على مدار الساعة

التغيير ... "مضمون و ليس شكلا"

17 مارس, 2021 - 12:29
القصطلاني سيدي محمد إبراهيم

ندعو إلى التغيير و نطمح له و نتطلع أن نراه واقعا، و إنه لأمر عظيم و حدث جسيم أن يتغير شخص من حالة إلى مقلوبها ...فما بالك بمجتمع؛ أحرى دولة.

 

قد يمر الشخص أو الشخصية الاعتبارية بلحظات صمت و قد تطول نسبيا حين تغمرهما حالة التغيير...

 

و لاشك أن التغيير المفاجئ قد يولد ردة فعل غير إرادية تحمل بعض الشحنات السلبية التي قد تؤدي إلى إنتكاسة إذا لم تضبط ضبطا كافيا.

 

لذا كانت أنسب و أحسن و أنجع حالات التغيير هي التغيير المتأني الذي يمر بمراحل متفاوتة و يتدرج في تحقيق أهدافه.

 

فلا يمكن قطف الثمار قبل نضجها قال الشاعر:

لا تَطْمحنَّ إِلى المراتب قبلَ أنْ

تتكاملَ الأدواتُ والأسبابُ

إنَّ الثِمارَ تمِرُّ قبلَ بلوغِها

طَعْماً وهنَّ إِذا بلغنَ عِذابُ

 

إن التغيير الذي يمر بمراحل عدة هو تغيير محصن أكثر من غيره، و أكثر قابلية للاستمرار والثبات من تلك الهبة السريعة التي قد تجعل حالة التغيير نوعا من الفوضى.

 

فرق كبير بين من يبحث عن المفاتيح فيجدها أو يصنع مفاتيح تنوب عنها ليفتح الأبواب و بين من يكسر الابواب قبل أن يستدرك!

 

ففي جانب مخيلتنا المليء بالأمل و التفاؤل  ترتسم صورة نمطية للتغيير تحتاج أن نحيدها جانبا حتى نقرأ بتريث الجانب الآخر الذي يحمل من العقبات و التحديات ما يستحق الانتباه.

 

التغيير نفس طويل ... يحتاج إلى فترة انتظار و تربص و فترة اصطبار و تريث و فترة تحمل وتحمس تخلق مجالا تذوب فيه رواسب الحالة الأولى بكل تفاصيلها.

 

إنه تغيير في العمق يتغير منه الشكل و ليس تغير في الشكل يحجب العمق.

 

كم من حالة تغيير مرت بنا و استبشرنا بها و تعجلنا ثمارها دون أن ندرك أنها مجرد ثوب ظاهري يخدع الأنظار لترسل للعقول مشهدا مزيف، لا تبحثوا عن التغيير في الشعارات المزخرفة و لا في الإيحاءات المزيفة و لكن ابحثوا عنه في النفوس  و الرؤوس.

 

قال تعالى:

(إنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ).

 

ما يزال التغيير يرسل الرسائل الإيجابية من أفعال حكيمة و أقوال سليمة و إشارات  عميقة حتى يتجلى للجميع بوجه المشرق في كل الأرجاء.

 

و للتغيير أعداء في الخفاء و الظاهر لن يكسر شوكتهم إلا الثبات و العزيمة و الصدق و التوكل.

 

لكنه من عظمه و فضله و جسامته يخدم أنصاره و أعداءه على حد السواء، فالسفينة توصل الجميع إلى بر الأمان بغض النظر عن نواياهم، إنه عملية شاملة تزيل ركام الفساد بأسلوب صارم و فطن لتخرج من تحته الضمير الإنساني و تسلمه بطاقة الكرامة البشرية بعد أن تنظفه من كل ما علق به.