على مدار الساعة

للإصلاح كلمة تغربل مصير البشرية غدا بين يدي الله طبقا لما جاء في القرآن

3 نوفمبر, 2020 - 10:22
بقلم الأستاذ / محمد بن البار

كلمة الإصلاح كما وعدت في مقالها السابق أنها ستثير وجوب الغربلة في الدين كما نبه لذلك وأشار إليه النائب المحترم الخليل النحوي في طلبه غربلة الفقه النظري لتجديد طوارئ الفقه ولا سيما أن هذه الأمة الموريتانية ثبتت ونفذت صورة طبق الأصل لما جاء في مؤلف الشيخ خليل المصري.

 

وبعد إثارة الخليل النحوي للموضوع ظهر أنه لفت بذلك نظر كثير من المفكرين الآخرين منهم من اتفق معه في الاسم ومنهم من اتفق معه فكرا في وجوب الغربلة هذه.

 

وأقول بادئ ذي بدء أني تأسفت كل الأسف أن هذه الأفكار التي ظهرت وكأنها تفكير جديد في الدين تعبر عنها في نظر الإسلام المقولة الشعبية "حفرة الأعمى الذي يحفر ويستعمل مكانا آخر لعدم وضوح الرؤية له"، وقبل ذلك كله استسمح في هذه العبارة لإيماني الذي أشرب في قلبي مبكرا حتى لا زيادة من الإعجاب بالأفكار التي وهبها الله لعملاقنا في التفكير حقا الخليل النحوي أعزه الله دنيا وأخرى، ولكن إفراز المفاجأة هكذا!

 

ومن أول أسباب ذلك التأسف هو إن إثارة الغربلة هذه سببها هو قضية الرق في الإسلام والمثيرون لذلك هم أشخاص معروفون بأسمائهم ومحدودي العدد مع معرفة الهدف، فلا ينبغي الالتفات لهذا النوع من التفكير، فالإسلام أكبر كما هو معلوم من ذلك كله، ولا سيما عند غربلة مصير كل إنسان خلقه الله.

 

فالإيمان والإسلام والإحسان هم الدين الخالص كما جاءت بذلك الرسل من عند الله وبلغته للبشرية جمعاء، فغربلتها لا تكون إلا بعد أن يمتع الله كل أحد منا متاعا حسنا إلى أجل مسمي ويؤت كل ذي فضل فضله، ومعني ذلك أن غربلة الدين بعد كماله من طرف من هو معني به لا تعني إلا امتثال هذا المعني بما جاءه من عند الله على لسان رسله.

 

ومن هنا ينقسم الدين إلي قسمين: قسم ما بين الله وكل فرد من عباده، وهو الذي سأل جبريل عنه النبي صلي الله عليه وسلم ليعلمه للصحابة كما جاء في تفسير الحديث.

 

وأوله الإيمان وجبريل أجيب فيه بأن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، ومن المعروف أن الإنسان لا قدرة له على الإيمان إلا بالإجمال هنا لا بالتفصيل، وهو ما معني ذات الله وكيفية الملائكة، أما الكتب فقد جاءت بها الرسل من قبل مفصلة.

 

أما الإسلام فقد عدد الرسول صلي الله عليه وسلم أركانه الجملة ساعة التعلم وبالتفصيل ساعة التطبيق كما قال صلي الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، وفي الصوم {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}، وفي الزكاة {وآتوا حقه يوم حصاده} وفي الحج {وأتموا الحج والعمرة لله} إلى آخره.

 

أما الإحسان فلم يفسره صلى الله عليه وسلم لجبريل إلا بأن الإنسان إذا عبد الله فليعلم أن الله يراه وعدم رؤيته العبد لله ساعة عبادته له لا تنعكس فالله يراه عند عدم رؤيته له.

 

أما القسم الثاني من الدين فهو في المعاملة بين العباد فيما بينهم والله يخبر أنها لا تقع إلا تحت علمه ورعايته، فمن وفي وصدق وأدى الأمانة ولم يعتد في حياته على نفسه ولا على أي أحد فجزاؤه على الله يوم القيامة فسوف يعطيه حتى يرضى وإلى الأبد، وهذه المعاملة أحكامها مأخوذة من القرآن موضحة فيه بكل العبارات، وبذلك يكون تم الدين الموجود تحت قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}.

