على مدار الساعة

العودة من النوافذ!

12 أغسطس, 2020 - 16:21
محمد غلام ولد محمدو

لماذا يخرج أحدهم من الباب الواسع فيعود مختفيا عبر الأزقة والنوافذ؟

 

........

أُخرج المختار ولد داداه عنوة من السلطة، وبعد خروجه من السجن إلى الخارج لاذ بالصمت زمنا طويلا.

 

وخرج منها محمد محمود ولد أحمد لولي (أو أخرج)، فعكف على كتاب الله حفظا وتجويدا وتدبرا وتحنّث في محاريب التبتل والزهد، وطلّق الدنيا إلى غير رجعة حتى جاءه اليقين.

 

وبعد الإفراج عنه، لاذ محمد خونا ولد هيدالة بالصمت وظل بعيدا عن المعترك السياسي، وما حدّثته نفسه قط - رغم قوته وجرأته - باسترجاع "هياكل تهذيب الجماهير" أو إحيائها، ولا بالسطو على نسختها المعدلة لاحقا: الحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي.

 

صحيح أن شهوة السلطة ستحمله لاحقا على الترشح في انتخابات نوفمبر 2003، للعودة من باب آخر. وقد اعتقل قبيلها لساعات وخرج منها مهيض الجناح.

 

وحين حاول المصطفى ولد محمد السالك استرجاع سلطة فقدها في سلسلة من الانشقاقات والدسائس بين رفقاء الدرب، زُج به في السجن وتعرض للتنكيل والاضطهاد.

 

أما معاوية ولد سيد أحمد الطائع، ورغم أنه أخرج من سلطة "شرعية" في الظاهر تستند إلى الانتخاب، فلم تتجاوز محاولته استرجاعها حدود تصريح يتيم لقناة العربية في نيامي بالنيجر، ثم قفل راجعا للدوحة ودخل في صمت مزمن.

 

حقائق تظهر أن ولوج باب السلطة ابتداءً، أسهل بكثير من الرجوع إليها انتهاء.

 

وقد يقول قائل: وهل أراد الرئيس محمد ولد عبد العزيز، أصلا، العودة للسلطة؟

 

وللبعض أن يرد عليه: وهل احتكار مراكز التأثير في الأحزاب السياسية والسيطرة على لجانها السياسية الأساسية، أو شراء الأحزاب السياسية، هو نوع من السياحة العقلية؟ أو أنه عمل يراد به وجه الله؟!

 

ولآخر أن يقول له إن الرؤساء في الديموقراطيات الغربية، حتى من قناة التأثير العادي، يؤثرون الابتعاد عن الأضواء والانزواء بعيدا بعد ترك مناصبهم، والاهتمام أحيانا بالقضايا العامة ممن زوايا أكاديمية أو علمية أو إنسانية.

 

ورغم خلافه السياسي والأيديلوجي المستحكم مع ترامب، ورغم ما رآه من منكرات اقترفها بعده، وفق ما ألفه الأمريكيون، لم يرد أوباما قط أن ينغِّص على خلفه، وانسل بعيدا إلى بيته في شيكاغو، يكتب ويتأمل!

 

لماذا لم يفعلها الرئيس محمد ولد عبد العزيز؟

 

شخصيا لم أكن قط مؤيدا للرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، ولكني – والحق يقال - لم أرد له أبدا هذه النهاية!

 

كم هو كبير أن تخرج من باب الرئاسة إلى سوح العمل الخيري والإنساني، وهو مجال متاح حتى للذين لا يمتلكون قدرات أكاديمية أو تنظيرية عالية.

 

وحتى لو قعدت بالمرء همته، فقد يتاح له الاهتمام برعاية قطعانه، والتفسح وسط مزارعه الشاسعة، والتنزه في رحلات الصيد وقنص الطيور.

 

إن منصب "رئيس سابق" خرج من السلطة بإرادته الحرة "امتثالا لنصوص الدستور" (أو هكذا بدا) سلطة فعلية أخلاقية عظيمة، أقوى عشرات المرات من رئيس لجنة أو حزب مجهري، وهو أكثر حصانة للعرض من أن تتناوش المرء سهام الغوغاء بالسب والشتم والسخرية، وهو لا يمتلك أسلحتهم وليس له سلطة فعلية تمكنه من أن يزج بهم في السجون أو يأمر بإطفاء أضواء كاميراتهم كما حدث ذات يوم!

 

إن العودة عبر الكُوى والأزقة - لمن اعتاد الأبواب الواسعة والطرق الفسيحة - مسألة مرهقة وغير مأمونة العواقب، وقد تؤدي بصاحبها إلى سقوط مفاجئ ومؤلم!