على مدار الساعة

الأمم العظيمة لا تنحني ولا تموت..

8 مايو, 2017 - 00:27
عبد الله المبارك

شيء ما أثار كبرياء النخوة في وجدان كل موريتاني ونحن نودع رئيسا ساهم في صناعة أهم الأحداث الوطنية خلال العقدين الأخيرين هو المرحوم الرئيس الأسبق اعل ولد محمد فال.

 

لم ترق لنا جميعا خطابات الكراهية التي طالعتنا بها حركات تتقاسم الهجوم على الرؤساء الأموات والأحياء وعلى حضارة البيظان، والكل يرى في ثقافة المانيفيست عند كل من عنصريي إيرا وأفلام تجاسرا على علماء البلد ورموزه السياسية الوطنية بدءا من الرئيس المختار ولد داداه إلى الرئيس اعل ولد محمد فال لا يعلم هؤلاء أن الموريتانيين قد يختلفون مع سياسات وأنظمة ولكنهم لا يقبلون المساس بأعراضهم ولا يرضون بخطابات الكراهية ضد بناة وطنهم.

 

وينفس المقياس كان مخجلا أن يتحدث أدعياء الفكر الإسلامي التنويري عن موتى المسلمين بقناعاتهم الإديولوجية لا بأخلاق الإسلام وأعراف الموريتانيين  كما يهاجمون بحنق علماء التجديد والتأصيل في العالم الإسلامي مثل العلامة وولي الصلاح عبد الله بن بيه، ويبرز الخطاب المشحون بالكراهية عند هؤلاء أنهم فقدوا الإحساس بالمسؤولية الأخلاقية في واجب العزاء لكل مسلم، وواجب الاحترام لكل عالم متنور، يقدم رؤية مقاصدية تمثل روح الشريعة وإن بترت أوصال فكرهم المأزوم.

 

رحم الله اعل محمد فال الإنسان، والمسلم، والرئيس، وعضو الأغلبية، وزعيم الرأي المعارض، فقد ساهم في الدفاع عن حوزة الوطن الترابية وكان يمكن أن يسقط في ساحة الشرف، وعبر عن انتمائه لثقافة السلم والتعايش مرارا وفي حقب مختلفة من داخل وطنه، وعشق أرض تيرس، وثقافة التدنيت، تعبيرا عن كون حب الوطن من الإيمان.

 

رحم الله الرجل، فقد وقف مرارا على قدميه ضد مروجي الكراهية ضد أبناء بلده وهويته، وكان له سجل في كل مرحلة من الاجتهاد في هذا الميدان أخطأ الرجل، أو أصاب.

 

وشكرا للعزيز الأحمد على علو الهمة والموقف المشرف، فقد أبان للموريتانيين أنه يمكنه أن يختلف مع عمه الأكبر في الشأن السياسي العام ومجال المصلحة العامة، لكنه لا يتنكر لرفيق دربه، فما كان هذا الأحمد إلا مقدرا للرجل، فقد سلمه زمام الرئاسة 2005، وودعه بإجلال 2017 توديع المسلم لأخيه المسلم، ورضا وتسليما مشرفا بقضاء الله وقدره.

 

وهي مناسبة برهن فيها كل أبناء موريتانيا وعلى رأسهم الأخ محمد ولد عبد العزيز، عن قيم التضامن والتآخي الراسخة، وعلو الهمة والصفح والتسامح الأصيلين، ووحدة الصف الثابت، والإيمان بقضاء الله وقدره.

 

مرة أخرى ترجل فخامة الرئيس ورفاق دربه لأداء التحية لواحد من أبناء البلد، كان له سجله في خدمة الوطن ووحدة أرضه واستقراره، وأشرف فخامة الرئيس بنفسه على إظهار عظم المصاب فور سماعه بالخبر، سواء بإعلان الحداد، أو ابتعاث فرق الرعاية، أو الاستقبال الرسمي بمطار أم التونسي لجثمان الفقيد، أو العناية الصحية الفائقة، أو الدخول في مراسيم الغسل بمنزل الفقيد، وتقدم صلاة الجنازة عليه بالمسجد العتيق، والدفن بأعرق مقبرة بالبلد، واستقبال التعازي من الجميع.

 

إنها مناسبة للترحم على الفقيد الذي توفي في أعظم يوم هو يوم الجمعة، وبرحيله فقدت موريتانيا واحدا من أبنائها المؤسسين، ورجلا خدم عبر مراحل من تاريخ  الجمهورية وطنه بجلد، هو الرئيس المرحوم اعل ولد محمد فال، تغمده الله بواسع عفوه، وسعة مغفرته، ورحمته. وهي دعوات لهج بها معارضوه ومحبوه على حد سواء.

 

وهذه مناسبة لنشكر جزيل الشكر قائد مسيرتنا الوطنية فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز على نبل المشاعر، والتسليم بالقدر في وفاة نجله، ووفاة رفيق دربه، وأحد مؤسسي موريتانيا بحقبها الثلاثة: تغيير 1978، والتعددية 1991، وموريتانيا الجديدة.

 

كل شيء بمقدار

رحم الله فقيد الوطن اعل ولد محمد فال، وحفظ الله موريتانيا، وبلغ أهلها رمضان في أخوة ومحبة وتضامن، ونفي تام لإفك الكذابين والمنافقين، وافتراء ناشري الكراهية والعنصرية، وسحرة كل زمان.

 

نقول لهم: جاءكم النذير، لئن ترجل منا أسد، فان الشمس لن تغيب، والأمم العظيمة مثل أمتنا لا تنحني ولا تموت.

 

إنا لله وإنا إليه راجعون.