على مدار الساعة

عزيز في القفص

7 يوليو, 2020 - 13:43
محمد الأمين محمودي

تخيلت الرئيس السابق جالسا في قفص بقاعة محكمة تتحكم في نقل وقائعها للعموم وكالة الأنباء الرسمية، ترسل ما تشاء وتحذف ما تريد.. الرئيس يجلس ناظرا بازدراء وسخرية واضحة إلى رئيس المحكمة الذي يعرفه جيدا ويعرف طريقة وصوله ومن يعبد من آلهة الفساد، يلتفت يمينا وشمالا متفحصا الوجوه التي تحفه.. إنهم أركان نظامه أو هكذا عرفهم الحاجب، لكنه لا يعرف أي واحد منهم.. القاضي الموغل في "الديمين" يساير الرئيس في تعليقاته بابتسامات وإبداء اهتمام خاص، وكأن ما يهمه في الأخير هو الإجهاز على الرجل وليس الرد على نفثاته تندب الموافقة فيما لا حرج فيه.. القاضي يتحدث عن صفقة الميناء ويلتفت إلى عجوز يشبه إلى حد كبير مومياء محنطة؛ يسأله عن سبب الإعفاء الضريبي فيرد بأن العفو أقرب للتقوى ويجلس، هذا ما يريده القاضي منه فالرجل كومبارس ولا يتقن التحدث في الاقتصاد، يلتفت إلى رجل هذه المرة يشبه وجه زعيم مافيا المكسيك "ال شابو" بشاربه الهتلري، يسأله عن السبب في توقيع الاتفاقية كذا، فيرد بأن عزيزا أمره بذلك.

 

يلتفت عزيز إلى الرجل الذي لم يره من قبل، ويضع يده تحت ذقنه متأملا أداءه لدوره.. يتساءل الرئيس في قفصه:

- أين الأبطال الذين أسهموا معي في بناء البلد؟

- أين وزرائي؟

- أين أصحاب الملفات..؟

 

سجل لديك أيها القاضي الغامض حتى الآن إنهم الآن يعبثون بمسرح الجريمة لحماية أنفسهم وتوريطي أكثر، لماذا جلبتم ممثلين.. القاضي يتململ ويخاطب الرئيس: أنا تخرجت من المدرسة الوطنية للإدارة والقضاء في عهدك وأعتبر نفسي مستقلا، ولا علاقة لي بهؤلاء، و أتعامل مع اتهامات وردت من لجنة انتخبها الشعب.. يضحك عزيز : لجنة من نواب كانوا يسعون لإقناعي والرأي العام بفرض مأمورية جديدة يرفضها الدستور والأخلاق!!، من بينهم من جردوا من مهامهم بسبب نهب وتبديد المال العام سجل لديك الأرز الفاسد وسجل لديك الطرائق التي أوصلتهم للبرلمان، وكيف نهب كل واحد منهم ليوفر المال للقبيلة.. سجل لديك أن من بينهم من طالبوا بتأليهي وجعلي ملكا تحت ناموسيتهم أو قبتهم، سجل لديك أن كتيبة منهم حركتها يوما ضد الرئيس المدني السابق.. ثم سجل لديك أن رئيسهم ومعبودهم الحالي الغزواني.

 

يقاطعه القاضي: دعنا في موضوع اللجنة والاتهام..

 

عزيز: لن أفعل فاذا كنت "كورونا" فإن شريكي وقائد أركاني في أحسن أحواله مخالط لعقدين من الزمن كما أن أفراد حكومته مخالطون في أحسن أحوالهم، وطبعا تدركون أن النواب مخالطو مخالطين وبعضهم خالط حالتي مباشرة ثم خالط الحالة الجديدة التي تريدون لها أن تكون مجتمعية.. فيروس كورونا الفساد في جسم كل واحد منهم وملفاتهم وسرقاتهم ونهبهم جميعهم معروف لدى الجميع ولن يتحدث عنه، لا القضاء ولا البرلمان إلا في حال جاءت حالة مجتمعية ببزة عسكرية وحركت الجيش واجتازت المتاريس واستدعتهم وطلبت منهم ذلك.. هنا سيغيرون المعاطف وسيلعنون الحالة التي كانت مجتمعية وسيعتبرونها وافدة ونقلت العدوى للكثيرين..

 

مساءلة عزيز وغزواني ورفاقهم من مدنيين و"معارضين موالين" حلم لدى كل موريتاني لكن بطريقة قانونية وآمنة وتبعث على الثقة في أننا لسنا أمام الإيهام بذبح كبش لفداء نظام يتمدد في هذه اللحظات ولا يغير في شخوصه، وإن أراد التغيير قليلا بحث عن خردة فساد قديمة ونفخ فيها الروح وأعاد تدويرها ظنا منه أن جميع كبار السن أراذل وأنهم سيكتمون حقيقة النازيين الذين اختفوا بعد ذهاب ولد الطايع وأخضعوا وجوههم لعمليات تدميمية حتى لا يتعرف عليهم ضحاياهم من الشعب البائس.

 

مساءلة عزيز تدخل في إطار علاج نفسي لبعض المرضى الذين عانوا الحرمان من المشاركة في السرقة خلال عهده من باب قول اللص للص: اقسمني وإلا صحت على الجيران.. وإلا فلماذا تُرك المتورطون في الملفات المفتوحة اليوم في مكاتبهم التي كانت وما زالت وستظل مسرحا لجرائم كثيرة، حيث الأدلة تحت أيدي المتهمين وحيث العصابة الآن تنسق خطتها التي ستنهي بها الملف بدون متابعة طبعا..

 

عزيز قد يحضر أمام لجنة نوابه وقد لا يحضر تبعا لمزاجه الخاص، وفي الحالتين لن يُصعِّد ولن يخرج أوراقه بسرعة لثقته بأن العصابة لن تسن سنة مساءلة ستسكن جميع أفرادها السجون عاجلا أم آجلا.

 

موريتانيا نهبت منذ ميلادها، ولصوصها يتناسلون ويتسافدون تسافد الحمير ليزودوا البلاد نهاية كل عقد بجيل جديد من أبناء البطر والتعالي والشر الكامن في النفوس.. أولادهم يتعلمون منهم كيف يصِلون القمة والقرار وكيف يسرقون وكيف يظلمون الشعب وكيف يضمنون لأنفسهم بعدها البقاء والخلود في أحفاد الأبالسة.. الشعب سيجلس في النهاية منذ الغد ولشهرين تقريبا ليصفق لمن هم على الخشبة معتقدا أن إهانة عزيز المؤقتة انتصار لعيون ساكنات أحياء القصدير وأيتام الجوع والنهب والتهميش والإقصاء.. إنها حربهم ولا تعنيني في شيء وستتأكدون قريبا من حقيقة أنكم لن تحصدوا من الشوك الرطب..

 

عزيز اعترف لي شخصيا ولكم في مقابلة تقدمي بأنه يملك ثروة لم تكن في خزائنه قبل الوصول إلى السلطة وحين سألته عن طريقة تحصيلها رفض الجواب، وبالتالي فللجميع الحق في البحث عن أصولها لكن يمنع من هذا الحق أصحاب السوابق واللواحق من أركان نظامه، من نوابه إلى وزرائه وشريكه المؤدب ولد الغزواني.. هؤلاء وحدهم لا يمكنهم التفتيش لأن بيوتهم بنيت من زجاج العشرية وربما العشرينية.

 

أيها الشعب أنت طفل صغير لاعب بالتراب والليل مغس.

صفقوا لهم ليواصلوا قتلكم ونهبكم وسرقتكم.