على مدار الساعة

للإصلاح كلمة توضح مدى إهانة الدولة للغة العربية بترسيمها في الدستور (كلحم الرقبة) (الحلقة الثانية(

4 أغسطس, 2020 - 14:29
بقلم الأستاذ / محمد بن البار

كلمة الإصلاح كان آخر فقرة كتبتها في الحلقة الأولى هي قوله تعالى: {إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون} إلى آخر الآيات، وقد كتبت الآية دون ذكر سبب الاستشهاد بها انتظارا لهذه الحلقة الثانية وذلك لأنبه كل مسلم أنه لا شك يرجو من الله عطاء في الآخرة وأنواع العطاء عند الله كثيرة في القرآن، فعلى المسلم ولا سيما العربي الذي امتن الله عليه بجعل القرآن ينزل بلغته في قوله تعالى: {وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون}، إذا أراد أن يسأل الله أو سمع الله يعطي لعباده أن يكون له علم بمعنى هذا العطاء ليسأله لله عند سماعه.

 

ومن جهة أخرى فكل مسلم يؤمن بأن له عمران، عمر ينتهي عنده اعتدال فكره وذوقه السليم وذلك عند بلوغه سبعين سنة – إذا بلغها – فإذا تجاوزها فهو يحتاج لثقافة تستطيع البقاء معه لتحفظ له ما بقي من عمره وتوجهه إلى أن يظل عضوا مقبولا في محيطة حتى ينتهي أجله، أما عمره الآخر فيبدأ من انتهاء الأول، وهو لا ينتهي أبدا، ومن ساعته الأولى إما في رحمة دائمة لا يقدر أهل الدنيا قدرها، وإما في عذاب أليم دائم لا يقدر أيضا قدره، هذا العمر الأول يدرك كل مسلم أن هناك ثقافة تكتسب فيه تساعد على التوجيه إلى سلوك طريق للمسلم تعينه في عمره الأخير في وجود تلك الرحمة الدائمة.

 

وبناء على ذلك فإن توجيه الناشئة المسلمة لا يكون محل اختيار للغتها بين اللغة العربية واللغة الأجنبية ولا سيما في دولة تفضل الله عليها بأن جعل اللغة العربية هي لغة الأم في غالبيتها والباقي من الشعب مسلما ولله الحمد.

 

وبذلك تكون اللغة العربية لهذه الأمة الموريتانية لغة عمرين في الدنيا والآخرة، فالعربية هي لغة أهل الجنة في الآخرة، أما في الدنيا فتشارك اللغات الأخرى في تحصيل العلوم الدنيوية التي يعيش بها المسلم في عمره الأول الذي حدده التعديل الأخير لقانون التقاعد بـ63 سنة فقط، فإذا بقي من العمر بقية وكانت ثقافة المسلم غير عربية فسيظهر ضياع أول العمر في تحصيل لغة انتهت صلاحية عمله بها، فإذا كان المسلم ادخر من عمله بها مادة لباقي حياته فستكون نتيجتها خارج فكره وعمله اليومي لعمره الطويل الذي لا يتقاعد صاحبه فيه، وتكون ثقافته غير معينة له في تحسين وضعية باقي عمره الدنيوي وإلى الأبد.

 

فالعربية أيضا هي لغة القرآن وهي التي وجه بها المولى عز وجل رسوله ليكون للعالمين بشيرا ونذيرا، وهذه الحقيقة كان على السيد رئيس الجمهورية أن يجعلها رقم 1 من أولوياته أو تعهداته إلى آخره.

 

ومن المؤسف أن جميع من قاموا بتقييم عمل الرئيس في السنة المنصرمة لم يذكر واحد منهم له أي إنجاز في رفع هذه الإهانة التي عرض فيها كاتب التشريع الدستوري العربية للإهانة بجعلها هي اللغة الرسمية في البلد لأنها هي لغة غالبية الشعب الموريتاني، وسيادته يعلم أن عدم العمل بها في الإدارة الآن هو غش لهذا الشعب والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "من غشنا فليس منا"، ويقول الحديث الصحيح الآخر: "ما من راع يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لها إلا حرم الله عليه الجنة" وما أعظم غش حقيقة في موريتانيا من جعل دراسة أبناءها بلغة أجنبية ونبذ دراسة اللغة العربية وراء ظهره، ومن هنا نزيد هذه القضية إيضاحا وذلك بافتراض أخذ الموريتانيين لمحام في هذه القضية فسيحولها بسهولة عند القضاء إلى الخيانة العظمى وقد ارتكبها جميع الرؤساء الحامين للدستور ولا سيما من ترأس منهم بعد كتابة ترسيمها في الدستور، فمثلا هل إذا قام مواطن برفع العلم الفرنسي فوق مكتبه الحكومي أو أدخل فقرة من النشيد الفرنسي بين فقرات النشيد الموريتاني يجرم أمام القضاء بخيانة عظمي؟ فكذلك الكاتبون للغة الفرنسية في ما من حقه أن يكتب باللغة الرسمية وبذلك يكونون ارتكبوا خيانة عظمى فمواد الجميع مكتوبة في الدستور، ومن جهة أخرى فإنه من المعلوم أن أصحاب الشهادات ولا سيما الشهادات العليا عندهم فائض من العلم عن حاجيتهم العملية التي يؤدون بها عملهم الدنيوي، وهذا الفائض من العلم إن كان صاحبه مسلما ووصل إلى التقاعد وبلغ من الكبر عتيا، فسيكون علمه الفائض الذي لا يعرف صاحبه إلا اللغة الأجنبية وهو هنا في موريتانيا فسيمثلونه بالمثل الشعبي لآلة امتياح البئر عندما ترى بجانب البحر، فهي ترمي حينئذ لأنها لا فائدة ترجى منها الآن، فلولا أن شعب موريتانيا مسلما لذهب بمثل هذا إلى حضانة المسنين، فمثلا من اكتسب شهادة عليا في جميع أنواع العلوم سواء العلوم الإنسانية أو الحيوانية أو علم طبقات الأرض أو علم الرياضيات إلى آخره، ولكن لم يتعلمها في زمن الدراسة إلا باللغة الأجنبية (مع أنها إذا كانت بالفرنسية فقط) فتلك لغة مثل الدجاج أجنحتها لا تساعدها على الطيران بعيدا، حتى ولو كانت باللغات العالمية الأخرى فإن صلاحيتها لصاحبها فوق الأرض الموريتانية تمثلها الآيات التالية التي ضربها لله للمنافق في قوله تعالى: {مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون}.

