على مدار الساعة

"الاتفَاقُ - التسويَّةُ" مع تازيازت.. مَعْلومَاتٌ ومقَارَنَاتٌ

18 يونيو, 2020 - 14:55
 المختار ولد داهى - اقتصادي وسفير سابق

تم يوم الإثنين 15 يونيو 2020 التوقيع على اتفاق تسويةِ خلافٍ بين الحكومة الموريتانية وشركة Kinross Gold Corporation (KGC) المالكة 100%لشركة استغلال معدن الذهب بمنطقة تازيازت Tasiast Mauritanie Limited SA(TMLSA).

 

وقد أثارت تسوية الخلاف بعض التعليقات المرحبة المثمنة والاستدراكات المستفهِمة المتحفظة والانتقادات اللاذعة المُشكِّكة، وهو ما استدعى مني الاهتمام بجمع بعض المعلومات وإجراء بعض المقارنات مع مجريات التعاقد مع شركات التنقيب عن الذهب بالمنطقة.

 

مناطُ الخلاف هو شعور الطرف الموريتاني بشيء من الغبن في الاتفاقية الأولى ومطالبة كينروس الحكومة الموريتانية باسترجاع ضرائب طُلِب منها سدادها بينما هي محل إعفاء بنص الاتفاقية (إجراء شبيه بالاقتراض) وقد شملت مصفوفةُ تسوية الخلاف بنودًا تتعلق باتفاقية تازيازت الأولى(TMLSA)  وبنودًا تخص اتفاقية تحويل رخصة تنقيب إلى رخصة استغلال لفائدة شركة تازيازت الجنوبية  (SENISSA).

 

فبخصوص اتفاقية تازيازت الأولى حصل الطرف الموريتاني على المزايا التالية:

أولا: تم رفع نسبة الإتاوة (royalties) التي تدفعها شركة تازيازت TMLSA للحكومة الموريتانية من نسبة 3% من رقم المبيعات إلى حد أدنى لن يقل عن 4.5% في حالة ما إذا لم يتجاوز سعر أونصة الذهب 1000 دولار، أما إذا زاد سعر الأونصة على 1.600 دولار فإن النسبة ستصل 6.5% ومعلوم أن سعر أونصة الذهب يناهز حاليا 1.800 دولار.

 

وتأسيسا على هذه النسبة، فإن تازيازت ستدفع لموريتانيا إتاوات تساوى ضعف ما كانت تدفعه السنوات الماضية، فلو أنها مثلا كانت تدفع سنويا 20 مليون دولار عن الإتاوات، فمن المتوقع أن تدفع 40 مليون دولار ابتداء من النصف الثاني من هذه السنة.

وللمقارنة المعينة على الفهم فإن نسبة 6.5% هي أعلى نسب الإتاوات على استخراج الذهب بالمنطقة [السنغال وبوركينافاسو (5%)، جنوب إفريقيا (4%)، تانزانيا (6%)] وهي ليست العائد الأوحد على الدول التي يوجد بها الذهب بل تضاف إليها الرسوم والضرائب وعائدات الأرباح على المساهمين  ( -payout dividendes)،...

 

ثانيا: أُنجزت تسوية الضرائب التي سددتها تازيازت TMLSA والبالغة 128 مليون دولار رغم أنها معفية منها بنص الاتفاقية وبمحضر اتفاق موقع بين الشركة و"سلطات ما قبل 18 يونيو" وذلك على النحو التالي:

- تنازل تازيازت  TMLSAعن 80 مليون دولار (30 مليار أوقية قديمة) من تلك المستحقات؛

- التزام الطرف الموريتاني بسداد باقي المستحقات بعد التنازل أي ما يعادل 48 مليون دولار (16مليار أوقية قديمة) مجدولة على خمس سنوات ابتداء من 2021؛

- سداد تازيازت TMLSA لـ10 مليون دولار (3.5مليار أوقية قديمة) كمقابل لتسوية الخلاف بين الطرفين.

 

ويتضح من تفصيل هذا البند أن الطرف الموريتاني كسب واستبقى 42 مليون دولار (17.5 مليار أوقية قديمة).

