على مدار الساعة

نداء إلى أسرة التعليم

29 أغسطس, 2020 - 12:23
محمد بن إسحاق - مفتش تعليم ثانوي

تشهد بلادنا اليوم ظرفا تاريخيا هاما ودقيقا تحاول فيه الدولة المكبلة بعقليات الماضي وممارساته أن تنفتل من مقاربات الحكامة غير الرشيدة التي طغت على تسيير جميع القطاعات في الفترات السياسية المتلاحقة "أو هكذا تقول على الأقل". ونظرا إلى أن قطاع التعليم كان ولا زال مثالا صارخا على الفشل والتخبط والفوضوية وسوء التسيير فإن إصلاحه يجب أن يكون على رأس الأولويات. وباعتبار إيماني بجدوائية وأهمية خيار الإصلاح من الداخل وعلى نار هادئة في مقابل استيراد بنى إصلاحية تحملها مصادر بشرية ثائرة تريد اقتلاع الشجرة من أغصانها واستنبات جنين جديد لا نملك الوقت ولا الوسائل الكافيين لإنضاجه وتجربته، فإنني أميل إلى أن المتوفر من الوسائل والمصادر البشرية قادر بإذن الله تعالى إذا صدقت النيات وتوفرت الإرادة السياسية على التماسك والانعطاف بالنظام التربوي نحو الأعلى بعد أن كان يتدحرج في هوة الفشل. وفي هذا الإطار، أحب أن أوجه هذا النداء إلى نفسي أولا، ثم إلى طواقم القطاع، علّه يجد آذانا مصغية وقلوبا مفتوحة ورغبة صادقة في التغيير.

 

أيها المدرس، إن مهنة التعليم العمومي ليست في الحقيقة ـ ولا ينبغي أن تكون ـ مجرد عمل ثانوي تتقلده لتضمن لنفسك راتبا شبه مجاني ثم تسعى بعد ذلك للحصول على عمل رئيسي تبلي فيه بلاءك وتوليه جهدك ولو كان بعيدا كل البعد عن التعليم. إنك كما تعلم ركن العملية التربوية وعمودها الأوسط. عليك يقف نجاحها أو فشلها. إن انشغالك بمشاكل عملك "الرئيسي" عن وظيفة التعليم وما تحتاجه من تحضير وتنمية للقدرات باستمرار والاطلاع على كل طريف في المجال ومتابعة عمل التلاميذ، انشغالك عن كل ذلك بالصفق في الأسواق أو النعق في الأبواق بنسيك معارفك ويبلي قدراتك ويؤثر سلبا على مؤهلاتك. ضع ـ رعاك الله ـ جهدك وعقلك في عملك وستلاحظ حينها أن قدراتك ستنمو باطراد وأن نقاط ضعفك تتناقص. ابحث وطالع كل جديد في مجال تخصصك واستعن بتجارب غيرك ولا تخجل من الحديث عن نواقصك والبحث لها عن حلول. ثم اعلم ـ رعاك الله ـ أنه من شبه المستحيل أن تكون مدرسا ومربيا في الصباح وتاجرا غارقا في البضاعة والأسعار وحالة السوق في المساء. فاختر لنفسك واعلم أن مسؤوليتك جسيمة وستسأل عنها لا محالة.

 

أيها المراقب، ادرس مسؤولياتك وأدها بأمانة. إن أخلاق التلاميذ وأمنهم النفسي والبدني يأتي قبل تعليمهم. إن التطبيق الصارم والعادل للمساطر القانونية من عقوبات للتأخر والغياب والفوضى وسوء السلوك من ناحية والمكافآت المترتبة على حسن الأخلاق والهندام والمواظبة على الحضور في الوقت من ناحية أخرى، كل ذلك يدخل في مسؤولياتك التي أهملت للأسف فكان ما كان من ترد للأوضاع وفوضى وسوء أخلاق.

 

يا مدير الدروس، إن تعيينك ليس تفريغا أو سعيا للحصول على علاوة زهيدة. إن دورك محوري لا غناء عنه فقم به بإتقان حتى لا تؤتى العملية التربوية من ناحيتك. إياك والمحاباة في توزيع الأقسام والجداول. إن متابعتك لتقدم الدروس وتغطية البرامج واتباع المقاربات الوطنية واستخدام اللغات المحددة في القانون والمتابعة اللصيقة للجانب التربوي من العملية هي معركتك ومسؤوليتك وأنت راع فيها ومسؤول عن رعيتك.

