على مدار الساعة

تأمين المعلومات

18 أكتوبر, 2020 - 15:10
المحامي/ محمد سيدي عبد الرحمن إبراهيم

يرى المجتمع الستر حالا جميلا ويعد كشف بعض الأسرار شرا مستطيرا وخطرا داهما.. وقد جاء إفشاء نتائج الباكالوريا بيانا للموريتانيين وإنذارا للمسؤولين بأهمية اليقظة والتحرز ولذلك تبرز ضرورة اهتمام المجتمع بتأمين البيانات التي أصبح من اليسير تسريبها بعد أن سهل إدراجها في حوامل رقمية متداولة ومتناهية الصغر أو إرسالها لعناوين إلكترونية لا اعتبار لقربها أو بعدها.. وأخمن أن سبب كشف الغطاء عن نتائج الباكالوريا، قبل إعلانها الرسمي، هو كون القائمين على الامتحان طلبوا مساعدة فنية داخلية أو خارجية، في طور معالجة البيانات، مما أسهم في تعريضها للتسريب.. ولكن المفترض أن تكون دائرة الأشخاص المعنيين بمعالجة البيانات محدودة مما يسهل مهمة المحققين ويتيح تطبيق الترسانة القانونية النافذة (قانون مجتمع المعلومات، قانون الجريمة السيبرانية وقانون التلاعب بالمعلومات) على المذنبين.

 

ومهما يكن يتعين على المصالح العمومية ووسائل الإعلام أن تعمل على توعية مجتمع المعلومات بضرورة اليقظة وأن تبرز أنه كلما نقصت معرفة الشخص كلما كانت بياناته أكثر عرضة للإفشاء مصداقا لشعار من شعارات حملات محو الأمية: الأمي لا سر له، والأمي المقصود هنا ليس الأمي الأبجدي أو الثقافي وإنما الأمي المعلوماتي وهو من لا يفقه أهمية الأدوات التقنية والوسائل المعلوماتية ولا يتبين طرق عملها، ويصدق هذا الاستنتاج على الأشخاص الاعتباريين ويمتد ليشمل المصالح الحكومية والخاصة: فالمسؤول الذي يجيد استخدام الحاسوب والهاتف الذكي يعالج نصوصه ويعد تقاريره الخاصة وحساباته بنفسه في مكان مؤمن وبذلك تكون بياناته أقل عرضة للتسريب من بيانات نظيره الذي يلجأ يوميا لغيره أو يستعين بسكرتاريا خاصة أو عامة لتحرير وطباعة بياناته.

 

وقد أدركت شخصيا خطر إفشاء المعلومات والقرارات مع بداية مساري المهني، قبل أكثر من عقدين، حين لم أجد بدا من اللجوء لسكرتاريا عمومية لطباعة العرائض والمذكرات، التي تحتوي معلومات خاصة يلزمني القانون بحفظها، واستشعرت الخطر بمعاينة الأثر السلبي لإذاعة القرارات الاستعجالية للقضاة وهي في طور الطباعة بما ينتج عن إفشائها من آثار وانتفاء للجدوائية.. لذلك عملت مثل الكثيرين، عندما توفرت الوسائل المعلوماتية، على التأقلم معها واستغنيت عن السكرتاريا فأمنت بذلك شر التقصير في حفظ البيانات التي في عهدتي وعلى مسؤوليتي ووفرت بعض النفقات.

 

وبعد أن كان معالجو النصوص (الطباعون) يشكلون الخطر الأكبر لإفشاء الأسرار انتقلت صدارة الخطر إلى فنيي المعلومات الذين يعتمد عليهم في ضبط وبرمجة الحواسيب والهواتف الذكية والتي يلزمهم للتعامل معها أن يلجوا لبياناتها مما يرغم طالب الخدمة على فتح الأقفال وفك الأحراز أو تسليم الأرقام السرية لحواسيبه ليتيح لهم الولوج للمعلومات الموجودة في أجهزته فيسهل، على غير الأمناء منهم، نسخها وإلصاقها في حامل إلكتروني خفيف وإرسالها لأي عنوان وحتى نشرها للعموم.. وهذه أفعال يجب العمل على الحد منها بالتحقيق الجاد وتطبيق القانون في حق المعتدين واستحضار أن ترسانة قوانين المعلومات سنت لردع مثل هؤلاء وليس من الملائم تحييدها لتكون أداة للحد من حرية التعبير وسوطا مسلطا على رقاب أصحاب الرأي.

 

ويجدر بالملاحظة أن الأجهزة الموصولة بشبكة المعلومات معرضة للتلاعب أكثر من غيرها ولذلك يحسن تأمين المعلومات ذات الأهمية الخاصة بحفظها في حوامل أو أجهزة غير متصلة بالشبكة التي تعج بالقراصنة.

 

وينبغي على كل شخص أن يحترس ويتحرى عن الأمانة عندما يضطر للجوء لخدمة فني يساعده في ضبط حاسوب أو هاتف لأن من المتاح للفني أن يغيب على الملفات الخاصة لزبونه.

 

ومن الجدير بالملاحظة أن المهارات المعلوماتية أسهل على المتأخرين ويبدو التمكن منها مستعصيا على كبار السن: وهذا ما خلصت إليه عندما استبدلت هاتفي الذكي منذ شهور، وكان غلام، دون العاشرة، يساعدني ويرشدني.. ولا غرو فـ"المتأخر أتم نظرا"، سيما عندما يتعامل مع أدوات ألفها ويعتاد اللعب بها.