نهاية يوليو 2019 لأسباب عديدة، أهمها: (أ) في سنة 2006 بدأت أهم محاولة تسعى إلى وضع قواعد تعليم عال جدير بهذه التسمية، وذلك بعد ربع قرن من إنشاء جامعة نواكشوط، وبالأخص اعتماد نصوص جديدة تحدد الإطار التشريعي والتنظيمي لهذا المستوى من التعليم وإدخال نظام الليسانس، الماستر، الدكتوراه (ل م د) (1)؛ (ب) منذ هذا الإصلاح الذي انطلق سنة 2006 وحتى نهاية يوليو 2019، لم يتم أي تقييم نُشِرَ للعموم لتحديد نواقص هذا الإصلاح وسد ثغراته، عند الاقتضاء؛ (ج) لقد أعطى رئيس الجمهورية الحالي، محمد ولد الشيخ الغزواني، اهتماما خاصا بالتعليم خلال حملته الانتخابية وبعد تنصيبه. هذه الأهمية للمنظومة التعليمية في بلدنا، بما في ذلك التعليم العالي، من قبل أعلى سلطة في الدولة يجب أن تشجع أصحاب القرار والفاعلين في هذا القطاع الفرعي على إدخال الإصلاحات الضرورية حتى يكون في تناغم مع التوجهات الجديدة للسلطات العمومية في هذا المجال، وأيضا لإحداث قطيعة مع الممارسات والمقاربات العقيمة والتي تجاوزها الزمن.

 

لمحة عن التعليم العالي

ينقسم التعليم العالي في موريتانيا إلى تعليم عال عمومي، موضوع الدراسة الحالية، وتعليم عال خصوصي. يتكون التعليم العالي العمومي من جامعتين: جامعة نواكشوط العصرية وجامعة العلوم الإسلامية بلعيون، ومن مدرستين: المدرسة العليا للتعليم والمدرسة العليا متعددة التقنيات، وكذا عدة معاهد عليا: المعهد العالي للدراسات التقنية بروصو، المعهد العالي للمحاسبة وإدارة المؤسسات، المعهد العالي المهني، المعهد العالي المهني للغات والترجمة والترجمة الفورية، المعهد العالي للغة الإنجليزية، الأكاديمية البحرية، إلخ. بحسب الدليل الإحصائي السنوي 2018 ـ 2019 الذي أعدته وزارة التعليم العالي فإن 22469 طالبا موريتانيا و210 من الطلاب الأجانب مسجلون في هذه المؤسسات، أي حوالي 97% من مجموع الطلاب، يؤطرهم 764 مدرسا دائما وحوالي 450 مدرسا متعاونا، بخصوص هؤلاء الأخيرين فإنهم غير مذكورين في الدليل المنوه عنه أعلاه. تستوعب جامعة نواكشوط العصرية لوحدها حوالي 70% من مجموع الطلاب. من جانبه، يتشكل التعليم العالي الخصوصي من جامعتين تعملان بشكل منتظم هما: جامعة شنقيط العصرية والجامعة اللبنانية الدولية، وكذا من مدرسة: Ecole Sup Management ومعهد GEU l’Académie، إلخ. وهو يساهم في تكوين حوالي 738 طالبا.

 

أولا: الاختلالات

قبل البدء في تناول هذا المحور، من المهم الإشارة إلى أن القطاع الفرعي للتعليم العالي لم يصبح مستقلا عن مكونات التعليم الأخرى (التعليم الأساسي والثانوي) إلا في سبتمبر 2013. فقد أصبح يتوفر، اعتبارا من هذا التاريخ وبشكل متواصل، على قطاع وزاري يحمل اسمه (2).

 

يجب أيضا الاعتراف بأنه خلال السنوات الأخيرة تم إعداد بعض الإحصائيات ابتداء من سنة 2014 ـ 2015، وضعت على الموقع الإلكتروني للوزارة وسمحت بأن تكون بعض البيانات حول التعليم العالي أكثر مقروئية، إضافة إلى تحيين بعض النصوص التشريعية والتنظيمية وإنشاء بعض المؤسسات ودمج أخرى، إلخ.

 

فيما يتعلق بالاختلالات التي أعاقت تطور التعليم العالي والبحث العلمي خلال الفترة المدروسة، فإنها تتجلى، حسب رأينا، فيما يلي:

1 ـ غياب إستراتيجية تم التشاور بخصوصها وممتدة على المديين المتوسط والبعيد، ذات أهداف واضحة وقابلة للتطبيق بحسب جدول زمني محدد، تسعى إلى المساهمة في النهضة الثقافية والعلمية للبلد وإلى تكوين العدد الكافي من الأطر ذوي الكفاءة العالية لتوفير ما يحتاجه الاقتصاد الوطني؛ فلا يكفي إعداد دليل إحصائي يحوي بعض الأرقام، مهما تكن أهميتها، بل تحليل هذه المعطيات واستخلاص الدروس منها، وخصوصا تلك التي قد تدفع بالتعليم العالي إلى الأمام. فالتحليل الوحيد الذي قد قيم به لهذه البيانات، على علاته، قد أنجز من قبل المعهد الدولي للتخطيط التربوي IIPE، قطب داكار سنة 2018 (3).

 

2 ـ نواقص في التصور: يتم إعداد النصوص التشريعية والتنظيمية (مراسيم، مقررات، إلخ.) قبل إعداد إستراتيجية على المدى الطويل للقطاع الفرعي. هكذا يتم تكرار نفس أخطاء 2006، حيث أنتجت نصوص تشريعية عديدة لإعادة تنظيم التعليم العالي قبل القيام بتشخيص قَبْلِي عميق من خلال نقاش موسع حول مشاكل هذا التعليم.