 

فمثلا معاملة الكبار للصغار قبل أن يبلغوا، وأحكام النساء الخاصة بهن كجنس، وأحكام البيع والشراء أي جميع عقود المسلمين فيما بينهم، هذه القواعد التي تحكم بين البشر ختم الله عليها بقوله تعالى: {اليوم تجزى كل نفس ما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب}، وبناء على هذه النظرة العامة في القرآن كما جاء في نصه فمن أراد أن يغربلها كمن يريد أن يغربل ما فعل الله بأهل بدر شهيدهم وكافرهم إلى آخر جوانب فعل الله المستقل مع جميع عباده غدا، فإن الغربلة هنا هي التي تمثل "حفرة الأعمى"، فإذا أراد الله فيما بقي من الزمن جهادا يحتاج فيه إلى قضية رجوع الرق فلا شك أن الله سيخول لكل زمن ما يشاء من أحكامه وهو السميع البصير.

 

ومن هنا أود من الجميع أن يتنازل لا أقول عن كبريائه لأن كثيرا من الناس ولله الحمد أنقذه الله من الكبرياء ولكن يتنازل عن عاداته ومعتقداته الموروثة لنوضح له أين تكون غربلة الدين، وهل هي واجبة أم لا؟ وماذا سيبقي من الدين بعد غربلته؟ وما هو البديل؟

 

فأقول إنه من المعلوم أن أول الدين هو الإيمان بالله وخصوصيته كلها كما جاء في القرآن، ومعلوم أن هذه الخصوصية تعني أن الله كما خلق كل إنسان بمفرده سيلقاه بعد موته مباشرة بمفرده ليحاسبه علي تنفيذه لما جاء في القرآن طبقا لنصوصه، وهناك بالضبط لا "أشعرية "عندها اعتقاد ملزم للمسلم ولا "جنيدية" عندها عبادة خاصة بكل مسلم، بل عقيدة الإيمان الخالص، والعبادة طبقا لذلك، فهناك أركان الإسلام وضحها الرسول صلي الله عليه وسلم بعمله، وبين للصحابة الحاضرين كيف يؤدون تلك الأركان، أما الجزئيات الدينية التي تطرأ من الاجتهاد فقد وضع لها الإسلام قواعد عامة كفيلة بضبطها طبقا للتعاليم العامة في الإسلام.

 

هذا فيما يتعلق بكل إنسان قبل موته، أما بعد هذه الحياة لكل فرد أيا كان نبيا أو رسولا أو فردا آخر آمن بالله أو كفر به، فلا علاقة بجزائه أو عذابه بعد موته بأي شخص آخر إلا بتقدير الله لتلك العلاقة، بل المعاملة هنا وبالمطلق خاصة بالله جل جلاله مع كل إنسان مباشرة، (ما منكم من أحد إلا وسيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان).

 

فعلينا إذا أن نبدأ الغربلة من هنا في الدين أي مصير كل إنسان رئيسا أو مرؤوسا بعد موته مباشرة.

 

ولنبدأ الغربلة بالعلاقة في الدول الإسلامية التي تعنينا بين رئيسها وشعوبها، هذه العلاقة في الوقت الحاضر تركها رؤساء الشعوب لينتظروا بها ساعة موتهم ليسألهم الله عما يلي:

أولا: هل عملوا بما في القرآن والدين كله من الأحاديث الصحيحة: فالقرآن يقول: {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة} إلى آخرة الآية، وأوامر الحدود فيما بين المواطنين قائمة غير منسوخة وفي الحديث: (ما من راع يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة)، وغربلة هذا الموقف أن الرؤساء في هذا الصدد انتحاريون أمام ربهم ساعة المواجهة وقطعا لا تنفعهم مراسيم دفن ولا التعازي ولكن قطعا كذلك نحن الأحياء لا نعرف بالضبط ماذا سيعاملهم الله به، والظاهر لنا ما تقدم طبقا للنصوص.

 

ثانيا: نحن أرشدنا حديث جبريل أن إيماننا هو أن نؤمن بما نستطيع الإيمان به وهو وجود الله ووجود العالم كله تحت علمه وقبضته إلى آخره، ولكن زدنا نحن أن هناك رجل يقال له الأشعري عنده عقيدة فيها ما يسميه المعاني والمعنويات وأنها متعلقات بالذات ولكن خارجة منها إلى آخره.

 

والغربلة هنا أن المسلمين قبل ميلاد الأشعري لا تعنيهم عقيدته، فالغربلة إذا كيف تلزمنا هذه العقيدة التي لم تلزم إخواننا الذين سبقونا بالإيمان، وهل المولي عز وجل سيسأل كلا منا عن التزامه بعقيدة الأشعري وعلى أي وجه يسأل عنها هل أمرا بها أو تبكيتا عليها، أو سوف لا يسأل عنها أًصلا والله يقول {وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين}.