 

فهذه الحقيقة الواضحة أعلاه كان على السيد رئيس الجمهورية أن تكون من تعهداته ويرسل معناها إلى لجنة إصلاح التعليم لتوجيهها إلى تعريب جميع مراحل التعليم في الدولة وفي جميع شعب المعارف التي تنفق الدولة على دراستها وتترك للموريتانيين حرية الدراسة لأي لغة ولكن دون الإنفاق عليها.

 

ومن أكبر فضيحة يسجلها إسلام هذا الشعب على مثقفيه وسلطته هو ما تجسد في الإصلاح الأخير في التعليم حيث قرروا أن المادة العلمية كلها لا تدرس إلا باللغة الفرنسية وأن المادة الأدبية هي التي تدرس باللغة العربية ومثل هذا التفكير ترد عليه هذه الآية: {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه لها ولكنه أخلد إلى الأرض وابتع هواه}.

 

وبناء علي هذا الفهم القاصر عن معرفة أن مصدر العلوم صادر من رب العلوم إلى الإنسانية فهل قوله تعالى: {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} علمية أم أدبية؟ هذه الآية أسلم بعد قراءتها العالم الفرنسي الذي ألف بعد إسلامه كتابه المشهور في تعريف الإنسان بقوله: {الإنسان هو ذلك الحي الذي يجهل نفسه} أو قريبا من هذا المعنى، وهل قوله تعالى: {وجعلنا من الماء كل شيء حي}، {ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعلها ركاما} إلى آخر ما نشاهد في إنشاء السحب في الهواء، وقوله تعالى: {وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين}: هذه المياه المطرية، وأما المياه الجوفية فيقول الله في شأنها {وأنزلنا من السماء ماء فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب} إلى آخر الآيات العلمية التي تمثل 70% من المصحف مع ذكر معرفة جميع أخبار ما سيقع في الآخرة من تعليم اللغة العربية في الدنيا.

 

إذا علينا أن نعترف بأن سلطتنا بعد أيامها المدنية الأولى أصحبت دائما سلطة هشة كمن يعرف في نفسه العيب ويعلم أن الناس تعرفه فيه فلا يستطيع المجابهة، فهي تعلم أنها جاهلة للعربية ولا تستطيع المكافحة لأجل العربية الموجود ترسيمها في الدستور وهي الحامية له إلا أن حال الرئاسة أظنه تغير الآن في هذه الصورة، ومن الآثار السلبية الماثلة في التمسك بالعمل بهذه اللغة الأجنبية هو ما ظهر من أعمال اللجنة البرلمانية حيث كتبت جميع تقاريرها باللغة الفرنسية، والشعب الموريتاني الذي له الحق في الاطلاع على أصول القضايا لا يقرأ هذه التقارير إلا بعد أن تترجمها المواقع للقاعدة الشعبية كأن نواب الجمعية الآمر لهم الجمعية الفرنسية بإنجاز هذا العمل، فإذا كانت اللجنة البرلمانية فضحت أهل الفساد أمام الشعب فإن عمل اللجنة فضحها هي أمام الشعب بكتابة تقريرها بالفرنسية.

 

وخلاصة هاتين الحلقتين أنه حان للسلطة الموريتانية أن تفهم أن مصطلحها الذي يقول الأماكن الهشة أو الشريحة الهشة، فالهش حقيقة هو السلطة التي حكمتنا من 1978 إلى الآن لدورانها عن الحقيقة مع آراء أصحاب الأهواء الشخصية، والهش كذلك هو الشعب الذي لا يعرف إلا الإشادة بعمل السلطة أثناء عملها ونبذها وراء ظهره إذا انتهت مأموريتها.

 

وهذا كله ينافي وصية الله لعباده الصالحين كما قال تعالى لموسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام: {وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة وآمر قومك يأخذوا بأحسنها سأريكم دار الفاسقين} إلى قوله تعالى: {وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا}.