على مدار الساعة

ورقة فنية حول إصلاح النظام التربوي الموريتاني

8 يوليو, 2020 - 09:35

يشكل التعليم مكونا مهما في تطور و ازدهار الشعوب، فتحقيق تعليم نوعي هو رهان التطلع نحو الإقلاع الحضاري. و قدا أجمعت الدراسات التي تناولت النظام التربوي الموريتاني على إخفاقه في تحقيق الأهداف المنشودة، مثل تعميم التمدرس وتكافؤ الفرص و الاستفادة من تعليم عصري يتسم بالجودة و يستجيب لحاجات سوق العمل. و هذا ما جعل الأنظمة السياسية المتعاقبة على هذه البلاد تبقى مشغولة بالبحث عن سبل لعلاجه. فمنذ بدايات الاستقلال و محاولات إصلاح النظام التربوي متواصلة. و قد كانت إصلاحات 1967- 1973 – 1979- 1999،أهمها لكن ظروفا كانت تقف دون أدائها عملها. فما العوامل التي عرقلت هذه الإصلاحات؟ و ما الحلول التي يمكن اقتراحها اليوم؟

و من أجل المساهمة في إصلاح النظام التربوي الوطني قامت مجموعة " المثقفون" المكونة من ساسة و مختصين تربويين و باحثين بتشخيص هذا النظام التربوي سعيا إلى الوقوف على مواطن الداء و وضع "معالم على الطريق" للنهوض به. و قد عينت المجموعة لجنة لنقاش جدول الأعمال:

• تقديم ورقة تحدد الخطوط العريضة لوضع تصور يسهم في إصلاح النظام التربوي الموريتاني

• وضع معالم على الطريق لتنظيم المداخلات

• تحديد الفترة الزمنية لإنهاء النقاش و صياغة أهم ما تم الاتفاق عليه و تقديمه للمجموعة العامة بغية وضع اللمسات الأخيرة.

و قد التأمت اللجنة تحت إشراف الدكتور سيدي عبد الله ولد المحبوب رئيسا و عضوية كل من:

1. ابوه ولد محمدن ولد بلبلاه

2. المصطفى ولد أحمد ولد معاوية

3. أم المؤمنين بنت محمد المامي

4. التلميدي ولد أحمد سيدي

و بعد مداولات اللجنة اقترحت ما يلي:

العنوان العام:

النظام التربوي في موريتانيا:

مساهمة في التشخيص والعلاج

القضايا المقترحة للنقاش:

1. صياغة الغايات و الأهداف

2. التعليم:

• البرامج

• طرائق التدريس

• لغة التدريس

• التقويم و الامتحانات

• الكتاب المدرسي و الوسائل الديدكتيكية.

3. ظروف التدريس:

• المدرس و مشاكله

• التلميذ و مشاكله

• البنى التحتية

4. الحكامة: أية طريقة لتسيير النظام التربوي الموريتاني و من المسؤول؟

• من المسير : الفاعلون السياسيون و الشركاء في الحقل التربوي؟

• طبيعة النظام التربوي: المركزية أو اللامركزية

1. النقاش: يكون حسب مراحل ثلاثة:

المرحلة الأولى : متدخلون رئيسيون يتناولون الموضوع كل حسب طريقته و هم :

• محمد فال ولد بلال

• محمد ولد خباز

• المختار ولد محمد موسى

• المختار ولد الجيلاني

المرحلة الثانية

المعقبون يتناولون القضايا المثارة من طرف الجماعة الأولى بالنقاش و التعليق و هم:

• محمدو الناجي ولد محمد أحمد

• ديالو يايا ييرو

• محمد الحافظ ولد حمان

• محمد عمر ولد الشيخ سيدي

• الشيخ ولد معط

المرحلة الثالثة

فتح النقاش للكل لإثراء الموضوع و إضاءة مختلف جوانبه

2. الصياغة

يعلق النقاش لتشرع لجنة في صياغة مسودة. و بعد الانتهاء ترد إلى المجموعة العامة لوضع اللمسات الأخيرة حول العمل.

النظام التربوي في موريتانيا:

مساهمة في التشخيص والعلاج

مقدمة:

يتميز النظام التربوي الموريتاني بسمتين أساسيتين:

الأولى كونه يستلهم الإسلام و يستمد منه قيمه الأساسية

الثانية أنه يقفو النظام الفرنسي ويتخذ منه بعض مناهجه. و لذلك فهو نظام يقوم على ثنائية ضدية، قد يختلف طرفاها و قد يتكاملان. فهو من جهة يستمد بعض أصالته من المحاظر و من جهة أخرى يستأنس بنظام يتسم بخلفية علمانية غربية.

