على مدار الساعة

موريتانيا في عين العاصفة؟

20 مايو, 2021 - 13:39
موسى حرمة الله ـ أستاذ جامعي، وحائز على جائزة شنقيط

كان ماك آرثور يقول انطلاقا من حسّه الإستراتيجي المُرْهف: " تتلخص جميع الهزائم في كلمتيْن: فات الأوان". وكان الجنرال المشهور يقصد بذلك أن من اللازم دائما استباق الأحداث خشية الإخفاق الذريع.

 

وفضلا عن تعلق هذه المقولة بالمجال العسكري فإنها تنطبق كذلك على كافة ميادين النشاط البشري. وإذا ما طبّقْناها على الحالة الموريتانية فإن دلالتها تكون أوضح وأسْطع. ومن هذا المنظور، يتحتّم على الحكام الموريتانيين أن يبادروا – تحت طائلة الفشل – إلى إخراج البلاد من الركود والخمول اللذين تغرق فيهما منذ عدة عقود في ظل أجواء الإهمال وعدم المبالاة السائدة.

 

ولأجل ذلك، عليهم أن يُعِدّوا العُدة ويشحذوا العزيمة للتصدّي بحزم للمعضلات الكؤود التي تعاني منها الأمة بشكل مُزْمن قبل أن يفوت الأوان وَلاتَ حين مناص.

 

فالواقع أن المحلل الحصيف يتراءى له في الأفق العديدُ من المشاكل المستعصية. وفي مواجهة هذه التهديدات يبدو – حقيقةً أو توَهُّما – أن هناك رُكونا إلى الاطمئنان وتجاهلا مطلقا لما يخبّئه المستقبل من مخاطر. ومع ذلك، فلوحة القيادة بادية للعيان أمامنا وأغلب مؤشراتها تميل إلى دقّ ناقوس الإنذار: فسوء التغذية المتفاقم يهدّد بتفشّي المجاعة، والغلاء غير المسبوق لأسعار المواد الأساسية، والتآكل المطّرد للقدرة الشرائية، كلها أمور تنبئ عن تردّي الظروف المعيشية، ناهيك عن النواقص والهَنات البنيوية لاسيما في مجالي الخدمات الصحية والتعليمية. يُضاف إلى ذلك بطالة مزمنة يعاني منها الشباب على الأخص. وعلاوة على ذلك، تتفاقم الوضعية الأمنية وتتناقص قيمة العملة الوطنية، في حين أن مقدّراتنا الهائلة (من موارد معدنية، ورعوية، وزراعية، وسمكية ...) كان من المفروض أن ترفع سعر صرف الأوقية. وتنضاف إلى كل ذلك عوائق أخرى كالإدارة التي ينخرها الفساد، والطبقة السياسية التي يبدو أنها دخلت بَياتا شتويا، والاقتصاد المتهالك، والأمن الغذائي الخاضع لتذبذب الأوضاع الجيوسياسية، والمديونية الخارجية المُجْحفة، والحوار الوطني المتعثّر ...

 

ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل تواجه موريتانيا مشاكل تبعث على القلق وترتهن مستقبلها ومصيرها. إنها مشاكل وجودية ترتبط بالأمن القومي وتهدد، أكثر من أي وقت مضى، ديمومة الدولة وحتى وجود البلد ذاته.

 

يتعلق الأمر بتراكم مشاكل قابلة للانفجار في الأمد المنظور ولا يُلتفت إليها في الوقت الحاضر:

  • مشاكل داخلية شائكة تتقد نارُها تحت الرماد؛
  • سياق جيوسياسي مشتعل على حدودنا من كل الجهات؛
  • مطامع توسّعية وجيو- اقتصادية وجيوستراتيجية لبعض القوى العظمى تجاه موريتانيا، مع ظهور تهديدات علنية في هذا الصدد.