 

3 ـ إن التأخر الملاحظ في تطبيق نظام (ل م د)، الذي تم البدء في تطبيقه العام الدراسي 2008 ـ 2009 يعود، من بين أمور أخرى، إلى العقبات التالية: (أ) العديد من الأساتذة ليسوا حائزين على الشهادات المطلوبة من قبل معظم جامعات الدول التي تطبق هذا النظام: الدكتوراه الجامعية أو شهادة مكافئة؛ (ب) هيئة تدريس تقدم العمر بمعظم أعضائها وغير مهيأة، في بعض الحالات، لمناهج التدريس والبحث العلمي الحديثة؛ (ج) يؤثر صراع المصالح، الذي تغذيه خلافات إيديولوجية ـ سياسية متحجرة ومتجاوزة بين بعض مجموعات المدرسين، بشكل سلبي على تماسك هيئة التدريس؛ (د) عدم التحقق حتى الآن من صلاحية شهادات بعض المدرسين؛ (ھ) الظروف الهشة للمدرسين غير الدائمين (المتعاونين)؛ (و) ضعف وتيرة اكتتاب مدرسين جدد مقارنة مع الحاجات الفعلية لمختلف مؤسسات وبنيات التعليم العالي؛ (ز) الارتجال ونقص التشاور بين الفاعلين في التعليم العالي، وبالأخص بين المدرسين وأصحاب القرار في القطاع الفرعي؛ (ح) النظرة القصيرة والانتهازية التي تطبع بعض العقليات؛ (ط) الاستقالة وتثبيط الهمم التي تسود في أطياف عريضة من هيئة التدريس؛ (ي) نادرا ما تكون الترقيات وفق معايير موضوعية وغير مغرضة (ك) نقص في عدد الأساتذة الذين تتوفر فيهم المؤهلات العلمية المطلوبة لتأطير طلاب الماستر والدكتوراه، وهو ما يعيق حتى الآن فتح مدارس الدكتوراه في العديد من التخصصات.

 

4 ـ إن اختيار مكان إقامة المركب الجامعي الجديد لم يكن مؤاتيا، وذلك لعدة أسباب: (أ) الوضعية القصية لهذا الموقع مقارنة بمعظم مقاطعات نواكشوط، وبالأخص تلك الأكثر سكانا (دار النعيم، توجنين، عرفات، الرياض، الميناء، إلخ.) حيث إن مسار الذهاب والإياب من أماكن سكن بعض المدرسين والأطر الإداريين والفنيين والطلاب الذين يعيشون في ضواحي بعض هذه المقاطعات يتجاوز أحيانا ستين كيلومترا؛ (ب) الوقت المتوسط الذي يمضيه مدرس للوصول إلى المجمع الجديد لإلقاء محاضرته والعودة إلى منزله هو ثلاثة إلى أربعة أضعاف الوقت الذي كان يمضيه للقيام بنفس العمل في الموقع القديم، يعاني باقي الموظفين والطلاب من نفس المشكل؛ (ج) لم تكن شبكة طرق نواكشوط مهيأة بما فيه الكفاية لتسهيل انسيابية حركة المرور نحو المركب المذكور؛ (د) بُعْدُ المجمع الجامعي الجديد، والذي سبق أن ذكر في المخطط التوجيهي الإستراتيجي لجامعة نواكشوط العصرية من 2017 إلى 2020، سيكون له بالتأكيد تأثير سلبي على نسب الانقطاع عن الدراسة والإخفاق بالنسبة لعدد معتبر من الطلاب، وبالأخص أولئك المسجلين في الكليات التي انتقلت نهائيا إلى هذا المركب: كلية الطب، كلية العلوم والتقنيات وكلية الآداب والعلوم الإنسانية.

 

5 ـ مثال وجيه لانعدام التشاور: المعهد العالي المهني للغات والترجمة والترجمة الفورية

لقم تم إنشاء هذا المعهد سنة 2014 ليحل محل مكونة الترجمة في قسم اللغات الحية والترجمة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة نواكشوط، وهي المكونة التي تم شطبها سنة 2011 في انتظار فتح هذا المعهد، الذي لم يكن حينها سوى مشروع. بيد أنه، وعند ما شُرِعَ في تنفيذ هذا المشروع نهاية 2014، لم يتم التشاور اللازم مع الأساتذة الذين كانوا يدرسون تخصص الترجمة في القسم المذكور، مع أنهم كانوا الأكثر استعدادا من حيث التجربة والمسار الدراسي. النتيجة: لم يتم قط تدريس تَخَصُّصَيْ الترجمة والترجمة الفورية في هذا المعهد منذ إنشائه وحتى الآن. فطلابه يتخرجون بشهادة الليسانس "مزدوجة": عربية ـ فرنسية، عربية ـ إنجليزية، إلخ. دون أي تكوين نظري أو تطبيقي في الترجمة أو الترجمة الفورية، وهو التكوين المثمن جدا في سوق العمل المحلي. أُعْطِيَّ طلاب المعهد وعودا بفتح شهادة ماستر في الترجمة مستقبلا؛ بيد أن مهمة هذا المعهد المهني، كما يدل على ذلك اسمه وحيث تمتد الدراسة فيه على مدى ثلاث سنوات، كأي معهد، هو تقديم تكوين مهني لطلابه يفضي إلى شهادة الليسانس. فشهادة الماستر في علم الترجمة / الترجمة الخطابية يمكن أن تتم، لكن في إطار مدرسة وليس معهدا، ثم إن تكلفتها ستكون مرتفعة ويصعب الحصول على العدد الكافي من الأساتذة المؤطرين؛ علاوة على ذلك فإن الحاصلين على هذه الشهادة (الماستر) من المستبعد أن يقبلوا ممارسة مهن من قبيل: دليل سياحي، وكيل استقبال في فندق أو في شركة، سكرتير مترجم في القطاع العمومي أو الخصوصي، إلخ. وهي مهن مطلوبة جدا وتتناسب مع مستوى الحاصلين على شهادة الليسانس في الترجمة النصية / الترجمة الخطابية أكثر من مستوى الحائزين على ديبلوم الماستر.

