على مدار الساعة

للإصلاح كلمة تشرح خطورة بيع مدرسة الشرطة على الأمن العام الموريتاني

11 أغسطس, 2020 - 13:40
بقلم الأستاذ / محمد بن البار

كلمة الإصلاح تود أن تشرح للمواطنين - بغض النظر عن عدم شرعية البيع إداريا – خطورة بيع مدرسة الشرطة على الأمن العام الموريتاني.

 

ومن المؤسف أن النظرة الخالصة لمصلحة الوطن لم تترسخ حتى الآن في قلب أي مواطن وهنا يستوي أعلى مسؤول مع المواطن العادي.

 

فخصلة حب الوطن لذاته والتضحية من أجله التي سادت عند الاستقلال والتي أدارت بها السلطة المدنية الأولى موريتانيا آنذاك وهي التي قاتل تحت تشجيعها الضمير العسكري أيام حرب الصحراء واستبسل فيه الشجعان من الجيش، تلك الخصلة سبق فيها الانقلاب آنذاك وصفاها من قلب كل موريتاني، وأظن أن ذلك الانقلاب استطاع أن يخلق لقاحا حقن به كل موريتاني يمكن أن تحمل جيناته أي ذرة من تلك الخصلة التي لا يتقدم أي وطن إلا بها.

 

فبعد ذلك الانقلاب أصبح الصف الأول من المسؤولين يعد لمسؤوليه أداة للتحصيل المباشر وجاهها لذوي الأقربين القبليين والأصدقاء ومن ينحو نحو ذلك.

 

أما الصف الثاني، والأغلب أن يكون من المثقفين أصحاب الشهادات فهو للنفاق والتملق للالتحاق بالصف الأول ليحلو محلهم صورة طبق الأصل.

 

أما الصف الثالث إلى آخره من الشعب فمهمتهم التصفيق واللحلحة بأوامر من الصف الثاني لصالح الصف الأول.

 

لو لم تكن هذه الصفة السوداء لاصقة لصدق السواد بصاحبه لقامت لجنة التحقيق البرلمانية في أول ما قامت به لتضع يدها على الخيانة العظمي - إذا كان هذا عن قصد أو جريمة اللا مبالاة بأمن الوطن - لقامت تلك اللجنة بالتوجه مباشرة إلى مدرسة الشرطة لتقف على الجزء المبتاع من تلك المدرسة لتستخلص ما يلي:

أولا: من المعلوم أن أي مبنى يكون داخله جهازا من أجهزة الأمن أيا كانت سواء كانت ثكنة عسكرية أو جهاز أمن معد لأمن المواطنين والمحافظة على دوام السكينة والهدوء في الدولة - تلك المسؤولية التي أناطها الدستور برئيس الدولة ورئيس الدولة أناط دوام استمرارها بجهاز الأمن – لا بد أن يكون محروسا حراسة مشددة من كل جهة ولا يدخله أو ينظر ما بداخله إلا من وقف عند حراسته لتتحقق من هويته ومهمته وإلا أوقفته تحت طائلة التسلل داخل جهاز الأمن لتعريض الدولة كلها للخطر عن طريق التسلل داخل أمنها من غير إذن، فمبنى هذه المدرسة التي هي في الوصف أعلاه كان عليها حائط يحيط بها جميعا لا يمكن تسوره إلا عن طريق نية اعتداء على من في المدرسة، وكان بابها الوحيد ما يلي الطريق المعبدة وعنده دائما فرقة من الشرطة يقظة ومدججة بأنواع سلاح الرشاشات والمسدسات والمدافع الخفيفة الفردية وأفرادها دائما يقظين وفي وضعية استعداد لأي معركة مع أي مخالف جاعلين على رؤوسهم خوذات الوقاية.

 

فعلينا أن نحتفظ بهذه الصورة من الحراسة لهذه المنشأة الأمنية وشبه العسكرية لنجد أن رئيس الدولة ووزراءه المعنيين ومستشاريه جعلوا هذه الحراسة أضحوكة لمن أراد ذلك، فمن المعلوم أن المبنى مربع بحائط والحراسة المذكورة أعلاه عند مدخل المبني الشرقي فقط، فجاءت السلطة آنذاك فباعت حائط المدرسة الشمالي الممتد مع المدرسة مشرقا ومغربا عدة مئات من الأمتار، وهدم حائط المدرسة الأول وبني حائط آخر أقرب منه للمدرسة، ولكن الحائط الأول والمساحة التي تفصله عن الحائط الجديد بني فيها غرف شاهقة تجارية شمل مبناها من إدارة المدرسة نفسها ومساحة التدريب فيها التي يخرج إليها كل يوم التلاميذ والشرطيون ومدربوهم ليزاولوا فيها جميع أنواع التدريب الأمني من كيفية التعرض للمظاهرات وساعة القبض على المجرمين وكيفية التفتيش إلى آخره.