ومنذ نشأة الدولة الحديثة، مع طلائع الاستقلال، وهو محكوم بمركزية مطلقة، تجعل كل القرارات تصدر من أعلى الهرم، و في الفترة نفسها ظلت الأنظمة السياسية المتعاقبة على هذا البلد تقدم رجلا و تؤخر أخرى سعيا إلى إصلاح هذا النظام بتقديم الحلول الناجعة و تلافي أسباب الخلل و التأهيل للاستجابة للتحديات الجديدة. فقد عرف هذا النظام منذ ما قبل الاستقلال وحتى 1999 ما يربو على أربعة إصلاحات كان أهمها 1967 ـ 1973 ـ 1979 ـ 1999.

والمتأمل في واقع هذا النظام التربوي يلاحظ أنه يواجه تحديات كبرى أهمها:

1- ضرورة المواءمة على مستوى التعليم الأساسي والثانوي بين مطلبين يخضعان لمنطقين مختلفين: ـ توسيع طاقة الولوج من أجل تحقيق تعليم قاعدي للجميع ـ الرفع من مستوى الجودة عبر توفير تعليم جيد وأفضل (وهذا يعني الجمع بين الكم الذي يقتضيه المطلب الأول والكيف الذي تستدعيه الضرورة الثانية).

2- التحدي الثاني يتمثل في ضرورة تكييف التعليم ما بعد القاعدي (التعليم الثانوي في مرحلته الثانية) مع مطلب مزدوج هو تلبية رغبة الوكلاء في وجود مدرسة تحقق لأولادهم فرصة للدراسة الجيدة لنيل أكبر الشهادات و الاستفادة من مختلف التخصصات إلى جانب الاستجابة لحاجات الاقتصاد من اليد العاملة المؤهلة التي تشكل الوظائف الوسيطة على مستوى القطاع غير المصنف.

3- التحدي الثالث هو ضرورة توفير الموارد البشرية والمادية التي يلزم توفيرها وتعبئتها لتحقيق هذه الغايات.

وانطلاقا من كون النظام التربوي هو القطاع الحيوي، الذي يجب أن يجسم خيارات المجتمع ويحقق طموحاته، وانطلاقا من كون مستقبله أصبح موضع شك وتساؤل ومبعث قلق متزايد بالنظر إلى الأخطار التي تترصده بينما كان في السابق محل احترام و كان المشرفون عليه محل تقدير من طرف الجميع. انطلاقا من هذا كله أصبح لزاما على القوى السياسية و الاجتماعية تحمل مسؤوليتها للتصدي بشجاعة للتحديات القائمة اليوم في وجه النظام التربوي. و بذل قصارى الجهد لتلبية مطالب الأجيال الناشئة في مجال التنمية والحرية والكرامة.

وقد حرصت مجموعة "المثقفون" على تقديم مساهمتها في التفكير القائم حاليا في بلادنا حول أزمة هذا النظام والوسائل الكفيلة للخروج منها، مركزة على المحاور التالية: الغايات والأهداف، التعليم، ظروف التدريس، الحكامة

و هي مساهمة تطبعها الموضوعية و الشفقة في كشف مواطن الخلل و في تصور العلاج بعيدا عن التجاذبات السياسية والعرقية. و ذلك من خلال المحاور التالية:

 

المحور الأول صياغة الغايات والأهداف

حددت اليونسكو أربعة أهداف للتعلم: فالإنسان يتعلم ليعلم، ليعمل، ليكون وليتعايش.

و الناظر في نظامنا التربوي يتبين له شبه إجماع على حاجته إلى تحديد الغايات المنشودة من العملية التربوية لغياب إطار شمولي يلم شتات المجهود التعليمي المقام به.

و غياب هذه الغايات كان له الأثر السلبي على مواءمة البرامج للمقتضيات الجديدة وتكييفها مع حاجات سوق العمل.

الغايات          

ضمان تعليم جيد منصف وشامل للجميع وتعزيز فرص التعلّم مدى الحياة لبناء إنسان، موريتاني، متشبث بالدين الإسلامي، مؤمن بهويته، مستوعب لعلوم عصره قادر على الاندماج في المسار الاقتصادي و الاجتماعي و التكنولوجي، مؤمن بمبادئ الديمقراطية و حقوق الإنسان متصالح مع ذاته متسامح و منفتح على الآخر.