 

لقد كلف هذا المعهد الدولة منذ إنشائه وحتى الآن قرابة مليار أوقية أو ينقص عن ذلك قليلا. فعلى ما يبدو لم تزر أي بعثة تفتيش أو تقييم هذه المؤسسة للاطلاع على العرض التدريسي المقدم من طرفها ومدى مواءمته مع المهام التي من أجلها أنشئت، وكذا مستوى إنجاز العقد ـ البرنامج المفترض أنه يربطها مع الدولة، وإلا لكانت اتخذت إجراءات لخلق الظروف الملائمة لفتح الشعبتين الناقصتين: الترجمة النصية والترجمة الخطابية (4).

 

هكذا أدت الاختلالات المذكورة أعلاه إلى النتائج التالية: (أ) ضعف الفعالية الداخلية للمنظومة: نسبة رسوب هامة، تطرقت لها دراسة المعهد الدولي للتخطيط التربوي IIEP لسنة 2018 (5)؛ (ب ) نسبة تأطير مدرس / عدد الطلاب مرتفعة نسبيا (6)؛ (ج) فعالية خارجية ضعيفة، تتميز بالصعوبات التي تعترض سبيل خريجي التعليم العالي في الحصول على وظيفة في سوق العمل، والتي سببها، من بين أمور أخرى، عدم مواءمة الشهادات المتحصل عليها مع الحاجيات الفعلية لسوق العمل، في القطاعين العام والخاص (7)؛ (د) بحث علمي شبه متوقف بسبب عدم وجود إستراتيجية في هذا المجال، كذلك فإن الموارد البشرية والمادية المخصصة لهذه المكونة من القطاع الفرعي متواضعة أو غير موجودة في الفترة المدروسة (8)؛ (ھ) لا تظهر أي مؤسسة من مؤسسات التعليم العالي في موريتانيا في أي ترتيب للجامعات العربية، الإفريقية أو تلك الناطقة بالفرنسية.

 

ثانيا: التناقضات (عدم الاتساق)

إن المعلومات المتعلقة بهذا المحور مرجعها الأساسي تسجيل صوتي تم وضعه على الشبكة العنكبوتية خاص بالورشة المنظمة من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتقنيات الإعلام والاتصال من 11 إلى 18 مايو 2019 بهدف تقديم حصيلة القطاع الفرعي من 2008 إلى 2018.

 

لقد شاركت وزارة التعليم العالي في الدراسة المنجزة من قبل المعهد الدولي للتخطيط التربوي IIEP لسنة 2018 وهي الدراسة التي قدمت الملاحظة التالية: عدد الطلاب الموريتانيين في كل 100 000 ساكن هو حوالي 600 طالب، مضيفة أن هذه النسبة أقل من المعدل في الدول التي يمكن مقارنتها بموريتانيا والذي هو 766 (9)، مما يعني أن عدد الطلاب نسبة إلى سكان موريتانيا (البالغين 3 900 000 بحسب معطيات الهيئة الوطنية للإحصاء لسنة 2017) يجب أن تكون في حدود 29 874 طالبا. خلال هذه الورشة، خصص الوزير كثيرا من الوقت لمسألة عدد الناجحين في الباكالوريا سنة 2018، موضحا أن نسبة النجاح كانت أكبر من تلك التي سجلت سنة 2017 وأن قطاعه قد واجه صعوبات في تسيير تسجيل هذا العدد المتزايد في مختلف مؤسسات التعليم العالي. يبدو أنه لم يتم إطلاع الوزير بما فيه الكفاية من قبل معاونيه بخصوص مضامين خلاصة هذه الدراسة، التي مولتها الدولة الموريتانية ومنشورة على الموقع الإلكتروني للوزارة. فالحجج التي ساقها الوزير أثناء مداخلته تتعارض مع توصية المعهد الدولي للتخطيط التربوي IIEP. الواقع أن المشكل الحقيقي ليس عدد الناجحين في الباكالوريا، بل يكمن في الطابع الاستعجالي لتحسين القدرات الاستيعابية لمؤسسات التعليم العالي باكتتاب يستجيب للحاجيات الفعلية لهذه المؤسسات ووضع إستراتيجية للقطاع الفرعي تسمح له بتوقع أي تذبذب في عدد الناجحين في الباكالوريا والتصرف وفق ذلك وفي الوقت المناسب؛ (ب) أعلن الوزير، وخلال نفس الورشة، عن توفير مبلغ مليار أوقية ما بين 2015 و2019 من قبل الإدارة المركزية للوزارة، مبررا ذلك بـ"une rétention"، مضيفا أن الوزارة تعاني من نقص في التمويل. هنا يطرح السؤال التالي: لصالح من تم هذا التوفير؟ زيادة على هذا التناقض ينضاف التذبذب في الميزانيات الممنوحة لبعض الإدارات المركزية في الوزارة في السنوات الأخيرة (10)؛ (ج) في نفس المناسبة، تم تخصيص جزء هام من مداخلة الوزير لتنظيم الأقسام التحضيرية وللمدرسة العليا متعددة التقنيات؛ هنا أيضا نسي الوزير أن حصيلة هذه المدرسة والمعاهد التي تتبع لها يجب أن تكون أولا لصالح مؤطري هذه المؤسسة، أي قادتها العسكريين الذين تعينهم وزارة الدفاع والقيادة العامة لأركان الجيوش، بموجب الوصاية المشتركة بين وزارة الدفاع ووزارة التعليم العالي التي تنظم سير عمل هذه المؤسسة. نفس الشيء بخصوص نسب نجاح تلاميذ الفصول التحضيرية لمسابقات المدارس الكبرى (11). صحيح أن دور وزارة التعليم العالي ليس هامشيا، لكنه يبقى مع ذلك ثانويا؛ (د) بنفس المناسبة، أعلن الوزير أمام حضور يتكون من عشرات الأساتذة الباحثين ومسؤولي أغلب مؤسسات التعليم العالي أنه يتابع شخصيا وبانتظام دروسا في المعهد العالي للغة الإنجليزية. لا ينسجم هذا الإعلان مع تصريحاته بخصوص المترشحين الأحرار في نفس المداخلة، عند ما عارض بقوة الترشح الحر من قبل بعض الطامحين في الحصول على الباكالوريا، وبالأخص أولئك الذين تجاوزا، بحسبه، سن التمدرس. إن وزيرا خمسينيا يسمح لنفسه بمتابعة دورة دراسية في مؤسسة تعليم عمومي، مهما كان مستواها، للعودة إلى الدراسة، بغض النظر عن أسباب أو طرق هذه العودة، هل هو قادر بالفعل على أن يعيب نفس الشيء على مواطني الجمهورية الآخرين الذين منعتهم ظروفهم أو خياراتهم من متابعة مسار دراسي اعتيادي بغية الحصول على شهادة أو الولوج إلى تكوين للحصول على عمل؟ (ھ) كذلك وخلال نفس مداخلته الطويلة في ورشة مايو 2019، كشف الوزير للحضور أنه " طلب من العسكريين وصاية مشتركة ليتولوا تأطير الجامعة [جامعة نواكشوط العصرية]، لكن هؤلاء الأخيرين رفضوا هذا الطلب، مفضلين تأطير مؤسسات صغيرة". يتعلق الأمر هنا بتصريح غاية في الغرابة واعتراف فعلي بإخفاق مؤطري أهم مؤسسات التعليم العالي، المعينين أساسا من قبل الوزير نفسه.

