على مدار الساعة

نص تقرير المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان للعام 2019

13 أغسطس, 2020 - 19:51
رئيس المرصد الدكتور محمد عالي ولد الطالب خليل (يسار)، وأمينه العام المهندس محمد السالك ولد ماصه خلال المؤتمر الصحفي مساء اليوم (الأخبار)

التقرير الحقوقي الخاص بموريتانيا لعام 2019

 

توطئة

شهد العام الحقوقي 2019 في موريتانيا تطورات هامة، كان أبرزها داخليا: الحضور اللافت لقضايا التعذيب والعنف البوليسي، الاعتقالات التعسفية، تزايد القلق من ضعف استقلالية القضاء. أما على المستوى الخارجي فقد استمر الحراك الحكومي على المستوى الدبلوماسي وفي أروقة المنظمات الدولية من أجل تحسين الصورة الحقوقية السيئة المنعكسة من الداخل بسبب أداء السلطات الحاكمة، خصوصا على مستوى الأمم المتحدة والجمعيات الملحقة بها.  

وعلى الرغم من أهمية توفير الخدمات الضرورية للحياة والتي تمثل أبسط حقوق الإنسان، لا يزال مئات الآلاف من الموريتانيين يعانون من نقص مياه الشرب وضعف التغطية الصحية وتردي بل انهيار شبه شامل للمنظومة التعليمية، مع ما تتحدث عنه السلطات الحاكمة من تحسن على مستوى هذه الخدمات.

ولمناقشة وضعية حقوق الإنسان في موريتانيا خلال عام 2019 سنتوقف عند المحاور التالية: 

 

القوانين والتشريعات المتعلقة بحقوق الإنسان

لا تزال أزمة الحريات العامة وحقوق الإنسان في موريتانيا هي أزمة تطبيق القوانين على أرض الواقع ،أكثر من كونها أزمة غياب للنصوص التشريعية، إلا أن وجود هذا السند القانوني -في جانبه الإيجابي -يشكل داعما أساسيا لأي نضال حقوقي على الأرض ومؤسِّس مهم لعدالة حقوقية مستقبلية متى ما وُجدت الإرادة الصادقة من لدن السلطات الرسمية لتنفيذ القانون ووضع متطلبات حقوق الإنسان موضع التنفيذ. كما أن جانبه السلبي أيضا عامل مساعد على الحد من الحريات العامة وانتهاك حقوق الإنسان.

في الفترة من 4 إلى 5 يوليو 2019 ،فحصت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة التقرير الدوري الثاني لحكومة موريتانيا لتقييم وضع حقوق الإنسان في البلاد، وترصد اللجنة مدى التزام الدول بتنفيذ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادقت عليه موريتانيا في 17 نوفمبر  2004، في حين أبرز خبراء الأمم المتحدة التناقضات بين القانون العادي وقانون مكافحة الإرهاب لعام 2010، فبينما ينص قانون الإجراءات الجنائية على أن مدة الاحتجاز لدى الشرطة قد تصل إلى 96 ساعة، يمكن تمديد هذه الفترة في القضايا المتعلقة بالإرهاب لمدة تصل إلى 45 يوم عمل، دون السماح للمحتجزين بمقابلة محام أو المثول أمام القاضي.

وفي 17 أكتوبر  2019، أكدت "الجمعية العامة للأمم المتحدة" طلب موريتانيا الانضمام كعضو في "مجلس حقوق الإنسان الأممي" لفترة 2020-2022. 

 

اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان

أنشئت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان سنة 2010، بموجب القانون 031-2010، على أساس مبادئ باريس، وتمت دسترتها بموجب القانون الدستوري 015-2012. ولكنها لا تستخدم كل الصلاحيات المخولة لها قانونياً، لمتابعة ورصد الانتهاكات المستمرة في مجال الحقوق المدنية والاجتماعية والسياسية، ولم يسجل لها موقف قوي وحازما، لاسيما في مواجهة الاعتداءات والاعتقالات والمحاكمات المسيسة، التي ما انفك المعارضون وناشطو حقوق الإنسان يتعرضون لها. 

في حين ظل يلاحظ عليها في أحيان كثيرة التماهي مع خطاب السلطة وعدم جدية تعاطيها مع الساحة الحقوقية، وضعف التفاعل مع أصحاب المظالم والانتهاكات المسجلة في المجال الحقوقي، خصوصا قضايا التعذيب والرق والإرث الإنساني، ومع أن اللجنة شُكلت في الأصل، كالتزام بمبادئ باريس، لتكون جهازا شبه مستقل عن الحكومة، رغم أنها حكومية النشأة والتمويل، وهي مطالبة بإصدار التقارير الموضوعية لإطلاع السلطة على مواطن الخلل والانحراف في مجال حقوق الإنسان، إلا أنها لم تضطلع بدورها كما ينبغي حتى الآن. 

 

وقد اعتبرت منظمة الكرامة السويسرية في تقريرها الموازي، بالتعاون مع تسع منظمات موريتانية غير حكومية، في إطار تقييم اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان من قبل اللجنة الفرعية المعنية بالاعتماد التابعة للتحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، في جنيف في نوفمبر 2016 (ودعمته بتقرير آخر، أكتوبر 2017 )أن هذه اللجنة لا تمتثل تماماً لمبادئ باريس، ولا تقوم بالتالي بالدور المتوقع منها كمؤسسة مصنّفة في الفئة (أ)منذ 2011. حيث رأت منظمة الكرامة أن استقلالية اللجنة عن السلطة التنفيذية لا تزال غير كافية، وأن عملية تعيين أعضاء اللجنة تفتقر إلى الشفافية وتبقى الكلمة الفصل في نهاية المطاف في يد  السلطة التنفيذية.  

وفي نوفمبر 2017  أوصت اللجنة الفرعية المعنية بالاعتماد بتصنيفها في الفئة "ب "بدل الفئة "أ "وذلك لعدم امتثالها لمبادئ باريس، وقد بررت اللجنة في تقريرها الصادر في 26 يناير 2018 تلك التوصية بوجود خروقات واختلالات كثيرة منها غياب الشفافية في اختيار أعضاء المؤسسة وعدم استقلاليتها عن السلطة التنفيذية.

وفي شهر يناير 2019 أعلنت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان عن فتح باب الترشح لعضويتها، وقالت اللجنة إن إعلانها جاء طبقا لترتيبات القانون النظامي رقم : 016 – 2017 بتاريخ : 05 يوليو 2017 المحدد لتشكيلة اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان وتنظيمها وسير عملها وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ : 20 نوفمبر 1993 المتضمنة مبادئ باريس، وحددت اللجنة يوم 27 إبريل 2019 موعدا لتجديد أعضائها، حيث أدى الأستاذ أحمد سالم بوحبيني اليمين القانوني بصفته رئيسا للجنة بتاريخ : 26 فبراير 2019.

هذا وقد أجرى رئيس اللجنة الأستاذ أحمد سالم بوحبيني هذا العام العديد من زيارات التفقد والإطلاع، كما تبنا العديد من المواقف المساندة للقضايا الحقوقية لعل من أبرزها :

الزيارة الميدانية التي أجراها لمدينة نواذيبو بتاريخ :20 أغسطس 2019 في إطار رصد الوضعية الحقوقية للمدينة حيث شملت الزيارة بعض المؤسسات الرسمية بالإضافة إلى السجن المركزي، ومؤسسات اقتصادية كالشركة الصينية"بولي هوندونك"، واتحادية الصيد.

وفي تاريخ 24 أكتوبر 2019 استقبل رئيسي اللجنة مناديب الطلاب المتضررين من قرار منع منهم فوق سن 25 سنة من التسجيل في الجامعة وأكد وقوف اللجنة معهم، كما تدخلت اللجنة لدى وزير التعليم الأساسي وإصلاح التعليم من أجل حل مشكلة العقدويين وذلك بتاريخ 7 نوفمبر 2019.

ومن النعمة عاصمة الحوض الشرقي أطلقت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان الأربعاء 21 نوفمبر 2019 قافلة تحسيسية حول مكافحة الاسترقاق وثقافة حقوق الإنسان جابت الكثير من المقاطعات الداخلية ،كما تضمنت زيارة بعض السجون في الداخل.    

 

المحاكم الخاصة بقضايا الاسترقاق

 منذ قيام السلطات الحاكمة بتفعيل قرارها لعام 2015 بإنشاء ثلاث محاكم جنائية خاصة بقضايا الاسترقاق، فافتتحت أولى تلك المحاكم رسمياً في مايو 2016، في ولاية الحوض الشرقي لتُتبعها بعد ذلك باثنتين، في نواكشوط (24 -06- 2016)، وانواذيبو (24-11-2016)، في حين ظل الموقف الرسمي للدولة ينفي وجود العبودية في موريتانيا بشكل نهائي، ولا يزال دور هذه المحاكم  هزيلاً، حيث أريد لها ذلك على ما يبدو، بسبب ضعف بنيتها المادية والبشرية، فهي لا تمتلك قضاة تحقيق ولا شرطة مختصة، على غرار نظيراتها المعنية بقضايا القصر والفساد والإرهاب والمخدرات مثلا وفي ظل ميزانيات عمل زهيدة، وطاقم قضائي لم يخضع لأي تكوين في مجال هذا النوع من القضايا الجنائية. 

وكنا في المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان، قد وجهنا نداءً إلى السلطات الحاكمة منذ حوالي خمس سنوات، في مايو 2015 للمطالبة بجهاز أمني خاص بتعقب ممارسي هذه الجريمة وقلنا إن الدولة بامتلاكها لمصادر المعلومات، وبتعاون أجهزتها الإدارية والأمنية يمكنها بوجود هذا الجهاز  أن تسرع من القضاء على هذه الظاهرة بشكل أكثر فعالية، وهو النداء الذي أكدته اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بعد ذلك في تقريرها سنة  2017 : "وستكون المحاكم الجنائية المتخصصة في محاربة العبودية أكثر فعالية إذا ما قيم بحملات للتوعية والتحسيس وتم إنشاء شرطة مختصة فقط بملاحقة الممارسات الاسترقاقية ". ينضاف إلى ذلك التوصيات التي خلص إليها تقرير الخارجية الأمريكية عن الاتجار بالبشر في موريتانيا 2019: " الاستمرار في زيادة التمويل لمحاكم مكافحة الرق، والتأكد من أن كل محكمة من محاكم العبودية مزودة بشكل مناسب  بمدع عام متخصص ( ممثل النيابة )، وقاضي تحقيق، وقاضي محاكمة، وتدريب المدعين العامين والمسؤولين القضائيين عل كل من قانون مكافحة الاتجار لعام 2003، وقانون مكافحة الرق لعام 2015. الحد من تناوب القضاة الذين يجلسون في محاكم مكافحة العبودية الثلاثة لضمان امتلاكهم الخبرة الكافية التي تمكنهم من الاضطلاع بواجباتهم على نحو فعال وفقا لقانون مكافحة الرق لعام 2015".    