 

ثالثًا: حصلت الحكومة الموريتانية على أحقية عضوين مراقبين بمجلس إدارة تازيازت TMLSA مما سيمكنها من مراقبة الحياة المالية والإنتاجية للشركة والدفاع الأمثل عن مصالح الطرف الموريتاني وإحباط كل محاولات التدليس والتزوير التي لا تتورع عنها غالبا الشركات العاملة في هذا المجال؛ كما حصلت الدولة على دعم مالي سنوي لصالح شركة "معادن موريتانيا" و"الوكالة الوطنية للبحث الجيولوجي" يبلغ 1.3 مليون دولار (500 مليون أوقية قديمة).

 

أما فيما يتعلق باتفاقية تحويل رخصة التنقيب  (permis d’exploration)إلى رخصة استغلال(permis d’exploitation)  لصالح شركة - فرع من تازيازت تسمى SENISSA فقد تم الاتفاق على البنود التالية:

  1. دفعُ فرعِ تازيازت الجديد المسمى تازيازت الجنوبية SENISSA إتاوة قد تصل إلى 6.5%من مبيعات الذهب وهو أرفع سقف إتاوة بالمنطقة، والجدير بالذكر أن القانون الموريتاني يمنح للمستثمر الذى حصل على رخصة تنقيب والتزم بدفتر الشروط الاستفادة من رخصة استغلال؛
  2. سداد تازيازت الجنوبية لمبلغ 15 مليون دولار (5 مليارات أوقية قديمة) كحقوق الولوج والنفاذ إلى الثروة (droit d’accès à la ressource) وهو ما لم يكن موجودا في اتفاقية تازيازت TMLSA؛
  3. منحُ موريتانيا مجانًا 15%من رأس مال شركة تازيازت الجنوبية SENISSA وإعطائها فرصة إمكانية شراء 10%من رأس مال الشركة إن تأكدت ربحيتها ومردوديتها هذا بالإضافة إلى التمثيل بمجالس الإدارة والتسيير بعضوين أحدهما كامل الصلاحية والثاني بصفة مراقب مما يمكن من اطلاع أمثل على خفايا الحياة الإنتاجية والمالية للشركة.

 

وبالمحصلة فإن المزايا المالية العاجلة - الآنية لهذا "الاتفاق - التسوية" بالنسبة لموريتانيا قد تصل إلى 125 مليون دولار (20 مليون دولار ناتج عن رفع نسبة الإتاوات + 80 مليون دولار إعفاء من المستحقات الضريبية + 15 مليون دولار حقوق الولوج إلى الثروة الجديدة + 10 مقابل مالي لتسوية الخلاف) في حين ستستفيد شركة تازيازت سداد الحكومة الموريتانية لمبلغ 48 مليون دولار من الضرائب على المحروقات المسددة أصلا مخالفة لنص الاتفاقية باعتراف مُثْبَتٍ بمحضر من سلطات ما قبل 18 يونيو.

 

أما المزايا المالية السنوية والدائمة "للاتفاق - التسوية" بالنسبة لموريتانيا فهي رفع نسبة الإتاوة المدفوعة من شركتي  TMLSAو SENISSAبنسبة سقفها الأدنى 33% وسقفها الأعلى 116% وامتلاك 15% من رأس مال الفرع الجديد لتازيازت المسمى تازيازت الجنوبية SENISSA بالإضافة إلى دعم مالي سنوي لشركة معادن موريتانيا ووكالة البحث الجيولوجي والأملاك المعدنية بمبلغ يساوى 500 مليون أوقية قديمة.

 

والواضحُ المبينُ من المعلومات والمقارنات أعلاه أن الدولة الموريتانية كسبت ماليا واستثماريا جولة المفاوضات مع كنروس(KGC)  لكن جهدًا كبيرًا يجب أن يُبذل فى مجال مرتنة الوظائف القيادية والفنية فى شركتي TMLSA  و SENISSAحتى يتملَّكَ الأطر الموريتانيون أوفر الخبرات المُعِينَةِ على التفاوض الأمثل مع المستثمرين فى مجال الذهب والمعادن عمومًا.

 

 

ومن المؤكد أن تراكم الخبرات لدى الأطر الموريتانيين السامين هو اللبنة الأولى والطريق الآمن إلى تحقيق ما يصبوا إليه أغلب الموريتانيين ألا وهو إنشاء شركة وطنية برأس مال بشري ومالي موريتاني خالص لاستغلال مناجم ذهب ومعادن نفيسة أخرى متوافرة بالبلد والحمد لله.