 

ثالثا: المقترحات

بغية معالجة هذه الاختلالات وحالات عدم الاتساق حتى يتمكن التعليم العالي من الإسهام الإيجابي في التقدم الثقافي والعلمي لبلدنا، ومن ثم تنميته الاقتصادية والاجتماعية، من الأهمية بمكان إدخال الإصلاحات الاستعجالية التالية: (أ) إعادة هيكلة المجلس الوطني للتعليم العالي والبحث العلمي الحالي (12) ليصبح قادرا على العمل بصفته هيئة وطنية، مكلفة بإعداد ومتابعة إستراتيجية وطنية للتعليم العالي والبحث العلمي على المدى الطويل (10 إلى 20 سنة). فغالبية أعضائه يجب أن يعينوا من ضمن الأساتذة الجامعيين الأكثر كفاءة ولمأمورية مدتها أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة. يجب أن تكون هذه الهيئة مستقلة إداريا وماليا حتى تكون قادرة على تقديم آراء ذات مصداقية حول القرارات الكبرى المتعلقة بالتربية (التعليم) بشكل عام والتعليم الحالي والبحث العلمي شكل خاص، كإنشاء البنيات الجديدة ودمج أخرى كانت موجودة، الخريطة الجامعية، متابعة تطور مؤسسات التعليم العالي وحاجياتها من الأساتذة والتجهيزات، إلخ. من الأفضل أن يتم تعيين رئيس هذا المجلس من قبل رئيس الجمهورية، كما أن أعضاءه يتم انتخابهم أو تعيينهم من قبل مؤسسات التعليم العالي ومؤسسات التعليم في المرحلتين الابتدائية والثانوية. يمكن أن تمثل فيه قطاعات أخرى ذات أهمية وطنية كالتكوين المهني، الاقتصاد، الصناعة، الثقافة، الفنون، إلخ. سيعمل هذا المجلس أيضا بصفته هيئة استشارية في مجال التعليم والبحث، لكن أيضا بصفته عامل توازن إزاء القرارات المتخذة من قبل القطاعات المعنية لتفادي الشطط والتجاوزات المحتملة؛ (ب) يتعين أن تُتَّبَعَ الإستراتيجية بعيدة المدى التي سيعدها هذا المجلس حول للتعليم العالي والبحث العلمي وحول التعليم بمختلف مراحله بشكل عام، في خطوطها العامة، من قبل الوزراء الذين سيعينون على رأس القطاعات المعنية؛ (ج) يجب أن يخضع اكتتاب العمال الإداريين والفنيين والخدميين (إداريون، وكلاء إدارة، فنيون، كتاب، سائقون، عمال يدويون، بوابون، إلخ.) لقواعد صارمة حتى لا يتجاوز عدد هؤلاء عدد المدرسين الدائمين وحتى لا يكون التوظيف في القطاع الفرعي فرصة للبعض لزيادة أعداد ذوي القربى أو الحلفاء السياسيين. في الوقت الراهن، فإن عدد هؤلاء العمال في التعليم العالي هو أكثر من ضعف عدد الأساتذة المرسمين (13)؛ (د) إعداد قاعدة بيانات يظهر فيها كل المواطنين الحاصلين على شهادات عليا، وبالأخص أصحاب شهادات الدكتوراه الجامعية ومهندس رئيسي وماستر 2 بحث والماستر المهنية الذين يوجدون في وضعية بطالة جزئية أو كلية؛ (ھ) تصور وتنفيذ إستراتيجية هدفها إبقاء الدكاترة (الحاصلين على شهادة دكتوراه جامعية) والعبقريات المماثلة في البلد عبر إجراءات تحفيزية ملموسة: اكتتاب، فإن تعذر فعقود محددة المدة لمن لا يزالون في سن الاكتتاب وعقود غير محددة الأجل بالنسبة للذين تجاوزوا تلك السن؛ (و) إنشاء سلك جديد خاص بالباحثين، مع وضع قانوني يضمن لهم القيام بمهامهم بشكل مستقل عن التعليم، كما هو الحال في العديد من البلدان؛ (ز) إعادة تحديد وتفعيل دور ومهمة المفتشية العامة للتعليم العالي بغية ضمان المتابعة الداخلية لمختلف مؤسسات وإدارات القطاع الفرعي. في هذا الإطار، يتعين على هذه الهيئة أن تعد سنويا، وبحلول 2 يناير من كل سنة، تقريرا مفصلا عن مهام التفتيش المبرمجة أو المباغتة التي قامت بها على مدى السنة المنصرمة في إطار هذا التعديل الجديد. تدرج المفتشية في هذا التقرير، من بين أمور أخرى، الاختلالات التي قد تكون لاحظتها، أسبابها ودرجة خطورتها، التأخرات في إنجاز العقد ـ البرنامج الذي يربط المؤسسة المزورة والدولة وأسباب ذلك، إلخ. (14). توجه نسختان من هذا التقرير إلى كل من المفتشية العامة للدولة ومحكمة الحسابات.