إلا أنه وعلى الرغم من كل هذه التحديات والنواقص تمكنت محاكم الاسترقاق من اصدار بعض الأحكام القضائية والتي نورد منها:

ما قضت به  في نوفمبر 2019 المحكمة المختصة بالنظر في قضايا الاسترقاق في مدينة النعمة من أحكام تراوحت بين 10 و 15 سنة سجنا في حق ثلاثة أشخاص بتهمة ممارسة العبودية حيث تم الحكم على متهمين اثنين بالسجن لمدة 15 سنة، و 10 سنوات للثالث، وقد صدرت هذه الأحكام غيابيا في حق المتهمين الثلاثة الموجودين في حالة فرار كما تم تغريمهم 500 ألف أوقية جديدة.

 

ينضاف إلى ذلك  الأحكام التي صدرت عن محكمة الاسترقاق بمدينة نواذيبو في شهر مارس 2018، والتي قضت بأحكاما بالسجن تراوحت بين 10 و20 سنة، وغرامات مالية تراوحت بين 25 و 500 ألف أوقية جديدة، في حق ثلاثة متهمين أدينوا بممارسة الاسترقاق.

 

وفي 16 مايو 2016، أدانت المحكمة الجنائية الخاصة بقضايا الاسترقاق في النعمة كلا من السيدين سيدي محمد ولد حننا وولد احمياده بممارسة الاسترقاق.

 

الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب

تم إنشاء الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب بموجب القانون 0034 /2015 الصادر بتاريخ 10 سبتمبر 2015، تطبيقا للاتفاقية الدولية للوقاية من التعذيب، التي صادقت عليها موريتانيا سنة 2012. وقد قامت السلطات الحاكمة بتعيين أعضائها بموجب مرسوم صادر في 20 إبريل 2016. وحسب الفقرة (3) من المادة (3) من القانون المنشئ لهذه الآلية فإنها تختص ب: "تلقي شكاوى  ومزاعم التعذيب وغيره من أنواع العقوبة أو المعاملات القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة التي تقع في أماكن الاحتجاز، وتتولى التحقيق في هذه الحالات وإحالتها إلى السلطات الإدارية والقضائية المختصة". ومع ذلك فقد تقدم عدة مواطنين بشكايات من التعذيب والإهانة من قبل قوات الأمن والشرطة، مصحوبة بشهادات طبية توثق تعرضهم لهذه الجريمة، ونوقش انتشار تلك الممارسات تحت قبة البرلمان، إلا أن السلطات الرسمية تجاهلت كل ذلك حتى الآن. ولم تقم الآلية الوطنية للوقاية بالتوصية بفتح أي تحقيق بخصوص الاستمرار في ممارسة هذه الجريمة.ولم تقم بذلك السلطات القضائية، على الرغم من أن  المادة (9) من الفصل الثالث من قانون مناهضة التعذيب 033-2015 تقول إنه: "تقوم السلطات المختصة فورا ببحث حيادي كلما كانت هناك أسباب معقولة تفيد بأن عمل تعذيب أو سوء معاملة ارتُكب أو تمت محاولة ارتكابه، وذلك حتى في غياب شكاية". 

 

ومع أن من أبرز اختصاصات الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب أن تقوم  بزيارات منتظمة إلى كافة الأماكن التي يوجد، أو يمكن أن يوجد، بها أشخاص محرومون من الحرية، بغية الاطلاع على ظروف المعتقلين والتأكد من أنهم لم يتعرضوا للتعذيب، وغيره من أنواع العقوبة أو المعاملات القاسية أو اللا إنسانسة، في استقصاءات يتسم أصحابها بالموضوعية والاستقلالية. إلا أن هذا الهدف لا يبدو ذا جدوائية في ظل رضا هذه المؤسسة المسبق عن حال السجون ومراكز الحرمان من الحرية، حتى قبل زيارتها في بعض الأحيان.

 

وكالة التضامن

أُنشئت الوكالة الوطنية التضامن لمحاربة الرق وللدمج ولمكافحة الفقر بموجب المرسوم رقم 048-2013، الصادر بتاريخ 28 مارس 2013. كجهاز حكومي يعهد إليه العمل على محاربة آثار الاسترقاق ومكافحة الفقر ودمج اللاجئين. وفي 29 نوفمبر 2019 تم وبموجب مرسوم رئاسي إنشاء  إدارة مهام تدعى المندوبية العامة للتضامن الوطني ومكافحة الإقصاء "تآزر"، وهي  ذات رتبة وزارية ملحقة مباشرة برئاسة الجمهورية، وتضم المشاريع المخصصة لمكافحة الفقر والاقصاء والتهميش والتي من ضمنها "تضامن". وهو ما من شأنه أن يؤثر سلبا على فاعلية الأخيرة.

 وبحسب المتابعين لوضعية مشاريع تضامن، فإن جمع العديد من المجالات المتشعبة تحت إدارة واحدة أثر سلبا على الأداء الفعلي والاستجابة الواقعية لمجمل التحديات التي يعاني منها السكان في مناطق البلاد المختلفة. وهو ما يتطلب وجود مؤسسات متخصصة في كل من المجالات الثلاثة المذكورة. كما ظل يؤخذ على الوكالة إسناد المهام إلى من هم من خارج الأطر الاجتماعية المستهدفة. وما يترتب عليه من عدم استيعاب لكل تعقيدات المشاكل المطروحة، وعدم جوهرية الحلول والمقاربات. ومع ذلك فإن المؤسسة، قامت بتشخيص مقبول لإشكالية الفقر، وبلورت خطة لاستهداف عشرات آلاف السكان في مناطق مختلفة. ويعتبر مشروعها "السجل الاجتماعي الموحد للأسر الفقيرة" إضافة مهمة. كما أنها أسست أيضا، وإن بشكل غير كاف، مدارس وبنت مستشفيات، وساهمت في العمل الحكومي في ما يخص مكافحة الفقر بشكل أفضل نسبيا مما كان حاصلا من قبل. 

غير أن هذه الخدمات المقدمة لحد الساعة تجري بشكل متباطئ وتتسم بالبيروقراطية التي تطبع الأداء الحكومي العام. فضلا عن تبنيها لأسلوب انتقائي يخضع لتوظيف الولاء وتحكم الوجهاء، ولا تعتمد معايير دقيقة لفرز المواطنين الأكثر فقرا. كما أن مقاربتها لا تندرج ضمن خطة الحقوق والمواطنة، فما يُقدَّم للساكنة من قبل هذه الوكالة تحوطه سياقات بعيدة كل البعد عن شعور المواطنين في المناطق المستهدفة بأنهم يحصلون على حقوقهم طبقا لعمل حكومتهم. بل يشعرون بأن ما يصلهم هو مِنن رئاسية وحكومية تُعطى لهم بموجب ولائهم للسلطة وشخصياتها. أكثر من كونهم يحصلون على حقوقهم المقررة لهم بموجب القانون الوطني والدولي لحقوق الإنسان. فلا تزال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالنسبة للحكومة وللسكان المحليين يعتريها الكثير من الغموض وآليات الالتفاف والتوظيف السياسي. 

وقد ظلت هناك على الدوام فجوة كبيرة بين ما تنص عليه القوانين وما تقوم الحكومة بعمله على أرض الواقع. وهذا ما لاحظه مقرر الأمم المتحدة الخاص بالفقر وحقوق الإنسان، فيليب ألستون، من خلال زيارته لموريتانيا في مايو 2016، بدعوة من نظامها الحاكم. فقد قال في تقريره بأن هناك غيابا للتطبيقات القانونية لما ورد النص عليه في الدستور من حقوق اقتصادية واجتماعية، وخلُص إلى أنه عوض أن تقوم السياسات الوطنية للبلاد على الحقوق، يبدو أنها تركز أكثر على منطق الأعمال الخيرية المقدمة لمواطنيها. وقلل آلستون من أهمية "إستراتجية النمو المتسارع والرفاه والمشترك" قائلا: "في حين رسم وزير الاقتصاد والمالية رؤية إنسانية مثيرة للإعجاب، لا تزال هناك فجوة هائلة بين هذه الرؤية والحقائق على أرض الواقع. وستواصل استراتجيات على غرار إستراتجية النمو المتسارع، وهي الآن قيد العمل، إحداث فارق ضئيل إلى أن يتم الاعتراف بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية على أنها حقوق إنسانية، وحتى يتم استهداف الأشخاص الأفقر من بين الأشخاص القابعين في الفقر المدقع". 

 

الحريات والحقوق الفردية

 التعذيب والمعاملات غير الإنسانية

أقرت الحكومة الموريتانية، في 09 سبتمبر 2015، القانون 033-2015 الذي يهدف إلى مناهضة التعذيب. وقد ألغى وحل محل القانون 011-2013، القاضي بمعاقبة جرائم الاسترقاق والتعذيب بوصفها جرائم ضد الإنسانية. كما تبنت معه في نفس الوقت قانوناً ينشئ "آلية وطنية للوقاية من التعذيب"، وفاءً بالتزاماتها بموجب البروتوكول الاختياري للاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب. ويقضي القانون المنشئ لهذه الآلية أن تراقب بشكل أساسي الأماكن التي تعتبر مظنة لممارسة التعذيب، كمراكز الاحتجاز والسجون ومراكز إعادة تأهيل الأطفال المتنازعين مع القانون ونقاط الحجز الحدودية. إلا أن التعذيب لا يزال ممارساً بشكل متكرر، على امتداد التراب الوطني. 

وقد تقدم عدة مواطنين بشكايات من التعذيب والإهانة من قبل قوات الأمن والشرطة، مصحوبة بشهادات طبية توثق تعرضهم لهذه الجريمة، ونوقش انتشار تلك الممارسات تحت قبة البرلمان، إلا أن السلطات الرسمية تجاهلت كل ذلك حتى الآن. ولم تقم الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب حتى نهاية العام 2019 بالتوصية بفتح أي تحقيق بخصوص الاستمرار في ممارسة هذه الجريمة. ولم تقم بذلك السلطات القضائية، على الرغم من أن  المادة (9) من الفصل الثالث من قانون مناهضة التعذيب 033-2015 تقول إنه: "تقوم السلطات المختصة فورا ببحث حيادي كلما كانت هناك أسباب معقولة تفيد بأن عمل تعذيب أو سوء معاملة ارتكب أو تمت محاولة ارتكابه، وذلك حتى في غياب شكاية". 

