على مدار الساعة

"وسام"، إجازة بأقل ثمن

12 مارس, 2021 - 00:53
الشيخ سيد أحمد باب مين

احتضن قصر المؤتمرات القديم في نواكشوط يوم الجمعة 5 مارس 2021 م تجمعا على شكل جمعية عامة للوزراء السابقين الموريتانيين. وقد نظمتْ هذا اللقاءَ مجموعة منهم نصبت نفسها "مكتبا مؤقتا". وقد حضر هذا التجمعَ عدد كبير من الشخصيات المنتمية إلى مختلف الأجيال والتي سبق أن تقلدت هذه الوظيفة الهامة في بلادنا منذ الاستقلال.

 

وقد كُرس جدول أعمال هذا الملتقى لإنشاء رابطة تضم جميع الوزراء السابقين في بلادنا. غير أن الواقع هو أن أصحاب هذه المبادرة التي تستحق التنويه، الذين سبق وأن حصلوا على الوصل رقم 0074 بتاريخ 13 إبريل 2020 من وزارة الداخلية واللامركزية المرخِّص لإنشاء الرابطة، كانوا قد حسموا الأمر فيما بينهم منذ ما يربوا على عشرة أشهر.

 

فلنا أن نتساءل إذا لما ذا رأى هؤلاء ضرورةَ استدعاء هذا الجمع الغفير من أجل إنشاء رابطة قائمة بالفعل وقد بدأت منذ بعض الوقت نشاطها كشريك معترف به من طرف الدولة التي عينت ممثلين لها في عدة هيئات حديثة الإنشاء؟

 

فهل لاحظوا أنهم قد تعجلوا في الأمر دون التخويل الضروري الذي تفتضيه المسطرة العادية فرأوا أنه من الأنسب أن يحاولوا، دون أدنى تنازل منهم عن "حقوق المؤلف"،

 

إضفاءَ طابع قانوني بعض الشيء على هذه الوضعية من خلال السعي إلى أن يصادق أكبر عدد من الشخصيات المعنية على "مكتبهم"؟

 

وإضافة إلى ذلك يبدو أنهم لم يكترثوا بتنظيم هذه "الدورة ''التصحيحية" أو على الأصح لم يقبلوا بها في النهاية إلا عن نصيحة ملحة من طرف شخصيات لم تكن ضمن نواة مجموعتهم الأصلية.

 

فالظاهر إذا أن أصدقاءنا لم يقبلوا توسيع نطاق المشاركة من خلال هذه الجمعية العامة إلا من أجل ضمان أقل ما يجزئ من الشرعية وكذلك لتفادي فقدان الثقة والاستعداد التامين الذين حظيت بهما هذه المبادرة القيمة من طرف أعلى سلطة في البلد.

 

لقد علمتُ بتاريخ هذا الاجتماع أقل من أسبوع قبل انعقاده واطلعتُ على طبيعة الملابسات التي اكتنفت، في معزل، ولادة "وسام" السابقة لأوانها والتي تم توثيقها بوصل لا غبار عليه ممنوح، كما قدَّمنا، من طرف الجهات الحكومية المختصة. فهممتُ في البداية ألا أحضر ما بدا لي في الوهلة الأولى تجمعا يكتسي ملامح محاولة استغلال ذات أثر رجعي.

 

ورغم أنى تداولتُ مطولا في الموضوع مع بعض الأصدقاء والزملاء الذين يشاطرونني الارتياب فيه والذين قرروا في النهاية عدم حضور اللقاء، فقد استقر رأيى على المشاركة فيه لسببين رئيسيين:

السبب الأول: هو أملى أن يكون وجود رابطة من هذا النوع أو أي إطار مشابه آخر وسيلة للسعي إلى منح وصيانة أقل قدر مستحَقّ من الكرامة والاعتبار لهذه الفئة من الرجال والنساء المهمشين غالبا عندنا رغم أنهم قد اضطلعوا في مرحلة معينة من مسارهم بمهام جسدوا فيها سلطة الدولة على أرفع مستوياتها.

 

السبب الثاني الذي لا يقل وجاهة في نظري والذي دفعني بشكل أساسي لحضور هذا الاجتماع هو الموقف الإيجابي والمشجع وغير المسبوق الذي تبنته بهذه المناسبة أعلى سلطة فى بلادنا حيث أنها لم تدخر جهدا في توفير الوسائل الضرورية لتنظيم هذه التظاهرة التي يبدو أنها قد تكفلت بجميع أعبائها المادية، كما حرصت على أن تشرفنا بافتتاح معالي الوزير الأول شخصيا لأعمال هذه الجمعية العامة.

 

فتعيَّن أن تُقدَّر هذه اللفتة الكريمة وغير المسبوقة حق قدرها.

 

وهكذا ولهذين السببين حضرتُ افتتاح هذا المؤتمر كما شاركتُ في أعمال لجنتيه وجلسته العامة الثانية حتى اختتامه وذلك محاولة منى مع بعض الزملاء لاستدراك ما أمكن استدراكه من عملية ربط تُصر فيها العَربَةُ التي تم وضعها أمام الحصان منذ عشرة أشهر على التمادي في الاستئثار حصرا عليها بالإمساك بجميع الخيوط.

 

ولكن هيهات. فلقد استطاع هذا المكتب الموقت في النهاية، من بين تجاوزات أخرى، أن يحتكر جميع مقاعد الهيئة الدائمة في هذه الرابطة، الشيء الذي استنكره العديد من المشاركين في الاجتماع. وليس هذا فحسب لكنه أيضا، ودون أن يرف له جفن، قام في خرق سافر لنظام الرابطة الأساسي المصادق عليه بضع دقائق قبل ذلك والذي لا ينص إلا على نائب واحد، بتعيين أربعة من أعضائه نوابا للرئيس ضمن المكتب التنفيذي.

 

وفي ختام أعمال هذا المؤتمر لا يسعني إلا أن أشجب انتزاع هذه المجموعة لحق الاستئثار بجميع مقاعد الهيئة التنفيذية الرئيسية لهذه الرابطة بحجة أنها هي التي قامت بالخطوات الإدارية الأولية المتعلقة بإنشائها. كما أسفتُ أشد الأسف بهذه المناسبة لملاحظة استسلام الأغلبية الساحقة من الحضور ومحاباتهم لهؤلاء الأصدقاء رغم استخفافهم الواضح والمتعمد بهم.

 

ومهما يكن من أمر وبغض النظر عن كل ما تقدم، فإني، خلافا لأصدقاء آخرين قد نفضوا أيديهم فيما يبدو من الموضوع، أفضل مواصلة الرجاء والدعاء كي يوفق الله الإخوة والأخوات الذين فرضوا أنفسهم لقيادة هذه الرابطة لاستثمار الفرصة المتاحة من طرف السلطات العمومية على الوجه الصحيح وأن يكونوا على مستوى المسؤولية لكي يجعلوا الرابطة هيئة فاعلة في خدمة البلد برمته ورابطة تضامن حقيقي بين جميع زملائهم.

 

ختاما، أود مسبقا أن أعتذر أخلص الاعتذار لكل من سيعتبر أنه مستهدف بهذه السطور التي ليست موجهة إلى أشخاص بعينهم بل تستهدف عقلية معينة وممارسات مستشرية فينا مع الأسف منذ بعض الوقت. فمن أبسط حقوق من يخاطر بالمشاركة في هذا النوع من اللقاءات أن يستنكر هذه العقلية وتلك الممارسات."وذلك أضعف الإيمان".