 

خلاصة:

إن القطاع الفرعي للتعليم العالي والبحث العلمي قد عانى كثيرا، وعلى مدى عقود، من الارتجال والممارسات الخاطئة والمنافية للمصلحة العامة. فتبني المقترحات الواردة في الورقة الحالية سيساعد، بحسب اعتقادنا، على وضع هذا القطاع من جديد على السكة الصحيحة كي يساهم بشكل كامل في التقدم الثقافي والعلمي لبلدنا، ومن ثم في تنميته الاقتصادية والاجتماعية. ستسمح هذه المقترحات أيضا بتوزيع متوازن للمسؤوليات بين مختلف أصحاب القرار بغية تصحيح أخطاء الماضي وتفادي الانحرافات في المستقبل.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

1 . المادة 3 من الأمر القانوني رقم 007 ـ 2006 / م ع ع د، بتاريخ 20 فبراير 2006 المتعلق بتنظيم التنظيم التعليم العالي. تم إدخال نظام (ل م د) في جامعة نواكشوط في العام الدراسي 2008 ـ 2009.

2 . سُمِّيَّ هذا القطاع في 17 سبتمبر 2013:  وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وأصبح في 30 أكتوبر 2018 يدعى: وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتقنيات الإعلام والاتصال.

3 . عنوان هذه الدراسة هو:

 Mauritanie. L’enseignement supérieur et la recherche : éléments d’efficacité

وهي ثمرة جهود مشتركة بين وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وقطاعات أخرى: وزارة الاقتصاد والمالية، وزارة التهذيب الوطني، التكوين المهني، إلخ. من جهة، والمعهد الدولي للتخطيط التربوي IIEP التابع لليونسكو، فرع داكار، من جهة أخرى. تم نشرها سنة 2018. قدم أطر القطاعات المذكورة البيانات، في حين تولى فريق IIEP تحليل تلك المعطيات. مع ذلك يجدر التنبيه إلى أن عنوان هذا العمل لا يتماشى مع محتواه، ذلك أنه عند ما نقرأ بتريث هذه الدراسة، ندرك أنها تدق ناقوس الخطر بخصوص العديد من نواقص منظومة تعليمنا العالي أكثر مما تقدم عنها من "عناصر الفعالية".

 

4 . لقد دَرَّسْتُ شخصيا عنصر "نظريات الترجمة"، وبالأخص النظرية التأويلية للمدرسة العليا للمترجمين النصيين والخطابيين بباريس / ESIT في قسم اللغات الحية والترجمة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ما بين 2008 و2011. فبصفتي خريج من هذا القسم بشهادة المتريز، واصلت دراساتي العليا في علم الترجمة في ESIT في السنوات 2007، 2009 ـ 2010، 2010 ـ 2011 بالتوازي مع دراساتي العليا على مستوى ماستر 2 بحث و الدكتوراه في تخصص تدريس اللغات (اللسانيات التطبيقية) في جامعة باريس 3 السوربون الجديدة من 2007 إلى 2012.

 

5. بحسب هذه الدراسة، "فإن مستوى الرسوب الحالي داخل القطاع الفرعي (16% كمعدل، والذي قد يصل 33% في بعض سنوات الدراسة، في بعض الكليات) لا يطمئن على الفعالية الداخلية للقطاع الفرعي". فمن بين 100 طالب يدخلون السنة الأولى ليسانس، وذلك بالنسبة للمعاهد الثمانية والكليات التي تتوفر معطيات بخصوصها، فقط 41 يصلون إلى شهادة الليسانس دون أي رسوب أو بعد رسوب واحد أو اثنين. يمثل ذلك نسبة اثنين طالب فقط من أصل خمسة يحصلون على شهادتهم في نهاية السلك الأول، مع توضيح أن ثلاثة طلاب على خمسة من المحتمل أن يكونوا تركوا الدراسة قبل أو بدون الحصول على شهادتهم. قد يكون ذلك ناتجا، من بين أمور أخرى، عن أن نسبة معتبرة من الشباب لم يتم توجيههم حسب اختياراتهم الأولى. عند ما نقوم بالتفصيل بين الكليات ومؤسسات التعليم، نجد أن أضعف نسبة مواصلة حتى شهادة الليسانس تصل 23 في كلية الآداب والعلوم الإنسانية وأعلاها 79 في المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية. مع أنها لا تتجاوز 35 في كلية العلوم القانونية والاقتصادية وترتفع لتصل 55 في كلية العلوم والتقنيات". (الصفحات: 34 ـ 35).

 

6. لقد قام المعهد الدولي للتخطيط التربوي IIEP بحساب تلك النسبة على أساس 684 مدرسا دائما وأكثر من 500 متعاون أو متعاقد تم اعتبارهم بمثابة 300 مدرسا دائما، الكل لتأطير حوالي 19000 طالب. بيد أنه ولعدة أسباب: التعيين في وظائف إدارية سامية، المرض، العطل السبتية، إلخ، فإن حوالي ثلث هذا التعداد لا يدرس أو يدرس جزئيا. فحتى بعد اكتتاب 75 مدرسا باحثا وتكنولوجيا جديدا سنة 2017، فإن عدد الأساتذة الدائمين الذين يدرسون كامل الوقت المطلوب منهم وكذا العقدويين والمتعاونين المعتبرين كمدرسين دائمين لا يمكن أن يتجاوز 850. فإذا أخذنا في الحسبان عدد الطلاب الوطنيين والأجانب المسجلين في مؤسسات التعليم العالي العمومي برسم العام الدراسي 2018 ـ 2019 والبالغ 22679، فإن متوسط نسبة التأطير، من وجهة نظرنا، سيكون مدرسا لكل سبعة وعشرين طالبا (1/27). كانت هذه النسبة 1/12 في تونس سنة 2015.