وفي إطار التعذيب، سجل المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان انتشار العديد من أنماط الانتهاكات القانونية الجسدية والمعنوية. من بينها على سبيل المثال: الضرب والتعليق وسجن الحقوقيين والسياسيين مع عتاة مجرمي الحق العام ليتولوا التعذيب والإهانة والابتزاز نيابة عن عناصر الأمن، وعلى مرآى ومسمع من حرس السجون. ويقول الناشطون الحقوقيون والسياسيون إنهم يتعرضون لإهدار الكرامة بهذه الصيغة التي يتولى فيها سجناء الحق العام من المجرمين الخطرين وظيفة تعذيب النزلاء الجدد وفقا لصيغ متفاهم عليها ضمنيا بين رجال الأمن ومجرمي الحق العام. وهو ما جعلنا في المرصد نؤكد في مراحل سابقة من متابعتنا لهذا الملف أن التعذيب  داخل المعتقلات والسجون الموريتانية استحال إلى ثقافة راسخة للأجهزة الأمنية عبر عقود، ومن المستحيل أن تتخلص منه إلا بجهود مكثفة. ولا تزال الإهانة اللفظية والجسدية للمحتجزين داخل المخافر مستمرة، حيث تعود أفراد الشرطة والدرك على العنف، الذي يصل أحيانا حد التنكيل بالسجناء والتحرش بهم بأساليب مختلفة. 

في الفترة من 4 إلى 5 يوليو 2019 ، فحصت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة التقرير الدوري الثاني لحكومة موريتانيا لتقييم وضع حقوق الإنسان في البلاد. وترصد اللجنة مدى التزام الدول بتنفيذ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادقت عليه موريتانيا في عام 2004.

وفي 25 يوليو 2019، نشرت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان ملاحظاتها الختامية بعد مراجعة التقرير الدوري الثاني لموريتانيا. حيث حذرت اللجنة الأممية في تقريرها من عدم التزام موريتانيا بالمعايير الدولية بشأن منع التعذيب. وهو ما ينص عليه قانون 2015 المتعلق بمنع التعذيب، ومع ذلك غالبًا ما يتم تجاهل أحكام القانون في الممارسة. فعلى سبيل المثال، يضمن القانون الحق في الوصول إلى محام منذ بداية الاحتجاز ، لكن اللجنة لاحظت أن هذا الالتزام غالباً ما يتم تجاهله، لا سيما في المناطق الفقيرة من البلاد. 

 

العنف البوليسي

أما في ما يخص العنف البوليسي تجاه الاحتجاجات السلمية والإضرابات العمالية، فقد استمر على امتداد هذا العام. وتتولى القيام به بشكل بارز أجهزة الشرطة، وخصوصا جهاز مكافحة الشغب. وهو وحدة مدربة لهذا الغرض تأسست منتصف التسعينيات بهدف تعزيز قدرات الشرطة على مواجهة الاحتجاجات الشعبية حيث كان نظام الرئيس ولد الطائع في تلك الحقبة يعتمد في القمع على قوات الدرك والحرس الوطني بشكل أساسي. غير أن هذا الجهاز أصبح يتولى باستمرار قمع مختلف مظاهر الحراك الاحتجاجي، ويفرط في استخدام القوة بشكل غير مبرر في كثير من الأحيان. وقد سجلنا في المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان،  عدداً من حالات القمع والعنف البوليسي خلال هذا العام، نورد منها على سبيل المثال الحالات التالية:

 

قمع المظاهرات الشعبية التي اندلعت عقب الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة. حيث صرحت وزارة الداخلية بتاريخ: 25 يونيو 2019 أنها اعتقلت 100 متظاهر على خلفية الاحتجاجات. في حين أفرجت السلطات عن البعض منهم، في ما تم التحفظ على آخرين  بتهمة المشاركة في مظاهرات غير مرخص لها، والإضرار بالأمن العام. حكم على العديد منهم بالسجن لمدة 6 أشهر. لتعود السلطات وتفرج عن جميع المعتقلين في نوفمبر 2019.

وفي أكتوبر 2019، تظاهر الطلاب بشكل منتظم في نواكشوط ضد قرار وزارة التعليم العالي والبحث العلمي القاضي بمنع منهم فوق سن 25 سنة والناجحين في امتحان الثانوية العامة من التسجيل في مؤسسات التعليم العالي. فرقت الشرطة الاحتجاجات في عدة مناسبات، باستخدام القوة المفرطة لتفريق المظاهرات. وفي 6 نوفمبر 2019، ألغت الحكومة القرار التمييزي بالنسبة للعام الدراسي 2019/2020.

  

وتفاقمت خلال السنوات الأخيرة الوفيات بسبب القمع البوليسي جراء تسارع الاحتجاجات المطلبية وتنوعها. حيث تزايدت المطالبة بتوفير المياه الصالحة للشرب وتحسين وضعية الطرق المتهالكة أو المنعدمة أحيانا، فضلا عن الاحتجاجات السياسية والحقوقية والاجتماعية.

 

وتمارس الأجهزة البوليسية قمعا عنيفاً لبعض التظاهرات دون محاسبة أو رقابة قانونية. ونادرا ما يتقدم المواطنون الذين يتم قمعهم والتنكيل بهم بشكاوى من الأجهزة الأمنية لعدم جدوائية ذلك، حسب المتابعين. وهو ما جعل الظاهرة تتفاقم بشكل مستمر لغياب الرقيب القانوني الصارم المتمثل في الجهاز القضائي المستقل.

 

وضعية الشرطة وجهاز الأمن

يُعَدّ ما يمكن اعتباره، حسب المختصين، ضعفاً في رواتب منتسبي الشرطة والدرك، ونقصا في تدريبهم وتجهيزهم، من أسباب بعض الانتهاكات والاختلالات الحقوقية المرتبطة بهذه الأجهزة. حيث يؤدي إلى انتشار الفساد والاستغلال السيء للسلطة والإفلات من العقاب. فلا يزال ينتشر طلب الرشوة من قبل قوات الشرطة والدرك في نقاط التفتيش ليلا في نواكشوط وخلال التنقل بين المدن. و تؤكد التقارير والمعلومات حدوث الكثير من الاعتقالات التعسفية للأشخاص بسبب ذلك، خارج إطار القانون. ويستمر ذلك الاحتجاز عادة طوال الليل، و أحيانا لعدة ساعات.

 

التصفية الجسدية

لا توجد هناك أي تقارير عن الاغتيالات السياسية أو غير القانونية. كما لم تصل المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان أي معلومات أو تقارير عن إخفاء متعمد للأشخاص.

 

ظروف السجون ومراكز الاحتجاز

السجون في موريتانيا هي عبارة عن مخازن بشرية، يُجمع فيها كبار المجرمين مع السجناء الاحتياطيين الذين ينتظرون المحاكمة. لا توجد بها برامج استشفائية تعين متعاطيي المخدرات من المعتقلين على التخلص منها. بل إن تحوهلم إلى مدمنين داخل هذه السجون بات أسهل بسبب انتشار المخدرات داخل تلك المنشآت. وليست ظروف السجون في موريتانيا سيئة من حيث تحولها من مراكز إعادة تأهيل وتربية إلى مدارس لتكوين المجرمين وانتشار المخدرات فحسب، وإنما أيضا في كون ظروفها مهدِّدة للحياة من الناحية المعيشية والصحية. 

وشَكلت السجون ومراكز الاحتجاز في موريتانيا -كما ذكرنا- مكانا لانتهاك حقوق النزلاء والتعذيب بشكل واسع، بالإضافة إلى انعدام التغذية وتغطية الحاجات الضرورية لبقاء الإنسان على قيد الحياة. وعرفت هذه السجون حالات متكررة من التمرد والعصيان من طرف السجناء، نتيجة الظروف السيئة ورد الفعل العنيف والمعاملة غير الإنسانية من طرف الإدارة والسجانين. 

ويَطلب القانون الموريتاني من السلطات أن تبلغ الموقوف بلائحة التهم الموجة إليه فور سلبه حريته، إلا أن النظام الحاكم لا يلتزم بذلك، ولا يبلّغ الموقوف بلائحة تلك التهم إلا بعد انتهاء التحقيقات في كثير من الأحيان. وبالنسبة لمدد انتظار السجناء للمحاكمة فإنها طويلة في مجملها، وملفات المعتقلين غير مرتبة زمنيا ولا مضبوطة إدارياً. وعلى الرغم من أن القانون لا يجيز حبس القصر لأكثر من ستة أشهر في انتظار المحاكمة، إلا أن هذه الفترة الزمنية لا يتم احترامها في حالات كثيرة.

 

أما فيما يتعلق بالرقابة المستقلة، وإن كانت التهيئة المسبقة للزيارات وتوجيه جدول أعمالها من طرف إدارة السجون يحد من فعالية ومصداقية ما يُقام به منها، فإن السلطات الحاكمة سمحت بزيارة السجون، من قبل بعض الدبلوماسيين والحقوقيين والمنظمات غير الحكومية الدولية، وخاصة منظمة الصليب الأحمر الدولي التي تعمل على مساعدة إدارة هذه السجون في توفير بعض الأغذية والأدوية والمياه الصالحة للشرب وتسهيل زيارات ذوي السجناء.

 

وكشف تقرير صادر عن المركز الموريتاني للبحوث والدراسات الإستراتيجية عن تزايد مستمر في أعداد السجناء والمدانين في موريتانيا وفق ما كشفته البيانات الرسمية، وقال التقرير أن عدد السجناء في سنة 2016 كان 2421، أدين منهم 1221، ليصل العدد سنة 2018 إلى 2526، أدين منهم 1621، ومع أن سنة 2017 سجلت عددا أقل من حيث السجناء (2222) إلا أن نسبة المدانين كانت أكبر ، حيث وصل عددهم 1393.  

 

وتجدر الإشارة هنا إلى تحسن حالة اكتظاظ السجون في موريتانيا نسبيا خلال الأعوام الماضية، ونقل بعض نزلاء سجون نواكشوط إلى سجنيْ ألاك وازويرات. ثم بعد ذلك من خلال تشييد سجن للنساء في عرفات، ومركز لإيواء الأطفال المتنازعين مع القانون في انواذيبو، ومركز لإيواء الأحداث الجانحين في مقاطعة الميناء. والعمل على تشييد سجن في مدينة النعمة بالحوض الشرقي وآخر في انبيكه. إلا أن الظروف العامة لهذه السجون تبقى في غاية السوء ما لم تتجه السلطات الموريتانية إلى إصلاح جذري لوضعيتها، وتفعيل قوانين وإجراءات احترام حقوق السجناء. حيث لا تزال الأجهزة الأمنية ومؤسسات تسيير السجون تدير هذه المرافق بعقلية العقاب، أكثر من فهم طبيعتها التأديبية والتأهيلية للسجناء بغية إعادة دمجهم في العضوية الاجتماعية بصورة سليمة، بعد استكمالهم لفترة العقوبة السجنية.

