على مدار الساعة

الطرف المدني الخاص

2 سبتمبر, 2020 - 23:34
المحامي/ محمد سيدي عبد الرحمن إبراهيم - mohsiab66@gmail.com

يتساءل الكثيرون عن ماهية الطرف المدني وعما له وما عليه من منظور القانون الموريتاني ونتيجة لعدم التمكن من المساطر القضائية جادل البعض في مدى ملاءمة توكيل الدولة الموريتانية لمحامين يمثلونها باعتبارها طرفا مدنيا، في الملفات المعروفة بملفات الفساد، التي تستقطب اهتمام الرأي العام الوطني حاليا.. لذلك سأحاول في هذا المبحث المختصر تبسيط مفهوم الطرف المدني (1) قبل أن أبين أهمية تمثيل المحامين له قضائيا (2) وتوسعا في نشر الثقافة القانونية أبين أن الدولة طرف مدني خاص (3).

 

- 1 -

لكل قضية طرفان والطرفان الرئيسيان في الدعاوى الجنائية هما النيابة العامة (ممثلة في، الدرجة الابتدائية، من طرف وكيل الجمهورية لدى محكمة الولاية) مدعية من جهة، والمتهم، مدعى عليه من جهة ثانية غالبا ما يؤازره محامي دفاع.. وثمة أطراف منضمة تجد أماكن في جانب أحد الطرفين منها الطرف المدني وهو المتضرر الذي يطالب بالتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية الناجمة عن الفعل موضوع المتابعة وينتصب إلى جانب النيابة العامة، من جهة، والمسؤول مدنيا (الذي قد يتحمل مسؤولية التعويض المدني) والمؤمن على المسؤولية (الذي ربما حل محل المسؤول مدنيا في ضمان التعويض) من جهة ثانية، اللذان ينتحيان جنب المتهم سواء اتفقا أو اختلفا معه.

 

ومرد وصف الطرف المدني بالطرف المنضم أنه ليس طرفا أساسيا في القضايا الجنائية، مثله في ذلك مثل النيابة العامة في القضايا المدنية: إذ قد لا يوجد في بعض الملفات طرف مدني أصلا وحتى عندما يدعي شخص أنه متضرر من جريمة ويتدخل في ملف معروض أمام محكمة جزائية فلهيئتها أن تقضي بالاحتفاظ له بحقوقه إن كانت غير مرتبطة ارتباطا جذريا بالدعوى العمومية المنظورة أو كان تقدير الضرر الناجم عنها متعذرا.. مما يحتم على الطرف المدني رفع دعوى منفصلة أمام المحكمة المدنية المختصة وعليه في هذه الحالة أن ينتظر صدور الحكم النهائي في الشق الجزائي للقضية الذي يجب حسمه أولا لأنه يعضل جانبها المدني.

 

وعلى الرغم من اختلاف المركز القانوني للطرف المدني عن مركز النيابة العامة فإن مصلحته تقتضي الانحياز إليها ودعم حججها ولربما وجد الطرف المدني نفسه مضطرا للحلول محلها: فبينما تسعى النيابة العامة إلى إدانة من تعتبرهم مجرمين وتجتهد لتقديم أدلة إدانتهم يهتم الطرف المدني بالحصول على التعويض الذي يزداد تأسيسا عندما يثبت الإخلال الجنائي وبذلك تكمن مصلحته (الطرف المدني) في إبداء الملاحظات التي تدين المتهم وطرح الأسئلة، التي قد تتولد عن إجابته عليها، قناعة المحكمة بالمسؤولية الجنائية التي يلزم على أساسها المتهم بالتعويض.. وحتى عندما تتخلى النيابة العامة عن تحريك الدعوى العمومية وتقرر حفظ الشكوى أو المحضر وعدم متابعة المشتبه به، يجوز للطرف المدني أن يحرك الدعوى العمومية على مستوى قاضي التحقيق ويلزمه القانون في هذه الحالة بتحمل المصاريف إن لم يكن مستفيدا من المساعدة القضائية.

 

ومن الفروق الأساسية بين النيابة العامة والطرف المدني اختلاف الأدوات فبينما تحتوي محافظ وكلاء الجمهورية والمدعين العامين تقليديا على المدونات الجنائية التي يستظهرون بها لإقناع المحاكم بتأسيس طلباتهم، المتمثلة غالبا في إنزال عقوبة ما بالمتهم وشركائه، يصطحب محامو الطرف المدني ترسانة قانونية مدنية بالأساس يؤسسون عليها دعوى موكلهم التي تقوم على فصل، في باب مصادر الالتزام من قانون العقود والالتزامات، هو الفصل الثالث الوارد تحت عنوان:  "الالتزامات الناشئة عن الجرائم وأشباه الجرائم" ومنه المادة 97، ذائعة الصيت، التي تنص على ما يلي: «كل فعل ارتكبه الإنسان عن بينة واختيار من غير أن يسمح له به القانون، فأحدث ضررا ماديا أو معنويا للغير، التزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر، إذا ثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر.