 

7. متوسط فترات الحصول على وظيفة هو بشكل عام طويل بعد التخرج من الجامعة. فبعد حوالي أربع سنوات من التخرج يتمكن نصف دفعة من الخريجين من الحصول على عمل. زيادة على ذلك، يجب انتظار حوالي عشر سنوات حتى تحصل دفعة كاملة تقريبا من خريجي التعليم العالي على عمل. يتمكن خريجو الليسانس كمعدل من دمج أفضل من غيرهم من خريجي التعليم العالي. (راجع دراسة IIEP المذكورة أعلاه، ص: 50). يتعلق الأمر بعدم مواءمة جلية بين التكوين الجامعي ومتطلبات سوق العمل.

 

8. تأسيس المجلس الوطني الأعلى للبحث والابتكار سنة 2016 وإنشاء الوكالة الوطنية للبحث والابتكار تعتبر قرارات هامة، لكنها بعيدة من أن تكون كافية. فيتعين، علاوة على هذه القرارات، إنشاء سلك خاص بالباحثين له وضعيته القانونية الخاصة به والشروع في اكتتاب داخلي وخارجي لباحثين جدد مهمتهم الرئيسية هي البحث والابتكار، على غرار ما يحدث في العديد من البلدان.

 

9. لاحظت دراسة المعهد الدولي للتخطيط التربوي IIEP لسنة 2018 ما يلي: "يوجد في موريتانيا حوالي 600 طالب لكل 100 000 ساكن، وهذا ما يجعل من البلد أحد أقل البلدان تغطية بالتعليم العالي في شبه المنطقة. [...] يجب التذكير بأن رأس المال البشري، هذا المجموع الوحيد من القدرات والكفاءات المكتسبة الذي يجلبه مختلف الفاعلين الاقتصاديين إلى مختلف الأسواق الاقتصادية، ينمو من خلال التعليم و/ أو التكوين. فتراكمه يحسن من قدرات الاقتصاد بمساهمته في التقدم التقني. فإذا اعتبرنا النسبة المئوية للسكان النشطين (من 25 ـ 64 سنة) الحاصلين على مستوى ما بعد الثانوي (السلك الثاني الثانوي والعالي) كمؤشر على مستوى رأس المال البشري، يبدو أن مستواه ضعيف نسبيا في البلد. [...] هذا المؤشر يساوي 3.5% في موريتانيا، في حين أنه في أغلب البلدان الصاعدة يصل على الأقل 15%. فإذا لم يتم وضع أي إستراتيجية للزيادة الكمية والنوعية لعدد حاملي الشهادات، فإن البلد لن يكون له مستوى رأس المال البشري الضروري لتحقيق سياسته التنموية المتمحورة حول الصعود سنة 2030. إن ذلك يمر حتما بزيادة الكمية والنوعية للقدرات الاستيعابية الحالية. الواقع أنه مع زيادة قدرة استيعاب التعليم العالي المنتظمة خلال السنوات الأخيرة، والتي انتقلت من 426 طالب لكل 100 000 ساكن سنة 2004 إلى 600 سنة 2016 فإن الولوج إلى الجامعة يبقى محكما فيه، فتغطية التعليم العالي في مستوى أقل من متوسط القيم (766) للدول ذات المستوى المشابه. يجب التذكير بأنه حتى وإن كانت تغطية التعليم العالي أقل مما هو عليه الحال في الدول المماثلة، فإن توسيعه يجب أن يمر حتما بتطوير التكوينات المهنية القصيرة الأكثر أهمية في سوق العمل". (ص: IIV و الصفحتان 55 ـ 56).

 

10. ذلك على سبيل المثال هو حال ميزانية ديوان الوزير حيث إن أعباء العمال (الرواتب و الأجور) قد تطورت من 278 151 875 أوقية سنة 2017 إلى 356 904 580 سنة 2019، مما يعني زيادة معتبرة بمبلغ 78 752 705 (ثمانية وسبعون مليونا وسبعمائة واثنان وخمسون ألفا وسبعمائة وخمسة) أوقية في سنتين، أي نسبة زيادة تصل 28.32%. من المهم أيضا الإشارة إلى أن مبلغ 200 مليون أوقية من ميزانية ديوان الوزير للسنة المالية 2016 قد أدرجت في بند "إعانات وتحويلات"، دون تفاصيل أكثر حتى يتمكن دافع الضريبة من معرفة تبرير إنفاق هذا المبلغ الهام.

 

كذلك فإن ميزانية مديرية الموارد البشرية و التي كانت 101 997 720 أوقية سنة 2016 و44 099 884 سنة 2017 قد انخفضت بشدة لتصل 13 500 000 (أوقية قديمة) سنة 2019. وهذا يعني أنه في سنة 2017 انخفضت هذه الميزانية بنسبة 60% مقارنة بنفس ميزانية السنة التي قبلها؛ في سنة 2019 انخفض هذا المخصص بأكثر من 300% مقارنة بسنة 2017 و600% مقارنة بميزانية 2016.

 

ينضاف إلى هذه الميزانيات المتذبذبة اكتتاب مفرط للعمال الإداريين والفنيين والخدميين، سبق وأن لاحظته دراسة المهد الدولي للتخطيط التربوي IIEP سنة 2018 (راجع الهامش 13 أدناه) والتأخر في إكمال أشغال بناء مقر رئاسة جامعة نواكشوط العصرية والمكتبة المركزية ومركز التعليم عن بعد (راجع الهامش 14 أدناه). أيضا فإن "توفير مبلغ مليار أوقية" المصرح به من قبل الوزير في مايو 2019 وكذا الملاحظات التي أبدتها محكمة الحسابات في تقاريرها لسنوات 2015، 2016 و2017 بخصوص نسب تنفيذ ميزانيات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والتي كانت على التوالي 93.3%، 92.82% و93.63%، أي مبلغ إجمالي قدره: 1 545 008 961 (مليار وخمسمائة وخمسة وأربعون مليونا وثمانية آلاف وتسعمائة وواحد وستون) أوقية قديمة لم يتم تنفيذه على مدى ثلاث سنوات متتالية (2015 ـ 2016 ـ 2017)، يتنافى مع "نقص الموارد المالية الناجم عن اقتطاعات ميزانوية" الذي ورد في المخطط التوجيهي الإستراتيجي لجامعة نواكشوط العصرية للفترة 2017 ـ 2020 والمنشور سنة 2017. كل هذه الميزانيات المتذبذبة والمعلومات المتعارضة لا تطمئن على حكامة جيدة لشبه القطاع.