الأهداف

• ترسيخ القيم الإسلامية في عقل ووجدان التلميذ

• إرساء مناخ ملائم لتنمية شخصية التلميذ و الانخراط ضمن الحياة الاجتماعية بسهولة

• تقويم سلوك التلميذ و التصدي للظواهر السلوكية المنافية لقواعد التعايش السلمي

• تعميق الهوية الموريتانية و الإيمان بالدفاع عن الوطن و حوزته و كرامته

• ترسيخ قيم الديمقراطية و الانفتاح على الآخر و احترامه

المحور الثاني التعليم

البرامج:

تمتاز البرامج المعمول بها حتى إصلاح 1999 بشيء من الارتجال حين إرادة المراجعة و الإصلاح. فهي:

  • لا تواكب طبيعة المجتمع و مقتضيات العصر،بل تميل إلى حشو ذهن التلميذ أكثر من إذكاء مهارات التفكير العلمي و النقد العقلي لديه،
  • تدخل بعض المفاهيم والموضوعات التي لا تتماشى مع المستوى الجسمي أو العقلي للمتعلم (القضايا الجنسية في العلوم الطبيعية في المرحلة الأساسية و بعض مفاهيم التربية السكانية، والزكاة–مثلا- في التربية الإسلامية...)،
  • تقسم زمن التعلم تقسيما لا يناسب مقررات المواد (فمثلا زمن التربية الإسلامية والتاريخ والجغرافيا ـ والتربية المدنية مع تغييب التربية البدنية).

لذلك يتعين إدخال بعض الإصلاحات من أهمها:

• التحيين المتواصل استجابة للتحولات المطردة و انسجاما مع الأهداف و الغايات

• إضافة مادة تسمى مادة القرآن الكريم في المرحلتين الأساسية والإعدادية إلى جانب مادة التربية الإسلامية

• توجيه البرامج إلى البناء الفكري للمتعلم وتنمية مهارات الملاحظة والتحليل لديه والاستدلال والتفكير العلمي.

• إعادة النظر في تدبير الزمن الدراسي والتخفيف من كثافة البرامج وكثرة المواد المدرسة.

• إنشاء لجنة وطنية لمتابعة المناهج و اقتراحات تحديثها باستمرار.

طرائق التدريس

لا يزال التلقين أسلوب التدريس الشائع في كل مراحل التعليم. فرغم دوره في تنشيط الذاكرة وتعزيز القدرة على الحفظ والاستظهار و المساعدة في تدريس مواد معينة، فإنه بالتعميم يصبح معيقا للتفكير ومميتا للإبداع كما يتعارض إلى حد بعيد مع الهدف المتعلق ببناء العقول المنفتحة والمبدعة والمنتجة. و رغم اعتماد مقاربة الكفايات بطريقة غير رسمية فإن تطبيقها تعرقله صعوبات منها كونها:

- أدخلت دون تمهيد ولا حتى تعميم رسمي يجيز توظيفها

- لم يتم التعرف عليها في جذورها وغاياتها

- لم يكون المؤطرون عليها بما فيه الكفاية.

- لم تخضع للتجريب لبيان مدى فعاليتها

- لم يتم إعداد كتب مدرسية ولا معدات ديدكتيكية عليها

و لهذا يجب تحديث طرائق التدريس و تحيينها باستمرار لتطوير مهارات التعلم و إشراك الطالب في بناء المعارف واكتساب المهارات ومسايرة الركب الحضاري مع القيام بدورات لتأهيل المدرسين و توظيف تكنولوجيا الإعلام و الاتصال.

لغة التدريس

ثمة إجماع عالمي على أن اعتبار اللغة الأم في التدريس أقرب الطرق لاستيعاب العلوم والمعارف وتخريج أجيال قادرة على الإسهام في التطور. و هو أمر لا يتعارض مع مطلب تدريس اللغات العالمية كأداة مساعدة على تطوير البحث العلمي والانفتاح على المجتمع العلمي. ولكنه ليس مبررا كافيا لأن يصبح تعلم اللغات الأجنبية في حد ذاته هدفا رئيسا للتعلم، بله أن تحل محل لغة وطنية، وهو أمر أخطر من جهلها. وبناء على هذا يجب:

• اعتماد لغة وطنية موحدة لغة للتدريس فهي عامل حاسم في تحقيق الانصهار الاجتماعي، وتوحيد الشعور الوطني، وبناء أرضية صلبة لنمو الفرد و المجتمع.

• اللغة العربية هي اللغة الوطنية المؤهلة لأن تكون لغة التدريس الموحدة في مختلف المراحل التعليمية، بحكم بنيتها كلغة عالمية، وبوصفها اللغة الرسمية للبلاد، ولغة القرآن الكريم، ومطلبا شعبيا ملحا.