 

 وقد أكدنا، في المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان، باستمرار، وهو ما نذكّر به في هذا التقرير، أنه من أجل إصلاح وضعية السجون الموريتانية، لابد من:

- بناء سجون تتماشى مع المتطلبات المعمارية الدولية.

- فصل السجناء البالغين عن القصر بشكل صارم، وفصل الرجال عن النساء، وتأمين طاقم نسائي متكامل       للإشراف المباشر على المعتقلات.

- فصل "عتاة المجرمين" عن السجناء حديثي العهد بالجريمة. وضبط سلوك السجناء بشكل يضمن قضاء        فترة إصلاحهم وإعادة تأهيلهم المفترضة بنجاح.

- إنشاء هيئة مستقلة للإشراف على السجون.

- توفير مصحات استشفائية داخل السجون للإشراف على متعاطيي المخدرات، لمعالجتهم من الإدمان على     هذه المواد السامة، ومساعدتهم على التخلص من آثارها. 

  - إيقاف التعذيب والوضعية المكتظة غير الإنسانية في مراكز احتجاز الأمن والشرطة والدرك، وهي           الانتهاكات التي لا تزال تقع بشكل منتظم.

ـ العمل على بناء رؤية جديدة لدى المؤسسة السجنية ترتكز على التأهيل، والتثقيف بمكانة حقوق السجناء        بوصفها حقا أساسيا من حقوق الإنسان. فقد تحولت السجون الموريتانية في السنوات الأخيرة إلى مؤسسة      تخريج للمجرمين ومتعاطيي المخدرات، بدل أن تكون مؤسسة تعليم وإعادة تأهيل وتربية تردع السجين       وتنقذه من العودة إلى الجريمة، وتمارس نوعا من الوقاية للمجتمع من انتشارها.

 

ملف السجناء السلفيين

تدخل المشكلة الأساسية لهذا الملف في إطار المعاناة الحقوقية للمتهمين في قضايا الإرهاب، حيث يتم عادة التفريط في الحرية وتُنتهك الكرامة الإنسانية بحجة الحفاظ على الأمن ومحاربة الإرهاب.

 

وقد ساءت الظروف الصحية للسجناء السلفيين بشكل كبير بعد إضراب 15 مايو 2017، احتجاجا على ما وصفوه بالتضييق الممارس بحقهم في الغذاء والدواء ووضع عقبات أمام الراغبين في زيارتهم من ذويهم.

 

 فيما صرّح الناطق الرسمي باسم الحكومة الموريتانية، محمد الأمين ولد الشيخ، في 29 مايو 2017، معلّقا على إضراب السجناء السلفيين عن الطعام احتجاجاً على ظروفهم السيئة في السجن، بأن مطالبة أصحاب محكوميات الإعدام بالحقوق "غير واردة". وهو ما يعني -بكل أسف- تبني حكومته لمنطق يعتبر بأن حكم الإعدام يسلب الإنسان، حتى قبل تطبيق ذلك الحكم، جميع حقوق الحياة الإنسانية. وبالتالي تبرير تعرضه للإعدام البطيء، بواسطة الجوع ومنع الدواء والرعاية الصّحية اللازمة، في مخالفة صريحة للقوانين الوطنية والدولية.

 

كما تقوم السلطات أحيانا بالاستمرار في حبس بعض هؤلاء السجناء بعد انتهاء محكومياتهم، من دون مسوغات قانونية. وهو ما أدى إلى مايعرف بأحداث السجن المدني في يناير 2015. والتي قام فيها بعض السجناء السلفيين باحتجاز حرسييْن احتجاجا على مماطلة السلطات في إطلاق سراح أربعة منهم بعد انتهاء محكومياتهم. وهي المماطلة التي حدثت أيضا مع السجين صالح ولد محمد في نوفمبر 2015، حيث لم تطلق السلطات سراحه إلا بعد ضغط حقوقي، شارك فيه المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان، وبعد أن أضرب زملاؤه عن الطعام احتجاجا على ذلك.

 

وبالإضافة إلى الانتهاكات في حق المتهمين في هذا الملف، على مستوى الآجال القانونية وعدم احترام المسطرة العدلية، يتعرض السجناء بشكل مستمر للإهانة والعقاب بالسجن الانفرادي والتعذيب الجسدي والنفسي داخل السجون، وأثناء الاعتقال في مراكز الأمن والشرطة. كما يقعون ضحية للعقاب الجماعي بسبب أفعال فرد واحد منهم أحيانا، كما حدث بعد فرار السجين الشيخ ولد السالك، وهو ما أدى إلى إضراب أكثر من 20 منهم في يناير 2016 عن الطعام لمدة تزيد على شهرين.

وقد وصلت إلى المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان شكايات من عدم تمكن بعض هؤلاء السجناء من إكمال الإحصاء والحصول على أوراق مدنية، مما حرم أبناءهم من حقوقهم في الملكية والتعليم والصحة. في حين قال آخرون منهم للمنظمة بأنهم أُحصوا من داخل السجن.

وفي شهر ابريل 2019 رفعت تشكيلة مغايرة بمحكمة نواكشوط الغربية الحكم على شباب سلفيين موريتانيين إلى الإعدام بتهمة قتل قس أمريكي بنواكشوط عام 2009. وشمل الحكم الجديد كلا من سيدي محمد ولد بزيد ومحمد محمود ولد غده الذي أفرج عنه في العام 2012 بعد انتهاء مدة محكوميته البالغة ثلاث سنوات. وجرت جلسة المحاكمة في غياب محامي المتهمين، فيما تقدمت عائلاتهم بطعون في الحكم الجديد. وقال السجناء أن الشرطة أجبرتهم للتوقيع على محاضر باعترافات غير صحيحة. وأن السفير الأمريكي مارس ضغوطا على القضاء الموريتاني.

وفي شهر مايو 2019 شكا السجناء السلفيون بالسجن المدني في العاصمة نواكشوط من ما وصفوه بالاستفزاز وسوء المعاملة، معبرين في بيان عن "بالغ استيائهم"، وأشار البيان إلى ما أسماه "تفتيشا مذلاّ" خلال شهر رمضان و"إزعاج النائمين وبعثرة أمتعتهم وكأنهم يبحثون عن إثارة المشاكل والفوضى والاستفزاز". وأضاف البيان أن إدارة السجن تمنع زيارة المحجبات منذ فاتح 2016، وتقصير في العلاج، كما تحد من استصدار أوراق الزيارة والمنع من الحرية المؤقتة والمشروطة. ودعا البيان "الجهات ذات المسؤولية" إلى الإسهام في الكف عن مثل هذه الممارسات. 

 

استقلالية القضاء

على الرغم من أن الدستور والقانون الموريتاني يتبنى هذا المبدأ الأساسي، إلا أن السلطة القضائية لا تعتبر مستقلة، ولا فعالة كذلك، بسبب ما تعانيه من ضعف أمام السلطة التنفيذية. كما تكاد تنعدم ثقة الأفراد في القضاء، مما يجعل الغالبية العظمى منهم تلجأ لطرق بديلة لحل النزاعات البينية. هذا بالإضافة إلى نقص الوسائل وضعف البنية التحتية. 

ويمكن أيضاً ملاحظة الضعف العام للمؤسسة القضائية ومظاهر عدم استقلاليتها من خلال الأمور التالية:

 

- رئيس الدولة في موريتانيا هو الذي يرأس المجلس الأعلى للقضاء. وهو المجلس الذي بإمكانه تحويل أي قاض (عزله عمليا عن القضايا المعروضة أمامه) حتى ولو كان ذلك ضد إرادته. فعلى الرغم من أن المادة (8) من النظام الأساسي للقضاء تنص على أنه: “لا يجوز عزل قضاة الحكم ولا يحوّلون إلا بطلب منهم أو لعقوبة تأديبية أو لضرورة قاهرة للعمل وبعد رأي مطابق للمجلس الأعلى للقضاء”. إلا أن هذا الأمر لا يتم الالتزام به في كثير من الأحيان، كما حدث في التحويلات التي جاءت نتيجة اجتماع المجلس الأعلى للقضاء في دورته، 22 ديسمبر 2015. وهي الدورة التي أدت بأحد القضاة، إلى الطعن القضائي في بعض قراراتها، في إجراء غير معهود. واتهم  عقبها بعضُ الفاعلين في القطاع وزير العدل بترقية محسوبين عليه وتحويلهم على رأس المحاكم المهمة. كما حظي بالترقية حسب نتائج نفس الدورة مجموعة من القضاة لم يكملوا سنتهم الأولى في سلك القضاء، ولا يزالون بحكم فترة التربص ومقتضياته مجبرين على البقاء في الرتبة الرابعة حسب السلم القضائي (تضم الرتبة الرابعة القضاة غير المؤكدين، وتحتوي على أربع درجات، وتمتد لثماني سنوات على الأقل، ثلاث منها قيد التربص). وتم بموجب قرارات تلك الدورة -أيضا- ترقية قاض مكتتب خلال السنة الماضية إلى الدرجة الثالثة من الرتبة الثالثة، أي أنه تجاوز أكثر من عشر سنوات من الأقدمية، على افتراض أنه يترقى عند كل استحقاق.

 

- يخضع القضاة للتنقيط من خلال بطاقات تقييم خاصة، من طرف رئيس المحكمة العليا بالنسبة للقضاة الجالسين والمدعي العام بالنسبة لقضاة النيابة العامة. وهي إجراءات وترتيبات تؤثر على أداء القضاة وحياديتهم. 

 

- ضعف التكوين المختص وغياب التعليم المستمر: حيث لم يخضع قضاة محاكم القصر وقضايا الاسترقاق مثلا لأي تكوين في مجالات اختصاص محاكمهم. والشيء نفسه تعاني منه الغرفتان التجارية والجنائية في المحكمة العليا، التي لم يخضع أغلب قضاتها لأي تكوين في مجال القانون التجاري، أو يختص في القانون الجنائي.

 

- غياب مفتشية مستقلة للقضاء، غير تابعة لوزارة العدل (السلطة التنفيذية). حيث تُتهم المفتشية الحالية بالاستغلال من قبل السلطة التنفيذية. فقد وصفها نادي القضاة في بيان له، 18 مايو 2017، بأنها "لا تصحو من سباتها إلا لتؤرق قاضيا أو مجموعة قضاة لم ترق قناعتهم لأحد أطراف الدعوى، فتتحرك للتشكيك في نزاهة أحكامهم مجاملة لذلك الطرف وامتهانا لقيم العدل التي يمثلها القضاء". 