 

المصادر: قوانين المالية 2016، 2017 و2019، الباب 42 ؛ التقارير السنوية لمحكمة الحسابات لسنوات 2013 ـ 2014 ـ 2015 و2016 ـ 2017؛ المخطط الإستراتيجي لجامعة نواكشوط العصرية 2017 ـ 2020.

 

11 . بغية فهم أمثل لنسب نجاح تلاميذ الأقسام التحضيرية للمسابقات الدولية، والذي تم استغلاله إعلاميا إلى أبعد الحدود من قبل الوزارة، من المهم ملاحظة أن شركة بريتيش بيتروليوم BP قد أعلنت سنة 2017، في إطار "برنامج BP لمنح التميز في موريتانيا"، تقديم عشر منح لتكوين المهندسين في المدارس الكبرى في فرنسا والمغرب وتونس. لقد قدمت هذه الشركة أيضا سنة 2018 منح تشفنينغ Chevening لصالح بعض الطلاب الموريتانيين، هكذا يمكن أن نطالع على موقع هذه الشركة:

« BP is committed to investing in skills development for the people of Mauritania. In 2017 we worked with a wide range of government and non-government stakeholders on a needs assessment for skills development in Mauritania, which is now informing longer-term education and training initiatives to be supported by BP. Last year, the supported the studies of 10 students pursuing four-year engineering courses at Grandes Écoles in France, Morocco and Tunisia. In 2018 BP is pleased to support the continuation of the BP Excellence Scholarship programme along with a number of other postgraduate scholarship opportunities including providing prestigious Chevening scholarships. »

 

المصدر:  https://www.bp.com/en/global/corporate/what-we-do/bp-worldwide/bp-in-mauritania.html  

 

12 . تم إنشاء المجلس الوطني للتعليم العالي والبحث العلمي الحالي بموجب المرسوم رقم: 119 ـ 2015 بتاريخ 2 يوليو 2015. تنص المادة 3 من هذا المرسوم على أن الوزير المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي هو من يرأسه، في حين توضح المادة 4 من نفس النص تشكيلة هذه المؤسسة وذلك على النحو التالي:

ـ واحد (1) مستشار في الرئاسة؛

ـ واحد (1) مستشار في الوزارة الأولى؛

ـ واحد (1) مستشار للوزير المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي؛

ـ ثلاث (3) شخصيات موريتانية مشهورة بخبرتها في التعليم العالي و / أو البحث العلمي؛

ـ واحد (1) مدرس باحث في العلوم الإنسانية والاجتماعية؛

ـ واحد (1) مدرس باحث في العلوم القانونية؛

ـ واحد (1) مدرس باحث في العلوم الاقتصادية أو التسيير؛

ـ واحد (1) مدرس استشفائي جامعي؛

ـ واحد (1) مدرس باحث في علوم الأحياء أو في الجيولوجيا؛

ـ واحد (1) مدرس باحث في الفيزياء أو الكيمياء؛

ـ واحد (1) مدرس باحث في الرياضيات أو المعلوماتية؛

ـ واحد (1) مدرس تكنولوجي يدرس في مدرسة مهندسين.

 

تضيف نفس المادة أن أعضاء هذا المجلس يعينون بمقرر من الوزير المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي لمدة سنتين قابلة للتجديد.

 

نلاحظ أولا أن بعض مجالات التعليم العالي أو البحث العلمي وبعض الأنشطة الحيوية لاقتصاد البلد ليست ممثلة في هذه الهيئة، كالزراعة والتنمية الحيوانية، الدراسات المحيطية، الفنون، الصناعة، السياحة، العلوم الإسلامية، الآداب (الشعر، السرد، النقد الأدبي، الأدب المقارن، إلخ)، اللغات، اللسانيات (العامة و التطبيقية)، وذلك على سبيل المثال، لا الحصر.

 

الملاحظة الثانية تتعلق بصلاحيات السلطة المكلفة بموجب المرسوم المذكور بتعيين أعضاء المجلس الوطني للتعليم العالي والبحث العلمي، أي وزير التعليم العالي والبحث العلمي. يمكن أن نفهم أنه بمقدور هذا الأخير تعيين أستاذ باحث ليصبح عضوا في هذا المجلس، مع أن هذا التعيين كان من المفترض أن يتم وفقا لمعايير موضوعية: الكفاءة، التجربة، إلخ. وشفافة: يجب أن يختار أو يقترح المدرس المعين من قبل المجلس العلمي للمؤسسة أو الهيئة التي ينتمي إليها. بيد أنه بالنسبة للأعضاء الآخرين، وبالأخص المستشار في الرئاسة والمستشار في رئاسة الوزراء، من الوارد التساؤل: هل الوزير مخول قانونا لتعيينهما؟ فالمنطقي أن يتم تعيين أعضاء هذا المجلس بشكل مشترك بين مدير ديوان رئيس الجمهورية ومدير ديوان الوزير الأول والوزير المكلف بالتعليم العالي، إلا أن النص في نسختيه، العربية والفرنسية، يبقى ملتبسا بخصوص هذه النقطة.