• الاستفادة من اللغات العالمية بالاختيار بين لغتين -على الأقل- يتم الشروع في تعلمهما بدءا من السنة الأولى من المرحلة الإعدادية.

• العمل على تطوير اللغات البولارية والسوننكية و الولفية حتى تستوفي الشروط الألسنية الضرورية التي تؤهلها للترسيم، وجعل الشعب بمختلف تشكيلاته يتعامل - ولو شفهيا- بكل اللغات الوطنية حتى يتحقق التواصل الاجتماعي.

• افتتاح كلية للألسن لتخريج كفاءات وطنية قادرة على سد احتياجات البلاد في مجالات الترجمة وتدريس اللغات وتطوير البحث اللغوي.

التقويم والامتحانات

لأسلوب التقويم المتبع لقياس مدى استيعاب التلميذ، في نظامنا التربوي، لمضامين المقررات و اكتساب مهارات جديدة طريقتان: تقويم شفهي وتقويم كتابي و كلاهما استرجاعي. و مع أهميته فإنه يعاني بعض الصعوبات منها:

• أن التقويم ليس مادة يتدرب عليها المدرس خلال فترة التمهين الأولي أو التكوين المستمر

• صياغة أسئلة التقويم في واد والأهداف في آخر

• التأثر بالعوامل الذاتية

• الاقتصار على نمط واحد (الأسئلة والأجوبة الاسترجاعية )

• انتشار ظاهرة الغش في جميع المراحل.

• فوضى في عمل أغلب لجان الامتحانات (تسرب أرقام التوهيم، السرعة في التصحيح رغبة في إنهاء العمل، عدم الاهتمام بالتصحيح النموذجي المتفق عليه).

و بناء على هذه النواقص يستحسن ما يلي:

  • تعزيز دور التقويم في الارتقاء بجودة التعليم.
  • مراجعة ظروف التقويم ( الرقابة التصحيح، صياغة الموضوعات ووضع معايير لاختيار اللجان التي تكلف بالامتحانات والمسابقات).
  • مراجعة آليات التقويم (الأسئلة الاسترجاعية لا تشكل آلية ناجعة لتحديد المستوى)
  • تحليل نتائج الامتحانات وتشخيصها لمعرفة مكامن الخلل وتلافيه و البناء على ذلك في الامتحانات التالية.
  • إعادة النظر في امتحانات الباكالوريا.
  • مراجعة الظروف التنظيمية للمسابقات و الامتحانات ( التشديد في تسجيل حالات غش).
  • تقييم التلاميذ على مستوى السنوات الثلاث من التعليم الثانوي تحسب خلالها مجموعة من النقاط تشكل ثلث أو نصف النقاط الضرورية للنجاح في الباكالوريا و في امتحان الباكلوريا يحسب بمعدل خاص. فليس من المنطقي أن نسبة النجاح في شمال إفريقيا تصل 40 % و في أوروبا و فرنسا تتجاوز 90 %أما في موريتانيا فنسبة النجاح منذ كثير من السنوات لا تصل 15 %.
  • إنشاء و تكوين خلية خاصة بالتقويم غايتها التأطير المستمر و تحسين ظروف و طرق التقويم.

الكتاب المدرسي والوسائل الديدكتيكية

رغم أهمية الكتاب المدرسي والوسائل الديدكتيكية في تهذيب،الطفل وتنشئته الاجتماعية وإسهامها في ترسيخ أشكال التعلم المدرسية فإن الكتاب المدرسي لا يتلاءم مع البرامج ولا مستويات التلاميذ، كما أن التأليف في هذا المجال لا يزال يفتقر لكثير من الشروط منها:

  • الدقة العلمية في جمع وعرض المعلومات
  • النقص في المهنية
  • عدم الانسجام مع المحتوى المدرسي
  • عدم القدرة على توفير الكتاب بالكم المطلوب وفي الزمن المحدد
  • تكليف من لا تجربة له ليقوم بتأليف على جناح السرعة للحصول على المقابل

لذلك لابد من مجموعة من الشروط لبلوغ أدنى المرام:

  • وجود خلية مهنية خاصة بالتأليف مكونة لهذه الغاية ومدربة عليها
  • وجود رقابة صارمة على عمل هذه الخلية
  • توفير الموارد المادية اللازمة
  • توزيع الكتاب و الوسائل الديدكتيكية في كل المستويات مجانا على كل التلاميذ ووضع سياسة عملية لوصولها والاستفادة منها في الوقت المناسب.
  • تحديث الدعامات التربوية على ضوء المقاربات الجديدة.

