على مدار الساعة

حتى لا تصبح الجريمة وسيلة للاستغلال السياسي

26 أبريل, 2021 - 23:29
محمد يحيى ولد باب أحمد

تتطلب مكافحة الجريمة نوعان من الضبط:

- الضبط الإداري: وهو مجموعة الاجراءات التي تتخذ قبل وقوع الجريمة للحيلولة دون وقوعها.

- الضبط القضائي: وهو مجموعة الإجراءات المتخذة من أجل القبض على الجناة وتقديمهم للمحاكمة.

 

غير أنه في أقوى الأنظمة الأمنية (كالولايات المتحدة مثلا) لا يمكن للضبط الإداري منع جميع الجرائم من الوقوع نظرا لعلاقته المباشرة بالمساس بالحريات العامة للأفراد، ونظرا لأن القانون لا يحاسب على النوايا ما لم تخرج إلى حيز التعبير عنها لفظا أو ممارسة، وغاية ما يستطيع الضبط الإداري هو التقليل ما أمكن من حدوث الجرائم، وخاصة منها تلك الصادرة عن العصابات والمنظمات الإجرامية التي عادة ما تكون خاضعة لتتبعات مسبقة من أجهزة الأمن، نظرا لاحتمالية قيامها بأعمال إجرامية، على عكس الجرائم الفردية التي لا تستطيع أجهزة الأمن أن تتبع فيها نشاط كل فرد على حدة إلا إذا خصصنا لكل فرد شرطيا يراقبه، وهو عمل مناقض لمبدء الحرية الفردية، علاوة على استحالة اكتتاب أعداد من الشرطة مساوية لعدد المواطنين،

أقول هذا لتوضيح أنه مهما كانت فاعلية الأجهزة الأمنية في أي دولة فإنها لن تستطيع الحيلولة دون وقوع كل الجرائم، ولكنها مطالبة ومسؤولة عن القبض على كل مجرم وهي مقصرة وناقصة الفاعلية ما لم تنجح في تلك المهمة.

 

بالمقابل، فإن أكبر ضمان لمنع وقوع الجرائم هو تسليط العقاب المناسب على المجرمين حتى يكون ذلك العقاب رادعا لهم ولغيرهم من تكرار نفس الجرم، وهذه مهمة القضاء.

 

القضاء إذا مطالب بتسليط أقسى درجات العقاب المتاح قانونا على المجرم من أجل تحقيق الردع، خصوصا  المجرمون من ذوى السوابق الذين تمثل سوابقهم ظرفية مشددة للعقاب.

 

لذلك فإن من واجب القضاء عندنا التقيد بظرفية التشديد، وعدم قبول أي نوع من التخفيف حتى لا يقع تحت طائلة تهمة المحاباة.

 

أما إذا كانت العقوبات المتاحة في القانون لا تمثل أو لم تعد تمثل رادعا عن ارتكاب جريمة ما، فإن المسؤولية تنتقل آنذاك الى البرلمان من أجل تغيير النص القانوني ليصبح أكثر ردعية للمجرمين.

 

السلطات العليا - بوصفها المسؤول الأول عن حماية المواطنين - مطالبة إذا ببحث مكامن الخلل في جرائم القتل الأخيرة ليس فقط من أجل الحماية الواجبة للمواطنين، وإنما لدرء أي استغلال سياسي لتلك الجرائم في هذا الظرف بالذات، حتى وإن كانت موجات تلك الجرائم قد شهدت تفاقما هستيريا أكثر انتشارا مما هي عليه الآن في السنوات الأربع الماضية، فقد آن الأوان لوضع حد لتلك الظاهرة المستشرية المقيتة وعلى سبيل الاستعجال.