وكل شرط مخالف لذلك يكون عديم الأثر.

الضرر المعنوي هو الذي يصيب الإنسان في ناحية غير مالية، ويهدف إلى تعويض الآلام المعنوية والحزن والأسى الناجمة عن التشويه الناجم عن الجروح والعاهات وهتك العرض والنيل من السمعة وغيرها من الحالات الأخرى التي تسبب ألما معنويا». وعملا بمبدأ عدم تقيد المحكمة بالقانون المرتبط باختصاصها النوعي تطبق المحاكم الجنائية قواعد القانون المدني وتقضي بالتعويض العادل طبقا لها.

 

- 2 -

يجوز للطرف المدني أن يبادر برفع الدعوى على شكل شكوى تقدم للنيابة العامة التي تحرك، بناء عليها، الدعوى العمومية ضد المتهم وبناء على قانون الإجراءات الجنائية يحق للطرف المدني أن يقدم مطالبته في أي مرحلة من مراحل البحث والمتابعة بدءا بمرحلة البحث التمهيدي (أمام ضابط الشرطة القضائية) وعلى مستوى النيابة العامة (أمام وكيل الجمهورية) فيما إذا تقررت المتابعة وحتى عندما يمارس وكيل النيابة سلطة الملاءمة ويقرر حفظ الدعوى وعدم متابعة المشتبه به، يجوز للطرف المدني حينها أن يحرك الدعوى العمومية أمام قاضي التحقيق بشرط أن يتحمل مصاريفها.. وطبقا للمادة 104 من قانون الاجراءات الجنائية يتعين على المتهم وعلى الطرف المدني أن يعلما قاضي التحقيق في كل مرحلة من مراحل التحقيق بالمحامي الذي وقع اختيار كل منهما عليه ولا يجوز سماع المتهم أو الطرف المدني ولا إجراء مواجهة بينهما إلا بحضور محامييهما.. ويجوز لوكيل الجمهورية ولمحامي المتهم ومحامي الطرف المدني أن يطرحوا أسئلة بعد أن يصرح قاضي التحقيق بقبول طرحها وإذا قرر رفضها تلحق بمحضر الاستجواب.. وعندما تحال القضية إلى هيئة الحكم تبدأ جلساتها بالتحقيق مع المتهم وفي ذلك الطور يجوز لمحامي الطرف المدني أن يطرح الأسئلة وعندما ينتهي التحقيق تستمع المحكمة لملاحظات الطرف المدني قبل إفساح الفرصة لوكيل النيابة العامة لتقديم طلباته وأخيرا يعطى الضوء الأخضر لمرافعة الدفاع لأن مداخلته تتركز بالأساس على الرد على ما أورده المدعيان باعتبار مركزه كمدعى عليه.

 

- 3 -

الدولة شخص اعتباري وبصفتها تلك يتعين عليها وعلى هيئاتها المتمتعة بالشخصية القانونية المنفصلة أن تدافع عن مصالحها واعتبارا لمبدأ فصل السلطات يجوز للدولة أن تقاضي: برفع الدعاوى والرد على المدعين ضدها.. ويجب على القائمين على شأنها، في هذه الحالة، أن يبذلوا العناية اللازمة لتمثيلها قضائيا على الوجه الأكمل.. وبحكم التكوين والممارسة العملية المكسبة للخبرة يختص المحامون، دون غيرهم، في تمثيل المتقاضين والقيام على مصالحهم ولذلك فلا غرو إن انتدبت الجهات المتقاضية محامين لتمثيلها.. ويتعين التنبيه إلى أنه ليس للدولة أن توكل النيابة العامة لأن دور وكلائها محدد قانونا بتحريك الدعوى العمومية التي لا سبيل لجمعها مع الدعوى الخصوصية وقد لا يتوفر لدى وكلاء النيابة الوقت الكافي للتعامل مع الدعاوى المدنية التي تتطلب وقتا وعناية.

 

ويتعين التنبيه، قبل ختام هذا المبحث، إلى أن الدولة طرف مدني خاص لأنها تستفيد من الإدانات المالية التي يحكم بها على المتهمين فالغرامات التي تقضي بها المحاكم الجنائية تدفع لخزينة الدولة ولكن هذه الغرامات عقوبات يسلطها القانون على الجناة وليست تعويضا للدولة عن الأضرار المادية والمعنوية التي قد تصيبها جراء تصرفات بعض الأشخاص.. ولأن الدولة تعد شخصا اعتباريا من أشخاص القانون يجوز لها أن تستعيد مرافقها وأن تطالب بإبطال العقود التي لم تراع القواعد القانونية ولها أن تطلب من القضاة الجالسين إلزام المتهمين بجبر ما لحقها من أضرار مادية ومعنوية ولإقناعهم بتأسيس المطلب يتعين تقديم براهين وأدلة تتطلب السبك والحبك كي لا تكون الدولة ألحن في حجتها من الخصم فتخسر دعواها.