 

- إحساس القاضي بعدم أهمية دوره أحيانا، في ظل عدم تنفيذ قراراته متى ما أرادت السلطات الحاكمة ذلك. حيث إن حوالي 80% من قرارات العدالة ضد الدولة لا تُنفذ، حسب بعض المختصين. ومن هذا المنطلق ينشأ إحساس الناس بعدم جدوائية هذه المؤسسة في القضايا التي تكون السلطة التنفيذية طرفا فيها، وهو ما يؤثر سلبا على قيمة القضاء واستقلاليته.

 

وهذا ما جعلنا في المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان نؤكد على ما يلي:

- فصل رئاسة المجلس الأعلى للقضاء عن رئاسة السلطة التنفيذية (رئاسة الدولة ).

- ضرورة فتح معهد خاص بتكوين القضاة يعمل وفق منهجية تربوية ومهنية على تكوين قضاة متخصصين، وضمان التكوين المستمر.

- إنشاء مفتشية مستقلة للقضاء، غير تابعة لوزارة العدل (السلطة التنفيذية).

- تحسين الظروف المادية للقضاة.

- منح جميع القضاة في التحقيق والنيابة ورؤساء المحاكم حماية أمنية خاصة.

- فصل النيابة العامة بشكل تام عن السلطة التنفيذية.

- عدم تحويل القاضي الا بطلب منه احتراما للقانون, الا في الحالات التي ينص عليها القانون مثل حالة التأديب، وتحديد معنى ضرورة العمل التي تتطلب تحويل القاضي، حتى لا يكون هناك مجال للتؤيل، و أن لا يحول القاضي إلا بقرار من المجلس الأعلى للقضاء.

- جعل صلاحية تعيين رئيس المحكمة العليا من اختصاص المجلس الأعلى للقضاء. 

 

ملف "الإرث الإنساني" وقضية المبعدين

يقصد عمومًا بـ "الإرث الإنساني" تعرض مئات الضباط الموريتانيين المنحدرين من أصول إفريقية في الثمانينيات والتسعينيات للإعدام بإجراءات موجزة مسبوقة بالتعذيب والاعتقال بمعزل عن العالم الخارجي.

 

على الرغم من الجهود التي بُذلت من قبل السلطات في تسوية هذا الملف، إلا أنه لا يزال يحتاج إلى خطوات أكثر جدية وشمولية. كما أن برنامج الوكالة الوطنية لمحاربة آثار الاسترقاق ومكافحة الفقر والدمج "التضامن" -والتي تم دمجها هذا العام في إدارة مهام تدعى المندوبية العامة للتضامن الوطني ومكافحة الإقصاء،  "تآزر"، وهي مندوبية  ذات رتبة وزارية- لا يزال عاجزا عن توفير الغذاء والصحة وبناء المدارس الضرورية للمواطنين العائدين من السينغال ومالي. هذا فضلا عن عجزه عن حل مشاكل الممتلكات العقارية وإعادة الموظفين السابقين إلى وظائفهم، وإن كان تم حتى الآن تعويض بعضهم مادياً ووُظف آخرون. كما لم يجر لحد الساعة أي تحقيق في الانتهاكات الإنسانية التي حدثت في الفترة ما بين 1989-1992، والتي ما زال بعض المتهمين بالضلوع فيها يشغل مناصب مهمة داخل أجهزة الدولة.

 

في الفترة من 4 إلى 5 يوليو 2019 ، فحصت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة التقرير الدوري الثاني لحكومة موريتانيا لتقييم وضع حقوق الإنسان في البلاد. حيث قدمت منا لحقوق الإنسان  (وهي منظمة حقوقية غير حكومية تعمل في مجال حقوق الإنسان وشمال إفريقيا) قبيل الاستعراض تقريرا موازيا، تطرح فيه بواعث قلقها حيث ركزت أساسا على: الإفلات من العقاب في الانتهاكات المرتكبة ضد الجنود الموريتانيين من أصول إفريقية، والاستثناءات من قانون مناهضة التعذيب، والقيود غير المبررة على الحقوق والحريات الأساسية. خلال الاستعراض، طلب أعضاء اللجنة من الوفد الموريتاني تعديل أو إلغاء القانون رقم 23-93، والذي يمنح العفو لأفراد قوات الأمن عن الجرائم المرتكبة خلال أداء واجبهم بين عامي 1989 و 1992 وأعرب العديد من الضحايا وأعضاء المجتمع المدني الذين حضروا عملية الاستعراض عن أسفهم لغياب الإرادة السياسية التي عبر عنها الوفد لضمان المساءلة عن هذه الجرائم.

 

من ناحية أخرى، ظلت تصل إلى المرصد تقارير وشكايات تتحدث عن صعوبات وعوائق إضافية للحصول على أوراق مدنية بالنسبة للموريتانيين من فئة الزنوج، وخاصة من ذوي المبعدين واللاجئين السياسيين خارج البلاد. فعلى الرغم من أن القانون الموريتاني واضح في شأن حصول الأبناء على الجنسية: من آبائهم الموريتانيين، أو من أمهاتهم في حال ما إذا كان الطفل مولوداً لأب ليست له جنسية، أو رفض جنسية والده قبل البلوغ بعام وكان مولودا في موريتانيا، أو أن يطلبها في نفس السن (17 عاما) إذا كان مولودا خارج البلاد لأم موريتانية، كما تحق الجنسية لأبناء الأبوين المجنسيْن، إلا أن هذا القانون لا يتم الالتزام به. وليس من النادر، وخاصة في فئة الزنوج، و فئة لحراطين، أن تلتقي بأطفال وبالغين لا يمتلكون أوراقا مدنية. الأمر الذي يؤثر على حقوقهم في التعليم والتنقل والصحة والتملك وغيرها.

 

احترام الحريات المدنية

حرية الصحافة والتعبير

ظل مؤشر حرية التعبير في موريتانيا هو المؤشر الإيجابي الوحيد قبل أن يشهد الكثير من التقهقر والتراجع في السنوات الأخيرة، حيث فقدت موريتانيا صدارتها للدول العربية في مجال حرية الصحافة حسب مؤشر منظمة مراسلون بلا حدود لحرية الصحافة، إذ انتقلت موريتانيا من المرتبة 48 سنة 2016 إلى المرتبة 94 سنة 2019  مرورا بالمرتبة 55 سنة 2017 والمرتبة 72 سنة 2018، على نفس المؤشر. أي أنها تراجعت بمقدار 46 درجة في الأعوام الأربعة الأخيرة فقط. وهو ما يعد تطورا خطيرا وانتكاسة حقيقية في مجال حرية التعبير والصحافة.  

وقد ظلت الاستفادة من الهامش المحدود لحرية الصحافة ضعيفة ومحدودة. في الوقت الذي لا يمثل فيه الإعلام العمومي إلا وجهة النظر الرسمية، وتضعف فيه تغطية وتمثيل وجهة النظر المعارضة، والدور الرقابي على الأداء الحكومي. ومن أهم العوامل المؤدية إلى ضعف السلطة الرقابية للإعلام: غياب قضاء مستقل يمكن لادعائه العام أن يحرّك الملفات القضائية بناء على الاستقصاءات والعمل الصحفي الجاد، وعدم وجود سلطة تشريعية قوية يمكنها مساءلة السلطة الحاكمة بناء على المعلومات التي يقدمها الإعلام. في ظل عدم إدراك السلطة التنفيذية لصعوبة تغطية جميع حالات التقصير الإداريّة والخروقات القانونية اليومية، واتخاذ الإعلام المستقل وسيلة لتلافي النقص والاستهداء إلى أماكن الخلل. بل على العكس من ذلك، لا يكترث المسئولون الموريتانيون بالصحافة الوطنية، ويتعمدون تمييعها وزعزعة ثقة المواطن في ما تتناوله من أخبار وتحقيقات. وهكذا يضمنون بقاء هامش استقلاليتها، مهما تعاظم، ضعيف التأثير على العمل الحكومي، ويتلاشى بالتالي دور هذه السلطة المهمة في حياة الدول والمجتمعات.

 وعلى الرغم من وجود العديد من التشريعات والقوانين المهمة في المجال الاعلامي، إلا أن تطبيقاتها لا تزال ضعيفة، على حد وصف المركز الموريتاني للدراسات و البحوث الاستراتيجية الذي قال في دراسة نشرها على موقعه الإلكتروني في أكتوبر 2017، بأن غياب تطبيق هذه التشريعات يأتي بسبب عدم السعي لإصدار مراسيم ومقررات تطبيقية، إضافة إلى تعمد عدم التطبيق من طرف الصحفيين أنفسهم وتغاضي السلطات عن ذلك. وذكر من بين مظاهر عدم تفعيل التشريعات القانونية الموريتانية في مجال الإعلام:

ـ عدم توقيع التلفزة الموريتانية وإذاعة موريتانيا لدفاتر الشروط والالتزامات.

ـ تعديل الترددات من طرف الشركة الموريتانية للبث، وهو ما تنص دفاتر الشروط والالتزامات أنه من صلاحيات السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية بالتنسيق مع سلطة التنظيم.

ـ عدم تمثيل المعارضة في السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية.

 

كما ينضاف إلى ذلك مصادقة الحكومة الموريتانية على قانون "ضد التمييز" في مارس 2017، كان أقره البرلمان في يناير 2018. ومن أبرز المآخذ على هذا القانون إمكانية استخدامه للحد من حرية التعبير وحرية الصحافة. حيث تنص المادة (10) منه على أنه "يعاقب بالسجن من سنة إلى خمس سنوات كل من يشجع خطابا تحريضيا ضد المذهب الرسمي للجمهورية الإسلامية الموريتانية". كما يشدد العقوبة على الصحفيين في قضايا النشر، بمضاعفة العقوبات الواردة فيه في حال تعلقها بالصحفيين. سواء منها المتعلقة بالسجن أو بالغرامة المالية، كما في المواد (12)، (13)، (21).

 

وفي هذا العام 2019 صادقت الحكومة الموريتانية، على إعلان حرية الصحافة في العالم العربي، والذي ينص على الحقوق المادية والمعنوية للصحفيين، وحريتهم في التعبير، وضمان نفاذهم إلى المعلومة، بطريقة شفافة وواضحة.

 

ومن بين الخروقات والانتهاكات التي عرفها هذا العام، في مجال حرية التعبير والصحافة:

في 1 فبراير 2019، أبطلت السلطات الموريتانية التهم الموجه ضد الناشط عبد الله سالم ولد يالي، والذي احتُجازه في يناير 2018 بتُهم التحريض على العنف والكراهية العرقية وأفرجت عنه. وكان سبب الاعتقال حسب السلطات  بعض الرسائل التحريضية على الواتساب دعا فيها شريحة لحراطين، إلى مقاومة التمييز والمطالبة بحقوقهم.