 

المحور الثالث ظروف التدريس

  1. ظروف المدرس:

يعتبر المدرس حجر الزاوية في إنجاح العملية التربوية. غير أن نظامنا التعليمي يعاني النقص الحاد فى الموارد البشرية و تدني مستوى تأهيل المدرسين في المرحلتين الأساسية والثانوية لاسيما في مجال اللغات والمواد العلمية المدرسة بلغة أجنبية وعدم ملاءمة التكوين الأولي والتكوين المستمر لسياق الازدواجية الذي فرضه إصلاح 1999.

فهناك شبه إجماع على أن الصيغ المعتمدة في الاكتتاب إلى حد الآن لا تستجيب للمقتضيات الراهنة والمعايير الدولية المطلوبة لممارسة مهنة التدريس. حيث لم تستقر بعد رؤية النظام التربوي على فلسفة واضحة وناجعة في الاكتتاب. فحينا يتم اكتتاب مجموعة لتتدرب في المدارس المهنية المعدة لتلك الغاية وحينا آخر تعتمد الطريقة المباشرة.

هذا الضعف الواضح في الأداء يرافقه بل و يعززه تدني الراتب. فالرواتب معدة منذ الاستقلال و لم تتم مراجعتها بصورة جادة إلا مرة واحدة و دون النظر في ظروف السكن والصحة و الضمانات العائلية.مما قد يدفع بعض المدرسين تحت وطأة الظروف الاقتصادية إلى البحث عن عمل مواز قد يبتعد به كثيرا عن مجالات المعرفة و رسالاتها.

و لتصحيح هذه الوضعية لابد من توفر الشروط التالية:

• اعتماد التكوين كأحد المعايير اللازمة لممارسة مهنة التدريس و التركيز على اللغة في التكوين الأولي و التكوين المستمر.

• تحسين المستوى المادي و المعنوي و الصحي للمدرس وحصوله على حقوقه العادلة في الترقية والتحويل و تفعيل القوانين المتعلقة بالتحفيز والترقية واعتبار العلامة السنوية ( التربوية و الإدارية ) في التحويل والترقية واعتماد التكوين كأحد مقاييس الارتقاء المهني.

• توفير الظروف الملائمة للعمل من بنى تحتية و معدات ديدكتيكية

• اعتماد معايير شفافة و موضوعية في تحويل المدرسين.

على مستوى التكوين :

ينبغي إعداد خطة للتكوين الأولي تستجيب لمتطلبات التكوين المنشود، بحيث تضمن تخريج مدرسين مهنيين قادرين على القيام بالمهمة على أحسن وجه و تنطلق من:

  • تحديد مواصفات المدرس الخريج والعمل على تحقيق الكفاءات المعرفية والمهنية المطلوبة.
  • التمكن من لغة التدريس.
  • التكوين على مختلف الطرائق وآليات التقويم.
  • الإلمام بغايات النظام التربوي وأهدافه.
  • لتسلح بضمير مهني عال.
  • دعم البحث في المجال التربوي وبناء شراكة في مجال البحوث التربوية بين المؤسسات الجامعية والمهنية.
  • إعداد خطة محكمة للتكوين المستمر تنطلق من إجراء تقويمات سنوية ، تشمل المدرسين كافة (معلمين ومساعدين) بدءا بخريجي السنوات الأخيرة. وذلك من أجل تحسين مكتسباتهم العلمية و تطوير كفاءاتهم المهنية والارتقاء بهم إلى مستوى التخصص بشكل يعزز ويواكب المستجدات التربوية ويمكن من سد النقص الناتج عن انعدام التكوين(الاكتتاب المباشر ) أو من بقاء ثغرات في التكوين الأولي .
  • إعادة بناء الثقة بين المدرس وبقية الشركاء وتطبيق مبدأ المكافأة والعقوبة.
     