 

أيها المدير، إن مؤسستك ليست مزرعة خاصة بك تسوس بها بعض البهم وثلة من الرعاة بمعاييرك الخاصة وتحصّل غلتها لنفسك. كلا. إنما هم أبناؤك وأبناء جيرانك وأبناء المسلمين؛ إن مسؤولية تقويم أخلاقهم في حرم المؤسسة وحصولهم على المعرفة بشكل فعال وإتقانهم لما يجب أن يتقنوه تقع في النهاية عليك فأدها عنك. إن العدل بين الأشخاص شعار يجب أن تضعه نصب عينيك. ثم إن تقصير إي من مرؤوسيك وتخاذله أو غيابه عن تأدية واجبه من غير عذر قانوني إنما تتحمل أنت مسؤوليته ووزره. أيها المدير، إن ميزانية المؤسسة رغم قلتها وصعوبة الحصول عليها أمانة في عنقك وليست مغرما لك. إن استسهالك لصرف أوقية واحدة منها لنفسك هو خيانة للأمانة وجريمة في حق نفسك وفي الحق العام. أما نظرت إلى نوافذ الفصول المحطمة وأبوابها الساقطة وسبوراتها المتقعرة... إلخ؟ ثم إن استخدام ممتلكات المؤسسة من تجهيزات ووسائط لشؤونك الخاصة وشؤون أسرتك هو كذلك تَعدٍّ سافر على ما لا تملكه. فالحذر الحذر! فإنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه وإنك قبل ذلك ستحاسب في أعين الناس فتجنب العار والشنار والنار.

 

أيها المدير الجهوي، أيها المدير المركزي، يا رئيس المصلحة أو القسم، أيها المسير: لا ينبغي لك أن تعتبر التعيين والثقة الذين حظيت بهما دافعا وفرصة للثراء السريع وخدمة المصالح الشخصية على حساب المصلحة العامة. إن مكاتب وزارة التعليم الغارقة في التعب لا ينبغي أن تكون وسيلة لشراء فاره السيارات وشراء القصور وبناء الدور ومراكمة الدثور. العنوان غلط! فلتعلم ـ رعاك الله ـ أنك لم تعين لخدمة نفسك ورفاهيتك ومصالح عشيرتك. كلا! إنما عُيّنت لتصل الليل بالنهار وتقدم الغالي والنفيس من وقتك وجهدك وطاقتك في سبيل إنجاز ما يعنيك من العملية التربوية. ليتك وضعت عقلك وقلبك وجهدك في عملك وتجردت من الضغوط والمصالح ووضعت نصب عينيك مسؤوليتك عن مصير مئات الألاف من التلاميذ. أمّا إن ارتضيت لنفسك أن تخون الأمانة وتأخذ الرشوة وتأكل المغرم وأن تتمادى في ظلم الضعفاء ومحاباة الأغنياء والأقوياء والتربح من وظيفتك فاعلم أنك ضيعت الأمانة وأنه إذا لم يحاسبك الشعب فلك موعد مع الله لن تخلفه.

 

أيها المفتشون والمستشارون والمكلفون بالمهام والأمناء العامون، لكم كل ما سبق وزيادة... ولتعلموا أنكم مثَل وقدوة لمن تحتكم فإن رأوا منكم النصح والصدق والأمانة في العمل قلّدوكم وحصلتم على أجورهم مع أجوركم وتقلدتم أوسمة نجاحهم وإنجازهم. وإذا رأوا منكم عكس ذلك قلّدوكم أيضا فتحمّلتم وزرهم إلى وزركم وبُؤْتم بالذي باءوا به من خيبة وفشل وخسران.

 

أيها الوزير، يا "ابّاه لكبير"! ما هذه "الدروشة" والوداعة والطيبوبة؟ صح النوم! إنك بين قطيع من المفترسين الضاريين... إنهم استأسدوا على الضعيف واستعذبوا أكل السحت ونشبوا أظفارهم في المال العام! كفاك تجاهلا ولامبالاة. كشر عن أنيابك وأرنا جانبا من فحولتك. أًبِن عن نفسك وتحدث إلى رعيتك. حاول أن تعيد للمدرس والتلميذ وأب التلميذ والمجتمع بشكل عام بعض الأمل في المدرسة العمومية؛ حاول أن تستعيد بعض الاحترام والتقدير للمدرس. كن إلى جانبه وواسه معنويا وماديا. حسّن ظروفه وزد في علاواته وراجع رواتبه وكافئه وعاقبه واهتمّ به يعطيك أفضل ما عنده. هيا! ... لا مزيد من الوقت لدينا لنضيعه. تحرك فقد أزف الأوان وحانت اللحظة. إن لم تبادر وتستغل الظروف المواتية الآن ضاعت عليك الفرصة. انح نحو وزير الصحة، سنلتف حولك وندعمك ما أقمت على الحق وقاومت ديناصورات الفساد. ولله الأمر من قبل ومن بعد.