 

13 . بحسب الدليل الإحصائي السنوي لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتقنيات الإعلام والاتصال لسنة 2019، فإن العدد الإجمالي للمدرسين هو 764، في حين أن تعداد العمال الإداريين والفنيين والخدميين لمختلف الإدارات المركزية للوزارة والمركز الوطني للخدمات الجامعية CNOU ومؤسسات التعليم العالي العمومي الأخرى هو 1547 (بعد استثناء عدد الوظائف السامية الذين يمكن اعتبار مسؤوليها بشكل عام بمثابة أساتذة دائمين)، مما يبرهن بالفعل على أن نسبة هؤلاء العمال / عدد المدرسين المرسمين تفوق 2/1. يعني ذلك أنه مقابل اكتتاب كل مدرس، يتم اكتتاب عنصرين من العمال الإداريين، الفنيين أو الخدميين. في بعض المديريات المركزية في الوزارة نجد أحيانا عشرة كتاب في إدارة واحدة، كما هو الحال في مديرية الشؤون الإدارية والمالية والأملاك DAFP. نجد كذلك عشرة كتاب في السكرتاريا العامة للوزارة، مع أنه بالنسبة للأخيرة يمكن تفهم أن وتيرة العمل تتطلب أكثر من كاتب. نفس السكرتاريا العامة تتوفر على ثلاثة سائقين، من بينهم امرأتان. ودائما في الإدارة المركزية للوزارة، يوجد أحيانا أربعة بوابين في نفس الإدارة، كما هو الحال في كل من مديرية ترقية التعليم العالي الخصوصي ومديرية الموارد البشرية. بخصوص المركز الوطني للخدمات الجامعية، يوجد 17 إداريا و20 وكيلا إداريا. توجد نفس الممارسات في باقي مؤسسات التعليم العالي الأخرى. لقد أبدت دراسة المعهد الدولي للتخطيط التربوي IIEP سنة 2018 بخصوص هذه القضية الملاحظة التالية:

 

إن العمال الإداريين المكلفين بالتسيير الاعتيادي للقطاع الفرعي يمثلون تقريبا ضعف هيئة التدريس الدائمة [عددهم 684]، بما في ذلك الإدارة المركزية ومؤسسات التعليم. إجمالا يبلغ عددهم 1350 شخصا في إدارة القطاع الفرعي سنة 2016 [...]. فمن خلال هذا المستوى المتباين بين نسبة الأساتذة / الإداريين يمكن ملاحظة غياب تشريع بخصوص استخدام العمال الإداريين داخل مختلف المؤسسات. (الصفحتان 30 ـ 31).

 

لنلاحظ بشكل عابر أنه، ورغم هذه الملاحظة الوجيهة التي صدرت سنة 2018، فإن البون بين تعداد العمال الإداريين والفنيين والخدميين وعدد المدرسين في تزايد. هذا ما يفسر، ولو جزئيا، لماذا يتم اكتتاب أعداد أقل من المدرسين وتوقيع عقود أقل لصالح الأساتذة غير المرسمين.

 

14 . لو كان الحال كذلك، أي لو كانت المتابعة فعالة، سنتمكن من تفادي الكثير من التأخيرات غير المبررة في إكمال بناء مقرات رئاسة جامعة نواكشوط العصرية، المكتبة المركزية ومركز التعليم عن بعد. تكلفة هذه المكونة الحيوية من المركب الجامعي تم تمويلها من طرف البنك الدولي سنة 2009 ـ 2010؛ بعض المصادر تتحدث عن تمويل بسقف 2.5 مليار أوقية قديمة.

 

راجع: http://www.cridem.org/C_Info.php?article=38461 بتاريخ 25 نوفمبر 2009 ، نقلا عن الوكالة الموريتانية للأنباء.

 

كما أعلنت برقية لوكالة الأنباء الموريتانية بتاريخ: 26/11/2010 ما يلي:

"إن المكتبة الجامعية المركزية ومركز التعليم عن بعد ورئاسة الجامعة، والتي سبق وأن وضع الحجر الأساسي لها، هي مكونات أساسية ضمن المركب الجامعي الجديد الذي سيتم تشييده على مساحة مغطاة تصل 16075 مترا مربعا، ممولة من طرف البنك الدولي بمبلغ مليار و680 مليونا و407 آلاف و309 أوقية. هذه المكونات سيتم تنفيذها من قبل شركتين إحداهما وطنية (GTM) والأخرى مغربية. من المتوقع أن تكتمل الأشغال خلال 18 شهرا من الآن"؟

طالع الرابط:

http://fr.ami.mr/Depeche-11438.html

 

خلال مداخلته في الورشة المنظمة من طرف وزارة التعليم العالي من 11 إلى 18 مايو 2019 حول حصيلة القطاع ما بين سنة 2008 إلى 2018، تطرق الوزير إلى هذا التأخر ووعد بانتهاء أشغال هذه المكونة من المركب الجامعي في أقرب الآجال. فمتابعة تنفيذ أشغال هذه المكونة من المركب الجامعي كانت من مسؤوليات مديرية مشاريع التربية ـ التكوين DPEF، بيد أنه كان يتعين على الوزارة أن لا تبقى صامتة بشكل أبدي حيال هذا التأخر الطويل وغير المبرر، وبالأخص بعد إنشاء هيئة تدعى "خلية العرض الوثائق والتعليم عن بعد ODED" منذ سنوات ضمن ديوان الوزير مهمتها الرئيسية الإشراف على إكمال هذه المكونات المتبقية من المركب الجامعي واستخدامها في المستقبل.

 

ففي هذه الفترة التي تتميز بانتشار وباء كورونا كوفيد 19 وانعكاسات ذلك على التعليم، فإن مركزا للتعليم عن بعد كان من المحتمل أن يقوم بدور كبير في عملية التدريس.

 

كذلك فإن إكمال مباني كلية العلوم القانونية والاقتصادية، الممول من قبل الصندوق السعودي للتنمية بمبلغ 8.5 مليار أوقية قديمة لم يتم تسلمه بعد. وبالجملة فإن بنايات تمثل تكلفتها تقريبا ثلث التكلفة الإجمالية لمنشآت المركب الجامعي لم يتم تسلمها حتى الآن.