2- ظروف التلميذ

ليست الظروف التي يعيشها التلميذ ملائمة سواء على مستوى العيش والسكن و الصحة أو على المستوى التعليمي. فبالإضافة إلى التفاوت في الظروف بمختلف أنواعها نلاحظ ما يلي:

  • التركيز على التحصيل الكمي وضعف قيمة المكتسبات العلمية والتقنية.
  • دراسة بعض المواد بلغة لا يتقنها ولم توفر الظروف الملائمة للدراسة بها.
  • غياب بعض المواد ( الفرنسية مثلا) في مراحل من الدراسة لعدم وجود مدرسين، مما يلقي بظلاله على المراحل اللاحقة.
  • النجاح التلقائي في التعليم الأساسي يترك ثغرة في امتلاك كفاءات أساسية مما يؤدي إلى ضعف مستمر
  • تباين المستويات في الفصل الواحد.
  • ظاهرة التجميع في التعليم الأساسي وظاهرة التفويج في بعض مدارس التعليم الأساسي والثانوي .
  • تفشي ظاهرة الرسوب والتسرب المدرسي المبكر الذي يؤدي إلى الجنوح الجريمة أحيانا.
  • عدم المتابعة الكافية من طرف الوكلاء والمدرسين و المؤطرين
  • التأثير السلبي للمحيط الأسري غير المتعلم
  • انتشار العنف وتفشي التدخين والمخدرات بين صغار السن في المدارس.
  • تباين الفوارق في النتائج بين مدارس الريف والمدن وبين الفتيان والفتيات.
  • ضعف المستوى المادي للكثير من الأسر.
  • التفكك الأسري وما يترتب عليه أحيانا من ضياع لعض التلاميذ في سن هم أحوج فيها إلى الرعاية والمتابعة
  • الاستخدام السلبي المفرط لوسائل الاتصال الحديثة .
  • وضع حد أعلى لسنّ دخول الجامعة (خاصة بالنسبة لطلاب المحاظر)

و للمساهمة في حلحلة هذه الظروف يجب توفر مجموعة من الشروط تحسن مستوى التلميذ المادي وتشجعه على مواصلة الدراسة منها:

  • مجانية التعليم في المرحلتين الأساسية و الثانوية
  • تقديم برنامج دراسي يحقق له إنسانيته و يحميه من الانحرافات ويتصدى للمظاهر الخطيرة التي تشهدها الفضاءات المدرسية اليوم
  • تفعيل النوادي الثقافية و الرياضية
  • توفير مبيتات و مطاعم مدرسية صحية في المناطق الريفية و الأحياء الهشة و تطوير شبكة النقل المدرسي و اعتباره مسؤولية شركات النقل العمومية.
  • إعطاء منح نقدية أو مساعداتمعتبرة لأبناء الفقراء و العاطلين عن العمل والمتقاعدين و سكان الأرياف والأحياء الحضرية الهشة.
  • اعتماد تمييز ايجابي في الأوساط الاجتماعية الهشة ومناطق الفقر والفاقة من خلال تحفيزات وصيغ تأطير خاصة بهذه الأوساط علي أساس خرائط جغرافية واجتماعية معدة سلفا يتم تحديدها بعد تشخيص دقيق
  • الانتباهإلي ضرورة الاستفادة من الابتكارات العلمية في مجال تعزيز الذكاء أليا لدي الناشئة والذي سيشكل حقلا تنافسيا كبيرا بين الأمم خلال السنوات القادمة؛
  • اعتماد نظام تربوي ملائم بذوي الاحتياجات الخاصة وضمان مسايرته لمختلف مستويات التعليم
  • توخي الموضوعية في توجيه المدرسين ذوي الكفاءات إلى مختلف الجهات و تشجيع هؤلاء على الاستقرار في أماكن العمل.

3- البنى التحتية:

تعود صعوبة العمل في أغلب المدارس إلى ضعف البنية التحتية ورداءة التجهيزات التربوية إن وجدت و غياب الوسائل التعليمية الضرورية. فمن أهم ما يميز المباني المدرسية ما يلي:

  • نقص في عدد الحجرات مما يؤدي إلى الاكتظاظ أو التفويج.
  • سوء استغلال وصيانة أغلب المباني الموجودة، والتي لا تتمتع بأي مقوّم من مقومات الجودة أمنيا أو صحيا (الحائط ، الساحة، أبعاد الحجرات، التهوية، الأبواب، الطاولات، الإضاءة، المياه، غياب شبه كامل لدورات مياه صحية)
  • عدم وجود مكاتب للإدارة
  • عدم وجود أماكن مخصصة للرياضة .
  • غياب المكتبات
  • غياب قاعات للمعلوماتية والسمعيات البصرية والمخابر.
  • انعدام التجهيزات الديدكتيكية.