 

ثالثا: عند تفسير النبي صلي الله عليه وسلم لجبريل سؤاله عن الإحسان لم يذكر إلا أن الله يرى عبادة كل شخص ولو أن هذا الشخص لا يرى الله، ولكن الغربلة هو أن المسلمين في القرن الثالث جاؤوا برجل اسمه الجنيد من أهل العراق وجعلوا عبادته الخاصة به هي التي على المسلمين أن يعبدوا الله على ضوئها، وهذه العبادة أعطوها اسما يقال له التصوف مقابل توحيد الأشعري وأركان الإسلام إلى آخره.

 

ومعلوم أن عبادة النبي صلي الله عليه وسلم جاءت موصوفة في القرآن: {إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه}، إلى آخر الآية، وأنواع العبادة الليلية بتلاوة القرآن والتدبر والتفكر في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار، كل هذا مبثوث في القرآن من عبادة النبي صلي الله عليه وسلم وزكاها المولى بكثير من الآيات ورضي عن أصحابها، ومع ذلك فعبادة الجنيد جعلوها هي خاصة من الدين تجب المحافظة عليها، والغربلة هنا أيضا هل المولى عز وجل سيحاسب عباده على تتبع عبادة الجنيد أم عبادة الرسول صلي الله عليه وسلم الموجودة جميعا بصلاتها وتطوعها وأذكارها في الكتب الصحاح؟ وفي الحديث النهي عن الزيادة عليها طلبا لكثرة الأجر لأنه لا أحد أتقى من النبي صلى الله عليه وسلم لربه.

 

رابعا: وهنا أرجو أيها السادة الأخلاء جميعا والمفكرون بل كل من يؤمن بأنه بعد حياته ملاق لربه وحده وجها لوجه أدعوكم أن تجمعوا جميع من يعرف الغربلة الدينية بمعنى أن يكون عارفا أن غربلة الدين من غش فيها فسيفضحه الله على رؤوس الأشهاد، والذي أدعوا إليه الجميع هو أن يعلموا أن الله عندما أراد خلق هذا الخلق جعل بعضه حطبا لجهنم ولا يعرف العمل إلا لتلك الوجهة أعاذنا الله من ذلك، وبعض الناس اختاره الله لأداء رسالته إلى البشر وسماهم رسلا وأنبياء وهؤلاء أثنى عليهم مباشرة وذكر في القرآن أنهم من الصالحين كما تعالى: {وكلا جعلنا صالحين} وفي آية أخرى {وأدخلناهم في رحمتنا إنهم من الصالحين} إلى آخر ما جاء في القرآن من الآيات المتعلقة بخصوصيتهم، وعندما نتجاوز قضية الأنبياء وخصوصيتهم نجد أن القرآن ذكر الشهداء والصالحين والصديقين ووصف كثيرا من عباده أنه اجتباهم وهداهم إلي صراط مستقيم، ولم يسجل من النصوص بخصوصية شخص بعينه إلا العشرة من الشهداء شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك أشخاص سماهم النبي صلي الله عليه وسلم وأثنى عليهم عرضا في كلامه صلى الله عليه وسلم وجميع ما في الأرض من غير هؤلاء ينطبق عليهم قوله تعالى: {كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين}.

 

ولكن أيها الأخوة نحن الموريتانيين وأمثالنا من البشر من القرن الثالث وإلى الآن وإلى غد وإلى بعد غد ونحن نحضر من أسماء الرجال والنساء ما يربوا على الملايير وكل منا يعتقد فيما يعرف من هؤلاء أنهم إن لم ينقذوا ويشفعوا في كثير من البشرية فهم معروف أنهم هم على الأقل ساكنو الدرجة الأولى من الجنان وينعمون بما فيها إلى آخره، وقطعا لا يتبعون هنا في الجميع إلا الظن الذي لا يغني من الحق شيئا، ولأجل حصرهم سموا عليهم طرقا أهلها كلهم ذاهبون إلى الجنة إلى آخره، والله يقول: {ذلك مبلغهم من العلم}.

 

ونحن نعلم أن من قرأ القرآن سيجد كثيرا من أوصاف الصالحين ومن سيكرمهم الله يوم القيامة ولكن أحمق الحمقاء من ينص على أي شخص لم ينص الله في كتابه ولم يذكره رسوله صلي الله عليه وسلم أنه من الناجين من عذاب الله يوم القيامة.

 

فنحن نعلم أن أهل الكتاب قبلنا ادعوا كثيرا من القرب من الله ولكن الله كذبهم في كتابنا وذكر أنهم {بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء} ونقرأ في كتاب الله: {وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون}.

 

وأخيرا فإن هذه مجرد تأملات في الغربلة قبل أن تأتي الغربلة الحقيقية في قوله تعالى: {يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد}.