على مدار الساعة

الخزينة العامة.. شهادة

22 سبتمبر, 2020 - 00:05
عبد الرحمن ماريكا - Maega81@gmail.com

قبل ستة أيام تم إجراء تغييرات على مستوى وزارة المالية شملت أمانتها العامة والخزينة العامة ومفتشين ماليين إضافة لتعيينات أخرى، فتم تعيين الموظف الشاب عمارا شيخو سوماري مديرا عاماً للخزينة العامة خلفا لمديره السابق بإدارة الرقابة والتدقيق الداخلي يعقوب ولد أحمد عيشه المُعين حديثا أميناً عاماً لوزارة المالية..

 

لست هنا لتقديم التهاني له أو لزملائه ـ وكلهم يستحقونه ـ فقد تم تقديمها في الوقت والمكان المناسبين، لكن لإبداء شهادة حق للقراء في حق من تولى منصباً حساساً لأخي وصديق الطفولة، الشاب الحيوي البشوش والرجل المتواضع الخلوق ..

 

عرفته منذ الطفولة من على مقاعد الابتدائية وبداية الاعدادية قبل أن تأخذ خيارات الدراسة كلا منا إلى مسارات أخرى، مع وجود علاقة وعشرة قديمة قوية تربط العائلتين، في الصغر لم تكن النباهة وحدها ما تميز به ـ مثل كثيرين من رفاق الدراسة حينها ـ ولا إقراره غير المتكلَف بتفوق غيره رغم تفوقه هو، ولا حبه مشاركة ما لديه مع أصدقائه، وفي شبابه لم تكن الجدية ولا الإصرار الإيجابي فقد ما تميز به، وفي مراحل التعليم لم يكن الشعور بقدسية تحصيله وتحمل مشقات مراحله المختلفة ـ ثانويتها وجامعيتها خاصة ـ فقط ما جعلته مميزاً، وفي مراحل تكوينه الإداري لم يكن نبوغه وظهور علامات الموظف الإطار الكفء، هي ما وسمَته، حتى إن أحد مكونيه في ثانوية IMTC في 2009 كان كثيرا ما يتنبأ له أمام زملائه في الفصل بكونه مشروع إطار وطني كبير ..

 

جميع هذه الصفات كفيلة بجعل الرجل عظيما في عيني كل من عايشه وعرفه، لكن لم تكن جميعها هي جعلت "الحاج" ـ كما يُعرف بين أهله وأصدقائه ـ عظيما في عيني وعين كل ما عايشه وعرفه،، بل لأن هموم الحياة ومشاغلها ـ من عمل وممارسة رياضة ـ لم تنسه واجبات تحولَت أو كادت تتحول عند كثير من الشباب إلى أمور ثانوية، فكان ـ كما أشرت ـ في مراحل الدراسة مضحيا فيها، وفي الانتصاب للعبادة سباقا إليها، وفي تحري التطوع منها رجُلا من رجالها، وفي حرصه على برّ والديه وصلة الرحم فارساً في ميدانها، وفي تعهُدِه للإحسان أمثلة مشهودٌ له بها، لم يثنهِ بريق الوظيفة وإجهادُها عن الاخلال بهذه الصفات..

 

إن هو إلا شاب من شباب مقاطعة السبخة العزيزة حمل معه صفات من الصغر صقلتها الأيام على مراحل العمر، ظلت لصيقهُ في جميع مراحل حياته ومراحل تكوينه وصولا للمدرسة الوطنية للإدارة (كما كانت تسمى)، متخرجا فمتدرجا كأي موظف مالي محصلاً فمفتشا بإدارة الرقابة والتدقيق الداخلي، فنائباً لمديرها مع إنشاء هذا المنصب الجديد بها، قبل أن يتم اختياره مديرا لها بعد تعيين مديره السابق يعقوب أحمد عيشه مديرا عاما للخزينة العامة قبل أقل من عام، ليتم اختياره قبل ستة أيام مديرا عاماً للميزانية، حتى وكأنه كان في كل وظيفة ومسؤولية يُرى كأنه أجدر بأكبر منها .. تدرُجه في السلم الوظيفي لم يزده إلا تواضعاً جماً نادر وجوده لدى أمثاله في سنه في مثل وظيفته، فهو صار المثل القدوة لإخوته وأصدقائه وزملائه، بل وكل من عايشه وعامله أو مارس الرياضة معه، حرصا على المواعيد وخبرة بالتفاصيل، وكتمانا للأسرار الاجتماعية والمهنية ..

 

إن أنت كنتَ بمنزله الصغير في ليلة تقديم التهنئة له فإنك ستلاحظ توافد شتى مكونات وفئات المجتمع الموريتاني من مختلف ألوانه وألسنه ممن عايشه أو زامله أو عامله أو سمع به، وإنك لا تسمع إلا كلمات ثناء وتقدير وذكر لكفاءته وتواضعه من جميع هؤلاء المهنئين، فكُأننا نحن الأهل والأصدقاء بمنزلة المهنَئين لا المهنِّئين.

 

في إحدى مراحل عمله الضاغطة في مجال التفتيش المالي ـ فترة ملاحقة (بعض ناهبي المال العام) كنت أرى التعب الشديد في عينيه لكن الإصرار والاستعداد للتضحية لم تكن لتفارقه وهو يستشعر حجم المسؤولية، وكان كثيراً ما يقضي أيام الأسبوع السبعة مداوماً لإنجاز عمله في المكتب لإنجاز عم لحساس كلف به، فلا عجب أنه كان أحد أبطال عمليات التفتيش والتدقيق التي كشفت في أحد المراحل السابقة عديد عمليات الاختلاس التي تمت متابعة ومحاكمة وسجن مرتكبيها وإعادة كثير من أمواها في عديد من المصالح سواء في نواكشوط ـ ميناء الصداقة وغيره ـ وفي الداخل ـ ازويرات وغيرها، و على مستوى سفاراتنا بالرباط وبغداد ولندن ..

 

لا يسعني إلا أن أبارك لموريتانيا ولخزينتنا العامة هذا الاختيار لأحد أكفأ شبابها وأقدرِ موظفيها، وإلى مزيد من التعيينات لمن يستحق حيث يستحق من شباب ورجال ونساء موريتانيا الأكفاء ال أبناء أحياء نواكشوط وسائر المدن وقرى وأرياف وتجمعات هذا الوطن الشاسع مساحة، الغني عقولاً وقدرات.

 

داعياً لأخي وصديقي التوفيق ودوام النجاح ومزيدٍ من التضحية والإخلاص في تحمل أمانة هو أهل لها.

 

ستكون بخير إداراتنا إن كان اختيارها موظفيها عن جدارة وأهلية، وسيشعر المواطن بخير ما أحسّ بوجود موظفين يسيرون شؤونه ومصالحه ذوي كفاءة عالية وأخلاق رفيعة يزينها تواضع جم وتضحية صامتة.

 

وستكون بخير موريتانيا ما دام المفسدون مبعَدين عن مسيرتها، والمخلصون الشرفاء مسيِّرين لشؤونها خادمين لشعبها، والغيورون مدافعين عن وحدتها وترابها.

 

دمتم بخير.