و بناء على هذا يجب:

  1. توفير بنية تربوية تستجيب للظروف الجديدة: بناء مدارس وصيانتها، و توفير الماء و الكهرباء، والتجهيز بالمعدات الضرورية.
  2. اعتماد برنامج يضمن سد العجز الملحوظ في مجال البني التحتية التربوية و المكاتب الإدارية في فترة لا تتجاوز 5 سنوات مع إعادة تأهيل الموجود من المباني والسهر على صيانته. وهو ما يتطلب تخصيص ٢٠٪؜ من الميزانية الوطنية لقطاع التهذيب
  3. توفير المرافق الصحية و السهر على نظافتها.
  4. بناء و تجهيز العدد الكافي من المدارس أو الحجرات و المكاتب
  5. تجهيز المؤسسات بالمخابر والمكتبات و قاعات المعلوماتية.
  6. إنشاء مساحات خضراء داخل كل مؤسسة.

المحور الرابع الحكامة

يخضع النظام التربوي الموريتاني لمركزية مطلقة يحتكر فيها الهرم كل شيء: التصور، التنفيذ، التقويم، التوجيه و الاكتتاب. وقد تولد عن هذا النمط من التسيير تقييد مسيري المؤسسات و ضعف أدائهم. و زاد من ذلك:

  1. عدم اعتبار تسيير المؤسسات التربوية ميدانا مستقلا. و هي نظرة موروثة عن الفترة الاستعمارية حيث كان المستعمر منتدبا في كل شيء. فكل شخص يمكن أن يسير نظاما تربويا فمدرس جيد يمكن أن يسير مؤسسة تروية يتوافد إليها الطلاب من كل فج عميق.
  2. غياب تكوين أولي و مستمر للمسيرين.
  3. عدم وجود أي تخصص في الجامعات أو المدارس المهنية لتكوين مسيري المؤسسات التربوية في الفضاء الفرنكفوني رغم التكليف النظري للمدرسة العليا للتعليم بهذه المهمة، كما لا توجد مخصصات في ميزانيات وزارات التعليم لتكوين المسيرين.
  4. عدم جدوائية التكوين المقدم لضعف الإشراف و عدم وجاهة المحتوى المقدم و الارتجالية في بلورته.
  5. عدم وجود جهة نقابية تسعى لتطوير هذا القطاع و طرح مشاكله.

و قد تولد عن هذا أو رافقه:

  • التساهل في مجال تسيير الموارد البشرية الذي يتجلى في الاستغلال غير الرشيد للعمال
  • ضآلة تحفيز ظروف العمل
  • تسيير إداري يطبعه شبه غياب للمعايير و إفراط في المركزية وضعف في إشراك الفاعلين

و لتسهيل ما تعانيه الحكامة يجب ما يلي :

 اعتماد نظرة استشرافية تقوم على تحديد خطة على المستويات :القريب والمتوسط والبعيد. و استجابة الاكتتاب والتحويلات للحاجيات المبنية على التقويم و التخطيط

اعتماد هيكلة إدارية مدروسة وإعطاؤها الوقت المناسب وتقويمها للحكم عليها.

 توحيد الجهات المسؤولة عن التعليم ودمجها في وزارة واحدة (وزارة التربية و التكوين)

النأي بالحكامة عن التجاذبات السياسية و الاختلافات العرقية والقبلية و الجهوية و أن يطبع الترقيات نوع من الشفافية والوضوح والعدالة مع مراعاة الكفاءة والقدرة .

  استقرار البنى الهيكلية التعليمية المكلفة بتنفيذ السياسات التعليمية والتي يلزمها بالضرورة حيز زماني محدد لتنفيذ عملها بالشكل المطلوب.

تحسين و زيادة الموارد المخصصة لانجاز مقتضيات الإصلاح.

المواءمة بين التعليم وسوق العمل إذ كثيرا ما لا يتمكن الخريج من الاندماج في عالم الشغل أو مواصلة التعليم العالي بنجاح ( هشاشة المكتسبات العلمية والمعرفية )

تفعيل وترقية الرقابة والتفتيش والإشراف التربوي والسعي إلى التسيير التشاركي المخطط والشفاف الذي ينطلق من معايير دقيقة في التحويل والترقية والتقويم.

العمل علي توفير الطواقم البشرية الضرورية المؤهلة والمحفزة مع اعتماد نظام تكوين مستمر لدعم قدرات القطاع ورسم سقف زمني لسد العجز في هذا المجال من 6 إلي 10سنوات مثلا

إعطاء مزيد من الصلاحيات لمديري المؤسسات التعليمية و اعتماد معايير موضوعية لتعيينهم و توجهيهم.

تكوين المسيرين تكوينا أوليا ثم فرض تكوين مستمر بعد كل فترة زمنية حتى يتحسن أداؤهم.

 تقويم موضوعي دوري لكل العناصر السابقة وقياس المر دودية وسلامة الأداء.