وفي 22 مارس 2019، اعتقلت السلطات المدونين عبد الرحمن ودادي والشيخ ولد جدو بسبب منشورات على فيسبوك انتقدت النظام الحاكم واتهمته بالفساد، واتهمهما بنشر معلومات خاطئة عن أموال موريتانية مجمدة في الإمارات. أفرجت السلطات احتياطيا عن الناشطين، لكنها صادرت وثائق سفرهما.

 

كما قطعت السلطات خدمة الإنترنت عبر الهاتف المحمول بعد  الإنتخابات الرئاسية بيوم واحد، وذلك بتاريخ: 23 يونيو 2019، واستمر انقطاع الخدمة لمدة 10 أيام. في حين استمرت خدمة الإنترنت عبر الخطوط الثابتة ولكن في نطاق محدود، وهو ما يعد سابقة من نوعها في مجال الحريات في البلد، وبررت السلطات انقطاع الخدمة بالضرورة الأمنية.

 

وفي 25 يونيو اعتقلت السلطات صمبا تيام، الناشط السياسي المعارض. في حين تم الإفراج عنه بتاريخ: 3 يوليو 2019. واتهمت السلطات تيام بالتحريض على العنف والتطرف، وهو ما نفاه بالكلية.

 

كما اعتقلت السلطات أيضا في 26 يونيو الصحفي سيدي موسى كامارا، ليتم الإفراج عنه من دون أن توجه له تهم وذلك بتاريخ: 3 يوليو 2019.

 

وفي 3 يوليو 2019، تم اعتقال الصحفي والناشط الحقوقي أحمدو الوديعة. تم استجوابه والتحقيق معه من طرف وكيل الجمهورية، وتم الإفراج عنه من دون أن توجه له تهم، وذلك بتاريخ: 15 يوليو 2019.

  

حرية التجمع

 على الرغم من أن الدستور الموريتاني ينص بشكل واضح على حرية التجمع في المادة العاشرة منه، و الأحزاب السياسية المشرعة لا تتطلب تراخيص للمظاهرات وعقد اللقاءات، والمنظمات غير الحكومية يُطلب منها بعض الترتيبات الإدارية لترخيص التجمعات الكبيرة، إلا أن السلطات الحاكمة تتعامل بازدواجية مع هذه النظُم في بعض الأحيان. حيث تم قمع العديد من الاحتجاجات السلمية، والتي تكون مرخصة أحيانا، بدون أسباب مقنعة، بدعوى تهديدها للأمن القومي أو الإخلال بالنظام العام. في حين اتخذت السلطات من مطلب الترخيص وسيلة لخنق حرية التجمع، فباتت تمنع بعض الجمعيات والأحزاب السياسية من الترخيص، رغم سلميّتها، بدون مبررات قانونية مقنعة، وتمنع الطلاب والعمال والأفراد العاديّين من حق التظاهر السلمي، رغم تقديم الطلبات في الأوقات المناسبة، ثم تُفرط في العنف تجاههم بشكل غير إنساني، بحجة أن أنشطتهم غير مرخّصة. كما أنها باتت، منذ 2016 تحظر على الفنادق استضافة أي ندوة أو نشاط عام إلا بترخيص حكومي مسبق. مع أن الأصل في تلك الندوات السلمية هو الحرية، أو أن يُكتفى على الأقل بخضوعها لسلطة الفنادق ونظمها الداخلية. بالإضافة إلى ذلك لم تسلم الأحزاب والمنظمات و الجمعيات المرخصة من التضييق على الأنشطة.

 

حرية تكوين الأحزاب والجمعيات

يضمن القانون الموريتاني حرية تشكيل الأحزاب والجمعيات. ولكن السلطات الحاكمة لا تلتزم دوما بهذا الأمر. فالمنظمات غير الحكومية ملزمة بالتسجيل لدى وزارة الداخلية، على الرغم من أن هذه الأخيرة قد لا ترد خلال ال 45 يوما المفروضة، وهو ما يقع في كثير من الأحيان. ويمكن عند ذلك لهذه المنظمات، وفقا للقانون، أن تمارس أعمالها، إلا أنها لا تعتبر مرخصة. 

 ومع أن السلطات الموريتانية قامت بالترخيص لعدد كبير من الأحزاب السياسية والجمعيات والمنظمات غير الحكومية، إلا أنها لا تزال تمتنع من ترخيص عدد من الأحزاب والجمعيات، منها من قدم طلبا لذلك منذ أكثر من 20 سنة. ومن تلك الأحزاب السياسية:

- حزب القوى التقدمية للتغيير، الذي تقوده شخصيات من حركة تحرير الأفارقة الموريتانيين سابقا (افلام).

- حزب الراديكالي "الرك" (منذ 2013)، الذي يشكل ذراعا سياسية لحركة إيرا الحقوقية.

- حزب الأصالة والتجديد، المحسوب على التيار السلفي.

ومن الحركات والجمعيات، التي لا تزال السلطات تمنعها من حق العمل الجمعوي: 

- مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية (إيرا)، ذات الحضور الواسع. والتي حَل رئيسُها في المرتبة الثانية في الانتخابات الرئاسية الأخيرة 2019. وتَتهم هذه المنظمة النظام الحاكم بإحداث انقسامات داخل صفوفها، بسبب ما تعتبره الضغط الأمني والسياسي على أعضائها، وهو ما يتنافى وقوانين الحريات. وقد واصلت السلطات رفضها الاعتراف بهذه المنظمة رغم اعترافها بمنظمات، وحتى أحزاب سياسية، منشقة عنها.

- حركة لا تلمس جنسيتي: التي تأسست عام 2011  ردا على الإحصاء البيومتري. الذي رأت الجمعية إنه يهدف إلى حرمان الموريتانيين الأفارقة من حقوق المواطنة.

 - جمعية أرامل وأيتام العسكريين الموريتانيين: وهي منظمة تطالب بإظهار الحقيقة حول عمليات الإعدام بدون محاكمة وحوادث الاختفاء التي وقعت خلال تسعينيات القرن الماضي. وقد قدمت الجمعية طلبا للاعتراف القانوني عام 1993، وجددت ذلك الطلب في عام 2010.

 

هذا في الوقت الذي تُتهم فيه السلطات بإنشاء ودعم الكثير من المنظمات التي تعمل تحت يافطات جمعوية مدنية، على الرغم من أنها في الحقيقة منظمات بأجندة وتمويل حكومي.

 

وفي 5 مارس 2019 أصدرت وزارة الداخلية الموريتانية قرارا يقضي بحل 76 حزبا سياسيا، وشمل القرار بعض أحزاب الأغلبية و المعارضة، وذلك بموجب قانون الأحزاب لعام 2012، القاضي بحل كل حزب يفشل في الحصول على نسبة 1% من أصوات الشعب المعبر عنها في اقتراعين بلديين متتاليين.

 

حرية التنقل داخل وخارج البلاد

 على الرغم من أن القانون الموريتاني لا ينص على النفي القسري، إلا أنه وبسبب الضغوط الحاصلة أو المتوقعة، يمكن القول بوجود عدة شخصيات موريتانية في حالة نفي خارج البلاد سنة 2019، من أبرزهم رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو والسياسي مصطفى الشافعي والصحفي حنفي ولد الدهاه ومجموعة أولاد لبلاد. وإن كان من الواضح أن هذا المنفى "اختياري" بسبب الخوف من الاضطهاد والانتقام.

وفي مطلع العام 2020 أسقطت السلطات الجديدة بعض الأحكام القضائية الصادرة في حق بعضهم مما سمح بعودتهم إلى تراب الوطن. حيث أسقطت مذكرتي الاعتقال الصادرتين بتاريخ: أغسطس 2017، في حق رجليْ الأعمال محمد ولد بو عماتو، ومدير أعماله محمد ولد الدباغ. كما أسقطت مذكرة الاعتقال الصادرة بتاريخ: دجمبر 2011 في حق السياسي مصطفى ولد الشافعي.

وبخصوص التنقل في الداخل: فعلى الرغم من أن المادة العاشرة من الدستور تكفل لكافة المواطنين حرية التنقل والإقامة في جميع أجزاء تراب الجمهورية، إلا أنه وبسبب اشتراط اصطحاب هوية وطنية خلال التنقل بين المدن، ونظرا لطبيعة المجتمع وعوائق الحصول على الوثائق، يمكن اعتبار حرية التنقل الحر للمواطنين داخل البلاد غير مكفولة بشكل تام.

 

الموريتانيون خارج البلاد

سنُعلق في هذه الفقرة على بعض المعاناة الحقوقية لموريتانيين موجودين خارج البلاد، من خلال: 

الموريتانيون المختطفون خارج البلاد: لا تزال معاناة اختطاف الصحفي إسحاق ولد المختار على يد إحدى التنظيمات المتطرفة في سوريا مستمرة لأكثر من خمس سنوات، ولا تزال جهود السلطات في هذا الإطار غير فعالة، بل يمكن القول إنها غير موجودة أصلا. كما أن قضية اختطاف المواطن رشيد مصطفى هي الأخرى لا تزال تحتاج من السلطات إلى بعض الجهد والتوضيح.

 

وضعية اللاجئين

يضمن القانون الموريتاني حق الحصول على اللجوء السياسي والإنساني، وتعد موريتانيا دولة موقعة على اتفاقية اللاجئين لعام 1951 واتفاقية منظمة الوحدة الافريقية. في حين أن السلطات الموريتانية لم تعتمد قانون وطنيا للجوء حتى الساعة، حيث أن التحول التدريجي من حالة الطوارئ إلى وضعية اللجوء طويل الأمد تستدعي بالفعل سن ذلك القانون.

وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فإنه "على الرغم من عودة حوالي 2000 لاجئ إلى مالي في بداية عام 2019، إلا أنه من غير المتوقع عودة أعداد كبيرة من اللاجئين الماليين في العام 2020، وذلك نظرا لتدهور الوضع في مالي" و تضيف المفوضية أنها "توفر الحماية والمساعدة إلى 57,000 لاجئ من مالي ممن يعيشون في مخيم امبره وما حوله، ونحو 2,800 لاجئ وطالب لجوء في المناطق الحضرية في نواكشوط ونواذيبو، وتضيف المنظمة "ينحدر معظم اللاجئين مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى والجمهورية العربية السورية وساحل العاج".

وتتلخص المطالب الأساسية من أجل تحسين ظروف اللاجئين في ما يلي:

- اعتماد السلطات لقانون لجوء وطني.

