على مدار الساعة

حول التنابز : دعوة لإعادة ضبط "إعدادات" الشعور

11 يوليو, 2020 - 02:35
أحمدو ولد الوديعة

التنابز بالألقاب ظاهرة عميقة الجذور في ثقافاتنا الوطنية (ذكرتها قاصدا بصيغة الجمع، فالظاهرة موجودة في الثقافة المعبر عنها بالحسانية، وفي تلك المعبر عنها بالبولارية والسوننكية والولفية على حد سواء)، ونحن مجتمعات توجد بها تقسيمات طبقية مقيتة، وحالات من الاستعلاء الطبقي لم تفلح شريعة الاسلام القائمة على مساواة الناس (كلكم لآدم وآدم من تراب) في القضاء عليها، أما الدولة الحديثة فالحال الغالب في مسارها أنك كرست حالات الاختلال تلك وعملت على إعادة إنتاجها وتكريسها والاستفادة من تناقضاتها في ترسيخ أقدام هذا النظام أو ذاك.

 

خلال السنوات الأخيرة، ومع تكشف ثقافة العموم (أفضل هذا المصطلح على ما يسميه البعض ثقافة القاع) من خلال وسائط التواصل الاجتماعي، شهد الجميع وشاهد نماذج من هذه التنابزات التي لم يعد يمر أسبوع دون أن تحدث ضجة هنا أوهناك بسبب تدوينة أو فوكال أو حديث مسرب أو حتى خطاب رسمي (في عهد المنصرف وصلت الإساءة ذروتها فكانت حديثا في مهرجان حاشد "مهرجان النعمة")، وفي المؤتمر الصحفي للناطق باسم الحكومة..!

 

في المرحلة الحالية (من الأفضل أن نسميها هكذا فلا أدلة كافية بعد على أنها مرحلة جديدة أحرى نظام جديد) أقل ما يوصف به التعاطي مع ظاهرة التنابز هو الارتباك والانتقائية، والنظر لها من زاوية سياسية محضة، وذاك آخر وأخطر ما تحتاج، ولعل ما تابعنا بالأمس القريب أدق تعبير عن ذلك؛ فقي الصباح استيقظنا على اعتقال صاحب فوكال نبزي، حملته معارضة الرئيس الحالي (وذلك حقه وربما واجبه) على الإساءة لفئة من مكون وطني، وفي المساء نمنا على أخبار تعيينات تحتفي بتولية مسؤولية عمومية لصاحب تسجيل تبجح قبل أسبوع بامتلاك أسرته "أدباي من العبيد" دون أن يظهر أي نبرة حزن أو ندم على تلك الممارسة الباطلة شرعا والمجرمة دستورا وقانونا.

 

إن هذه الظاهرة المتجذرة بكل أسف في بنياتنا الثقافية العميقة، تتطلب وعيا وطنيا مفارقا للاعتبارات المجموعاتية، والتموقعات السياسية؛ يترجم أول ما يترجم في إحساس وطني بكل إخلال بها على خلاف واقعنا الحالي الذي لا بد أن نعترف أن لكل منا حواسه الخاصة به، فالقانون الحاكم هنا هو قانون "خبط ماه فيك كيف الل فاجدر" (يمكن رصد الأمر بوضوح في المستهجنين للإساءات المشار إليها آنفا، وصفحات الفيس هنا شاهد حي لمن أراد أن يعتبر).

 

ويوم ننجح في تعديل "إعدادات" الشعور بالإساءة، و"ضبطها" على الكل الوطني وفق "قيم" الجسد الواحد المستلهمة من صورة المشاعرية النبيلة التي وجهنا لها الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلوات وأزكى السلام يكون من الوارد أن ندخل في تفاصيل سبل منع التنابز، وطرق تنزيل شعار جمهوريتنا الجميل (شرف - إخاء - عدالة).