التأكيد على دور الأسرة التربوية في الحياة المدرسية وإبراز دور الآباء والنقابات كشركاء للمدرسة

تجريب اللامركزية في بعض جوانب التسيير بإيجاد هيئات مركزية وجهوية للمتابعة تقدم تشخيصا دقيقا وتقترح الحلول المناسبة .

وضع إطار مؤسسي يرتكز على قانون توجيهي يحدد هيئات للمتابعة و التقييم. فالهيئات موجودة ( المفتشون و المستشارون التربويون) لكن يجب إيجاد هيئات مركزية و ربما جهوية لمتابعة كل النواقص التي يعاني منها القطاع وتقديم صورة دائمة من خلال تقارير فصلية تحدد تلك المشاكل و تقترح حلولا فيما يتعلق بالتنفيذ و إنشاء مجلس أعلى للتعليم تكون له تفريعات يمكن أن تضطلع بهذا الدور .

توفيرالموارد المادية الضرورية لتحسين أداء الحكامة والمصادر البشرية و إعطاء أولوية لتمويل يضمن اكتتاب المدرسين وتحسين ظروفهم و جعل ظروف التدريس مناسبة بتوفير الوسائل البيداغوجية؛ كل هذه العوامل تتطلب اعتماد سياسة تمويل خاصة وطنية مقررة من إرادة سياسيةبعيدة عن البنك الدولي. فيجب إبعاد البنك الدولي و مؤسسات التمويل الدولية عن قطاع التعليم نهائيا؛ لأنها أفسدته.فالفترة التي تدخلت فيها هذه المؤسسات في قطاع التعليم؛ رغم الإرادة السياسية؛ جعلته يفشل نتيجة الشروط المفروضة من البنك الدولي و التي لا يمكنها استيعاب الواقع الموريتاني مهما عملت ومهما استقدمت الخبراء و اتبعتْ من إرشادات ونصائح.

- تجنب إخضاع تحويل الطواقم الإدارية و التربوية للضغوط ؛ (أعداد من هيئات التأطير و من المدرسين تحسب على أنها تمارس واجباتها والحقيقة أن الجهات المسؤولة عنها عاجزة عن إلزامها بالالتحاق بمقرات عملها بسبب الضغط). وفي كل الولايات هناك مجموعات تشكل حالة اجتماعية؛ فحل هذه المشكل لا يكفى على الورق فهي مشاكل وقضايا يجب حلها وطنيا بإرادة سياسية بعيدا عن معايير البنك الدولي (التي تقرر و تنظر العدد الإجمالي لمن هم في سن التمدرس و عدد التلاميذ و عدد الأساتذة و كل أستاذ يقابله عدد معين من التلاميذ).فهذه المعطيات الإحصائية لا تعطى الصورة الحقيقية لأنها في أغلب الحالات تكون نظرية بينما الواقع شيء آخر. يجب إبعاد تمويلات البنك الدولي عن التعليم وعدم إشراكه في وضع سياساته لأنه أفسد التعليم العالي في الدول الإفريقية إذ يرى أنه ليست لها حاجة إليه، فتأخرت تلك الدول في إنشاء جامعات و مدارس عليا كما أفسد التعليم الأساسي و الثانوي ببعض سياساته.

 

 

 

توصيات و اقتراحات

و خلاصة القول:

ماذا نريد من الإصلاح المأمول؟

  1. أن يتشبث بالدين الإسلامي ويستوحي منه قيمه.
  2. أن يتخذ من الدستور الموريتاني مرجعيته
  3. أن يعمم التمدرس و يجعل من الجودة غايته
  4. أن يكون جمهوريا في جميع مراحله
  5. أن يبني مدرسة الإنصاف و التكافؤ و الانفتاح على الآخر و احترامه و التعايش السلمي
  6. أن يبني الإنسان الموريتاني المدني، الفعال المتمسك بهويته و المتصالح مع ذاته
  7. ن ينأى بالتربية و التعليم عن الاختلافات العرقية و العقائدية والصراعات السياسية.
  8. أن يخفف من عوامل تفتيت الجهود بجعل مهمة التربية و التعليم من اختصاص وزارة واحدة.
  9. أن يقترح صيغة ملائمة لاعتماد الإصلاح المرتقب بتنظيم منتديات عامة مع ضرورة الاستفادة من أخطاء التجارب الماضية (ضرورة إشراك الأحزاب السياسية ومهنيي القطاع وهيئات التطير ومنظمات المجتمع المدني ذات الصلة الخ...)؛

 

و الحمد لله رب العامين.