 

تلك إذن قنابل موقوتة تسدّ آفاقنا المستقبلية. لذا نرى من اللازم أن نرصد على الفور المشاكل التي أثرْناها آنفا، ونمحّصها، ونحللها، ونسْبُر أغوارَها حتى نجد لها الحلول المناسبة.

 

وسيكون هذا العمل سهلا ميْسورا متى انتهجْنا المقاربة الملائمة ألا وهي: استباق الأحداث باللجوء إلى توقّع الاحتمالات المستقبلية. ويقتضي ذلك تجنّب الأسلوب التكتيكي القائم على مواجهة المشاكل حينا بعد حين من منطلق "ولك الساعة التي أنت فيها"، والاعتماد بدلا من ذلك على رؤية شمولية مبنية على مقاربة إستراتيجية تنخرط فيها كافة حساسيات الطيف الوطني. وبالطبع، فإن هذه المقاربة تتجاوز المُماحَكات السياسية والمصالح الضيّقة. ومرة أخرى، نكرر أن الإنقاذ يكْمن في انتهاج مقاربة التوقعات المستقبلية.

 

ذلك أن منهج التوقعات أصبح أمرا لا مَحيد عنه لاتخاذ القرار الصائب. فالتوقع يتيح الأخذ في الحسبان لمقتضيات المستقبل ضمن قرارات الحاضر. وبالتالي يمكّن من استباق الأحداث لتكوين فكرة دقيقة عن التطوّر المحتمل لوضعية معيّنة. وبذلك نستطيع أن نتصور مسبقا الحلول المناسبة لمجابهة حدث ما. وتزداد أهمية هذا النهج عندما يتعلق الأمر بمصير البلد ومستقبله.

 

ودون أن نكون نذير شؤم، يتعيّن علينا الإقرار بأن البلاد في خطر حقيقي. وبمقدورنا أن نسمع صفارات إنذار خافتة لكنها مسموعة. ويتعيّن على الموريتانيين لمواجهة الأخطار المُحْدقة أن يتّحدوا ويرصّوا صفوفهم.

 

ولتعزيز المقاربة المشار إليها أعلاه، يلزم التخلّي عن بعض الأطروحات المبتذلة والمواقف المكْرورة المَمْجوجة التي تجمّد التفكير وتشل الذهن. وهي مواقف ما تزال مع الأسف شائعة في البلدان النامية:

  • تفادي النبرة المعلّبة المجامِلة عند التطرّق للمسائل الحساسة، ومثلها الموقف الجبان الذي يتستّر به من تتم استشارته في الملفات الإستراتيجية؛
  • لا ينبغي أن يتغلب الجشع والمغريات المادية على التشبّث بالمصلحة العليا للبلاد؛
  • على السلطات أن تنفتح أكثر على المجتمع المدني وبالأخص على المثقفين. فهناك لفيف من الجامعيين القادرين بحكم مؤهلاتهم الأكاديمية على تقديم حلول – بحسب اختصاصاتهم – للعديد من المشاكل المطروحة. ويجب ألا تعْزُب عن بالنا مسلّمة ثابتة مؤدّاها أن الأفكار هي التي تحكم العالم؛
  • من قبيل البدَهيات أن شغل الوظيفة السامية لا يعني بالضرورة استيعاب الملفات المعقّدة.

 

ولكيلا نغترّ بالخطابات المنمّقة المعْسولة علينا أن نعترف بأن موريتانيا تقع حقيقة في عين العاصفة. وكل من له مُسْكة من عقل يدرك ذلك. فالمخاطر مُدْلهمّة والإرْهاصات الأوّلية للكارثة على الأبواب. وعلى الموريتانيين مهما تكن انتماءاتهم أن يكونوا لها بالمرصاد.

 

قد يرى البعض أن التحليلات السالفة الذكر مبالغ فيها أو أنها متشائمة. لكننا نردّ على هؤلاء بما قاله المؤرخ أرنست رينان: "في الأوقات الحرجة لا يُجْدي إلا التشاؤم".