- ضمان الحماية والوصول إلى الخدمات الأساسية (اصدار شهادات الميلاد ووثائق الهوية للاجئين).

- إنشاء نظام صحي يشمل اللاجئين.

- تمكين اللاجئين من الاعتماد على الذات.

- تكريس ثقافة التعايش السلمي بين اللاجئين والمجتمع المستضيف.

    

التمييز والانتهاكات الاجتماعية

 

العبودية ومخلفات الاسترقاق

قامت السلطات الحاكمة بتفعيل قرارها لعام 2015 بإنشاء ثلاث محاكم جنائية خاصة بقضايا الاسترقاق، فافتتحت أولى تلك المحاكم رسمياً في مايو 2016، في ولاية الحوض الشرقي. لتُتبعها بعد ذلك باثنتين، في انواكشوط (24-06-2016)، وانواذيبو (24-11-2016). مع أن الموقف الرسمي، وعلى لسان رئيس الدولة محمد ولد عبد العزيز، ينفي وجود العبودية في موريتانيا بشكل نهائي. على الرغم من ذلك ومنذ تأسيسها أصدرت هذه المحاكم جملة من الأحكام القضائية، وهو ما أشرنا إليه في بداية التقرير.

غير أنه وعلى الرغم من هذه الأحكام لا يزال دورها هزيلاً، حيث أريد لها ذلك على ما يبدو. بسبب ضعف بنيتها المادية والبشرية، فهي لا تمتلك قضاة تحقيق ولا شرطة متخصصة، على غرار نظيراتها المعنية بقضايا القصر والفساد والإرهاب والمخدرات مثلا، كما أن الطاقم القضائي لهذه المحاكم لم يخضع لأي تكوين في مجال هذا النوع من القضايا الجنائية. وكنا في المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان، قد وجهنا نداءً إلى السلطات الحاكمة في مايو 2015، للمطالبة بجهاز أمني خاص بتعقب ممارسي هذه الجريمة. واعتبرنا أن الدولة بامتلاكها لمصادر المعلومات وبتعاون أجهزتها الإدارية والأمنية يمكنها بوجود هذا الجهاز، أن تسرع من القضاء على هذه الظاهرة بشكل أكثر فعالية. وهو النداء الذي أكدته اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في تقرير سابق لها ،حيث قالت: "وستكون المحاكم الجنائية المتخصصة في محاربة العبودية أكثر فعالية إذا ما قيم بحملات للتوعية والتحسيس وتم إنشاء شرطة مختصة فقط بملاحقة الممارسات الاسترقاقية".

 

ويعد موضوع العبودية العقارية من القضايا المزمنة في موريتانيا، والتي كثيرا ما تؤدي إلى نزاعات واستغلال يكون فيه العبيد السابقون هم الضحية، بسبب ضعفهم أمام قوة المال والجاه والنفوذ الإداري المستخدم ضدهم. وهي الممارسة التي حَولت جزءا كبيرا من الأرقاء والأرقاء السابقين إلى فقراء، رغم خدمتهم في الأراضي الزراعية في عشرات المدن والبلدات منذ عقود. ولعل من أبرز الشواهد على ذلك هذا العام ما أقدم عليه بعض المتنفذين من بيع لأكثر من 5000  هكتار من أراضي بعض الأرقاء السابقين في قرية لكصيبة التابعة لمقاطعة الركيز، في ظل صمت ومساندة الجهات الأمنية و الإدارية.  

وتطرح المنظات الحقوقية والناشطون غير الحكوميين هذا الموضوع بانتظام منذ زمن طويل، بدون قيام السلطات بجهود جادة لحله بشكل جذري.

 

وفيما لا تزال العبودية ممارسة في موريتانيا، رغم غياب إحصاءات دقيقة، فإن مخلفات قرون من الاستعباد جعلت فئة لحراطين تعاني، أكثر من غيرها، تخلفا كبيرا ومشاكل بنيوية بسبب الفقر والجهل والتمييز. "فخلال الثلاثين سنة الماضية، وبفعل الرشوة والتحايل ونهب الأموال العمومية ومنح أفضل العقارات السكنية مع احتكار شبه كامل لامتلاك الأراضي الزراعية ورخص الصيد البحري، بالإضافة إلى تسخير عقود وقروض المحاباة من طرف البنوك ومؤسسات الدولة لجهات بعينها، تشكلت ثروة وطنية خاصة وحصرية لصالح السادة القدامى دون غيرهم، عن طريق استغلال الوظيفة الإدارية والسياسية الضامنة للإفلات من العقاب. وفي الوقت نفسه، تم إهمال وتجاهل تجمعات كاملة من لحراطين داخل 'آدوابه' و'الكبات' وتغييب مئات الآلاف من الأجيال المتتالية من هذه الشريحة خارج الزمان، في غياهب الثقوب السوداء للتجهيل والجور الغاشم"، حسب نص وثيقة نشرها ميثاق لحراطين من أجل الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية، نهاية إبريل 2013.

 

وتوجد أمام المحاكم الموريتانية حاليا العشرات من الملفات القضائية، المتعلقة بقضايا عبودية، قدمتها منظمة نجدة العبيد، في النعمة وانواكشوط وأطار وانواذيبو. فيما لا تزال المحاكم الجهوية تعرقل مسارها، بحجة تعارض المهام وغياب الاختصاص..، وغير ذلك.. 

 

حقوق المرأة

يشكل الاغتصاب والعنف الأسري أهم الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة في موريتانيا، وازدادت ظاهرة الاغتصاب بشكل مقلق في السنوات الأخيرة وخاصة ضد القُصَّر. هذا إذا ما  أخذنا بعين الاعتبار الطبيعة المحافظة للمجتمع وضعف عمل المنظمات الحقوقية في الداخل وكون الكثير من هذه القضايا تتم تسويتها بين أسر الطرفين. وتتحدث العديد من التقارير عن انتشار العنف الأسري ضد المرأة في موريتانيا.

 

كما تشكل الصحة الإنجابية أهم التحديات بالنسبة للمرأة الموريتانية، حيث الارتفاع الكبير لنسب وفيات الأمهات والأطفال أثناء الولادة. وتعد موريتانيا من بين الدول التي تسجل بها أكبر نسب وفيات للأمهات والأطفال حديثي الولادة، حيث صرح وزير الصحة الموريتاني في مارس 2019 أن "موريتانيا لا تزال تتعرض لإشكاليتين في مجال صحة الأم والطفل" مشيرا إلى أن "الأمر يتعلق بزيادة نسبة الولادات مع ارتفاع نسبة وفيات الأمهات"، وأضاف الوزير إلى أن الأرقام التي بحوزته تشير إلى أن "الوفيات تصل إلى 582 من كل 1,00,000 ولادة".

 

وفيما تغيب إحصائيات دقيقة عن حوادث التمييز ضد المرأة على مستوى العمل، ومقارنة التعويض المالي لها مقابل نظيرها الرجل في تأدية نفس الوظيفة، تشير كل الدلائل المتعلقة بارتفاع نسبة بطالة النساء وغياب قوانين الشغل الملائمة للمرأة من الناحية الاجتماعية والأسرية إلى وجود هذا التمييز ضدها على مستوى التشغيل، وخاصة في المؤسسات غير الرسمية والقطاع غير المصنف. وعلى الرغم من ذلك فقد تعززت المشاركة السياسية - على الأقل- للمرأة الموريتانية منذ ما يزيد على عقد من الزمن، من خلال اعتماد نظام الكوتا (20%) للتمييز الإيجابي لصالح النساء. وهو إجراء يتيح لجزء من النخبة النسائية ولوجا أفضل للوظائف السامية في الحكومة والمؤسسات المنتخبة ولكنه لا ينعكس على واقع مئات الآلاف من النساء في البلاد، اللائي لا زلْنَ يعانين الفقر والتهميش والطبقية والرق ومخلفاته المستمرة منذ عقود.

 

حقوق الطفل

في 20-21 نوفمبر2019 خلدت السلطات الموريتانية الذكرى الثلاثين لتوقيع موريتانيا على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل. وتجسد اتفاقية حقوق الطفل التي احتفلت موريتانيا بمرور ثلاثين سنة على توقيعها أربعة حقوق تشكل مبادئ أساسية لحقوق الطفل وهي: الحق في الحياة، وتوفير التعليم، والحماية، وضمان المشاركته الفاعلة في مختلف مجالات الحياة.  

على الرغم من توقيع موريتانيا على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل و العديد من الاتفاقيات المتعلقة بحقوق وحماية الطفل، إلا أن الواقع العملي لهذه الفئة التي تشكل ما يناهز 50% من السكان لا يزال مأساوياً. فقانون إجبارية التعليم خلال المرحلة الابتدائية غير مطبق، وخاصة بالنسبة للإناث، وتكون هذه الحالة أسوأ إذا ذهبنا إلى الداخل، وعلى مستوى فئة لحراطين بشكل خاص.

وقد خصصت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان تقريرها في عام 2017 لقضايا الطفل، ونشرت أرقاما مخيفة. حيث ذكر التقرير أن "نحو 300 ألف طفل دون سن 15 معرضون لمخاطر العنف والاستغلال والتمييز و التجاوزات والإهمال". وقال بأن "ما يزيد على ربع الأطفال (%26) بين 15 و 17 سنة يعملون".

 

وعلى الرغم من أن القانون الموريتاني للشغل يحدد سن 14 كحد أدنى للتشغيل، إلا أنه من الشائع عمالة الأطفال قبل هذا العمر، من خلال استغلالهم في الأعمال المنزلية والعمل على عربات الحمير، وفي رعي الماشية داخل البلاد، وفي مجال اكتساب المهن اليدوية في المدن. كما يتم استغلال الأطفال (طلاب المحاظر) في التسول في الشوارع، وهي الظاهرة التي تكاد تكون منحصرة في فئة الهالبولار من المجتمع الموريتاني.

 

كما تشير المعطيات إلى ارتفاع نسبة عمالة الأطفال، والتسرب المدرسي، على الرغم من سن القوانين المجرمة لعمالة الأطفال وإجبار التمدرس، حيث تبلغ نسبة عمالة الأطفال 32% فيما تبلغ نسبة التسرب المدرسي 46%.

 

الأشخاص ذوو الاحتياجات الخاصة

يجرم القانون الموريتاني التمييز بين الأشخاص بسبب الإعاقة، على مستوى التشغيل والتعليم والصحة والتنقل.. وعلى الرغم من ذلك لم تبذل السلطات حتى الآن جهدا يذكر في تسهيل تنقل الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة وتكييف مداخل المباني العمومية بشكل يلائم هذه الفئة من المجتمع، كما ينص عليه القانون. كما أن الدعم الاجتماعي المقدم لهذه الفئة لايزال ضعيفا ودون المستوى المطلوب، حيث توجد مدرسة ابتدائية يتيمة (على مستوى التراب الوطني) لتدريس الأطفال ذوي الإعاقة السمعية والبصرية.

