على مدار الساعة

عيد استقلال مبارك... ولكن!

27 نوفمبر, 2020 - 19:31
الأستاذ / لمات ولد أحمد سيدي

نحتفل هذه الأيام المباركة بعيد استقلالنا المجيد، هذا اليوم الذي حصلت فيه بلادنا على اعتراف العالم بها كبلد مستقل له صوته في المحافل الدولية وله اسمه في قائمة بلدان العالم وله علمه الخاص ونشيده المعبر عن ذاته، وله شعبه الحالم، وحوزته الترابية الكبيرة وله أيامه التي يحتفل بها وله مواقفه التي يعرف بها..

 

لكن بعد ستين عاما من الاستقلال، أين نحن؟ وما الذي حققناه؟

 

فبعد ستين سنة من الاستقلال ما زالت أموالنا نهبا لكل خائن لا يخشى الله.. وبلادنا ترزح تحت نير الفساد والنهب والسرقة.. ومدارسنا وجامعاتنا تحتاج إلى دول العالم لإيواء طلابها.. وهناك من يبني نفسه على حساب الوطن..

 

بعد ستين عاما من الاستقلال لا تزال لغتنا رمز هويتنا مهمشة في أروقة الإدارات.. وثرواتنا تنهبها الشركات الأجنبية.. وموائدنا تحتاج إلى مزارع المغرب لتوفير حاجتنا الغذائية وبدونها يقتلنا الجوع.... وأجيالنا تعتمد على التسريب لخوض مسابقاتها الوطنية دون رادع قانوني ولا أخلاقي... ستون عاما ودماء الشهداء لم تنل حقها من التخليد والتقدير والامتنان..

 

بعد ستين سنة من الاستقلال لا يزال إجمالي الموظفين في الدولة يقارب 50 الف موظف.. والبطالة تأكل أحلام الشباب وأعمارهم.. وعقلية الفساد واللصوصية تتحكم في سياسة البلد.. وقلب عاصمتنا محتل من طرف الناموس والبَعوض والحشرات وأنواع الأوساخ.... والكهرباء معدومة وشبكة الماء خربة والخدمات رديئة.. والأموال الطائلة في جيوب الفاسدين وغالبية الشعب تعيش الحرمان وبلادنا عاجزة عن بناء طريق سريع واحدة..

 

بعد ستين سنة من الاستقلال ونحن عاجزون عن بناء طريق سريع واحدة!

 

 ستون عاما وما يستغل من إمكانياتنا رغم كثرتها  يتعرض للنهب والضياع..

 

مستشفياتنا في حالة بائسة ووضع مزر وظروف سيئة.. وأدويتنا مزورة وأغذيتنا منتهية الصلاحية والدولة في وضع الصامت المتجاهل.. مدارسنا العمومية مهجورة مالم يبع منها تطمره الرمال  والنسيان..

 

والمدارس الخاصة هي التي تتحكم في المنهج والتعليم العام...

 

هذا الاستقلال الذي نحتفل به ونتمناه ما يزال بعيدا عن الطموح المطلوب والرجاء المأمول والمُنية المتمناة..

 

بعد ستين سنة من الاستقلال لا يزال الوطن يتساقط شذر مذر بين قاع الإسفاف وقيعان التشظي، ولا تزال أحلام أبنائه تُعلق على من لا يريدون به خيرا والمتاريس توضع أمام الذين يريدون به كل خير..

 

أولئك الذين يحلمون بفرصة تقديم أنفسهم قربانا على مذبح الوطن، ليمنحوه الحب والتضحية والجهد ويمنحوه تجاربهم وخبراتهم.

 

فهذا الوطن يستحق علينا أن نمنحه بلا شرط ونعطيه بلا حد ونخدمه بلا انتظار..

 

بعد ستين سنة من الاستقلال لا يزال القانون غائبا وضعيف اليد والتأثير، القبيلة أقوى منه في حماية مصالحها، والجاه أقوى منه في النجاة من الحساب، والسلطة والقوة أقوى منه للهروب من سيادته..

 

بعد ستين سنة من الاستقلال لا يزال مشكل الهوية مطروحا، فنحن لسنا بلدا عربيا كما ينص على ذلك دستور البلاد، إذ تغزونا اللغة الفرنسية في كل مراسلاتنا الإدارية وفي كل مراسيمنا وكتاباتنا وإداراتنا، بل وحتى في نظامنا التعليمي والمشرفين عليه، هذا فضلا عن طيف كبير من المتفرنسين الإقصائيين الذين لا يسمحون لغيرهم بالولوج إلى أروقة الحكم ولا يريدون لهذا الوطن أن يمسك زمام حكمه كبلد عربي مسلم يحترم كل اللغات والإثنيات وشعوب العالم.

 

نرجو ونأمل من كل القائمين على تسيير هذا البلد أن يعملوا بصدق وجدية من أجل مكافأة هذا الشعب المسكين على طيبوبته وتسامحه وأن يشعروه بأن له وطنا كباقي أوطان العالم.

 

بعد ستين سنة من الاستقلال نبارك لهذا الشعب الأصيل ونتمنى له كل الخير والتوفيق، ونعلنها صادحة صادقة: أملنا في هذا الوطن كبير وإيماننا به صادق، نحلم بوطن يلم شتاتنا ويمنحنا ذلك الشعور بالدفء والحنان، نحلم بوطن تسوده قيم العدل وتنتشر فيه فضائل السماحة، وطن كبير يجد فيه الحرطاني والبيضاني والولفي والبولاري والسوننكي ذاواتهم، ويعبرون فيه  عن سعادتهم بالانتماء لهذه الفسيفساء الفريدة، والتي يجمعها دين واحد، ووطن مستقبل واحد، وتاريخ مشترك، ومصير مترابط.

 

في استقلالنا الستين نتقدم بأطيب التباريك والتهنئة لأولئك الذين رفعوا اسم هذا البلد في كل منبر، وأشهروا اسمه في كل منصة، أولئك الذين يخدمونه بصمت وإخلاص، ويرفعون اسمه عاليا بالسمعة الطيبة والأمانة الرشيدة والذكر الحسن..

 

أولئك هم أبناؤه البررة وجنده المخلصون ومواطنوه الأعزاء..

 

لهم ألف تحية وألف هناء ومباركة..

 

بعد ستين سنة من الاستقلال نبارك للطبيب المُجد، وللمعلم المخلص، وللجندي الشجاع، وللمسؤول الأمين ولربة البيت القانتة، وللصحفي الجاد، وللاعب الوطني، ولكل من يتنفس عبير الوطن، ويفخر بالانتماء لهذه الرقعة المباركة.

 

هنيئا لنا ولكم للوطن بالذكرى الستين لاستقلالنا المجيد، كل عام والوطن وشعبه بألف خير.