 

وهنا على القارئ الوطني أن يتحكم في غضبه، وعلى المسؤولين الهزليين أن يمسكوا عن الضحك عند سماع ما فعل الرئيس وأعوانه آنذاك بهذه المؤسسة الأمنية:

فالحائط في شمال المدرسة أصبح فوقه بعدة أمتار مباني غرف شاهقة تمتلئ كل يوم بجميع أنواع البشر مواطنون يبيعون ومواطنون يشترون وربما أجانب يشترون، والجميع أصبحوا هم حراس هذه المؤسسة الأمنية على طول شمال المدرسة على طول نحو ثلاث مائة أمتار وأكثر، ومكان ضحك وسخرية واستهزاء المسؤولين بمسؤوليتهم أن الحراسة الشرقية المدججة بالسلاح تحرس مائة متر فقط بأعينها وشخوصها من المبنى، وثلاث مائة متر من الشمال والجنوب مكشوفة كل يوم لأصحاب الغرف المرتفعة فوقها والتي يستطيع أصحابها إذا أعطي المدرب إيعازا للتلاميذ أن يعطي أصحاب الغرف المرتفعة إيعازا مغايرا للتلاميذ صادرا لهم من فوق رؤوسهم، وأصحاب هذه الغرف أكثر تمكنا من البطش في التلاميذ من مدربيهم.

 

هذه الصورة السوداء الماثلة إلى اليوم لم نسمع أن أي أحد من اللجنة لاحظ على هذا الفعل غير المسؤول الذي لا يصدر إلا من الحمقاء الذين يتبعون حاجة الساعة دون المبالاة بأي عقوبة.

 

ومما يحيل هذا البيع لبناء تلك الغرف إلى خيانة عظمى هو أن المدرسة في أعياد الشرطة وتخرج دفعاتها يحضر في ساحتها وزير الداخلية ومن يدعي من زملائه الوزراء والمدير العام للأمن ومن دعي من زملائه من قادة الأركان من جميع القطاعات، وعندئذ تبقي قوة موريتانيا الفاعلة على مرمى حجر من المتواجدين في تلك الغرف الشاهقة المطلة على جميع أجزاء المدرسة ومن هو داخلها أي تحت رحمة ما يحتمل وجوده من اللصوص.

 

وبالمناسبة فإن أي دولة تراعي أمنها حقيقة ففي هذه المناسبة تفرغ الأماكن العالية التي يمر أمامها العرض العسكري أو تنشر داخله حراسة لا تترك أحدا يتحرك أثناء العرض، فضلا أن يكون الهدف ساكنا واحتمال وجود اللصوص المنحرفين يراقبونه من أعلى ليختاروا الهدف بدقة.

 

ومن جهة أخرى فإن الفضيحة والطامة الكبرى هي ما يلي:

مدرسة الشرطة شرع في بنائها في أيام المختار ولد داداه رحمه الله بتمويل من السعودية، واشترط فيه جعل مكان لتعليم إطلاق النار للتدريب من جميع أنواع سلاح الأمن داخل المبني، فقام المهندسون بحفر أخدود داخل المدرسة من الناحية الشمالية التي بيعت حتى وصل الجزء المبتاع إلى نفس الأخدود المعد لتدريب الرماية، وهذا المكان لفنية بنائه أصبح جميع المتدربين العسكريين من كل قطاع يختارونه لتدربيهم عن الخروج من المدينة لسلامته من إصابة أي أحد.

 

وكان الطلاب داخل الفصل في المدرسة ساعة التدريب العسكري صوت الرصاص يحجب عنهم صوت الأستاذ لشدته، هذا المكان أصبح بعد البيع تحت الغرف التجارية ولا شك أن يكون أول سماع له فاجأهم، ولكنها الأفكار غير المسؤولة إذا جاءت من المسؤولين فأين المفر؟

 

وهنا أطرح هذا السؤال على من حضروا للبيع وعلى أعضاء اللجنة البرلمانية: هل تبقى مواطنة لأي مواطن له مسؤولية وسكت على هذا؟ فاللجنة والبائعون على حد سواء في عدم إثارة هذا الموضوع هكذا.

 

وخلاصة المقال أن هذه العملية في مدرسة الشرطة أظهرت ما يلي:

أولا: انخفاض حرارة المواطنة والعمل لأجلها في المسؤولين إلى درجة الصفر.

ثانيا: ظهر عدم إرادة تفعيل جهاز الشرطة من طرف الرئيس السابق، ولولا أنه الآن في حالة لا يأذن الضمير غير القضائي في توجيه أي كلمة نقد عليه لكتبنا بالتفصيل شرح أسباب ذلك مع أننا كتبناه عندما كان هو في الحكم وبينا آنذاك أسباب انفلات الأمن في زمنه، والذي لم يوقفه أو يخفف منه إلا تعيين المدير العام (مكت).

ثالثا: أنبه الدولة أن المدرسة لا يمكن تعايشها مع سكان تلك الغرف الحارسين لها من الأعلى على النحو المشروح أعلاه فلا بد من رحيل أحدهما عن الآخر يقول تعالي - تبركا بالآية فقط مع أن سعة علم الله تغني كل متفرقين -: {وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما}.