 

الحقوق الاقتصادية والاجتماعية

 تمثل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ضمانة أساسية لتحقيق العدالة الاجتماعية التي يتوفر الإنسان فيها على حقوقه كإنسان له حق التأمين ضد المرض والفقر والعجز عن العمل والتخلص من البطالة، بخلق فرص العمل والإنتاج لخدمة المجتمع، والحصول على الرعاية الصحية. وهي حقوق جاءت متأخرة نسبيا عن الحقوق السياسية والمدنية، إلا أنه لا معنى لتلك الحقوق، دون حصول الشخص على الحقوق التي تمكنه من حياة كريمة كما أراد له خالقه.

وهذا ما كرسه الدستور الموريتاني، حيث نصت المادة 12 منه على أنه: " يحق لكافة المواطنين تقلد المهام والوظائف العمومية دون شروط أخرى سوى تلك التي يحددها القانون". ونصت المادة 13 (جديدة) أنه: "لا يجوز إخضاع أي أحد للاسترقاق أو لأي نوع من أنواع تسخير الكائن البشري أو تعريضه للتعذيب أو للمعاملات الأخرى القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة. وتشكل هذه الممارسات جرائم ضد الإنسانية و يعاقبها القانون بهذه الصفة. ويعتبر كل شخص بريئا حتى تثبت إدانته من قبل هيئة قضائية شرعية. تصون الدولة شرف المواطن وحياته الخاصة وحرمة شخصه ومسكنه ومراسلاته".

غير أن ما يكرسه القانون من حقوق عامة لا يجد من حيث الإجراءات والقوانين التفصيلية ما يدفع به إلى الأمام ليجسده على الأرض. ومع أن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية منصوصة في الدستور منذ العام 1991 إلا أن المؤسسات المنبثقة عن العمل الحكومي، والتي تستجيب لتحديات الشرائح الأوسع من الفقراء والمحرومين لم تنشأ إلا بعد عقدين من ذلك. 

 

وفي إطار الدور الحكومي، عمد النظام الموريتاني سنة 2013 إلى تأسيس جهاز حكومي، هو وكالة تضامن بميزانية 7.5 مليار أوقية، وعهد إليها بالعمل على محاربة آثار الاسترقاق ومكافحة الفقر ودمج اللاجئين.

وفي 29 نوفمبر 2019 تم وبموجب مرسوم رئاسي إنشاء  إدارة مهام تدعى المندوبية العامة للتضامن الوطني ومكافحة الإقصاء "تآزر"، وهي  ذات رتبة وزارية ملحقة مباشرة برئاسة الجمهورية، وتضم المشاريع المخصصة لمكافحة الفقر والاقصاء والتهميش والتي من ضمنها "تضامن". وهو ما من شأنه أن يؤثر سلبا على فاعلية الأخيرة. فبحسب المتابعين لوضعية المشاريع، فإن جمع كل هذه المجالات المتشعبة تحت إدارة واحدة أثر سلبا على الأداء الفعلي والاستجابة الواقعية لمجمل التحديات التي يعاني منها السكان في مناطق البلاد المختلفة. مما يعني أن ذلك كان يتطلب وجود مؤسسات متخصصة في كل من المجالات الثلاثة المذكورة. كما يؤخذ على هذه الوكالة إسناد المهام إلى مَن هم مِن خارج الأطر الاجتماعيةالمستهدفة، وما يترتب عليه من عدم استيعاب لكل تعقيدات المشاكل المطروحة، وعدم جوهرية الحلول والمقاربات. ومع ذلك فإن هذه المؤسسة قامت بتشخيص مقبول لإشكالية الفقر، وبلورت خطة لاستهداف عشرات آلاف السكان في مناطق مختلفة. ويعتبر مشروعها "السجل الاجتماعي الموحد للأسرالفقيرة" إضافة مهمة ستمكن من إطلاق برنامج التحويلات النقدية للأسر التي سيتم فرزها لوصول مساعدات عينية إليها. كما أنها أسست أيضا، وإن بشكل غير كاف، مدارس وبنت مستشفيات، وساهمت في العمل الحكومي فيما يخص مكافحة الفقر بشكل أفضل نسبيا مما كان حاصلا من قبل.

 

غير أن هذه الخدمات المقدمة لحد الساعة تجري بشكل متباطئ وتتسم بالبيروقراطية التي تطبع الأداء الحكومي العام، فضلا عن تبنيها لأسلوب انتقائي يخضع لتوظيف الولاء وتحكم الوجهاء، ولا تعتمد معايير دقيقة لفرز الأكثر فقرا. كما أن مقاربتها لا تندرج ضمن خطة الحقوق؛ فما يقدَّم للمواطنين من هذه الوكالة تحوطه سياقات بعيدة كل البعد عن شعور المواطنين في المناطق المستهدفة بأنهم يحصلون على حقوقهم طبقا لعمل حكومتهم. بل يشعرون بأن ما يصلهم هو منن رئاسية وحكومية تُعطى لهم بموجب ولائهم للسلطة وشخصياتها، أكثر من كونهم يحصلون على حقوقهم المقررة لهم بموجب القانون الوطني والدولي لحقوق الإنسان. فلا تزال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالنسبة للحكومة وللسكان المحليين يعتريها الكثير من الغموض وآليات الالتفاف والتوظيف السياسي.

  

حق العمل

 

حسب التقرير الأخير لمنظمة الشغل الدولية التابعة للأمم المتحدة والصادر نهاية العام 2018، فإن نسبة البطالة في موريتانيا تناهز 31%. في حين يصر النظام القائم على أن نسبة البطالة  تبقى في حدود 11.6

وذلك من خلال المسح الأخير الذي أجراه المكتب الوطني للإحصاء حول وضعية الشغل والقطاع غير المصنف في نهاية العام 2017.

ويعزو المركز الموريتاني للدراسات والبحوث الإستراتيجية في تقرير صادر عنه ذلك الفرق الكبير بين النسب الرسمية وتقرير المنظمة الدولية إلى طبيعة المقاربات المتبعة في المسوح إذ أن بعض المسوح تعتبر من يعمل لساعة واحدة خلال اليوم أو من يعمل ليوم واحد من الأسبوع بأجر منتظم غير عاطل عن العمل.

كما كشف تقرير المركز أن ما يناهز 85% من القوى العاملة في وظائف منتظمة في القطاع غير المصنف مما يعني الحرمان من الضمان الاجتماعي والصحي، وغير ذلك من الحقوق التي تكفلها قوانين الشغل المحلية والدولية. 

وعلى الرغم من أن القانون الموريتاني يضمن حرية الانضمام إلى الاتحادات العمالية، إلا أن الحكومة تمارس ضغوطات منتظمة على العمال المنتسبين لهذه النقابات  للتأثير على آرائهم، تجاه سياساتها العمالية. وقد لوحظ في السنوات الأخيرة تزايد في الإضرابات العمالية المطلَبية في عدة قطاعات عمومية وشبه عمومية. 

كما لاحظ المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان خلال العام 2019 استمرار الفشل في تطبيق قوانين الشغل، وانتهاك الحقوق (المتعلقة بعقود العمل، الحد الأدنى للأجور، صندوق الضمان الاجتماعي، صندوق الضمان الصحي، تحديد ساعات العمل، العطل الأسبوعية والسنوية…). فعلى الرغم من أن قانون الشغل يحدد ساعات العمل في غير الزراعة ب 40 ساعة أسبوعياً إلا مع توفير خيار "مضاعفة التعويض"، كما يضمن القانون لجميع العمال الحق في عطلة 24 ساعة أسبوعياً، إلا أن هذه الحقوق لا يتم الالتزام بها من طرف المشغلين، في حين لم تسع وزارة الشغل المسئولة عن إنفاذ القانون من خلال مفتشيها إلى العمل على توفير هذه الحقوق أيضاً. وعلى الرغم من أن هذه الانتهاكات موجودة في أغلب القطاعات، إلا أنها أوضح في القطاع التجاري غير المصنف، محصلي الباصات والبائعين المتجولين وعمال المحلات التجارية والصيد التقليدي وغيرها. 

من ناحية أخرى، استمرت الانتهاكات المتعلقة بالطرد التعسفي للعمال، والتسريحات الجماعية المتتالية، هذا علاوة على الوفيات نتيجة غياب متطلبات الصحة والسلامة المهنية وخاصة في شركات المعادن، في ظل غياب التأمين ضد حوادث الشغل. 

 

الخاتمة

تأثرت وضعية حقوق الإنسان في موريتانيا كثيرا هذا العام، وذلك بسب التراجع الحاصل على مستوى كافة الأصعدة الحقوقية، ومرد ذلك إلى الطبيعة المركزية للحكم وضعف دور المؤسسات التشريعية والقضائية.

ولعل أبرز المؤشرات، هو استمرار موريتانيا في التراجع، للعام الثالث على التوالي، حسب مؤشر حرية الصحافة والتعبير.

بعد أن صُنّفت لعدة سنوات الدولة الأولى عربيا في مجال حرية الصحافة والتعبير، حسب نفس المؤشر.

حيث لاتزال هناك اختلالات بنيوية لابد من تصحيحها أولا من أجل التأسيس لبيئة أكثر احتراما للحريات العامة ورعاية لحقوق الإنسان.

وعلى الرغم من الجهود المهمة التي تبذلها المنظمات الحقوقية من أجل نشر ثقافة المواطنة وحقوق الإنسان، بما فيها هذه المنظمة، فقد ظلت مقصِّرة لكثرة المظالم وتشعبها. ولذلك يسعدنا في المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان أن نجدد الدعوة للعمل على تطوير خطط وآليات للعمل في هذا المجال، من قبل المنظمات الحقوقية الرئيسية، حتى نتمكن من  بلورة خطة وطنية للنهوض بحقوق الإنسان وإعداد ميثاق للمواطنة، يتيح دمج البعد الديموقراطي وحقوق الإنسان في آن واحد، ومتابعة تنفيذ وتفعيل القانون وتطبيق مقتضيات الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها موريتانيا في مجال حقوق الإنسان، وذلك في إطار التزام البلاد بتطبيق التوصية الصادرة عن الندوة الدولية حول حقوق الإنسان التي انعقدت بفيينا سنة 1993. كما تهدف الخطة أيضا إلى إعادة الاعتبار للدور الفعال الذي تؤديه حقوق الإنسان في التنمية الوطنية، وتحسين وضعية المجموعات الهشة بالبلاد.

 

المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان

نواكشوط: يوليو 2019