على مدار الساعة

قبل أن أنام كان المشهد أمامي ..!

17 يونيو, 2021 - 20:25
باب إبراهيم

البارحة ككل الليالي وأنا على السرير أستعد للخلود إلى النوم كنت أفكر في الوضع الذي وصل إليه بلدي من فقر وبؤس وانعدام للحياة الكريمة ، وغياب تام للأمن ، والانتشار المرعب للجريمة، والظروف التي أصبح المواطن يعيشها عموما، وأيها أشد وقعا ، معاناته التي تبدأ ببزوغ الشمس حين يستيقظ مثقلا بهموم ومتطلبات يومه من مأكل ومشرب وتعليم وصحة...، حيث أصبح تأمينها لا يختلف عن شبه استحالة تأمين روحه وعرضه وشرفه من صولات اللصوص وجولاتهم حين يرخي الليل سدوله على أحياء أعياه النهار وكان يفترض أن تغيب همومها بغياب الشمس وخلودها إلى النوم في انتظار بزوغها بالغد، لكن يبدو أن اللصوص الصغار يرفضون التنازل عن حصتهم من الغنيمة، ليحرموهم هناء الليل وسكينته، فقانون الغابة يسمح للصغار بالصيد لكن بعد انتهاء دوام الكبار ، وخلودهم للأطوار الخاصة..

وأنا أود النوم كانت تتنازع تفكيري مشاهد الألم والحسرة والرعب ، ألم من أحوال الناس بالأكواخ والأعرشة وافتقادهم لأبسط متطلبات الحياة الكريمة ، والحسرة على تراصهم في صفوف التسول أمام الأطباب، وكل المصالح، وأبواب الميسورين، وبالمساجد، وعلى الأرصفة والشوارع ، والرعب من أهوال الجرم المرتكب في حقهم من طرف السلطة ، والإجرام الذي يتعرضون لهمن الصغار ،ويقع ضحيته بين الحين والآخر شخص هنا وأسرة هناك..

لأنام وخواطري تجول بين مشاهد الألم والحسرة تلك،  ورعب القتل والحرق والاحتراق،أي بين صور زينب ولميمة وكلام أم الأطفال الذين قضوا بالحريق وجثمان ولد برو ، وصولا للشيخ ولد ألما والشاب الذي قتل أمس بمكان عمله ، لأستيقظ على حديث السطو والاغتصاب على منزل أيتام وأرملة رجل أمن قضى وانقضى معه جميله في خدمة وطنه اللئيم الذي ترك أرملته وصغاره مرميين بالشارع لأي لص مر بالقرب من عريشهم الذي لا يحميهم من أي شيء..!

لا يختلف اثنان على هول الواقع الذي نعيشه اليوم ، وأسبابه معلومة ، فلم يكن بلدنا إلا نموذجا من البلدان التي حكمها العسكر، وعاثوا فيه فسادا حتى وصل لما نعيشه اليوم ، وهو نتاج طبيعي للتدمير الممنهج للاقتصاد، فمع قدوم العسكر تم تدمير البنوك والمصانع وأنواع الشركات والتنازل عنها لخواص أقارب وأباعد مقابل أواق رمزية ، وبيعت جميع ثروات البلد بمتجددها وغير المتجدد بأسعار رخيصة والمستفيد أيضا خواص فقط ، ترك المال العمومي " مال هوش " لك ولأخيك وللذئب، وتم تدمير قيم العمل ، حيث أصبح التعيين والترقية على أساس القرابة والولاء للحاكم العسكري ، وتم تدمير التعليم ، بالاهمال وتهميش المعلم ، وصولا لبيع المدارس وتحويلها إلى أسواق..!

لقد تم التعامل مع الدولة من طرف العسكر على أنها هالك يجب تقسيم تركته بين الحاكم وزمرته ، وبمنطق أنها مجرد غنيمة، وليست تلك الأم التي تربى في حضنها الجميع والواجب اتجاهها يقتضي الوفاء والأمانة والبرور وكلما يقتضيه الحس الوطني..!

إن منطق الحكم العسكري وسياسته المدمرة هي ما أوصل الوطن لما نعيشه اليوم من بؤس وفقر وانتشار للجريمة ، ويوما بعد آخر يتعاظم هول هذا الواقع المؤلم والمرعب ، ومن يرفضه ويريد تدارك شيء من هذا الوطن عليه التشمير عن السواعد والنضال من أجل إسقاط حكم العسكر ، فهم أصل الداء والمشكل ، وأي حلول ترقيعية تستجدى منهم لن تساهم سوى في تعميق المشكل في وطن لم يعد يحتمل المزيد.